دور الأزهر في السياسية المصرية

By د. سعيد إسماعيل على حزيران/يونيو 10, 2025 202 0

يقدِّم الدكتور سعيد إسماعيل علي* في كتابه "دور الأزهر في السياسة المصرية"** رؤيةً شاملة تنطلق من مكانة الأزهر الشريف المركزية في التاريخ المصري الوسيط والحديث، باعتباره أعرق مؤسسة دينية في العالم الإسلامي، وتربط بين دوره الديني التعليمي ونشاطه الوطني والسياسي. لا يكتفي الكتاب بسرد تاريخي تقليدي، بل يحلل بعمق طبيعة هذه العلاقة، تفاعلاتها، توتراتها، وتحولاتها في ضوء السياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية المتغيرة.

 

محاور أساسية يطرحها الكتاب:

  1. الأسس الفكرية والتاريخية: يستعرض الكتاب الجذور التاريخية لنشأة الأزهر وتبلور دوره الديني والعلمي، وكيف أسس هذا مكانته التي مكنته لاحقًا من لعب دور سياسي. كما يبحث في الإطار الفكري الإسلامي الذي يحكم نظرة الأزهر إلى العلاقة بين الدين والسياسة (مفهوم الشورى، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولاية الأمر).
  2. التطور التاريخي للدور السياسي للأزهر الشريف: يرصد الكتاب تطور هذا الدور عبر العصور الرئيسية:
  • العصرين المملوكي والعثماني: دور الأزهر كمركز للإشعاع الديني والثقافي وحافظ للهوية في ظل حكم غير عربي، ومواقفه من السلطة.
  • الحملة الفرنسية (1798-1801): ظهور دور وطني سياسي واضح للأزهر كمقاوم للاحتلال وقائد للثورة.
  • عصر محمد علي وأسرته (القرن 19 وأوائل 20): محاولات الدولة السيطرة على الأزهر وتقليص نفوذه، وردود فعل المؤسسة الأزهرية.
  • ثورة 1919: مشاركة الأزهر الفاعلة ودوره في توحيد الصف الوطني.
  • عصر ما بعد 1952 (ثورة يوليو): التحولات الجذرية في علاقة الأزهر بالدولة الحديثة، وتأميمه (قانون 1961) وتحويله إلى أداة في يد النظام السياسي لتأييد سياساته وتبريرها دينيًا، مقابل ضبط دوره المستقل.
  • فترات ما بعد الرئيسين السادات ومبارك وصولًا إلى ثورة 25 يناير 2011 وما بعدها: استمرار حالة التبعية مع محاولات متقطعة لاستعادة بعض الاستقلالية، ودوره في مواجهة التطرف من جهة، وموقفه من التحولات السياسية من جهة أخرى.

 

يناقش الدكتور سعيد إسماعيل علي بإسهاب الإشكاليات الجوهرية التي تحكم علاقة الأزهر بالسياسة:

 

  1. إشكالية الاستقلالية مقابل التبعية: هذا هو المحور الرئيسي للكتاب. كيف حاول الأزهر الحفاظ على استقلاليته كمرجعية دينية مستقلة عن هيمنة السلطة الحاكمة؟ وكيف عملت الأنظمة السياسية المتعاقبة (خاصة بعد 1952) على تدجين الأزهر ودمجه في أجهزة الدولة، مستغلة هيبته الدينية لشرعنة سياساتها؟ يقدم الكتاب أمثلة دقيقة على تدخلات السلطة في شؤون الأزهر (التعيينات، المناهج، الخطاب).
  2. طبيعة الدور: رقابي أم تبريري؟ هل دور الأزهر السياسي الأمثل هو مراقبة السلطة وتقويمها وفقًا للشريعة ("الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" السياسي)؟ أم انحصر دوره في الغالب في تبرير وتأييد سياسات الحكام بعد تأميمه، خاصة في عهدي عبد الناصر والسادات ومبارك؟
  3. الأزهر والجماعات الإسلامية: كيف تعامل الأزهر مع ظهور الجماعات الإسلامية السياسية (الإخوان المسلمون، السلفية، الجماعات الجهادية)؟ هل كان دورًا تنافسيًا أم تكامليًا؟ وكيف استخدمته الدولة كبديل "معتدل" لمواجهة هذه الجماعات؟
  4. التحديث والهوية: كيف وازن الأزهر بين مطالب التحديث والانفتاح على العصر (التي فرضتها الدولة أحيانًا) والحفاظ على الهوية الإسلامية والثوابت الشرعية؟ يظهر هذا جليًا في قضايا مثل مناهج التعليم، قوانين الأحوال الشخصية، والخطاب الديني.
  5. الأزهر والمجتمع المدني: ما هو دور الأزهر في تشكيل الرأي العام المصري؟ وكيف تفاعل مع مطالب الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، خاصة بعد ثورة 2011؟

 

يخلص الدكتور سعيد إسماعيل علي إلى عدة نتائج أساسية:

  1. التأرجح التاريخي: يؤكد الكتاب أن دور الأزهر السياسي لم يكن ثابتًا، بل تأرجح بين الاستقلالية النسبية والتأثير الفاعل (كما في مقاومة الفرنسيين وثورة 1919) وبين التبعية للسلطة وتوظيفه لأغراضها (خاصة بعد تأميمه عام 1961).
  2. هيمنة الدولة: يشير إلى أن التوازن انقلب لصالح الدولة بشكل كبير منذ منتصف القرن العشرين، حيث أصبح الأزهر مؤسسة حكومية بامتياز، مما أضعف قدرته على القيام بدور رقابي مستقل على السلطة.
  3. أزمة الشرعية المزدوجة: يسلط الضوء على الأزمة التي يواجهها الأزهر نتيجة تبعيته للدولة؛ حيث قد يفقد شرعيته الدينية في أعين قطاع من الشعب الذي يراه أداة حكومية، وفي نفس الوقت، تظل شرعيته لدى الدولة مشروطة بمدى تأييده لسياساتها.
  4. التحدي المستمر: يؤكد أن استعادة الأزهر لدوره الريادي المستقل، القائم على التوازن بين الثوابت الدينية ومتطلبات العصر، مع الحفاظ على مسافة نقدية من السلطة، يظل التحدي الأكبر للمؤسسة وللمجتمع المصري ككل.

 

أهمية الكتاب:

   يعد الكتاب مرجعًا علميًا موثوقًا وأساسيًا لفهم تاريخ وتطور العلاقة بين الدين والسياسة في مصر عبر عدسة مؤسسة الأزهر؛ حيث يقدم تحليلًا متوازنًا وعميقًا، معتمدًا على وثائق وأدلة تاريخية، بعيدًا عن التبسيط أو الانحياز المفرط، ويضع إصبعًا على الجروح العميقة في العلاقة بين المؤسسة الدينية الأعظم في مصر والدولة، مقدمًا إطارًا لفهم التحديات الحالية والمستقبلية، كما يقدم نقدًا بناءً لواقع الأزهر، ساعيًا لتجديد دوره الحقيقي كحارس للهوية ومرجعية دينية مستقلة ومراقب للضمير المجتمعي.

 

إن كتاب "دور الأزهر في السياسة المصرية" ليس مجرد سرد تاريخي، بل هو دراسة تحليلية نقدية ضرورية لفهم أحد أهم العوامل المؤثرة في المشهد السياسي والاجتماعي المصري عبر التاريخ وحتى اليوم؛ فالكتاب دعوة لإعادة النظر في نموذج العلاقة بين الدين والدولة في مصر، من أجل استعادة الأزهر لمكانته الحقيقية كمنارة للعلم والوسطية والاستقلال.

 

فهرس الكتاب:

مقدمة

الفصل الأول: الأصول السياسية لنشأة الأزهر.

الفصل الثاني: موقف الأزهر من المذاهب الحاكمة.

الفصل الثالث: ظهور زعامة الأزهر.

الفصل الرابع: الأزهر يقاوم الاستبداد والظلام.

الفصل الخامس: مقاومة الأزهر للاحتلال الفرنسي.

الفصل السادس: من الانتصار إلى الانتكاس.

الفصل السابع: دور الأزهر في حركة اليقظة القومية.

الفصل الثامن: الاصلاح التربوي كسلاح في حركة مواجهة الاحتلال البريطاني.

الفصل التاسع: من الاصلاح التربوي إلى الثورة السياسية.

الفصل العاشر: صراع السلطة يقتحم الأزهر.

الفصل الحادي عشر: الأزهر تحت المظلة الفاروقية (١٩٣٧ - ١٩٥٢).

 

 

رابط تحميل الكتاب

 

 ** ولد الأستاذ الدكتور سعيد إسماعيل علي بالقاهرة عام (1937م).

- تخرج في كلية الآداب، قسم الفلسفة، جامعة القاهرة عام (1959م).

- عمل مدرسًا بوزارة التربية والتعليم من (1960 - 1962م).

- حصل على دكتوراه الفلسفـة في التربيـة من كليـة التربيـة بجامعـة عيـن شمس عام (1969م).

- اختير معيدًا بكلية التربية بجامعة عين شمس عام (1962م)، وتدرج بها إلى درجة أستاذ عام (1979م)، واستمر بها حتى الآن.

- دعي أستاذًا زائرًا بجامعات صنعاء، وأم القرى، والكويت، وعجمان، واليرموك، عدة فصول دراسية.

- دعي إلى مهمات علمية في الولايات المتحدة وبريطانيا عدة مرات، فترات مختلفة.

- شارك في مؤتمرات عدة عقدت -على سبيل المثال- في: السعودية، والعراق، والبحرين، وقطر، وتونس، والجزائر، ولبنان، والأردن، والإمارات العربية، وسلطنة عمان، ولندن، وسان فرانسيسكو. له العديد من المؤلفات والدراسات الأكاديمية في مجال تخصصه، منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • المدارس في الإسلام: نشأتها وتطورها حتى نهاية العصر العباسي.
  • الفكر التربوي عند ابن خلدون.
  • التعليم في مصر في العصر الفاطمي.
  • الأزهر: ألف عام من العلم والإيمان.
  • قضايا في الفكر التربوي الإسلامي.
  • التربية الإسلامية: أسسها وتطبيقاتها.
  • دور الأزهر في مقاومة الغزو الفكري.

** صدر هذا الكتاب عن دار الهلال، ضمن سلسلة "كتاب الهلال، العدد 431، صفر 1407ه/ نوفمبر 1986م.

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الثلاثاء, 10 حزيران/يونيو 2025 15:59

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.