يتناول البحث الحديث عن قضية فض النزاع حول المياه، وموقف الفقه الإسلامي والقانون الدولي منها، حيث إن الواقع يكشف لنا عن كثير من المنازعات التي تقوم حول هذه المصدر الهام، والتي في هي في سبيلها إلى التوسع مستقبلا. ولا يكتفي البحث -فقط- برصد المواقف والإجراءات التي يتخذها الفقه والقانون حول هذه القضية، بل يسعى لإقامة مقارنة بين النظامين في كيفية التعامل؛ ليكشف عن جسور التواصل الفكري التي يمكن أن يفيد كل طرف منها الآخر؛ لنصل في النهاية إلى قواعد عادلة تضمن إرساء السلام الدولي الذي ينشده الإسلام، وتبحث عنه النظم القانونية النزيهة.
التعريف بموضوع البحث:
يبين البحث القواعد التي يتبناها النظام القانوني للفقه الإسلامي لفض النزاعات التي تحدث حول المياه، ويستعرض الإجراءات التي تقوم بها القوانين المحلية والدولية لتسوية الخلاف حول كل أشكال تواجد المياه محل النزاع، ويستتبع ذلك توضيح وجهة نظر المدارس الفقهية المختلفة في تعاملها مع هذه القضية؛ لنصل من خلال المناقشة إلى أسلم الحلول التي يفيد منها الواقع، وتحقق مقصد الشارع. ولا يقف البحث عند هذه النقطة، لكنه يقارن بين الفقه والقانون؛ ليبين الحدود التي توقف عندها كلا النظامين، والأفكار التي لابد أن تضاف إلى كل منهما؛ ترقية للواقع، وتحسينًا لأدوات التعامل مع المستجدات، خاصة في القضايا الحيوية التي تتعلق بالحرب والسلام.
أهمية الموضوع:
يعد هذا الموضوع من القضايا الهامة للآتي:
- فهو يتعلق بقضية واقعية تتعلق بالدول الإسلامية وغيرها، الأمر الذي يستدعي توضيح موقف الفقه الإسلامي منها.
- يتهم كثير من الناس الفقه الإسلامي بالجمود، أو أنه فقه يقتصر على العبادات وحسب، وهذا البحث يكشف عكس ذلك تمامًا من خلال رصد دقيق للقواعد القانونية التي تبناها والتي ساعدته وتساعده في معالجة قضايا الساعة.
- يساعد البحث المشرعين المحليين، أو الدوليين في التوصل إلى أفضل الحلول التي لابد من تبنيها؛ لفض النزاعات حول المياه بصورة تراعي الأولويات، وتحقق السلام الشامل.
- يكشف البحث عن المنهجية السليمة التي نتبناها في المقارنة بين الفقه والقانون، فليس الغرض هو رصد الأسبقية الفكرية، ولا الدفاع عن الفقه من خلال التقليل من قواعد القانون، لكن الغرض من المقارنة هو ترقية النظم، ومد جسور الإفادة بينها، من خلال الوقوف على النقاط الضعيفة التي يمكن لكل نظام أن يعين الآخر في تعديلها أو تخطيها.
منهج البحث:
اعتمد الباحث على عدة مناهج هي:
- المنهج الوصفي: في رصد موقف الفقه والقانون من القضية.
- المنهج التحليلي: في الكشف عن المقاصد، والأهداف، والمنهج الذي اتبعه كل من الفقه والقانون لفض التنازع.
- المنهج المقارن: في المقارنة بين نظام القانون الإسلامي ونظام القانون الدولي لاستخلاص أوجه التشابه، والاختلاف.
أهم نتائج البحث:
توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج التي يمكن إجمالها على النحو الآتي:
- إن الفقه الإسلامي يعلي من قيمة النفس؛ حيث يكفل لها كل مقومات الحياة، فقد اعتبر المياه حقًا مشتركًا لا يجوز منعه وإن كان خاصًا.
- استطاع الفقه أن يحقق المعادلة المهمة التي تسعى إليها القوانين، وهي الموائمة بين المصلحة العامة والخاصة، من خلال توضيح الوظيفة الاجتماعية للحق؛ فهو يسمح لكل طرف بإقامة ما يريد من مصالح شريطة أن تراعى الأولويات عند التنفيذ.
- اتفق الفقهاء على أن ماء البحار والأنهار العظام (العامة)، لا يجوز تملكها إلا ما حازه الشخص منها بإناء، ويثبت فيها حق الشفة والشَّرب لجميع الناس، وتبين من خلال هذه الدراسة أن هذه التقسيمات اجتهادية في أغلبها تتعلق بالمصلحة والزمن.
- تنصب الأبحاث الفقهية في معظمها حول حقوق الارتفاق دون اهتمام بإبراز حقوق الجوار، فحقوق الارتفاق هي تكليف مقرر على إقليم لمنفعة إقليم آخر؛ ومن ثم فالتعدي على هذا الحق لن يأتي إلا من جانب دولة الإقليم المقرر عليه الحق أي الدولة الخادمة، في حين أن مفهوم حقوق الجوار يتضمن حقوقًا والتزامات متبادلة بين الدول المتجاورة؛ لذلك فنظرية حقوق الجوار أصلح النظريات للتوفيق بين سيادات ومصالح الدول التي تقع في حوض النهر الدولي الواحد.
- صحيح أن الفقه الإسلامي لم يتأخر عن القانون الدولي، ولكن لا ننسى أن القانون تشكلت فيه أربع نظريات: الأولى نظرية السيادة الإقليمية التي تعني إطلاق يد الدول التي تجري بأراضيها أنهار دولية في استخدام مياهه دون أي اعتبار بحقوق الدول المتشاطئة، ونظرية الوحدة الإقليمية التي تعني أن للدول التي يمر بها النهر عدم الحق في إقامة أي مشروع خاص بها، ونظرية السيادة الإقليمية المقيدة التي تعني أن لكل دولة الحق في القيام بما تريد مع مراعاة حقوق الدول الأخرى، وتعد النظرية الحديثة هي نظرية وحدة المصالح التي تنظر إلى النهر باعتباره وحدة واحدة، وهي من أقوى النظريات التي سبق إليها الفقه الاسلامي غيره من النظم.
- لا بد هنا من توضيح نقطة فاصلة في قواعد البحث الفقهي المقارن فيما يتعلق بالقضايا المعاصرة التي تعالجها بنود القوانين، وهي أننا لا نطالب مدونات الفقه بالإفصاح التام عن اتفاقيات القانون الدولي؛ لأن ثمة فرقًا بين التقنين والفقه، فالتقنين بنود محددة واضحة تعبر عن الواقع في لحظة كتابته، لكن الفقه هو وعاء النظريات التي نأخذ منها تلك البنود، والفقه ليس من شأنه التحديد بل من شأنه إعطاء الإطار العام، تمامًا كالفرق بين عمل مصنع القماش وحائك الأثواب، فالباحث في مثل هذه القضايا لا بد أن يبحث عن القواعد العامة لمثل هذه الموضوعات، ولا يضيره بعد ذلك أن يجد نصًا صريحًا أو لا، وفيما يتعلق بموضوعنا فإن فقهاء القانون يشيرون إلى أن اتفاقية الأمم المتحدة ۱۹۷۷م رغم كونها اتفاقية إطارية فهي تقدم حلولاً عادلة لمشاكل الأنهار الدولية تبنى على مبدأ الانتفاع المنصف والعادل متى روعيت الظروف والاعتبار الخاصة لكل نهر دولي.
أهم التوصيات التي توصل البحث إليها:
- الاهتمام بإبراز نظريات الفقه الإسلامي في القانون العام والدولي؛ لأنه يستطيع أن يمد هذه الحقول القانونية برؤى وأفكار تساهم في إرساء قواعد السلام الدولي.
- العمل على فهرسة المسائل الواقعية في مدونات الفقه التي تذكر مبعثرة دون رباط يجمعها مما يعسر عملية البحث.
- أن تتصدر واقعية التشريع الحديث العام في البرامج الثقافية؛ حتى نعيد ثقة الأجيال الحالية في التراث بعدما حاولت أيدي عابثة زعزعته من النفوس.
- وفيما يتعلق بالتوصيات التي تؤكد عليها الدراسات القانونية:
- ضرورة تكوين لوبي عربي ودولي يطالب الأمم المتحدة بمراجعة اتفاقية ۱۹۹۷م على اعتبار أن بعض البنود بها تحتاج إلى مراجعة دقيقة؛ لتتوافق مع قواعد القانون الدولي العادل.
- قيام مجموعة الدول الإسلامية داخل الأمم المتحدة بصياغة اتفاقية إطارية موازية لاتفاقية الأمم المتحدة قوامها يتعلق برؤية القانون الإسلامي للانتفاع المشترك بمياه الأنهار الدولية، يكون نابعًا من مجلس استشاري يضم النخبة من الخبراء والمشرّعين والعلماء في مجال المياه من العالم الإسلامي؛ لوضع سياسات مائية إسلامية تشتمل على مبادئ توجيهية موحدة، وتقوم على توجيه النصح بتنفيذ مشروع إرشادي يغطي كل القضايا الموجودة في البلدان الإسلامية، ويخاطب المجتمعات الإسلامية بلغة يسهل فهمها وتوجه خطابًا محددًا إلى المجتمع الدولي كله.
محتويات البحث:
تم تقسيم البحث إلى خمسة مطالب، وذلك على النحو التالي:
المطلب الأول: الحقوق المتعلقة بالمياه.
المطلب الثاني: تقسيم المياه من حيث الامتلاك وعلاقة الحقوق بها.
المطلب الثالث: حقوق الأنهار الخاصة والعامة وقواعد إنهاء التنازع عليها.
المطلب الرابع: قواعد القانون الدولي في فك التنازع وموقف الفقه منها.
أولاً: قواعد تسوية النزاع حول المياه في القانون الدولي.
ثانيًا: موقف الفقه الإسلامي من قواعد القانون الدولي.
ثالثًا: الموازنة بين الحقوق المشروعة في استخدام المياه المتنازع عليها في الفقه والقانون.
رابعًا: شروط استخدام الطرق غير السلمية في فك النزاع في الفقه والقانون.
المطلب الخامس: الموازنة بين الفكر الفقهي والقانوني.
أولاً: ما تفرد به الفقه الإسلامي.
ثانيًا: ما تفرد به القانون.
رابط مباشر لتحميل الدراسة
* دكتوراه الشريعة الإسلامية والمقارنات التشريعية- كلية دار العلوم جامعة القاهرة.