رسالة الشافعي من منظور وائل حلاق.. سياق الطرح ومنهج المعالجة

By د. عبد الحميد الراقي كانون1/ديسمبر 04, 2024 275 0

 

يسلّط هذا البحث –المنشور في العدد السادس من مجلة "المدونة" التونسية عام 2024م- الضوء على مناقشة علمية بين الدكتور وائل حلاق وبين غيره من الباحثين حول قضيتين، الأولى: في استشكال كون الشافعي أول من صنف في علم أصول الفقه، والثاني: في مكانة الرسالة ضمن مصنفات علم أصول الفقه، وقد استند البحث في هذا إلى دراستين قدمهما الدكتور وائل حلاق. والملاحظ هو وحدة النتائج التي توصل إليها الدكتور وائل حلاق رغم اختلاف السياقات الحاكمة لكل دراسة.

ومما جاء في مقدمة هذا البحث ما يلي:

تشهد الدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية اليوم ازدهارًا واضحًا من قبل الأكاديميين والنخبة المثقفة، ازدهارًا أفرز إنتاجًا علميًا بارزًا أصبح من جملة التراكمات والإسهامات في مجال الدراسات الإسلامية بمختلف تخصصاتها من جهة، كما أصبح يفرض نفسه بقوة في دائرة البحث العلمي من جهة ثانية، بحيث لا يسع المتخصص في المجال إهمال هذا الاهتمام ولا تجاهل نتائجه، اهتمام تشير إليه المجلات الصادرة عن دور نشر أو جامعات غربية، وهي مجلات علمية متخصصة في نشر بحوث الدراسات الإسلامية، كما تشير إليه الندوات والمؤتمرات التي أصبحت تُعقد هناك خصيصًا لمعالجة مواضيع وقضايا تاريخية لها راهنيتها اليوم في معترك الحياة الفكرية، وكذا التطرق إلى بعض الشخصيات العلمية البارزة في التراث الإسلامي، يقصد البحث في آرائها وإسهاماتها وآثارها العلمية، كأبي حامد الغزالي (ت 505 هـ) وابن رشد الحفيد (ت 595 هـ) وغيرهما ممن أفردت لهم أعمال قائمة بذاتها.

وما تميزت به هذه الكتابات المعاصرة هو إعادة طرحها، على مائدة النقاش، بعض القضايا التي أصبحت لدى المتخصصين من قبيل المسلمات، ومن ثم إعادة استشكالها وإفاضة البحث فيها قصد مراجعتها وتسليط الضوء على بعض الجوانب التي مازالت في حاجة إلى مزيد بحث وتعميق نظر.

ولقد كان من بين الكتاب المبرزين في هذا المجال الباحث وائل حلاق، الأستاذ المحاضر بالجامعات الأمريكية، والذي تميز بوفرة البحوث في مجال الدراسات الفقهية والأصولية، دراسات يمكن القول إنها قد أسهمت على نحو بارز في إثراء البحث في الدرس الفقهي والأصولي في السياق الغربي، وقد دل على هذا ما تُحدثه تلك الأعمال من تفاعلات مساندة أو معارضة لما يكتبه، وهو ما يسهم في زيادة الاهتمام بالتراث الإسلامي وإن بمستويات مختلفة من حيث البواعث الدافعة لذلك.

كثيرة هي القضايا والمواضيع التي طرحها وائل حلاق على مائدة النقاش مما يرجع إلى تخصصات الدراسات الإسلامية، والملاحظ أن كتاباته كانت مؤطرة بسياقات معينة يمكن تلخيصها في أنها كانت طرفًا محاورًا لبعض الجهات ممن كان له الاهتمام ذاته في السياق الغربي أيضًا؛ حيث كانت بعض دراساته موجهة لانتقاد أعمال بعض المستشرقين الذين انتصبوا لدراسة تاريخ العلوم الإسلامية، وخرجوا، بعد سنوات من البحث، بنتائج وأحكام لا يمكن القطع بها، وإنما هي أحكام يمكن عرضها من جديد على محك النظر وفق قواعد البحث العلمي.

ولقد كانت من أبرز القضايا التي انتصب وائل حلاق لمراجعتها قضية كون الشافعي (ت 204 هـ) هو المهندس الأول لعلم أصول الفقه؛ حيث إن من جاء بعده من الأصوليين سار على منواله، وقد كانت هذه إحدى النتائج التي توصل إليها بعض المستشرقين حسبما يذكر وائل حلاق، كما أنها صارت من قبيل المسلمات عند كثير من أهل التخصص في الدراسات الأصولية، وهو ما لم يسلم به حلاق، واعتبره حكمًا قابلاً لإعادة النظر والمراجعة بناء على معطيات تاريخية مخالفة نذكرها أثناء الخوض في البحث.

كان من نتائج هذه المعارضة العلمية أن تثير نقاشًا آخر حول الموضوع، خصوصًا من منتقديه الذين أبوا هذا التشكيك في القضية، متمسكين بما تقرر قبل؛ وهو ما كان سببًا في إعادة طرح الموضوع على مائدة النقاش مرة أخرى من قبل وائل حلاق، لا بقصد التنازل أو التراجع عما قرره من قبل، وإنما بقصد دعم رأيه بحجج أخرى، وتناول الموضوع من زاوية أخرى.

وقد ارتأينا في هذا المقال أن نرصد هذا الجهد لوائل حلاق وهو يناقش هذه القضية وينقضها؛ من حيث إنه عرض لها في مقامين مختلفين، وفي بحثين مختلفين أيضًا، بين الأول والثاني حوالي ربع قرن من الزمن، ولن يكون هذا الرصد للموضوع رصدًا معرفيًا، أي: ملاحظة الجانب المعرفي للقضية؛ إذًا لكان الأمر في ذلك هينًا نظرًا لأن النتيجة، في نهاية الأمر، إما إيجاب أو سلب، وإنما القصد هنا الاحتفال بالسياقات المختلفة للقضية، وكذا رصد آليات الاشتغال لدى وائل حلاق في كلٍّ من بحثه الأول والثاني.

وعليه، فإن الأسئلة التي ينطلق منها هذا البحث هي:

ما السياقات العلمية التي احتضنت هذا النقاش العلمي بين وائل حلاق وغيره؟ وما منهج المعالجة لدى وائل حلاق في هذه المراجعة؟

وإذا كان وائل حلاق قد أفرد للقضية بحثين مختلفين، فهل كانت آليات الاشتغال عنده واحدة في البحثين معًا، أو كان هناك اختلاف بين البحث الأول والثاني؟

هذا الذي يسعى هذا البحث لرصده من خلال مبحثين اثنين الأول: سياقات طرح القضية، والثاني: منهج المعالجة.

ولقد خلص البحث إلى النتائج الآتية:

  • اعتراض وائل حلاق على دعوى المستشرق جوزيف شاخت القائلة بأن الشافعي هو من هيكل علم أصول الفقه وحدد مواضيعه، وأن من جاء بعده من الأصوليين ما زادوا على تفصيل المجملات وتوسيع العبارات، هي في حد ذاتها دعوى ليست جديدة، وإنما هي قديمة في تراث الأصوليين، وموجودة على نحو واسع حتى صارت عند جملة منهم من قبيل المسلمات؛ ومن هنا يمكن اعتبار اعتراض وائل حلاق على شاخت اعتراضًا من جهة أخرى على علماء الأصول المسلمين وإن كان لم يصرح بها في مقاليه.
  • اختلاف منهج المعالجة لدى وائل حلاق في كل من مقاليه بالنظر إلى اختلاف السياقات رغم أن القضية واحدة، وقد تميز منهج المعالجة في البحث الأول بالتركيز على الجانب التاريخي المعتمد على الحفر في مصنفات التأريخ للعلم بقصد إثبات سبق في التأليف في بعض مباحث أصول الفقه قبل الشافعي؛ الشيء الذي يجعل القارئ أمام معطى جديد في القضية، مع السكوت عن تفسير هذا المعطى أو عدم اعتباره من قبل كثير من الأصوليين؛ حيث لم يلتفت إلى تلك التأليف ولا تم اعتبارها سباقة في أصول الفقه، وأما في البحث الثاني فقد انتقل وائل حلاق إلى حجج أخرى تمثلت في توظيف النظر الإبستمولوجي للعلم؛ إذ قصد إلى التمييز، بما وضعه من معايير، بين الكتابة العلمية في أصول الفقه وبين ما لا يعدو أن يكون إسهامًا مصاحبًا لظهور علم أصول الفقه كما هو الشأن في الرسالة.
  • الشروط التي قدمها وائل حلاق على أنها معايير معتمدة في التمييز بين الكتابة العلمية وبين غيرها إنما صيغت بالنظر إلى مختلف الاعتبارات، وذلك اعتبار القصد من علم أصول الفقه، واعتبار وظيفته، واعتبار سيرورته التاريخية إلى الحد الذي بدأت ملامح التوقف والانحدار تبرز في بعض مصنفات العلم، ولقد كان التحقيب الذي قدمه وائل حلاق لتاريخ علم أصول الفقه مبنيًا على تلك المعايير.

 

محتويات الدراسة:

مقدمة

  1. سياقات طرح القضية.
  • الجدلية النقدية.
  1. منهج المعالجة.
  • استشكال المسلمات.
  • الاستعانة بالتأريخ لعلم أصول الفقه.
  • المعايير الإبستمولوجية في التأريخ لعلم أصول الفقه.

أهم النتائج والخلاصات.

 

رابط مباشر لتحميل الدراسة

 

 

Rate this item
(0 votes)

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.