يمثل كتاب "الحق والذمة وتأثير الموت فيهما وبحوث أخرى" للشيخ علي الخفيف مجموعة من البحوث التي ألقاها على طلبة الدكتوراه في كلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا) خلال عامي 1364–1365هـ (1945–1946م). نُشر الكتاب لأول مرة مجمعًا بعد أن كان "مشتتًا" -على حد تعبير أ. د. علي جمعة (مفتي الديار المصرية سابقًا) في تقديمه للكتاب- على ثلاثة أقسام: القسم الأول طُبع في كتاب بعنوان "الحق والذمة وتأثير الموت فيهما" عام 1945م، والجزء الثاني "تأثير الموت في حقوق الإنسان والتزاماته" نُشر على ثلاثة أجزاء في مجلة القانون والاقتصاد بأعداد ثلاث صدروا تباعًا عامي 1940، و1941م، والجزء الثالث "التركة والحقوق المتعلقة بها"، سبق أن نشر على عدة أجزاء في المجلة نفسها، في عامي 1942، 1944م، ثم طبعته مطبعة البرلمان بمصر في كتاب بعنوان "التركة والحقوق المتعلقة بها"، عام 1952م.
تتميّز بحوث الكتاب بمنهجها المقارن الذي لا يلتزم بمذهب فقهي واحد، بل يجمع آراء المذاهب الإسلامية ويوازن بينها، مع الإشارة إلى القوانين الوضعية ووجهات نظر علمائها. وبهذه المقارنة الفقهية والاجتهاد في القضايا المستجدة، يسعى الشيخ علي الخفيف إلى تجديد الفقه الإسلامي وصياغته بما يلبّي حاجات العصر دون الخروج عن الأصول الشرعية الراسخة. كما يحرص على تربية الروح الشرعية لدى الطلاب من خلال عرض المسائل من جميع جوانبها.
ويُعد هذا الكتاب مرجعًا مهمًا للباحثين في الفقه الإسلامي والقانون المقارن، إذ يقدم دراسة شاملة وعميقة لموضوعات الحق والذمة وتأثير الموت فيها. ويعكس رؤية فقيه مجدد سعى إلى إحياء التراث الفقهي وتقديمه بصورة علمية معاصرة.
محتويات الكتاب الأساسية:
يتضمن الكتاب عدة موضوعات رئيسية تشكل دراسة شاملة لموضوع الحق والذمة، وهي:
دراسة الحق والذمة:
يبدأ الكتاب بتمهيد يتناول التعريف بالفقه ونشأة علم الفقه، ثم يقدم موازنة عامة إجمالية بين الشرع الإسلامي والشرع الوضعي في نشأة كل منهما ووجهة كل من الشرعين ومصادرهما. ينتقل بعد ذلك إلى دراسة مفهوم الحق، فيتناول الاستعمال اللغوي والشرعي للحق، والثبوت والوجوب والواجب، ومنشأ الحقوق. كما يقدم تقسيمًا شاملًا لأنواع الحق بعدة اعتبارات: بالنظر إلى صلته بغير صاحبه، وبالنظر إلى ما يقتضيه، وبالنظر إلى وجوده، وبالنظر إلى استقلاله، وبالنظر إلى حمايته. يُفرد الكتاب مساحة خاصة للحق المعنوي ونظرة الفقه الإسلامي إلى هذه القسمة، مع دراسة تفصيلية لحق الملكية وحق الانتفاع وحق الارتفاق وحق التتبع وحق الأولوية في مختلف المجالات. أما بالنسبة للذمة، فيتناول الكتاب تعريف الذمة عند علماء القانون والذمة في الفقه الإسلامي، ومتى تنتهي الذمة، والشخص المعنوي.
قسمة الحق في الشريعة الإسلامية:
يستعرض هذا الجزء التقسيم الفقهي للحقوق بالنظر إلى صاحبها، فيميز بين حقوق الله الخالصة وحق الإنسان الخالص وما اجتمع فيه الحقان مع تغليب حق الله أو حق العبد، مع نقد هذه القسمة. كما يتناول قسمة الحق بالنظر إلى محله.
تأثير الموت في حقوق الإنسان والتزاماته:
هذا الجزء يشكل جوهر الكتاب، حيث يدرس أهلية الوجوب والذمة وتأثير الموت فيها. يحلل الفرق بين الملك والإباحة وبقاء الذمة بعد الوفاة بالنسبة لبعض الأحكام، وتأثير الموت في الإباحة ومصير الأعيان والأموال بعد الوفاة. يقدم فيه دراسة مفصلة لمصير الحقوق بعد الوفاة، مثل حق الحضانة والولاية على النفس والمال، وولاء العتاقة والموالاة، والوظائف، وحق التمتع بالزوجة، وحق المطالبة بحد القذف، والحقوق الملحقة بالحقوق الشخصية. كما يتناول الحقوق المالية وما في حكمها، مثل الديون وحق التعلي وحقوق الارتفاق والدية والأرش في الأطراف وحق الانتفاع بالأرض الخراجية وحق حبس الرهن وحقوق الاختصاص والاحتجار وقبول الوصية والشفعة والخيارات والقصاص والعفو عنه وحق الموقوف عليه في الوقف.
دراسة الالتزامات وأثر الموت فيها
يحلل هذا الجزء الالتزامات وأنواعها، مبتدئًا بالواجبات التكليفية والواجبات الناتجة عن تعاقد لازم، مثل الالتزام الناشئ عن السلم وأثر وفاة المدين فيما عليه من دين، والالتزام المترتب على الإجارة والمزارعة والمساقاة والكفالة والحوالة والرهن. يدرس كذلك المطلوبات المترتبة على التعاقد غير اللازم، مثل المطلوبات المترتبة على الهبة والإعارة والقرض والوكالة والشركة والمضاربة والجعالة والوصية والالتزام والوعد والنذر.
الحقوق المتعلقة بالتركة:
يختتم الكتاب بدراسة مدى تعلق الحقوق بالتركة، بداية من تعريف التركة ومعناها، ثم حق التعلي وحقوق الارتفاق وحق القصاص وحق الانتفاع بالأراضي الخراجية. وتتناول هذه الدراسة تعلق حقوق المتوفى بتركته وتعلق الديون بالتركة، مع بيان الآثار المترتبة على هذا التعلق، مثل نماء التركة ونفقات أعيان التركة واستحقاق الورثة الشفعة وتصرف الورثة في التركة. وتُفرد الدراسة مساحة كبيرة لأحكام قسمة التركة وحكم تصرف الورثة في التركة بغير قسمتها وفقًا لآراء المذاهب الأربعة (الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة). كما تدرس تعلق حق الموصي له بالتركة، شاملًا الوصية في وجوه البر والوصية للحمل والوصية لمن هو أهل للملك ومتى يتملك الموصى له وأثر وفاة الموصى له قبل القبول في الوصية وما يترتب على الوصية من حق، سواء كانت الوصية للوارث أو للأجنبي.
ملف تحميل الكتاب
* على الخفيف، الحق والذمة وتأثير الموت فيهما وبحوث أخرى، دار الفكر العربي، الطبعة الأولى، القاهرة، 2010.
** يُعد الشيخ علي محمد الخفيف (1309هـ/ 1891م - 1398هـ/ 1978م) أحد أبرز الفقهاء المجددين في العصر الحديث، والذين تركوا بصمة واضحة في تطوير الفقه الإسلامي. ولد في قرية الشهداء بمحافظة المنوفية بمصر، ونشأ في أسرة كريمة محافظة وجهته منذ صغره لحفظ القرآن الكريم. أمضى الشيخ علي الخفيف مراحل تعليمية متميزة، فالتحق بالأزهر الشريف في القاهرة ثم بمعهد الإسكندرية الديني، وأخيرًا بمدرسة القضاء الشرعي التي تخرج منها عام 1915م. عين مدرسًا في المدرسة ذاتها فور تخرجه، ثم عمل قاضيًا في المحاكم الشرعية لثماني سنوات، ومحاميًا شرعيًا بوزارة الأوقاف، ومديرًا للمساجد، قبل أن يصبح أستاذًا للشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1939م. تبوأ الشيخ علي الخفيف مناصب علمية رفيعة، فكان عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية، وعضوًا في المجلس الأعلى للأزهر، وعضوًا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وأستاذًا بمعهد الدراسات العربية العالية التابع لجامعة الدول العربية. تميز الشيخ علي الخفيف بشخصية علمية متميزة امتلكت الملكة الفقهية الراسخة، فكان أصوليًا محققًا ذا رأي صائب ونظر دقيق، وفقيهًا متمكنًا يقرب الأحكام للأفهام ويجتهد في القضايا المعاصرة، ولغويًا مدققًا صاحب لسان بليغ. كان يدعو إلى تجديد الفقه الإسلامي قولًا وعملًا، وهو ما انعكس على منهجه في التدريس والتأليف. عرف الشيخ بأخلاقه الحميدة وسمت العلماء، فكان طويل الصمت، جهير الصوت، عفّ اللسان، سمح الخلق، كريم المحتد، هادئ الطبع، لا يدخل في معارك مع مخالفيه. وقد اعترف له تلاميذه من ثلاثة أجيال من القضاة ورجال القانون والمحامين وأساتذة الجامعات بالأستاذية والمقام العلمي الرفيع. من مؤلفاته: "الضمان في الفقه الإسلامي"، و"أحكام المعاملات الشرعية"، و"أسباب اختلاف الفقهاء"... كما له دراسات في فقه المعاملات المالية المعاصرة.