الدرع في اللغة سلاحٌ يَدفع به المقاتل ضربات العدو، وهي قطعة من الحديد تُمسك من وسطها باليد، وتُدفع بها النصال. وقد سميت الدروع البشرية كذلك لأنها تقوم بدور الدرع التقليدية في حماية صاحبها، لكن الفرق شاسع من الناحية الأخلاقية؛ فالدرع التقليدية لها من المناعة ما يَرد ضربة العدو ويَتكسر عليه سيفه، أما الدرع البشرية فالمانع من ضربها أخلاقي صرف.
والدروع البشرية مصطلح عسكري قانوني يعني استخدام مجموعة من الناس -مدنيين أو عسكريين- بهدف حماية منشآت حساسة في وقت الحرب (مراكز عسكرية، أو منشآت إستراتيجية، أو سدود، أو جسور…)، وذلك بنشرهم حولها لوضع العدو أمام حرج أخلاقي يمنعه من استهداف المنشآت المراد حمايتها. قد يأخذ الدرع البشري أشكالا أخرى، منها -مثلا- وضع رهائن أمام قوات متقدمة لمنع العدو من التصدي لها، كما يُصنف في خانة الدروع البشرية تخزين أسلحة ومعدات وتمركز وحدات عسكرية مقاتلة في مناطق مأهولة بالمدنيين.
ويعرفه القانون الدولي بـ"وضع الأعيان العسكرية (المقاتلين أو العتاد) والمدنيّين في الموقع نفسه بصورة متعمّدة بقصد ردع أو منع مهاجمة تلك الأعيان تحديدا". وتعني أيضًا "استخدام أشخاص يحميهم القانون الدولي الإنساني كأسرى الحرب أو المدنيين لردع هجمات على المقاتلين أو على المواقع العسكرية".
أنواع الدروع البشرية
قانونيا، هناك نوعان من الدروع البشرية، طوعية وغير طوعية، وينطبق التصنيف الأول على المدنيين الذين يعرضون أنفسهم للخطر لحماية أشخاص أو مواقع أو أشياء قيّمة لديهم، أما الآخر فيشمل المدنيين الذين يستخدمهم طرف محارب لحماية نفسه.
قد يكون المشاركون في تشكيل الدرع البشرية مجبرين على ذلك، وهو ما يتناوله القانون الدولي بالحظر الصريح، لكن الدرع البشرية قد تُقام بناء على عملية تعبوية تستحث الحس الوطني المتقد أصلا في أوقات الحرب؛ ففي يوغسلافيا -مثلا- تجمع عشرات الآلاف منعا لطيران حلف شمال الأطلسي من استهداف منشآت حساسة في بلغراد أثناء حملته ضد نظام سلوبودان ميلوسيفيتش عام 1999. ومن أشكالها أيضا السلاسل التطوعية، وهي عندما تتفق جماعة من المدنيين لحماية مدنيين آخرين من استهدافهم، كما فعلت منظمة حاخامات لحقوق الإنسان عام 2003 حماية للمزارعين الفلسطينيين خلال حصادهم الزيتون من هجمات المستوطنين. وفي العراق، انتظم متطوعون قدِموا من مختلف أرجاء العالم في دروع بشرية خلال الحملة الدولية على العراق بين يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 1991، والتي كان هدفها طرد قواته من الكويت. كما لجأ نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي إلى إقامة دروع بشرية خلال حملة فجر الأوديسا التي نفذتها قوات غربية وعربية منعا لوصول الجيش الليبي إلى بنغازي بعد تفجر ثورة 17 فبراير/شباط 2011.
دأب الاحتلال الإسرائيلي على استخدام الفلسطينيين دروعا بشرية خلال المواجهات مع الشبان في نوبات التوتر والانتفاضة، وكذلك في المواجهات المسلحة مع المقاومة الفلسطينية. ووثقت كاميرات الإعلام الدولي أكثر من مرة مشاهد فظيعة يَسير فيها جنود الاحتلال متمترسين خلف شبان وأحيانا مراهقين فلسطينيين. وخلال الغزو الأميركي للعراق في 2003، اتُهم نظام الرئيس الراحل صدام حسين بتخزين كميات كبيرة من السلاح وسط الأحياء السكنية حماية لها من القصف الجوي. وخلال عدوان إسرائيل على لبنان عام 2006، اتهم الاحتلال حزب الله بنصب بطارياته العسكرية داخل الأحياء المدنية، وهي التهمة نفسها التي يُوجهها دائما للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
موقف القانون الدولي الإنساني:
وتعد حماية المدنيين أحد أسس القانون الدولي الإنساني، ومن ثم تحظر مجموعة متنوعة من القوانين استخدام الدروع البشرية بما في ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949، كما تعد المحكمة الجنائية الدولية ونظام روما الأساسي استخدام الدروع البشرية جريمة حرب. ويمنع البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف (المادة 7) منعا كليا استخدام الدروع البشرية خاصة الأسرى، كما أن اتفاقية جنيف لعام 1929 تُلزم الطرف المسيطر على الجبهة بإخلاء أسراه في أسرع وقت ممكن وإبعادهم عن جبهات القتال، ومن ضمن الأسباب الكامنة وراء هذا الإلزام الخوف من استخدام الأسرى دروعا بشرية. ويعد حظر استخدام المدنيين دروعا بشرية جزءا من القانون العرفي، لكن رغم وروده في عدة اتفاقيات ملزمة لموقعيها، تطالبهم باتخاذ تدابير لحماية المدنيين والمنشآت المدنية، يعد إثبات الانتهاك قانونيا أمرًا صعبًا.
وإذا لجأ طرف ما في الحرب إلى استخدام الدروع البشرية، فإن الطرف المهاجم يبقى ملزما بموجب القانون الدولي الإنساني بالتمسك بمبادئ الاحتياط والتناسب، أي أن على الطرف المهاجم أخذ كل تدابير الاحتياط التي من شأنها تقليل عدد الضحايا المدنيين، ويجب أن تكون الميزة العسكرية المرجوة من الهجوم متناسبة مع قوة الهجوم التدميرية وحصيلة الأرواح الناتجة عنه. وإن وجد الطرف المهاجم أن العملية العسكرية قد يفوق ضررها فائدتها فيجب عليه وقفها وتصبح الهجمة محظورة بموجب القانون الدولي الإنساني، ويعني ذلك أنه في حين أن استخدام الدروع البشرية محظور، فمن الممكن لهجمة أن تكون قانونية إذا ما كانت متناسبة.
يفرض القانون الدولي الإنساني على أطراف النزاع المسلح أنْ تُميز -في كل وقت- بين المدنيين والعسكريين، وبين المشاركين في القتال وغيرهم بموجب مبدأ التناسب، ومن هذا المنطلق يَفرض القانون الدولي حماية الأسرى والمصابين لأنَّهم لم يعودوا طرفا في القتال. إلا أن القانون الدولي الإنساني يُميز بين اعتقال العسكري الذي تكفي صفته لاعتقاله طيلة فترة الحرب، في حين لا يحق أسر المدني، أما اعتقاله فلا يكون مبررا إلا في ضوء أنشطة ضارة يقوم بها، كتقديم معلومات للعدو أو تنفيذ عمليات لصالحه. ومن هنا يبرز إشكال استمرار تعرض المدني للاعتقال لا لشيء إلا استخدامه في الدروع البشرية. وتنص مواد القانون الدولي على حماية المدنيين من أخطار العمليات العسكرية ما لم يشاركوا مباشرة في أعمال تضر بالعدو، ولكنه لا يوضح ما إذا كان جعل المدنيين من أنفسهم دروعا بشرية طوعية يعد مشاركة مباشرة في النزاع.
الدروع البشرية في الإسلام
أن الإسلام كفل حماية المدنيين، وعدم استهدافهم عمدًا في أثناء سير العمليات القتالية، فيقول تعالى "وَقَاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"، والسنة النبوية أوضحت من يجب حمايتهم حال القتال ما لم يشاركوا في المعركة، وهم النساء، والأطفال، والمسنُّون، والرهبان، والعُسفاء، وهم الأجراء المستقدمون لأداء خدمات ومهام معينة للعدو في ساحة المعركة، لكنهم لا يشاركون في العمليات القتالية الفعلية، كذلك المرضى والمكفوفين والمقعدين والمزارعين والتجار والصناع إلا إذا اشتركوا في القتال.
كما حظر الإسلام أيضًا استخدام الأسلحة العشوائية، على الرغم من أن الأسلحة التي استخدمها المسلمون في بداية التاريخ الإسلامي كانت بدائية، ذات قدرة محدودة على التدمير، فقد حرص الفقهاء المسلمون على تأسيس أحكام بخصوص استخدام أسلحة عشوائية الطابع، مثل المنجنيق «آلة لقذف الحجارة الضخمة» والسهام المسمومة والسهام النارية، واستدل بالآية القرآنية ﴿مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ في الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾.
كما حظر الهجمات العشوائية، انطلاقًا من الحرص على مبدأ التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، فصلوا في أسلوبين: هما البيات «أي: الإغارة على العدو ليلًا»، والتَّترُّس «أي استخدام دروع بشرية»، وكل ذلك من أجل الحفاظ على حياة غير المحاربين، ويخلص إلى أنه «بناء على هذه القواعد المقررة في الإسلام لا يجوز استخدام الدروع البشرية في الحروب لأي من الفريقين المتحاربين».
الفرق بين التترس والدروع البشرية:
ثمة تعبيران يحملان المعنى نفسه من حيث اللغة، ولكنهما يحيلان -من منظور تاريخي ومفهومي- إلى أمرَين مختلفين. التعبير الأول: هو "الدروع البشرية"، والتعبير الثاني: هو "التترس" (اتخاذ تُرْس). فالأول عسكري وقانوني حديث يعبّر عن جريمة حرب، بينما الثاني فقهي وصفي يُطلب فيه الحكم المعياري، وثمة خلاف حول تفاصيله بين المذاهب الفقهية تاريخيًّا، وقد استخدمته جماعات العنف -في الزمن الحاضر- لتسويغ إصابة المدنيين المسلمين في معاركها مع الأنظمة السياسيّة الداخلية.
أمّا اتخاذ دروع بشرية، فهو أمر مجرّم في القانون الدولي، ويتضمن أمرين: الأول: استخدام المدنيين بشكل مباشر في الحرب، والثاني: الاستفادة من وجود المدنيين؛ لحماية هدف عسكري من الهجوم عليه، أو لإعاقة العمليات العسكرية للعدو.
أما التترس، فمعناه أن يحتمي العدو غيرُ المسلم بمن يَحرم قتله (من المسلمين أو أهل الذمة وَفق الاصطلاح التاريخي)، يريد بالتُرْس صدَّ المسلمين عنه لتحقيق غرض عسكري، ونلحظ فوارق عدة بين مفهومي الدروع البشرية والتترس وهي:
الأول: أن التترس يتمحور -أساسًا- حول اتخاذ العدو غير المسلم ترسًا ممن يَحْرم قتله، ومن ثم انصرف النقاش الفقهي التاريخي إلى حكم المضي قدمًا في العمل العسكري؛ إذا كان سيؤدي إلى قتل الترس البشري (من المسلمين أو أهل الذمة أو نساء العدو نفسه وصبيانه الذين يَحرم قتلهم في الحرب)، ومن اللافت أن النقاش الفقهي حول التترس يستبعد فكرة استعمال المسلمين أنفسهم الترسَ، ويبدو أنها لم تكن مطروحة ولم يسبق للمسلمين أن استعملوا الترس البشري في الحروب، ولكن استعمله غيرهم قديمًا وحديثًا.
الثاني: أن التترس جزء من منظومة ما قبل الدولة الحديثة التي تصوغ تصورها الخاص حول من يَحرم قتله في الحرب، بينما تتمحور فكرة الدروع البشرية حول مبدأ أو قاعدة مركزية، وهي التمييز بين المدني والعسكري أولًا، وإعطاء حرمة متميزة للمدني وحمايته في الحرب ثانيًا، ومن هنا اعتُبر استخدام الدروع البشرية جريمة قانونية؛ لأنه يلغي هذه الفوارق ويهدر حرمة المدنيين الذين ليسوا جزءًا من الحرب ولا يساهمون فيها. وعلى هذا، فمفهوم "المدني" الحديث أوسعُ من التصورات الفقهية الكلاسيكية لمن يَحرم قتله في الحرب.
______________
المصادر:
- الدروع البشرية.. تعريفها ونشأتها وأشكالها، الجزيرة نت، 10 يونيو 2024، https://bit.ly/3XVVs2l
- د. معتز الخطيب، "الدروع البشرية" في غزة من منظور قانوني وأخلاقي، الجزيرة نت، 5 يناير 2024، https://bit.ly/3S6by5J
- سيف دويدار، استخدمها ريتشارد الأول ضد صلاح الدين وتستخدمها إسرائيل ضد المقاومة.. قصة الدروع البشرية، عربي بوست، 15 ديسمبر 2023، https://bit.ly/3XX9GQB
- لؤي على، عضو مجمع البحوث الإسلامية: لا يجوز استخدام الدروع البشرية في الحروب، اليوم السابع، 3 أبريل 2019، https://bit.ly/461BANk