صدرت الطبعة الخامسة من كتاب "مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها" لمؤلفه علال الفاسي*، في عام 1993م عن دار الغرب الإسلامي، ويُذكر أن هذه الطبعة تم إصدارها بعد اتفاق وإذن خاص من مؤسسة علال الفاسي (الطبعة الأولى من الكتاب كانت قد صدرت عام 1963م).
اهتم الأستاذ علال الفاسي بمقاصد الشريعة الإسلامية، وأولاها حيزًا ومساحة كبيرة من اهتماماته وتفكيره، ويمكن القول بأن كتابه هذا لا يقل أهمية عما كُتب في موضوع مقاصد الشريعة الإسلامية، ولاسيما كتاب مقاصـد الشريعة الإسلامية للإمـام محمد الطـاهر ابن عاشور، حيث يعد الفاسي ومن قبله الإمام ابن عاشور من أبرز الرواد الذين استأنفوا الكتابة في مقاصد الشريعة وأصَّلوا لها على نحو جديد.
وقد بيَّن العلامة علال الفاسي في تقديمه للكتاب الأسباب التي دعته إلى تناول مثل هذا الموضوع، والتي تمثلت في كون الذين تعاقبوا على الكتابة في المقاصد الشرعية، لم يتجاوزوا الحد الذي وقف عنده الشاطبي، أو لم يبلغوا ما إليه قصد، وأن بعضهم خرج عن الموضوع إلى محاولة تعليل كل جزء من أجزاء الفقه أخذا للمقاصد بمعناها الحرفي.
وكما أوضح الفاسي أنه في عرضه لموضوع المقاصد فضَّل أن تكون شاملة الجوانب، معرفًا بقسط من أصول تاريخ القانون ووسائل تطوره، وكيف أن الشرائع الإنسانية كلها كانت تقصد إلى العدل، ولما لم تبلغ مداه بحثت عنه خارج مصادرها التشريعية، بينما بقي الفقه الإسلامي يحقق العدالة والعدل بأصوله الذاتية نفسها.
وذكر الفاسي أنه قد بنى دراسته للمقاصد في الشريعة الإسلامية على المقابلات بين الشريعة الإسلامية وغيرها من الشرائع الأخرى حيث قال: "وفي المقابلات التي وضعتها بين الشرائع السماوية والشرع الإسلامي من جهة وبين ما استعمله اليونان والرومانيون والإنجليزيون من وسائل لاستكمال الإنصاف، وبين ما جاء به الإسلام من أصول ومقاصد ما يوضح تفوق شريعتنا السمحة واستحقاقها لأن تبقى القانون الأسمى للمسلمين ولمن يريد العدالة الحق من بني الإنسان".
ومما جاء في خاتمة الكتاب:
تلك هي مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها فصلنا منها ما تتوقف عليه حاجة الطالبين وما تدعو إليه تذكرة الراغبين، من أسرار الشرع الحنيف، ومعالم الفقه البينة، وكل أملنا أن يكون طلبتنا قد وعوا منه ما سمعوه، وأدركوا من محاسن قانوننا السماوي سره الذي يهدي للحق وإلى صراط مستقيم.
ولقد مضى على المسلمين حين من الدهر نسوا ما ذكروا به وذهلوا عما يحتوي عليه دينهم من هدى ومن إرشاد، واتبعوا ما تملي شياطين الاستعمار من آراء وتشريعات لا قبل لهم بها، ولا اقتناع لعقولهم بمغازيها، ولا تمثل من مجتمعهم شيئًا، وإنما هي أنقاض لحضارات متباينة مع حضارتهم، أُرغموا على قبولها بالحديد وبالنار، وبالضغط الفكري الذي يتمثل في هذه المدارس الأجنبية والبرامج الأعجمية.
وإن الاستعمار الغربي في بلاد المسلمين لم يُحدث من الخراب في الأرض وفي الأجسام ما أحدثه في العقول والقلوب والأفهام.
فقد أصبح المسلمون بما تسرب إلى بواطنهم يجهلون أنفسهم ولا يعرفون من حقيقة أمرهم شيئا، واختلفوا باختلاف عدوهم، فمنهم من يؤمن باليمين ومنهم من يؤمن باليسار ومنهم من يظل فارغًا من كل عقيدة ومجردًا من غير التبعية في الهوى وفي الشهوة، فكان عاقبة أمرهم أن تسلطت عليهم هذه الحكومات البوليسية في كل مكان تصليهم ظلمًا، ولا تألوهم اضطهادًا وهضمًا، فإذا انتبهوا وظنوا أنهم قادرون على أن يقاوموا الجور وينازلوا الطغيان، جاءهم من فكر الغرب ما يوجههم نحو طغيان آخر واضطهاد جديد، وسيبقون كذلك ما داموا ينشدون العدل من غير الإسلام، والصلاح من غير القرآن؛ وقد صدق مالك حين قال؛ (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها) فعسى أن يتنبه طلبتنا، والدارسون للقانون والأخلاق منا، والمتيقظون على العموم، إلى أن الفقه الإسلامي وحده الكافي لعلاج المجتمع، والأخلاق القرآنية وحدها المحققة لتوازن القوى وتعادل الوحدات الاجتماعية في البر والتقوى، فيتقدمون إلى دراسة الفقه، واستخلاص أسراره، وإلى الأخلاق واستنباط جماعها ومعالمها، ثم يشرحون ذلك لإخوانهم. ويبلغونه لجمهور الأمة التي لا تنتظر إلا من يخاطبها بما يوافق قلبها ويعيد وعيها، ثم يجاهدون جهاد الأبطال لإقرار شريعة الإسلام قانونا للدولة، وأخلاق القرآن معيارا للشرف والفضيلة والقيم الاجتماعية.
وأنهم متى فعلوا سيجدون من الاستجابة في الشعب والتأييد من عقلاء الأمة وفلاسفة الدنيا ما يشجعهم ويقوي عزمهم ويثبتهم في مواقفهم.
فأما عقلاء أمتنا فما زالوا يتألمون من هجوم الاستعمار الفكري عليهم، ومازالوا يحللون مع أنفسهم أسباب الانحطاط الذي أصاب بلادهم وقومهم فلا يردونه إلا إلى إعراض الكل عن شريعة الإسلام وتعاليمه الحق، وهم مؤمنون بأن الخير كل الخير لهم ولذويهم في العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله، وهم مستعدون ليكونوا حواريى كل داعية يدعو إلى الحق، وإلى نصرة الشرع.
وأما المثقفون ثقافة غربية من أبناء قومنا فهم مقتنعون بأن الفكر الغربي هو كل شيء والقانون الأجنبي هو المثل الأعلى، ولكن عذرهم أنهم لم يدرسوا الفقه الإسلامي ولا تعرفوا إلى مصادره ولا تعمقوا أسراره ومقاصده، وهم ولا شك مستعدون متى ما وجدوا من ينصبون أنفسهم لتوعيتهم وإرشادهم لأن يستجيبوا، وهم أقدر على المقارنات والمقابلات التي تريهم مزايا الفقه الإسلامي وتفوقه على كل القوانين.
محتويات الكتاب:
- خطبة الكتاب.
- المراد بمقاصد الشريعة.
- الإنسانية في عصور ما قبل التاريخ.
- الأسرة هي الخلية الاجتماعية الأولى.
- الإنسانية في عهد النبوات.
- من العقائد الدينية نشأت فكرة القانون.
- الشرائع الإلهية.
- من الأحكام الملهمة الدينية نشأ العرف.
- مجموعة الشرائع الكتابية غير الإسلام.
- وسائل التطور في الشرائع القديمة.
- القانون الطبيعي.
- فكرة القانون الطبيعي عند اليونان.
- قانون الشعوب عند الرومان.
- القانون الكنسي.
- قانون العدالة عند الانكليز.
- مصدر العدالة في العصر الحديث
- المقاصد الشرعية في الإسلام.
- التشريع.
- السياسة الشرعية في الإسلام.
- الإسلام دين العقل والعدل.
- تحقيق المناط في معنى كلمة الدين وما يدخل تحت عمومها من آحاد.
- أصول الشرعة.
- القرآن.
- تفسير القرآن.
- المعتزلة الجدد.
- التفسير بالإشارة.
- حول الفن القصصي في القرآن .
- الإسرائليات.
- الإسرائليات الجديدة.
- النسخ في القرآن.
- ترجمة معاني القرآن لغير العربية
- السنة.
- جوانب تصرفات الرسول.
- الأصول النظرية.
- الإجماع.
- القياس.
- الاستدلال.
- الاستصحاب .
- الشرائع السابقة.
- الاستحسان.
- مراعاة الخلاف.
- المصلحة المرسلة.
- مذهب الطوفي.
- عمل أهل المدينة.
- العادة، العرف، العمل.
- سد الذريعة.
- فتح الدريعة.
- الاجتهاد.
- أسباب الاختلاف في الأحكام.
- قواعد تقييد المصلحة بالمقاصد.
- البدعة والسنة.
- مكارم الأخلاف مقياس كل مصلحة عامة وأساس كل مقصد من مقاصد الإسلام.
- منهاج الحكم في الإسلام.
- خاتمة الكتاب.
- مصادر الكتاب.
رابط مباشر لتحميل الكتاب
* هو علال بن عبد الواحد بن عبد السلام بن علال الفاسي الفهري (10 يناير 1910م – 13 مايو 1974م) سياسي وأديب مغربي، مؤسس حزب الاستقلال وزعيم الحركة الوطنية المغربية، وأحد أعلام الحركة الإسلامية الحديثة التي ظهرت في القرن العشرين، والتي دعت إلى نوع من السلفية التجديدية، رفقة محمد عبده ورشيد رضا ومحمد الطاهر بن عاشور وغيرهم. له العديد من المؤلفات القيمة، من أهمها: النقد الذاتي، دفاع عن الشريعة، الإسلام وتحديات العصر، تاريخ التشريع الإسلامي، شرح مدونة الأحوال الشخصية، المدخل للفقه الإسلامي.