صدر كتاب "في الاجتماع السياسي الإسلامي المجتمع السياسي الإسلامي- محاولة تأصيل فقهي وتاريخي" - لمؤلفه الشيخ محمد مهدي شمس الدين*، وتقديم زكي الميلاد- ضمن سلسلة "الفكر النهضوي الإسلامي"، والتي صدرت بدورها ضمن فعاليات مشروع "إعادة إصدارات مختارات من التراث الإسلامي الحديث في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجرين/ التاسع عشر والعشرين الميلاديين" الذي تبنته مكتبة الإسكندرية؛ "انطلاقًا من رؤيتها التي تقوم على ضرورة المحافظة على التراث الفكري والعلمي في مختلف مجالات المعرفة والمساهمة في نقل هذا التراث للأجيال المتعاقبة تأكيدا لأهمية التواصل بين أجيال الأمة عبر تاريخها الحضاري؛ إذ إن الإنتاج الثقافي -لا شك- تراكمي، وإن الإبداع ينبت في الأرض الخصبة بعطاء السابقين، وإن التجديد الفعال لا يتم إلا مع التأصيل، وضمان هذا التواصل يعتبر من أهم وظائف المكتبة التي اضطلعت بها، منذ نشأتها الأولى وعبر مراحل تطورها المختلفة".
ويُذكر أن هذ الكتاب طُبع لأول مرة عام (1412هـ / 1992م)، ويُعد من أهم مؤلفات الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وقد مهد له الشيخ مهد لهذا الكتاب بـ"كلمة في المنهج" شرح فيها طبيعة منهجه في دراسة مسألة الدولة ونظام الحكم في الإسلام واختلافه من هذه الجهة مع الآخرين الذين بحثوا ودرسوا هذه المسألة.
وارتكز منهج الشيخ على أمرين: الأول أن كل شعب مسلم على المستوى الوطني أو القومي يجب بالضرورة أن يكون له نظام حكم وحكومة يحفظانه، ويضمنان سلامته وتقدمه، أما أن يكون هذا النظام وهذه الحكومة إسلاميين، فقضية غير مسلمة وغير بديهية؛ فالمهم هو استمرار الإسلام في الأمة، واستمرار الأمة مسلمة موحدة، والثاني أن قضية الحكم ليست قسمًا من أقسام الشريعة الإسلامية وفصلاً من فصولها وبابا من أبوابها، وإنما هي طبيعة فيها، ونتيجة لها، وسمة فيها، تتولد منها تولد الثمرة من الشجرة، والضوء من الشمس.
ونظرًا لأن هذا الكتاب يأتي في إطار أبحاثه عن المسألة السياسية في الإسلام بعد كتابه الأول "نظام الحكم والإدارة في الإسلام"، فقد لفت النظر الأستاذ زكي الميلاد -في مقدمته لهذا الكتاب- إلى ما بين هذين الكتابين من مفارقات، لم يتوقف عندها المؤلف، ولم يشر إليها أو إلى بعضها، على ما لها من وجوه عديدة، ومن هذه المفارقات:
أولاً: السياق الزمني، من هذه الجهة تحددت المفارقة في الفاصل الزمني الطويل نسبيًا، ما بين الكتابين، فكتاب «نظام الحكم» ألفه الشيخ شمس الدين في مطلع شبابه، وقبل أن يكمل عقده الثاني، بينما كتاب «في الاجتماع السياسي» ألفه بعدما تجاوز مرحلة الشباب، وكان في العقد السادس من عمره، فهناك أكثر من ثلاثة عقود تفصل ما بين الكتابين. وهذا يعني أن العلاقة بين الكتابين هي علاقة ما بين جيلين بالنسبة إلى المؤلف: جيل الشباب الذي ينتمي إليه الكتاب الأول، وجيل ما بعد الشباب الذي ينتمي إليه الكتاب الثاني. مع ذلك لم يعتبر المؤلف أن الكتاب الثاني جاء ناسخًا للكتاب الأول، وإنما اعتبره متصلاً به، ومتممًا له، ومنتظمًا في سياق الاهتمام بالمسألة السياسية في الإسلام، وهذا يصدق على الطبعة الثانية من الكتاب التي صدرت منقحة لتكون بهذه الرؤية التي عبر عنها المؤلف.
ثانيًا: السياق الموضوعي، من هذه الجهة تحددت المفارقة في أن الكتاب الأول كتب متأثرًا من الناحية الموضوعية بأجواء غير التي كتب فيها الكتاب الثاني، فالكتاب الأول جاء متأثرًا بما وصفه المؤلف بما كانت تعانيه مدينة النجف آنذاك من تذوق الطعم المر، وبالشعور بالفجيعة، وخيبة الأمل لما آلت إليه تجربة معركة المشروطة في إيران، والتي انتهت بحكم أسرة بهلوي، والمقصود بهذه المعركة هي ثورة الدستور التي حصلت في إيران مطلع القرن العشرين وتحديدًا خلال الفترة ما بين (١٩٠٥ – ١٩١١م).
في حين أن الكتاب الثاني، تأثر بما حصل في إيران نفسها من انتصار ثورتها الشعبية، ونهاية حكم أسرة بهلوي سنة ١٩٧٩م.
ثالثًا: السياق المعرفي، من هذه الجهة تحددت المفارقة في أن الكتاب الأول كتب في ظل أجواء ما كانت تقترب كثيرًا من الاهتمام بمسألة الدولة ونظام الحكم في الإسلام، وكان من النادر الكتابة والعناية بهذا المجال، وحسب تقدير المؤلف فإن الإسلام باعتباره مشروع دولة ونظام وحكم لم يكن يمثل آنذاك همًّا ظاهرًا من هموم النجف، وهو -فيما يعلم- فإن هذا الكتاب يُعد في نظر المؤلف أول نص عربي شيعي في حينه يطرح مسألة الحكم الإسلامي في العصر الحاضر.
وهذا بخلاف الحال تمامًا مع الكتاب الثاني، الذي كتب في ظل أجواء شهدت اقترابًا كبيرًا من مسألة الدولة ونظام الحكم في الإسلام، ونالت اهتمامًا واسعًا في مجال الكتابة والتأليف، وبطريقة يمكن أن يؤرخ لها، بعد هذا المستوى من التراكم المتصاعد الذي يحصل لأول مرة في ساحة الفكر الإسلامي المعاصر.
وأشار المؤلف لمثل هذه الملاحظة في كتابه الثاني، بقوله: «إن مسألة الحكم في الإسلام باعتباره مشروعًا للتطبيق على هذا المجتمع الإسلامي أو ذاك، قد بحثت في العقود الأخيرة من قبل كثير من الإسلاميين، فقهاء ومجتهدين وعلماء دين ومفكرين، لأجل أسلمة المجتمع تنظيمًا وحضارة على قاعدة الفكر الإسلامي والفقه الإسلامي».
رابعًا: السياق المنهجي، من هذه الجهة تحددت المفارقة في أن الكتاب الأول كان مسكونًا بهاجس الهم النظري، وبنزعة الدفاع عن الذات، ومواجهة الإشكاليات الاحتجاجية المثارة في وجه الإسلام والفكر الإسلامي، وفي ظل الشعور بالضعف، وتحت تأثير مقولة "حصوننا مهددة من الداخل".
وهذا ما أوضحه المؤلف عند حديثه عن طبيعة الوضعيات التي تولد فيها عنده الاهتمام بمسألة الدولة والحكم في الإسلام، وقررها بقوله إن «منطلق الواقع الذي فتحنا أعيننا عليه في الثلاثينيات من هذا القرن - العشرين – الميلادي، وقد ولدت فيها، ومن بقايا الدويّ الذي كان يطرق أذاننا وضمائرنا وقلوبنا، عن جحافل الغرب المتصارعة فيما بينها، ونحن الفريسة أو الجائزة، والإسلام الطريدة والضحية، ومن أحاديث النجف الغاضبة والآسفة والنادمة عن معركة المشروطة والمستبدة. ومن قراءاتي عن الأفغاني ومحمد عبده ولهما، وآخرين غيرهما، ومما كانت تفيق عليه النجف آنذاك من سباتها، أو ينفتح لها من آفاق على عزلتها، من لغط حول ما سمي فيما بعد تيار الحداثة، أو تيار التغريب من خلال ما كان يصل إلى النجف أو تتسامع به من أعمال ممثليه آنذاك طه حسين وعلي عبد الرازق ومن إليهما. من كل ذلك وما إليه كان الاهتمام بمسألة حكم الإسلام وحكومة الإسلام ليواجه بها المسلمون الغزو الذي اجتاحهم».
وقد اعتبر المؤلف أن الاهتمام بهذه المسألة، هو من ألطاف الله الخفية به، ومن النعم الخفية عليه في تلك الحقبة المبكرة جدًا من حياته.
وبتأثير تلك الوضعيات، كان هم المؤلف إثبات أن الإسلام فيه نظام للحكم، وتأكيد العلاقة بين الدين والدولة والدعوة إلى حتمية الحكومة الإسلامية.
بينما الكتاب الثاني كان مسكونًا بهاجس الهم التطبيقي، وناظرًا إلى إشكاليات ما بعد التجربة، وما أفرزته التجارب الإسلامية الحديثة من ثغرات وتساؤلات فكرية وفقهية وقانونية وتشريعية وسياسية واقتصادية في النطاق الوطني، وفي نطاق العلاقات الدولية. هذه لعلها أبرز المفارقات بين الكتابين، وعلى ضوئها تتكشف صور العلاقة بينهما.
محتويات الكتاب:
القسم الأول: الأساس النظري على مستوى التشريع.
الفصل الأول: الإسلام كل واحد.
الفصل الثاني: الموقف من الدنيا والآخرة.
الفصل الثالث: الأساس النظري والواقع التاريخي.
القسم الثاني: الملامح العامة والمبادئ والأسس في شأن المجتمع السياسي والدولة والنظام.
الفصل الأول: قيم المجتمع السياسي الإسلامي التي تقوم عليها فكرة الدولة في الإسلام.
الفصل الثاني: سياسات الدولة في المجتمع الإسلامي.
القسم الثالث: في التطبيق التاريخي.
الفصل الأول: حكومة النبي صلى الله عليه وسلم
الفصل الثاني: مسألة استمرار الدولة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
الفصل الثالث: الخصوصية الشيعية في الإطار الإسلامي.
الملاحق
الملحق الأول: تحقيق في مسألة إنكار الضروري وآثاره.
الملحق الثاني: خلافة الإنسان في الأرض.
الملحق الثالث: (الصحيفة/ الكتاب) بين المسلمين واليهود في المدينة.
الملحق الثالث: نصوص فقهية قديمة عن (العمل والتعامل مع ولاة الجور).
رابط مباشر لتحميل الكتاب
* الشيخ محمد مهدي شمس الدين (1936م-2001م) لبناني، أحد أعلام الفكر الإسلامي الشيعي، وكان رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، له العديد من المؤلفات منها: نظام الحكم والإدارة في الإسلام، الاحتكار في الشريعة الإسلامية، المسائل الحرجة في فقه المرأة، الحوار سبيل التعايش (ندوات الفكر المعاصر)، مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني، ثورة الحسين في الوجدان الشعبي، ثورة الحسين "ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية"، أنصار الحسين الرجال والدلالات، الحسين قصة حياته وثورته، العلمانية، دراسات في نهج البلاغة، محاضرات في التاريخ الإسلامي، دراسة عن موسوعة الفقه الإسلامي ... الخ.