أثر الفقه الإسلامي في القوانين المدنية للدول العربية*

By د. حمد بوجمعة ** أيار 08, 2025 890 0

 

الملخص:

لقد كان الفقه الإسلامي هو القانون الوحيد، والنظام الحاكم والمطبق في جميع البلاد العربية إلى غاية سقوط الخلافة العثمانية، ووقوع أكثر الدول العربية تحت سيطرة الاستعمار الغربي، غير أنه وبعد استقلال هذه الدول تراجعت نظرتها إلى الفقه الإسلامي، فبعض الدول استمدت قانونها المدني كله من الفقه الإسلامي، وبعضها استمدت بعضه فقط الإسلامي وأكثره من القوانين الغربية، وعلى ذلك أكثر الدول العربية، في حين زاوجت بعض الدول في الاستمداد بين الفقه الإسلامي والقوانين الغربية.

الكلمات المفتاحية: الفقه الإسلامي، القانون المدني، تأثير، استمداد، القوانين العربية.

Abstract:

It was Islamic jurisprudence is the only law, the ruling and applied in all the Arab countries and order until the fall of the Ottoman Empire, and the occurrence of more Arab countries under the control of Western colonialism, however, and after the independence of these countries outlook fell to Islamic jurisprudence, some states derived civil law the whole of Fiqh Islamic, and some are only partly derived from Islamic jurisprudence, and most of Western laws, and that more Arab while some countries in the Twin draw upon between the Western and countries, Islamic jurisprudence laws.

Key words: Islamic jurisprudence, civil law, impact, Arab States, Extraction.

مقدمة:

ظلت الشريعة الإسلامية هي القانون الوحيد المطبق في العالم الإسلامي زهاء ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، حتى ابتلي العالم الإسلامي في أكثره بالاستعمار الغربي، الذي حاول بكل الطرق طمس هوية الدول المستعمرة وتغريبها، حتى أنه غير نظمها القانونية، فأحل بذلك نظمه وقوانينه بدل الشريعة الإسلامية، وشمل ذلك جميع المجالات القانونية عدا مسائل الأحوال الشخصية، وبعد أن استردت هذه الدول المستعمرة حريتها وأخرجت المستعمر من أراضيها، لم تقم بتنقية مخلفاته كلها، بل لقد ترك المستعمر الغربي تراثًا من مخلفاته أهمه وأرذله تلك القوانين الأجنبية التي لا تزال تتضمنها قوانين دولنا العربية حتى الآن، وكأن هذه الدول قد ألفت تلك القوانين كما يألف المريض علته، فتركتها تحكم شؤونها حتى بعد رحيل المستعمر عنها، غير أنه مع كثرة الدعوات والأصوات المنادية بالعودة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية[1] استجابت أكثر الدول – على الأقل في قوانينها المدنية – لذلك ونصت في دساتيرها كما سيأتي على اعتبار الشريعة الإسلامية مصدر رئيسًا للتشريع، ونص بعضها على أن الإسلام دين الدولة ...

هذا بالنسبة للدول التي قبعت تحت وطأة الاستعمار الغربي، أما بالنسبة للدول التي نجت من تسلط المستعمر عليها مثل الحجاز "المملكة العربية السعودية حاليًا" واليمن فظلت تطبق الشريعة الإسلامية إلى يومنا هذا.

ولذلك سنقسم هذا البحث إلى ثلاثة محاور أساسية:

  • الدول التي استمدت قانونها المدني كله من الفقه الإسلامي مثل السعودية غير أنها لم تلجأ إلى تقنينه، واليمن 1992م، والأردن 1976م، والإمارات العربية 1985م، والسودان في قانونها الجديد الصادر سنة 1984م الذي استمدته من القانون الأردني وغيره.
  • الدول التي زاوجت في الاستمداد في قانونها المدني بين الفقه الاسلامي والقانون الغربي أو ما يمثله كالقانون المدني المصري، مثل العراق في قانونها الصادر سنة 1952م، وقبله مجلة الالتزامات والعقود التونسية 1906م التي أعدها المستشرق الإيطالي سانتيلانا على أساس من الفقه الإسلامي، مما جعل البعض يجزم بأنها مستمدة من الفقه الإسلامي كلها، وقانون الالتزامات والعقود المغربي 1913م، الذي جعل من المجلة التونسية أصلاله.
  • الدول التي استمدت قانونها المدني جله من الفقه الغربي - إلا بعض المسائل – مثل القانون المدني اللبناني، والقانون المدني المصري 1948م، والدول التي اتخذت القانون المدني المصري أصلاً لقوانينها مثل القانون المدني السوري 1948م، والقانون المدني الليبي 1954م، والقانون المدني الجزائري 1975م، والقانون المدني القطري 2004م.

 

المحور الأول

الدول التي استمدت قانونها المدني كله من الفقه الإسلامي

من هذه الدول التي استقت قانونها المدني كله من الفقه الإسلامي الدول التي لم تخضع لأي استعمار غربي فساعدها ذلك على الاستمرار في تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع شؤونها، مثل الحجاز بأقاليمه واليمن، ومنها التي خضعت للاستعمار مثل الأردن ...

أما بالنسبة للدول التي لم تخضع للاستعمار فكانت الشريعة الإسلامية هي الشريعة الوحيدة والقانون الوحيد الذي يحكم جميع معاملاتها، ويمثل هذه الدول السعودية واليمن.

أولاً: المملكة العربية السعودية

المملكة العربية السعودية قبل توحدها وتسميها بهذا الاسم كانت عبارة عن إقليمين أساسيين هما إقليم نجد وما يتضمنه من مناطق محيطة به، وإقليم الحجاز الذي من أهم مدنه مكة والمدينة، والمناطق المجاورة مثل ينبع وعسير...، وما يهمنا في هذا التقسيم هو النظام القانوني السائد في كل منها، ثم نتكلم عن القانون السائد وخصوصًا في جانب المعاملات المدنية في المملكة السعودية بعد توحدها.

أما بالنسبة لإقليم نجد والمناطق المحيطة به ابتداء من قيام الدولة السعودية الأولى حتى بدايات الدولة السعودية الثالثة كان النظام القانوني الذي يحكم المعاملات المدنية هو عبارة عن خليط بين مذهب الإمام أحمد بن حنبل وبين النظام القانوني القبلي، في حين كان القضاء في المدن الكبرى ولا سيما الخاضعة لحكم آل سعود يلتزم بتطبيق الراجح من مذهب الإمام أحمد، في حين أن القرى والبوادي الخارجة عن سيطرة آل سعود كان حكم المعاملات المدنية فيها حكمًا قبليًا ويعرف «بقضاء البدو»، وغالبًا ما يكون القاضي هو شيخ القبيلة، ويعتمد هذا القضاء على العرف والتقاليد الموروثة الملزمة لأبناء القبيلة الواحدة، سواء وافق ذلك الشريعة الإسلامية أو خالفتها[2].

أما بالنسبة لإقليم الحجاز فهو إقليم يتميز عن سابقه بالانفتاح والمرونة والتنوع لكونه يعد مكانًا تلتقي فيه جميع شعوب الأرض من كل حدب وصوب لأداء المناسك الدينية.

وكان هذا الإقليم خاضعًا للخلافة العثمانية قبل توحد المملكة السعودية، ولذلك فقد تأثر بالنظام القانوني الذي كان يحكم الدول والأقاليم الخاضعة لسلطان هذه الخلافة، وكما هو معلوم فإن تشريعات الخلافة العثمانية كانت مستمدة من الفقه الإسلامي وبالضبط من المذهب الحنفي، غير أنه ببزوغ نجم الدول الأوروبية، وظهور علامات سقوط الخلافة العثمانية، حتى وصفت بالرجل المريض، بدأت هذه الخلافة في مهادنة الدول الأوروبية، ومن مظاهر تلك المهادنة اقتباس النظم القانونية الأوروبية وتطبيقها في الخلافة العثمانية، فمن ذلك على سبيل المثال اقتباس قانون العقوبات الفرنسي سنة 1840م، وقانون التجارة سنة 1850م، وقانون الإجراءات المدنية سنة 1880م...، أما القانون المدني فقد انبرى له جماعة من الفقهاء وهم سبعة فقهاء أشهرهم ابن عابدين الحنفي، وقننوه في ما يسمى بمجلة الأحكام العدلية من سنة 1970-1977م[3].

وطبقت مجلة الأحكام العدلية كتقنين للمعاملات المدنية مستمد من الفقه الحنفي على بلاد الخلافة العثمانية الخاضعة لحكمها، ومن تلك البلاد إقليم الحجاز، وبالضبط المدن الكبرى من هذا الإقليم فقط، كمكة والمدنية شرفهما الله تعالى، وينبع والطائف، لأنها هي التي كانت خاضعة بصورة فعلية للخلافة العثمانية، بخلاف القرى والبوادي الذين كانوا يحتكمون إلى القانون القبلي.

وبعد أن استولى الملك عبد العزيز على الحجاز كان لزامًا فيما يرى هو أن أنسب وسيلة لتمهيد إنشاء المملكة العربية السعودية هو إصدار تنظيم قانوني موحد يحكم المعاملات، أساسه الشريعة الإسلامية مستمدًا من المذاهب الأربعة جميعها[4]، لأنه لم يكن يريد فرض المذهب الحنبلي على أهل الحجاز وهم في أكثرهم حنفية كما هو معروف، ووضع لذلك خطة عمل، غير أنها لم تكلل بالنجاح لأسباب أهمها:

  • طول المدة التي يستغرقها المشروع، فإذا كانت مجلة الأحكام العدلية وهي على مذهب واحد دام إنجازها في مدة عشر سنوات تقريبًا، فكيف بمن يريد تقنينًا على أربعة مذاهب، ذلك أن الملك آنذاك كان يسارع الزمن من أجل توحيد المملكة.
  • عدم تحمس العدد الكافي من العلماء الممثلين للمذاهب الأربعة لهذا العمل[5].

بعد تعثر مساعي الملك عبد العزيز للأسباب الفارطة أصدرت هيئة الرقابة القضائية بديلاً عن خطة العمل التي أرادها الملك، تتمثل في جعل المذهب الحنبلي هو المصدر الأساسي لحكم المعاملات المالية في المملكة السعودية، وربما كان ترجيحهم لذلك كونهم كانوا في أكثرهم حنابلة، وتصديقًا على ما رأته الهيئة القضائية أصدر الملك مرسومًا ملكيًا يحدد من خلاله مصادر الفقه الحنبلي التي يجب اعتمادها في القضاء، وفي حال القضاء بمذهب آخر في حالات استثنائية يجب ذكر دليل ومستند الرأي المعمول به، وهذه المصادر المعتمدة في الفقه الحنبلي حسب المرسوم الملكي هي:

  • شرح منتهى الإرادات 00 المتن للفتوحي (ت 972هـ)، والشرح للبهوتي (ت 1051هـ).
  • شرح الإقناع. المتن للحجاوي (ت 948هـ) والشرح للبهوتي. فما اتفق عليه الشرحان أو انفرد به أحدهما فعليه العمل وما اختلفا فيه فيقدم ما في المنتهي.
  • شرح زاد المستقنع المسمى بالروض المربع، المتن للحجاوي والشرح للبهوتي.
  • شرح دليل الطالب المسمى منار السبيل، المتن لمرعي الحنبلي (ت 1032هـ) والشرح لابن ضويان (ت 1353هـ).
  • المغني للموفق أحمد ابن قدامة (ت 620هـ).
  • الشرح الكبير لعبد الرحمان بن أبي عمر بن قدامة (ت 682هـ)[6].

ولقد قام بهذه المهمة وانبرى لها القاضي الشرعي أحمد بن عبد الله القاري[7]، حيث قام بصياغة مواد هذه المجلة من الكتب المذكورة في المرسوم الملكي متأسيًا بمجلة الأحكام العدلية ومرشد الحيران لقدري باشا، حيث وصلت موادها إلى 2382 مادة في مقدمة و21 كتابًا[8].

غير أن هذا التقنين لم يكن ملزمًا للقضاة، ولكن مصادر هذا التقنين لم يكن يجوز للقاضي الخروج عنها إلا في حالات خاصة، وهو ما نص عليه المرسوم الملكي، ولأن التقنين كان من ميزات الدول الغربية، ولأسباب أخرى أيضًا، لم تقم المملكة بتقنين الفقه والإلزام به، غير أن ذلك لم يدم طويلاً فقد قننت المملكة الكثير من القوانين الجزئية المنظمة لمسائل خاصة بالعقارات مثلاً، وأملاك القصر، وحقوق المؤلف[9] وغيرها ... وعليه وبعد صدور العديد من التقنينات الجزئية المنظمة لمسائل كثيرة مرتبطة بالمعاملات أصبح من المهم بمكان أن تجمع في تقنين واحد حتى يسهل على القاضي الحكم في القضايا التي صدرت في حقها هاته القوانين المستمدة طبعًا من الفقه الإسلامي[10]، وبهذا كله لم يصبح لمسألة الاختلاف في التقنين معنى وخصوصًا بعد صدور الكثير من التقنينات كما سبق.

ثانيًا: القانون المدني للجمهورية العربية اليمنية

اليمن من الدول التي لم تخضع لأي احتلال لاتساع أراضيها، ولأن الدول المستعمرة لم ترها ذات فائدة، فظلت بذلك بعيدة عن الغزو الأجنبي، وبقيت تطبق الشريعة الإسلامية في كافة مجالاتها، وهو ما أكدته مواثيق ودساتير الجمهورية اليمنية، وآخرها دستور سنة 2001م، والذي نص في المادة الثالثة منه على ما يلي "الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات"، وهو ما جاء واضحًا جليًا في المادة الأولى من القانون المدني اليمني "يسري هذا القانون المأخوذ من أحكام الشريعة الإسلامية على جميع المعاملات والمسائل التي تتناولها نصوصه لفظاً ومعن، فإذا لم يوجد نص في هذا القانون يمكن تطبيقه يرجع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية المأخوذ منها هذا القانون فإذا لم يوجد حكم القاضي بمقتضى العرف الجائز شرعًا فإذا لم يوجد عرف فبمقتضى مبادئ العدالة الموافقة لأصول الشريعة الإسلامية جملة ويستأنس برأي من سبق لهم اجتهاد من علماء فقه الشريعة الإسلامية ويشترط في العرف أن يكون ثابتًا ولا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية والنظام العام والآداب العامة".

وجاء في تقديم هذا القانون ما يلي "فإن الجمهورية العربية اليمنية تقدم للبشرية عامة وللأمة الإسلامية خاصة (القانون المدني، المعاملات الشرعية) مستمدًا من مصادر الشريعة الإسلامية، وهي القرآن والسنة والإجماع والقياس، والأخذ بأقوى ما في كل مجموعة المذاهب الاجتهادية..."[11] وهذا يدل على أن القانون المدني مستمد من الإسلامي غير مقيد بأي مذهب من المذاهب الاجتهادية، وقد صدر هذا القانون على فترتين، في كل فترة يصدر فيها كتابان، وكلما صدر كتابان من الكتب الأربعة التي تشكل القانون المدني اليمني طبق وعمل به من يوم إصداره.

  • فقد صدر الكتاب الأول "أحكام عامة في المعاملات «والكتاب الثاني» الحق والالتزام به «بقانون رقم 10 لسنة 1979 يوم 21 أفريل 1979.
  • ثم صدر الكتاب الثالث "العقود المسماة في الفقه الشرعي" والكتاب الرابع "الملكية وما يتفرع عنها" قانون رقم 16 لسنة 1983 يوم 20 يونيو 1983.

وبعدها ألغيت هذه القوانين ووقع تعديل طفيف في الكتب السابقة وصدر القانون المدني بقانون رقم 19 لسنة 1992م، غير أنه تم تعديله أيضًا وصدر بقانون رقم 14 لسنة 2002م.

ومما يلاحظ على هذا القانون أنه أخذ عن القانون المدني المصري مواد كثيرة، وخصوصًا في الكتاب الثاني المتعلق بالحق والالتزام به، بحجة أنها لا تخالف الشريعة الإسلامية مع أنهم لم يشيروا إلى هذا في المذكرة الإيضاحية. وعلى كل حال فهذا القانون هو قانون مستمد من الفقه الإسلامي، ويرجع في تفسير نصوصه إلى قواعد الفقه الإسلامي وأصوله حسب نص المادة الأولى منه كما سبق.

ثالثًا: القانون المدني للمملكة الأردنية

لقد بقيت مجلة الأحكام العدلية هي القانون الذي يحكم المعاملات المدنية بالأردن إلى غاية صدور القانون المدني الأردني في أغسطس 1976م، وهذا القانون بدأ التحضير له، وشكلت له لجنة بتاريخ 3/6/1971، وبقيت اللجنة في عملها هذا حتى انتهت منه سنة 1976، وقد بلغت مواده 1449 مادة وجاء من حيث الترتيب العام على نسق القانون المدني المصري مقسمًا إلى أربعة كتب وباب تمهيدي.

الباب التمهيدي: يتناول الأحكام العامة من المادة 1-86.

الكتاب الأول: يتناول الحقوق الشخصية من المادة 87-464.

الكتاب الثاني: يتناول العقود وينقسم إلى خمسة أبوب من المادة 465- 1017.

الكتاب الثالث: يتناول حق الملكية وينقسم إلى بابين من المادة 1018-1321.

الكتاب الرابع: يتناول التأمينات العينية وينقسم إلى ثلاثة أبوب من المادة 1322-1449.

بل وقبل صدور القانون بربع قرن تقريبًا ثار الحوار لدى السلطات التشريعية في القطر الأردني حول النهج الذي يتعين أن يسلكه واضع القانون المدني الأردني الجديد، أهو نهج القانون المدني العراقي المتأثر بمجلة الأحكام العدلية بنسبة كبيرة أم القانون المدني المصري، وغيره من القوانين المدنية العربية المتأثر بالقوانين الغربية؟

لقد اختار واضع القانون المدني نهجًا جديدًا يميل إلى القانون المدني العراقي، ويتفوق عليه[12]، وهو ما جاء صريحًا في كلمة رئيس مجلس الأعيان حسب ما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الأردني: "لأول مرة في تاريخ العرب الحديث تقوم المملكة الأردنية الهاشمية بإعداد مشروع قانون مدني، يتناول أحكام المعاملات، مستمدًا من الفقه الإسلامي بأحكامه الواسعة المتفتحة على الحياة، وقواعده المتطورة دائمًا مع متطلبات العصر، والصالحة للغد ولتبدل الأزمان"[13]، فاقتباس القانون المدني الأردني من الفقه الإسلامي لم ينحصر على مذهب من المذاهب، بل استمد نصوصه من قواعد الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة، كما استمد الكثير من نصوصه من مجلة الأحكام العدلية، وكذلك بعض القوانين الوضعية[14] التي لا تتعارض مع أحكام الفقه الإسلامي[15]، وقد استمد الكثير من المواد عن القانون المدني المصري وخصوصًا في الكتاب الأول من حيث تقسيم الحق الشخصي وتحديد آثاره، أو ما يعبر عنه بالالتزام وآثاره، ويظهر ذلك جليًا واضحًا لمن قارن بين نصوص القانونين مع أن القانون المدني الأردني خالف كثيرًا غيره من القوانين الوضعية المستمدة من القانون المدني المصري، من حيث ترتيب مواد هذا الجزء المتعلق بأحكام الالتزام كبدئه بالتنفيذ الاختياري أي بالوفاء، أو ما يعادل الوفاء ثم التنفيذ الجبري[16] ...

ولتأكيد المشرع المدني الأردني تمسكه بالاستمداد من الفقه الإسلامي نص في المادة الثانية 02/2 من الباب التمهيدي على ما يلي: "فإذا لم تجد المحكمة نصًا في هذا القانون حكمت بأحكام الفقه الإسلامي الأكثر موافقة لنصوص هذا القانون، فإن لم توجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية"، ثم نص في الفقرة الثالثة من نفس المادة عن العرف وقواعد العدالة بشرط عد المخالفة لأحكام الفقه الإسلامي، ونص في المادة الثالثة من الباب التمهيدي على ما يلي: "يرجع في فهم النص وتفسيره وتأويله ودلالته إلى قواعد أصول الفقه الاسلامي".

وهكذا يكون القانون المدني الأردني حقيقة هو أول قانون مدني عربي مستمدًا أحكامه من الفقه الإسلامي، ونص في مصادره الاحتياطية على الرجوع إلى الفقه الإسلامي أولاً ثم الرجوع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية ... إلخ، وإن كان استمد بعض النصوص من قوانين متأثرة بالفقه الغربي، فإنه قطع الصلة بينها وبين الفقه المستمدة منه بنصه في المادة الثالثة كما سبق، من أن تفسير النصوص وفهمها ودلالتها يرجع فيها إلى قواعد وأصول الفقه الإسلامي، وهي الفكرة التي نبه عليها العلامة عبد الرزاق السنهوري في خاتمة مقاله "من مجلة الأحكام العدلية إلى القانون المدني العراقي"[17].

ومن الجدير بالذكر أيضًا أن القانون المدني لم يلغي بصدوره مجلة الأحكام العدلية تمامًا، بل نص في المادة ما قبل الأخيرة (1448) "يلغى العمل بما يتعارض مع أحكام هذا القانون من مجلة الأحكام العدلية" أي أنه لا يزال معمولاً بها فيما لا يتعارض مع نصوص القانون المدني الجديد[18].

رابعًا: القانون المدني لدولة الإمارات العربية المتحدة

بعد نهاية الحماية البريطانية على المنطقة في مطلع السبعينات من القرن الماضي سارعت الإمارات السبع للاتحاد، وبدأت في توطيد الاتحاد على كافة المجالات، ومن ذلك الاتحاد القانوني، فصدر في مجال المعاملات القانون الاتحادي رقم 05 في 15/12/1985 المتضمن قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، ويتألف هذا القانون من 1528 مادة مقسمة إلى باب تمهيدي وأربعة كتب رئيسية، متأسيًا في ذلك بترتيب القانون المدني المصري والأردني.

الباب التمهيدي: يتناول الأحكام العامة من المادة 1-123.

الكتاب الأول: يتناول الالتزامات أو الحقوق الشخصية من المادة 124- 488.

الكتاب الثاني: يتناول العقود من المادة 489-1132.

الكتاب الثالث: يناول الحقوق العينية الأصلية من المادة 1133-1398.

الكتاب الرابع: يتناول التأمينات العينية التبعية من المادة 1399- 1528.

ولقد كان مصدر القانون المدني لدولة الإمارات هو الفقه الإسلامي[19]، وقد جعل من القانون المدني الأردني أصلاله[20]، وخالفه في بعض المسائل، وزاد عليه في بعضها الآخر.

وقد نصت المادة الأولى من قانون المعاملات المدنية الإماراتي على جعل الشريعة الإسلامية هي المصادر الأول الاحتياطي في حالة عدم وجود نص في المسألة المعروضة على القضاء، على أن يكون المذهبان المالكي والحنبلي في المقدمة، فإن لم يجد القاضي فيهما أنسب الحلول للقضية المعروضة عليه نظر في المذهبين الشافعي والحنفي، ثم العرف الموافق للشريعة الإسلامية، وهذا هو نص المادة الأولى: "تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها وفحواها. ولا مساغ للاجتهاد في مورد النص القطعي الدلالة. فإذا لم يجد القاضي نصًا في هذا القانون حكم بمقتضى الشريعة الإسلامية. على أن يراعي تخير أنسب الحلول من مذهبي الإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل فإذا لم يجد فمن مذهبي الإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة حسبما تقتضيه المصلحة. فإذا لم يجد حكم القاضي بمقتضى العرف على ألا يكون متعارضًا مع النظام العام أو الآداب وإذا كان العرف خاصًا بإمارة معينة فيسري حكمه على هذه الإمارة".

ومما يؤكد استمداد قانون المعاملات المدنية الإماراتي من الفقه الإسلامي نص المادة الثانية «يرجع في فهم النص وتفسيره وتأويله إلى قواعد وأصول الفقه الإسلامي» وذلك لأن هذا القانون مستمدة من الفقه الإسلامي، وحتى وإن استمد بعضها من غير الفقه الإسلامي - مثل ما فعل القانون المدني الأردني- فإنها لا تخالف أحكامه، ولذلك يرجع في فهمها إلى قواعد الفقه الإسلامي، مما يدل على قطع الصلة بينها وبين المصدر الذي استمدت منه حتى لا يقول قائل إن مصدر تلك المادة هو القانون الفرنسي أو الإيطالي فيجب الرجوع إليهما لفهم هاته المادة.

خامسًا: قانون المعاملات المدنية السوداني

بقي القانون الإنجليزي هو القانون الذي يحكم البلاد السودانية حتى قيام بعض الثورات التي من مطالبها ضرورة تبني تشريعات عربية بدل القوانين الأجنبية، فأعلن الرئيس السوداني في ذلك الوقت السيد جعفر نميري في 31/08/1970م بدء الثورة التشريعية، وبصفة عاجلة أحضرت لجنة من كبار المستشارين المصريين بمعية بعض القضاة السودانيين، وفي فترة وجيزة انتهت اللجنة من عملها فجاء القانون في 917 مادة مقسمة على أربعة كتب، وجاء تقريبًا نسخة عن القانون المدني المصري[21] بل حتى في مذكرته التفسيرية هي مأخوذة عن المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري، غير أن هذا القانون لم يدم العمل به إلا سنتين، بسبب احتدام الصراع، فألغي، ورجع العمل بالقانون الإنجليزي في شأن المعاملات المدنية بالإضافة إلى السوابق القضائية، وإصدار بعض القوانين الجزئية، مثل قانون العقود، وقانون البيع، وقانون الوكالة، وذلك سنة 1974، وتوالت صدور بعض القوانين الجزئية حتى سنة 1984م، وهي السنة التي ولد فيها قانون المعاملات المدنية الجديد نتيجة ظهور رغبة رئيس البلاد السيد جعفر النميري نحو النهج الإسلامي تلبية لطلب الغالبية العظمى من الشعب السوداني، فبدأ تجسيد هذه الرغبة بالنص في دستور 1973م في مادته التاسعة "الشريعة الإسلامية والعرف مصدران رئيسيان للتشريع"، وفي سنة 1977م تشكلت لجنة لمراجعة القوانين السودانية وتعديلها لتتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية، وفي 11/2/1984م صدر قانون المعاملات المدنية والذي شمل 819 مادة، مستمدًا بعض أحكامه من بعض قوانين الدول العربية وخصوصًا القانون المدني الأردني، ومشروعات قوانين بعض دول الإمارات العربية المتحدة قبل صدور قانونها المدني الموحد، ومصر، والكويت، واليمن، كما استعان في كثير من مواده بفقه المذهبين الحنفي والمالكي، ليصبح قانونًا مستمدًا من الشريعة الإسلامية[22]، غير أن هذا القانون تعرض لحملة شرسة، منها ما هو جدير بالذكر والبيان مثل إغفال القانون المدني لكثير من المسائل المهمة كالمبادئ العامة لآثار الالتزام من تنفيذ عيني جبري أو بمقابل، ثم ما يتعلق بأوصاف الالتزام، وما يتعلق بانقضاء الالتزام سواء بالوفاء أو ما يعادل الوفاء أو بالإبراء ...[23]، ومنها ما هو مبالغ فيه كادعاء بعضهم بأن نصوصه تكاد تطابق نصوص القانون المدني القديم لسنة 1971 بنسبة 75% تقريبًا مع بعض التحوير والتغيير[24].

 

المحور الثاني

الدول التي زاوجت في الاستمداد في قانونها المدني بين

الفقه الإسلامي والقانون الغربي

من أهم الدول التي تمثل هذا الاتجاه هي العراق، وهذا بشهادة أكثر فقهاء القانون، وعلى رأسهم الأستاذ السنهوري، الذي كان رئيسًا للجنة التي أعدت المشروع، أما بالنسبة لمجلة الالتزامات والعقود التونسية التي هي أصل قانون الالتزامات والعقود المغربي والموريتاني فإن الفقهاء لم يستقروا من حيث مدى تأثرها بالفقه الإسلامي على رأي كما سنرى في محله، وقد آثرت أن أضعها في نفس المكانة مع القانون المدني العراقي لكثرة المسائل التي استمدتها من الفقه الإسلامي إذا ما قورنت بالاتجاه الثالث والأخير.

أولاً: القانون المدني العراقي

ظلت مجلة الأحكام العدلية هي المطبقة في العراق إلى غاية صدور القانون المدني العراقي الجديد، ففي سنة 1936 ألفت الحكومة العراقية لجنة من رجال القانون لوضع مشروع قانون مدني جديد يقوم على أساس من الفقه الإسلامي مع إدخال ما تقتضيه ظروف التطور من القوانين الحديثة، وكان من بين أعضاء تلك اللجنة الأستاذ السنهوري، وكان في ذلك الوقت عميدًا لكلية الحقوق في بغداد، فوضع مشروعًا تمهيديًا لأحكام عقد البيع، ثم توقفت اللجنة عن عملها. وفي عام 1943م تألفت لجنة جديدة برئاسة الأستاذ السنهوري لهذه الغاية، فأنجزت عملها في مدة ثلاث سنوات، ثم عرض على مجلس الأمة فوافق عليه بتاريخ 8/9/1951، على أن يطبق بعد سنتين من تاريخ نشره[25]. وقد جاء هذا القانون في 1383 مادة تنقسم إلى باب تمهيدي وقسمين رئيسيين:

القسم الأول: يتناول الالتزامات والعقود وينقسم إلى كتابين:

الكتاب الأول: الالتزامات بوجه عام المواد من 73-505.

الكتاب الثاني: يتناول العقود المسماة المواد من 506 -1047.

القسم الثاني: يتعلق بالحقوق العينية، وينقسم إلى كتابين:

الكتاب الأول: يتناول الحقوق العينية الأصلية، المواد من 1048 -1284.

الكتاب الثاني: يتناول الحقوق العينية التبعية، المواد من 1285- 1383.

أما بالنسبة لمصادر هذا القانون فقد جاء في لائحة الأسباب الموجبة لهذا القانون ما يلي: "وقد أخذت الأحكام الواردة في هذا المشروع من:

  • المشروع المصري: والذي هو في جملته صفوة مختارة من القواعد التي استقرت في أرقى التقنينات الغربية.
  • القوانين العراقية الحالية: وفي طليعتها مجلة الأحكام العدلية وقانون الأراضي.
  • الشريعة الإسلامية"[26].

إذًا مصادر القانون المدني العراقي هي "القانون المدني المصري الذي يمثل القانون الغربي، والقوانين المعمول بها في العراق وأهمها مجلة الأحكام العدلية، والشريعة الإسلامية ويدخل فيها جميع المذاهب الفقهية وبعض مشاريع القوانين مثل مرشد الحيران لقدري باشا الذي اعتمد عليه في كثير من الأحيان المشرع العراقي".

وبذلك تعتبر العراق من أول الدول العربية التي اعتزت بتراثها وحفظته من الضياع، وجعلت من الفقه الإسلامي أساسًا لقرابة النصف من مواد قانونها المدني[27]، أو أكثر من النصف كما أثبته الدكتور أحمد عبيد جاسم في أطروحته الموسومة بالتأصيل الفقهي للقانون المدني العراقي، وذلك بعد أن رد أكثر نصوص القانون المدني إلى مجلة الأحكام العدلية، ومرشد الحيران، وبعض مدونات الفقه الإسلامي[28].

فعلى سبيل المثال فإن الباب التمهيدي يحتوي على 8 مواد من مجلة الأحكام العلية.

وفي الباب الأول الخاص بمصادر الالتزام من الكتاب الأول من القسم الأول، والمشتمل على 173 مادة نقل منه ما يقرب من 76 مادة من المجلة، وما يقرب من 22 مادة من مرشد الحيران، مع وجود الكثير من المواد المتقاطعة والمتشابهة بين المجلة ومرشد الحيران.

وفي الباب الثاني الخاص بآثار الالتزام من نفس الكتاب المشتمل على39 مادة، نقل منه 5 مواد من المجلة.

وفي الباب الثالث الخاص بالأوصاف المعدلة للالتزام والمشتمل على 54 مادة، نقل منها 13 مادة من مجلة الأحكام العدلية، و14 مادة من مرشد الحيران .... وهكذا في جميع الأبواب والكتب[29].

وفيما يخص مكانة الشريعة الإسلامية من بين المصادر الاحتياطية التي يرجع إليها القاضي فقد جاءت في المرتبة الثانية بعد العرف والعادة، مقلدًا في ذلك القانون المدني المصري، وهو ما نصت عليه المادة الأولى من القانون، وليته لم يفعل، لأن ابتعدوا خطوة عن الفقه الإسلامي، وهم الذين يريدون أن يتميزوا عن بقية القوانين بقربهم من الفقه الإسلامي حسب ما تم ذكره في لائحة الأسباب الموجبة للقانون المدني العراقي.

ومن الموضوعات التي استمدها القانون المدني العراقي من الفقه الإسلامي إجمالاً نجد: بعض القواعد الفقهية مثل: المادة 2 "لا مساغ للاجتهاد في مورد النص"، المادة 3 "ما ثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه" وهكذا من القواعد إلى المادة 5.

نجد أيضًا نظرية التعسف في استعمال الحق (مادة 07)،، الرضا كأحد أركان العقد (مواد 77-92)، الأهلية (مواد 93-111)، أحكام تفسير العقد، والتي هي عبارة عن قواعد فقهية (مواد 155-167)، الإرادة المنفردة كمصدر من مصادر الالتزام (مواد 184-185)، حوالة الدين (مواد 339-361)، الإبراء من الدين بإرادة منفردة (مواد 420-424)، خيار الشرط (مواد 509-513)، الهبة كأحد العقود التي تقع على الملكية (مواد 601-625)، وبعض أنواع الشركات كشركة الوجوه، وشركة المضاربة، وشركة الأعمال (مواد 658-683)، إيجار الأراضي الزراعية، والمزارعة، والمساقاة، والمغارسة كأنواع للإيجار (مواد 794- 833)، وحقوق الارتفاق، والعلو والسفل والحائط المشترك والميراث والوصية كسببين لكسب الملكية والشفعة ... [30].

كانت هذه بعض الأمثلة فقط التي تبين مدى استمداد القانون المدني العراقي من الفقه الإسلامي، والقانون العراقي يعد نموذجًا خاصًا للقوانين التي جمعت بين أحكام الفقه الإسلامي والقوانين الغربية الحديثة جنبًا إلى جنب، مع تغليب الفقه الإسلامي وجعله هو الأساس الأول الذي يبنى عليه التقنين.

ثانيًا: القانون المدني التونسي والمغربي والموريتاني

لم تصطلح بعض هذه الدول على القانون المنظم للمعاملات المالية بين الأفراد المصطلح الغربي المعروف، بل فضلت مصطلح المجلة، على غرار مجلة الأحكام العدلية، فسمت تونس قانونها المدني بـ: مجلة الالتزامات والعقود، وتعتبر مجلة الالتزامات والعقود التونسية الصادرة سنة 1906م هي أصل قانون الالتزامات والعقود المغربي، والذي صدر سنة 1913م، وقد حدثت فيه تعديلات عديدة اختصرها الأستاذ السنهوري بقوله "ولكن التقنين المراكشي جاء أكثر اختصارًا من التقنين التونسي، إذ حذفت بعض النصوص المتعلقة بالإجراءات لا تطبق في مراكش، ولا شأن لها بالقانون المدني، وحذفت كذلك بعض النصوص تتعلق بقانون التجارة، وأخرى بقانون الأراضي لا محل لتطبيقها بمراكش، وأخيرًا حذفت نصوص أحكامها من عادات محلية بتونس، كما عدلت بعض المواد..." وهاته الثانية هي الأصل لقانون الالتزامات والعقود الموريتاني الصادر سنة 1989م، مع حدوث بعض التعديلات المتعلقة بالأعراف والعادات ... ولأن مصدر هذه القوانين الثلاثة المذكورة هو مجلة الالتزامات والعقود التونسية سنقتصر عليها فقط.

لما أعلن الفرنسيون الحماية على تونس قرروا إصدار نظام قانوني يحكم البلاد، فألفوا لجنة مكونة من خمسة أعضاء كلهم من رجال القانون الفرنسي بتاريخ 06/09/1896م[31]، ومهمتها وضع مشروع لتقنين حديث يضم أحكام الالتزامات والعقود والتجارة، وعين مقررًا لهذه اللجنة محام إيطالي معروف بتمكنه من الفقه الإسلامي، اسمه دافيد سانتيلانا.

وقد بذلت هذه اللجنة جهدها في التوفيق بين أحكام القانون الفرنسي وأحكام القوانين الغربية وأحكام الشريعة الإسلامية[32] مع مراعاة الأعراف والعوائد التونسية[33]، وبعد أن أتمت اللجنة عملها نوقش المشروع على مدار سنة كاملة، ثم عرض على لجنة أخرى متكونة من اثنين من أعضاء اللجنة الأولى، وعشرة من علماء الشريعة، منهم خمسة من أساتذة الشريعة في جامع الزيتونة، وخمسة من قضاة المحكمة العليا الشرعية وهاته اللجنة هي التي قامت بالترجمة أولاً، ثم راجعته مراجعة دقيقة، وخرجته على أحكام الشريعة الإسلامية، ولم تجد فيه ما ينافيها، وقد اعتمدت في عملها هذا على الأسس الآتية:

  • جواز الاقتباس من الغير.
  • ملاحظة مقاصد الشريعة فيما يقتبس من القوانين.
  • تجاوز التعصب المذهبي عند الترجيح أو التخريج[34].

فصدر بذلك مرسوم الباي في 15 ديسمبر 1906م[35] مصادقًا على عمل اللجنة، وبذلك خرج هذا التقنين إلى الوجود باسم مجلة الالتزامات والعقود.

تأثر مجلة الالتزامات والعقود بالفقه الإسلامي:

لقد تباينت وجهات النظر من حيث مدى استمداد مجلة الالتزامات والعقود التونسية من الفقه الإسلامي إلى عدة أقوال أهمها:

القول الأول: يتزعمه محمد عبد الجواد الفقيه القانوني الكبير، والمناضل لأجل تطبيق الشريعة وإحلالها محل القوانين الوضعية، ومن انتصر له كالدكتور ابن زغبية في أطروحته "حركة تقنين الفقه الإسلامي في البلاد التونسية" والكثير من الباحثين المغاربة، يقول الدكتور محمد عبد الجواد: تعليقًا على قول سانتيلانا – "بأنه لا يوجد بهذا المشروع أي أثر لما هو مخالف لمذهب أشهر فقهاء الإسلام ... هذا العمل من أعمال الحضارة السامية التي بادرت فرنسا به، والذي يمكن لها أن تفخر به أمام التاريخ..- "فإني أؤيده كل التأييد، وليتهمني من شاء بما شاء، في أن لفرنسا الاستعمارية أن تفخر بأن وكلت إلى مستشرق إيطالي أن يضع قانونًا يستمده من الشريعة الإسلامية، في الوقت الذي عمدت فيه مصر بواليها أو خديويها المسلم، واستقلالها وأزهرها، وعلمائها الدينيين والمدنيين إلى نقل القوانين الفرنسية وإصدارها إلى مصر"[36].

القول الثاني: ويتزعمه الأستاذ السنهوري الذي يرى بأن هذا القانون ينتمي إلى الثقافة القانونية الغربية اللاتينية، حيث يقول "فوضعت اللجنة المشروع، وبذلت بعض الجهد في التوفيق بين أحكام القانون الفرنسي وأحكام القوانين الغربية وأحكام الفقه الإسلامي، ولكن أحكام القانون الفرنسي كانت هي الأساس الذي بني عليه العمل"[37].

ولعل اللبس الذي حدث بالنسبة للفريق الأول خصوصًا لما عرض المشروع على جماعة من العلماء المتخصصين في الشريعة الإسلامية، وخرجوا نصوصه على أحكام الفقه الإسلامي، ثم عرض المشروع للمراجع التي استمد منها هذا القانون، وهي متنوعة ما بين كتب في الفقه المالكي كالتبصرة لابن فرحون، والعقد المنظم لابن سلمون، والبهجة في شرح التحفة للتّسولي، وتحفة محمد بن عاصم ... وفي الفقه الحنفي: الأشباه والنظائر لابن نجيم، ورد المحتار لابن عابدين، والفتاوى الهندية، ومجلة الأحكام العدلية ومرشد الحيران، كذلك كان من بين المراجع المعتمدة القوانين الغربية مثل القانون الفرنسي والإيطالي والألماني ... وللإجابة على هذا اللبس نطرح التساؤل التالي: هل كل قانون نستطيع تخريجه على أحكام الفقه الإسلامي يصير قانونا إسلاميًا؟، فالأولون لما رأوا أن مجلة الالتزامات والعقود لما كانت تحيل إلى مراجع في الفقه الإسلامية تتضمن نصوص مواد المجلة، قالوا بأنه أخذ نصوصه عن الفقه الإسلامي، أو أن هذه النصوص مادامت لا تتعارض مع الفقه الإسلامي، ونستطيع تخريجها على أحكامه ومقاصده فهي داخلة في دائرة الفقه الإسلامي، وهو العمل الذي قام به علماء الشريعة الذين عُرض عليهم المشروع.

أما من قال بالقول الثاني فهم يرون أنه وإن استطعنا تخريج جميع أحكام القانون على أحكام الفقه الإسلامي فلن تكتسي هذه النصوص الصبغة الإسلامية، ولا يوصف القانون بأنه الفقه الإسلامي، بل يقولون هو قانون غربي النزعة موافق للفقه الإسلامي، ولذلك جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري بأن هذا القانون - أي المصري – نستطيع تخرجه كله على أحكام الفقه الإسلامي[38]، ومع هذا هم يقولون أنه غربي النزعة يمثل الثقافة القانونية الغربية حق تمثيل[39].

ولاضطراب الآراء في مدى استمداد هذا القانون من الفقه الإسلامي رأيت أن أضعه في المكانة مع القانون المدني العراقي من حيث الاستمداد من الفقه الإسلامي، وإن كان قد ورد في لائحة الأسباب الموجبة للقانون المدني العراقي في تعداد القوانين اللاتينية النزعة فذكر منها القانون المدني التونسي والمغربي، وجعلهم في نفس المرتبة مع القانون المدني المصري والسوري[40].

هذا ولا ينكر تأثر هذا القانون بالفقه الإسلامي فقد أخذ عنه الكثير من أحكامه مثل مسائل الأهلية (مادة 6-7)، الجعل (مادة 19)، مجلس العقد (مواد 27-36)، الإكراه (مادة 50)، الغبن (مادة 61)، عقد السكران (مادة 58)، التعسف في استعمال الحق (مادة 103)، اليمين (مادة 427)، بيع المريض مرض الموت (مادة 565)، تحريم بعض بيوع الغرر (مواد 571- 574)، بيع الزبل (مادة 575)، بيع الطعام (مادة 584)، الفضالة (مادة 1179)، عقد القراض (مواد 1195-1225)، الخماسة (مادة 1369)، المساقاة والمغارسة (مواد 1395-1426)[41]. إضافة إلى الكثير من القواعد الفقهية المنثورة بين دفتي هذا القانون[42].. كانت هذه بعض المسائل التي تأثر به القانون المدني التونسي بالفقه الإسلامي، والشيء نفسه يقال عن القانون المدني المغربي والقانون المدني الموريتاني.


 

المحور الثالث

الدول التي استمدت قانونها المدني جله

من الفقه الغربي إلا بعض المسائل

أولاً: القانون المدني المصري ومن حذا حذوه كالقانون السوري والليبي والجزائري:

 لأن القانون المدني المصري يعد أصلاً لمجموعة من القوانين المدنية العربية مثل القانون المدني السوري لسنة 1949م والقانون المدني الليبي لسنة 1953م، والقانون المدني الجزائري لسنة 1975م، فهذه القوانين الثلاثة على الخصوص تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن القانون المدني المصري، ما عدا بعض الاختلافات البسيطة التي تميز بها كل بلد من حيث الأعراف والعادات، أو حذف بعض المواد، ومن المسائل التي تميزت بها القوانين الثلاثة السوري والليبي والجزائري عن القانون المدني المصري تقديم مبادئ الشريعة الإسلامية على العرف خلافًا للأصل المصري الذي قدم العرف على مبادئ الشريعة الإسلامية بالنسبة للمصادر الاحتياطية التي يلجأ إليها القاضي عند عدم وجود نص، وبعض المسائل مثل تحريم الفوائد الربوية بين الأفراد كما في القانونين المدنيين الليبي والجزائري خلافًا للقانون المدني المصري.

ولذلك سوف أقتصر على القانون المدني المصري، وكل ما يقال عن القانون المدني المصري من حيث استمداده من الفقه الإسلامي ينصرف إلى بقية القوانين المذكورة.

إن أول قانون مدني في مصر هو القانون المدني المختلط سنة 1875م، الذي وضع ضمن حركة الإصلاح القضائي التي تم الاتفاق عليها بين مصر والدول صاحبة الامتيازات. ثم صدر القانون المدني الأهلي بعد ثماني سنوات في سنة 1983م، لتطبقه المحاكم الأهلية في الدعاوى التي تقوم بين المواطنين دون غيرهم.

وبعد أن ألغيت الامتيازات الأجنبية بمعاهدة مونترو 1937م، كلف الأستاذ السنهوري بوضع مشروع جديد للقانون المدني ليحل محل القوانين المدنية الأهلي والمختلط[43]، فصدر القانون بعد معارك طويلة بين من يريده قانونًا إسلاميًا خالصًا كالدكتور محمد صادق فهمي، وبين من يريده غربي النزعة كواضعه الدكتور عبد الرزاق السنهوري، كما تروي ذلك لنا مجموعة الأعمال التحضيرية لهذا القانون[44]، وصدر القانون سنة 1948م، وطبق بعد سنة من صدوره، وجاء مشتملاً على 1149 مادة، مقسمًا إلى باب تمهيدي وقسمين رئيسيين:

القسم الأول: الالتزامات أو الحقوق الشخصية، وجاء مقسمًا إلى كتابين:

  • الكتاب الأول: الالتزامات بوجه عام (مواد 89-417)
  • الكتاب الثاني: العقود المسماة (مواد 418-801)

القسم الثاني: الحقوق العينية:

  • الكتاب الأول: الحقوق العينية الأصلية (مواد 802-1029)
  • الكتاب الثاني: الحقوق العينية التبعية (مواد 1030- 1149)

مصادر القانون المدني المصري:

استقى القانون المدني المصري نصوصه من ثلاثة مصادر هي:

  • القانون المدني المصري السابق (نصوصه وقضاؤه، وهو قانون فرنسي إلا قليلاً).
  • القوانين الغربية الحديثة من جرمانية ولاتينية وغيرها وقد وصلت إلى قرابة 20 قانونًا.
  • الفقه الإسلامي، يقول السنهوري "للفقه الإسلامي مكان ملحوظ بين المصادر الثلاثة، فقد استبقى التقنين الجديد ما اشتمل عليه التقنين القديم من أحكام أخذها عن الفقه الإسلامي، واستحدث أحكامًا جديدة أخذها عن هذا الفقه، وجعل بعد ذلك كله الفقه الإسلامي مصدرًا رسميًا للقانون المدني يأتي بعد النصوص التشريعية والعرف، ويتقدم مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة"[45].
  • القديم من الفقه الإسلامي الذي استبقاه التقنين المصري الجديد:

وهذه المسائل هي: بيع المريض مرض الموت (مادة 477-478)، الأهلية (مادة 44-48، 109-119)، الشفعة (مادة 935-948)، الهبة (مادة 486-504)، سداد الديون قبل قسمة التركة (مادة 891-899)، الغبن في بيع القاصر (مادة 845)، خيار الرؤية (419-422)، تبعة الهلاك في المبيع (مادة 437)، غرس الأشجار في العين المؤجرة، الأحكام المتعلقة بالعلو والسفل (مادة 856-869)، وبالحائط المشترك (مادة 814-818)، ومدة التقادم (مادة 968-969).

 

  • الجديد من الفقه الإسلامي الذي استحدثه التقنين الجديد:

بعض هذه الأحكام هي مبادئ عامة أو نظريات، وبعضها مسائل تفصيلية.

المبادئ العامة:

1/ النزعة الموضوعية التي تتخلل كثيرًا من نصوصه، وهي نزعة الفقه الإسلامي والقوانين الجرمانية، أثرها التقنين الجديد على النزعة الذاتية التي هي طابع القوانين اللاتينية، وجعل الفقه الإسلامي عمدته في الترجيح.

2/ نظرية التعسف في استعمال الحق (مادة 05): لم يأخذها التقنين الجديد عن القوانين الغربية فحسب، بل استمدها كذلك من أحكام الفقه الإسلامي، وخصوصًا معايير التعسف...

3/ حوالة الدين (مادة 315-322): وكذلك الأمر في حوالة الدين أغفلتها القوانين اللاتينية، ونظمتها القوانين الجرمانية متفقة في ذلك مع الفقه الإسلامي، فأخذ بها التقنين.

4/ ومبدأ الحوادث غير المتوقعة (الظروف الطارئة) (مادة 147/2): أخذ بها بعض التقنينات الحديثة، فرجح التقنين الجديد الأخذ بها استنادًا إلى نظرية الضرورة، ونظرية العذر في الفقه الإسلامي.

الأحكام التفصيلية التي استحدثها التقنين الجديد واستمدها من الفقه الإسلامي:

من هذه المسائل كما يقول السنهوري "الأحكام الخاصة بمجلس العقد (مادة 94-97)، وإيجار الوقف (مادة 628-634)، وبالحكر (مادة 999-1014)، والمسائل المتعلقة بإيجار الأراضي الزراعية، وبهلاك الزرع في العين المؤجرة، وبانقضاء الإيجار بموت المستأجر وفسخه للعذر فقد نصت عليهم المواد (610-627)، وبوقوع الإبراء من الدين بإرادة الدائن وحده (مادة 371-372)"[46].

ثم يقول السنهوري "هذا هو الحد الذي وصل إليه التقنين الجديد في الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية، أما جعل الشريعة الإسلامية هي الأساس الأول الذي يبنى عليه تشريعنا المدني فلا يزال أمنية من أعز الأماني التي تختلج بها الصدور، وتنطوي عليها الجوانح، ولكن قبل أن تصبح هذه الأمنية حقيقة واقعة ينبغي أن تقوم نهضة علمية قوية لدراسة الشريعة الإسلامية في ضوء القانون المقارن"[47]. وقال في مكان آخر - فيمن يدعي أن بعض النظريات القانونية كنظرية البطلان وعيوب الرضا ونظرية السبب ونظرية الفسخ، هي نظريات يمكن الأخذ بها كما هي مبسوطة في القوانين الحديثة مع نسبتها إلى مذاهب فقهية تتعارض معها كل التعارض[48] - "وبدهي أن الشريعة الإسلامية لا تخدم عن طريق أن ينسب إليها ما ليس منها، وإنما تخدم عن طريق دراستها دراسة علمية صحيحة، وأول شرط لهذه الدراسة هي الأمانة العلمية، ولا يعيب الشريعة الإسلامية أنها لا تطاوع في بعض نظرياتها ما وصل إليه القانون الحديث من نظريات معروفة، ولكن يعيبها أن تشوه مبادئها وأن تمسخ أحكامها"[49].

ثانيًا: القانون المدني اللبناني

ظلت مجلة الأحكام العدلية هي القانون المطبق في لبنان حتى سنة 1934م، وكان لبنان وقتها تحت الانتداب الفرنسي، فكلف الأستاذ روبرس بوضع مشروع للالتزامات والعقود، ولما تم أرسله إلى الأستاذ جوسران، عميد كلية الحقوق بليون ليعيد فيه النظر، ثم حول إلى اللجنة الاشتراعية الاستشارية بلبنان لتنقيحه ووضعه في صيغته النهائية، وصدر هذا القانون في 09/03/1932م، ونشر في الجريدة الرسمية في 1/04/1932م، وعمل به في أواخر سنة 1934م، وسمي هذا القانون بقانون الموجبات والعقود، وجاء مشتملاً على 1106 مادة، مقسمًا إلى قسمين رئيسيين، كل قسم يحوي مجموعة من الكتب[50].

أما مصادر هذا القانون كما يقول السنهوري "ولكنه تأثر تأثرًا كبيرًا بالتقنين المدني الفرنسي وبالمشروع الفرنسي الإيطالي، فجاء يحمل كثيرًا من عيوبهما ... كما أنه لم يعن عناية كافية بالتوفيق بين ما أورده من أحكام وأحكام الشريعة الإسلامية، بل اقتفى أثر تركيا ومصر[51]، في نبذه للشريعة الإسلامية"، وفي ذلك يقول نائب رئيس اللجنة الاشتراعية في تقريره "فخليق إذن بالجمهورية اللبنانية أن تقتدي بالأمم الغربية، وبأقرب جاراتها أعني تركيا ومصر..."[52].

ومع هذا فإن هذا القانون جاء متأثرًا بالشريعة الإسلامية في جملة من الأحكام، أهمها:

نظرية التعسف في استعمال الحق (مادة 124)، الإثراء بلا سبب (مواد 140-146)، الوعد بمكافأة (مادة 179)، التعاقد بين غائبين (مادة 184)، حوالة الدين (مواد 287-289)، الغبن (مادة 213-214)، خيار الشرط (مادة 84-87)، الشفعة، المغارسة، المزارعة، المساقاة، بيع السلم، أحكام مرض الموت[53].

ثالثًا: القانون المدني الكويتي

بقيت مجلة الأحكام العدلية هي القانون المطبق في الكويت حتى سنة 1980، غير أنه عندما كلف الأستاذ السنهوري بوضع مشروعات قوانين دولة الكويت قام بنقل الجزء الخاص بالالتزامات في القانون المدني المصري إلى القانون التجاري الكويتي مما أبعد تطبيق المجلة في هذا الجزء، وفي سنة 1977م أصدر مجلس الوزراء الكويتي قرارًا بتشكيل لجان يكون مهمتها وضع قوانين مستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية وفقًا لأحكام الدستور الذي نص في مادته على أن "الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع"، ومتمشية مع واقع الكويت وتقاليده، ومن هذه اللجان لجنة التشريعات المدنية، والتي اسفر عملها على صدور القانون المدني الكويتي الحالي في أكتوبر 1980م، والذي ألغى في مادته الأولى العمل بمقتضى مجلة الأحكام العدلية، وجاء هذا القانون في 1082 مادة، وجاء من حيث التقسيم موافقًا للتقنين المدني المصري تمامًا.

وقد استمد هذا القانون كغيره من قوانين الدول العربية بعضًا من أحكامه من الفقه الإسلامي، وما استمده من باقي القوانين العربية والغربية خرجه على أحكام الشريعة الإسلامية، فقد جاء في مقدمة هذا القانون ما يلي: "إن هذا القانون قد جاء في أحكامه متوافقًا تمامًا مع أحكام الفقه الإسلامي على اختلاف مذاهبه، حتى إنه لا يوجد فيه حكم يستعصى تخريجه على مذهب من هذه المذاهب، أو يتعارض مع روح الشريعة الإسلامية السمحة، وذلك مع الاستفادة في الوقت ذاته مما وصل إليه الفكر القانوني المعاصر من تقدم رائع في فن صناعة التشريع وأساليبه الحديثة... وأصبح للكويت قانون مدني على مستوى رفيع، ومتفق مع أحكام الشرع الإسلامي الأغر"[54].

وقد جعل القانون المدني الكويتي في مادته (الأولى فقرة 02) أحكام الفقه الإسلامي المصدر الثالث بعد العرف، تقليدًا للقانون المدني المصري، والعراقي، غير أن هذه المادة عدلت بعد ذلك، فقدمت أحكام الفقه الإسلامي على العرف ليكون النص كالآتي "فإن لم يوجد نص تشريعي، حكم القاضي وفقًا لأحكام الفقه الإسلامي الأكثر اتفاقًا مع واقع البلاد ومصالحها، فإن لم يوجد حكم بمقتضى العرف" وكان هذا التعديل بمبادرة من اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، التي شكلت بالمرسوم رقم 139/1991م، لوضع خطة لتهيئة الأجواء لاستكمال لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية[55].

ومن مظاهر أثر الشريعة الإسلامية في هذا القانون ما يلي:

نظرية التعسف في استعمال الحق (مادة 30)، مجلس العقد (مادة 46- 50)، الغبن في عقد القاصر (مادة 163)، الوعد بجائزة كتطبيق للإرادة المنفردة (مادة 121-122)، ضمان أذى النفس، ويقصد به التعويض بالدية الشرعية (مواد 248-252) ... وكثير من المسائل التي تدل على الأثر الواضح للشريعة الإسلامية في هذا القانون، وخصوصًا أن جميع مواده لا تعارض الشريعة الإسلامية كما سبق نقله[56].

وفي الأخير لقد رأينا كيف أن الفقه الاسلامي أثر في جميع قوانين الدول العربية التي تطرقنا إليها - بل وحتى التي أغفلناها لكي لا يطول البحث، وخصوصًا أنه يقال فيها ما يقال في مثيلاتها، كالقانون المدني القطري لسنة 2004م، والقانون المدني البحريني، والقانون المدني لسلطنة عمان.. - فلقد رأينا أن بعض الدول بلغ تأثير الفقه الإسلامي فيها مبلغًا كبيرًا، وبعضها كان تأثير الفقه الإسلامي موازيًا لتأثير القانون الغربي، وبعضها كان أثر الفقه الإسلامي فيها قليلاً، وهي أكثر الدول العربية للأسف، وحاولنا في هذا البحث إعطاء بعض الأمثلة التوضيحية من خلال عرض بعض النصوص القانونية من كل القوانين المدروسة.

وفي الختام نقول إن تشريع كل أمة هو من خصائصها، وله ارتباط وثيق بأخلاقها، وتقاليدها، وجوّها، وأرضها، وما هو إلا مظهر من مظاهرها الاجتماعية، ومرآة لحالتها الاقتصادية، وإذا ألقينا نظرة على مختلف الأمم التي لها مجد في الحياة، وشخصية تعتز بها، وجدنا أن قانونها هو منها، وهي مصدره الأول، فها هو القانون الفرنسي ما هو إلا قانون تلك الأمة التي توارثته عن تاريخها القديم، وعدلته طبقًا لحاجاتها الحديثة، كذلك الحال بالنسية للقانون الألماني، فهو مطبوع بطابعهم، وهو مظهر لعقليتهم وروحهم، وتقنين لما جرت به تقاليدهم وأنظمتهم ... وهكذا القانون الإنجليزي والإيطالي وغيره[57]، ويثبت نسب القانون للأمة كلما ثبت ميلاده فيها، أو اتصاله بتاريخها وتأثره بعاداتها وتقاليدها، ومسايرته لحالتها الاجتماعية والسياسية والدينية، وإذا ثبت نسب القانون للامة فقد ثبتت شرعيته وأهليته لحكمها، ولم تجد الأمة غضاضة في احترام القانون وطاعته، لأن الأمة في هذه الحالة إنما تحكم نفسها بنفسها، وتخضع لما تدين به من عاداتها وتقاليدها وآدابها ونظمها وعقائدها، ولهذا كله حرص المقننون في كل بلاد العالم إذا ما أخذوا لأمة من قوانين أمة أخرى على أن يعدلوا ما يأخذونه حتى يأتلف مع قوانين الأمة الآخذة، ويتفق مع أنظمتها، لأنهم يعلمون حق العلم أن إلزام أمة قانون أمة أخرى دون مراعاة لما بين الأمتين من تخالف معناه إلزام إحدى الأمتين بالتخلي عن عاداتها، وتقاليدها، وآدابها، ومميزاتها، ونظمها، وشرائعها[58]، ومن ذلك ما يفخر به بعض الفقهاء السويسريين - وهو الفقيه رسل - في مؤلفه القانون المدني السويسري حيث يقول: "قد استمددنا القانون المدني السويسري من مصادر هي مصادرنا، استطعنا أن نتجنب الاستمداد من التشريعات الأخرى، وإذا كان طبيعيًا أن توجد مسائل مشتركة بين تقنينا والتقنين الألماني أو التقنين الفرنسي، فتقنيننا ليس مدينًا لأي من التقنينين، أو هو على الأقل ليس مدينًا لهما إلا في بعض المسائل التفصيلية، وبقدر واحد بالنسبة لكل منهما، ويمكن القول إن تقنيننا قد نُسج على منوال طباعنا، وأخلاقنا، وعقليتنا، إذ أنه حقًا تشريع سويسري قبل كل شيء"[59].

والله الموفق لأن ترجع دولنا العربية للاستمداد من الفقه الإسلامي وحده، - وهو الأمل الذي كان يرجوه السنهوري رحمه الله، وكتب فيه مقاله الرائع الموسوم بالقانون المدني العربي الموحد[60]، الذي يكون مصدره الوحيد هو الفقه الإسلامي -، ولتأكيد صلاحية الفقه الإسلامي لأن يكون نظامًا قانونيًا يرجع إليه، وأنه يزاحم الأنظمة القانونية الكبرى اللاتينية، والجرمانية، والأنجلوسكسونية، تلك الشهادات التي أدلى بها بعض مؤتمرات القانون المقارن[61]، والكثير من أفراد فقهاء القانون في هذا العصر من العرب والعجم، من ذلك:

  • يقول المؤرخ الإنجليزي «ويلز» في كتابه ملامح تاريخ الإنسانية: «إنّ أوربا مدينة للإسلام بالجانب الأكبر من قوانينها الإدارية والتجارية»[62].
  • يثني المستشرق المجري «فمبري» على الفقه الإسلامي قائلاً: «إنّ فقهكم الإسلامي واسع جدًا، إلى درجة أنّي أعجب كلما فكرت في أنّكم لم تستنبطو منه الأنظمة والأحكام الموافقة لبلادكم وزمانكم»[63].
  • وفي مصر نصح الأستاذ «بيولا كازيلي» الإيطالي -مستشار وزارة العدل ورئيس قضايا الحكومة حينذاك- بالأخذ من مبادئ الشريعة الإسلامية حيث يقول: «إنّه يجب على مصر أن تستمد قانونها من الشريعة الإسلامية فهي أكثر اتفاقًا من غيرها مع روح البلد القانونية»[64].
  • يقول الدكتور علي علي منصور: ولقد عثرت أخيرًا على مقال للأستاذ الدكتور عبد السلام ذهني تحت عنوان «تجميع القوانين والشريعة الإسلامية»، ورد فيه: «لما كنت بمدينة ليون بفرنسا بقسم الدكتوراه في سنة 1911-1920م كان أستاذنا لامبير يرى أنّ الفقه الإسلامي في المعاملات كنزٌ لا يفنى ومعين لا ينضب، وكان يشير على الطلبة المصريين بالرجوع لوضع رسائلهم في الدكتوراه في مواضيع من الشّريعة الإسلامية، وفعلاً وضع الدكتور محمد فتحي رسالة الدكتوراه عن مذهب الاعتساف في استعمال الحق والخروج عما شرع له عند فقهاء المسلمين، وما كادت الرسالة تطبع في كتاب حتى نفدت في ستة أشهر، وكتبت عنه المجلات القانونية كثيرًا، وأشادت بعظمة التشريع الإسلامي ...
  • وما كتب الفقيه الألماني «كوهلر» في مقال له «إنّ الألمان كانوا يتيهون عُجبا على غيرهم لخلقهم نظرية الاعتساف في استعمال الحق؛ وإدخالها ضمن التشريع في القانون المدني الذي وضع سنة 1787م، أما وقد ظهر كتاب «الدكتور فتحي» وأفاض في شرح هذه النظرية نقلاً عن رجال الفقه الإسلامي، فإنّه يجدر بعلماء القانون الألماني أن يتنازلوا عن المجد الذي نسبوه لأنفسهم، ويعترفوا بالفضل لأهله، وهم فقهاء الإسلام الذين عرفوا هذه النظرية وأفاضوا في الكلام عليها قبل الألمان بعشرة قرون...[65].

الهوامش:

 

* دراسة منشورة بمجلة "الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية"، الجزائر، العدد السابع، المجلد الثاني، 2017م، ص738- 762.

** أستاذ الشريعة والقانون - جامعة المسيلة الجزائر.

 

[1] فاطمة محمد عبد العليم، أثر الدين في النظم القانونية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، 2001، ص 363.

[2] سليم أيمن سعد، نظام المعاملات المدنية السعودي بين الفقه والتقنين، مجلة مصر المعاصرة، مجلد 98، عدد 488، سنة 2007م، ص 93.

[3] سليم أيمن سعد، مرجع سابق، ص 95-96.

[4] سليم أيمن سعد، مرجع سابق ص 101.

[5] سليم أيمن سعد، مرجع سابق، ص 103-110. مقدمة محقق مجلة الأحكام الشرعية لأحمد عبد الله القاري، تحقيق: عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، محمد إبراهيم أحمد علي، مطبعة تهامة، جدة، ط1/ 1981م، ص 29.

[6] راجع المرسوم في موقع المجلس الأعلى للقضاء على الرابط التالي: https://www.scj.gov.sa/About

[7] ومن العجيب أن الشيخ عبد الله القاري كان حنفي المذهب نشأة ومشيخة، غير أنه ممن مارس القضاء على المذهب الحنبلي، ولجمعه بين المذهبين استطاع أن يجاري مجلة الأحكام العدلية في تقنين المذهب الحنبلي، وانظر ترجمة الشيخ بإسهاب في مقدمة المحقق، أنظر عبد الله القاري، مجلة الأحكام الشرعية، تحقيق: عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، محمد إبراهيم أحمد علي، مطبعة تهامة، جدة، ط1/ 1981م.

[8] محمد زكي عبد البر، تقنين الفقه الإسلامي المبدأ المنهج التطبيق، دار إحياء التراث، قطر، ط2/ 1986م، ص 61.

[9] وانظر الكثير من هذه التقنينات في موقع المجلس الأعلى للقضاء السعودي على الرابط التالي: https://iservices.scj.gov.sa:9113/home/pdflist

[10] وهو ما أكده دستور المملكة في مادته السابعة "يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة".

 [11] كان هذا التقديم من طرف رئيس مجلس الشعب التأسيسي - نائب رئيس الجمهورية السيد: عبد الكريم بن عبد الله العرشي في مقدمة القانون المدني لسنة 1992.

[12] محمد وحيد سوار، الاتجاهات العامة في القانون المدني دراسة موازنة بالفقه الإسلامي والمدونات المدنية العربية، مكتبة دار الثقافة، الأردن، ط 2001/2، ص 11-12.

[13] نقلاً عن المرجع السابق، هامش ص 11.

[14] عدنان إبراهيم سرحان، شرح القانون المدني الأردني، مصادر الحقوق الشخصية، دراسة مقارنة، 1997، ص 703.

[15] وقد جاء عن هيئة تحرير مجلة هدى الإسلام بمناسبة صدور القانون المدني الأردني أن هذا القانون قد اعتمد في مصادره على "مجلة الأحكام العدلية، والقوانين الأردنية المعمول بها، ومشروع القانون المدني الأردني السابق الذي تم رفضه سنة 1966م، والتشريعات المدنية العربية المستمدة من الفقه الإسلامي. ومن العلماء الذين شاركوا في إعداد المشروع: الشيخ مصطفى أحمد الزرقا، والأستاذ زكي عبد البر، والأستاذ عبد القادر الأسود، ومحمد مصطفى المنفلوطي ... ومن القوانين العربية التي استعانوا بها: القانون المدني المصري والقانون المدني السوري، والقانون المدني العراقي، واستعانوا كذلك عند إعداد القانون والمذكرة الإيضاحية، بالأعمال التحضيرية للقانون المدني المصري، ومؤلفات الأستاذ عبد الرزاق السنهوري وخاصة كتابه الوسيط في شرح القانون المدني. "انظر: هيئة التحرير. القانون المدني. هدي الإسلام - الأردن، مج 20، ع 5,6 (1976)، ص84-85، ولقد رأيت كلامًا كثيرًا في المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني منقولاً حرفيًا عن المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري، وانظر على سبيل المثال مسألة التعسف في استعمال الحق.

[16] ومع ذلك قد ادعى بعضهم أن القانون المدني الأردني استمد أكثر أحكامه من القوانين الجرمانية مع مراعاة مبادئ الشريعة الإسلامية. عبد السلام الترمانيني، القانون المقارن والمناهج القانونية الكبرى المعاصرة، ط 2، الكويت، 1982، ص 61. ومنهم من ادعى بأن أكثر مواد القانون المدني الأردني مخالفة لأحكام الفقه الإسلامي وهو ما أكده مفتي المملكة الأردنية الهاشمية، الشيخ عبد الله القلقيلي انظر: القلقيلي، عبد الله، نقد مشروع القانون المدني، مجلة هدي الإسلام، الأردن، مج 9, ع 1، 1964, ص 57.

[17] عبد الرزاق السنهوري، من مجلة الأحكام العدلية إلى القانون المدني العراقي، مجلة القضاء، السنة 02، مارس 1936، بغداد، ص 64-65.

[18] وحيد الدين سوار، مرجع سابق، ص 11.

[19] سرحان، عدنان إبراهيم، تقييم موقف التشريع والقضاء الإماراتيين من بعض مسائل المسئولية عن الفعل الضار، مجلة الحقوق للبحوث القانونية الاقتصادية (مصر)، ع 2، سنة 2010، ص 93؛ سرحان، عدنان إبراهيم، مباحث في أساس المسئولية عن الفعل الضار في قانون المعاملات المدنية الإماراتي وفقًا لأصوله من الفقه الإسلامي: دراسة مقارنة، مجلة حقوق حلوان للدراسات القانونية والاقتصادية، مصر، ع 13، 2005، ص 91.

[20] وحيد الدين سوار، مرجع سابق، ص 13.

[21] فاطمة محمد عبد العليم، مرجع سابق، ص 429.

[22] المكاشفي طه، تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان بين الحقيقة والإثارة، الزهراء للأعلام العربي، د ت، ص 19.

[23] وانظر المؤاخذات على هذا القانون في: أحمد عثمان عمر، أثر التشريعات الإسلامية في النظام القانوني السوداني، الشركة العالمية للطباعة والنشر، ط/2006، ص239 وما بعدها.

[24] أحمد عثمان عمر، مرجع سابق، ص 238.

[25] وحيد الدين سوار، مرجع سابق، ص 9.

[26] لائحة الأسباب الموجبة للقانون المدني طبعة في مقدمة القانون المدني العراقي في نسخته الأصلية ص 04.

[27] محمد زكي عبد البر، مرجع سابق، ص 61.

[28] انظر أطروحة الدكتوراه للأستاذ أحمد عبيد جاسم، التأصيل الفقهي للقانون المدني العراقي، منشورات زين الحقوقية، ط1/ 2013. وخصوصًا النتائج التي توصل إليها كما سبق، ص 489.

[29] فاطمة محمد عبد العليم، مرجع سابق، ص 494-495.

[30] فاطمة محمد عبد العليم، مرجع سابق ص 495-498؛ أحمد عبيد جاسم، مرجع سابق.

[31] بوزغيبة محمد، حركة تقنين الفقه الاسلامي في البلاد التونسية، مركز النشر الجامعي، 2003، ص 197.

[32] عبد الرزاق السنهوري، مقال من مجلة الأحكام العدلية إلى القانون المدني العراقي، مرجع سابق ص 20.

[33] بوزغبية محمد، مرجع سابق، ص 202.

[34] أحمد أدريوش، أصول قانون الالتزامات والعقود المغربي، الرباط، 1996م، ص 177 وما بعدها.

[35] بوزغبية محمد، مرجع سابق، ص 202.

[36] بوزغبية محمد، مرجع سابق، ص 206-207.

[37] عبد الرزاق السنهوري، مقال من مجلة الأحكام العدلية إلى القانون المدني العراقي، مرجع سابق، ص 20.

[38] مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ج 20/1.

[39] عبد الرزاق السنهوري، أبحاث حقوقية، القانون المدني العربي، مجلة القانون (وزارة العدل - سوريا)، ع 01، السنة 18، كانون الثاني، 1967م، ص 7.

[40] لائحة الأسباب الموجبة للقانون المدني العراقي ص 03.

[41] محمد بوزغبية، الأصول الفقهية لمجلة الالتزامات والعقود، مقال ضمن وحدة بحث، كتاب مئوية مجلة الالتزامات والعقود 2006، ص 43 - 51؛ وانظر أيضًا فاطمة محمد عبد العليم، مرجع سابق، ص 451 - 454.

[42] محمد بوزغبية، الأصول الفقهية لمجلة الالتزامات والعقود، مرجع سابق، ص 52 - 56.

[43] فاطمة محمد عبد العليم، مرجع سابق، ص 410.

[44] انظر مقدمة الجزء الأول من مجموعة الأعمال التحضيرية.

[45] وهل تقدم الفقه الإسلامي على مبادئ القانون الطبيعي فيه فضل للفقه الإسلامي؟!!! هذا الترتيب عليه ملاحظات كثيرة ...

[46] هذا ما نص عليه السنهوري من حيث الاستمداد من الفقه الإسلامي انظر: عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، ط 3/ 2000 م، ج 1/ 56 - 59.، وهو ما أثبتته المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري كما جاء في مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ج 1/ 131 - 132.

[47] عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، مرجع سابق، ج 1/هامش ص 60.

[48] وهو تعريض بالمشروع الذي قدمه الأستاذ محمد صادق فهمي والذي أعده مع بعض علماء الأزهر وبعض فقهاء القانون على أنه مستمد من الفقه الإسلامي، وكان متعلقًا بنظرية العقد فقط، ودار جدال كبير بين الدكتور محمد صادق فهمي والأستاذ السنهوري بهذا الخصوص. مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ج 1/ 85 - 89.

[49] عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، مرجع سابق، ج 1/هامش ص 61.

[50] عبد الرزاق السنهوري، مقال من مجلة الأحكام العدلية إلى القانون المدني العراقي، مرجع سابق، ص 21 - 22؛ فاطمة محمد عبد العليم، مرجع سابق، ص 469.

[51] يقصد مصر في قانونيها المختلط (1875م)، والأهلي (1883م)، لا قانونها الجديد الذي جاء متأخرًا عن القانون المدني اللبناني.

[52] عبد الرزاق السنهوري، مقال من مجلة الأحكام العدلية إلى القانون المدني العراقي، مرجع سابق، ص 22.

[53] فاطمة محمد عبد العليم، مرجع سابق، ص 470 - 472.

[54] وحيد الدين سوار، مرجع سابق، هامش ص 12.

[55] حشاد حسام، تقنين الفقه الإسلامي كخطوة لتوحيد التشريعات في البلاد العربية والإسلامية، حلقات نقاشية لرابطة الجامعات الإسلامية حول - التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن المقبل – المنظمة بالأزهر في الفترة الممتدة بيمن 21 - 23 أفريل 1999م، مصر، مج 2، 1999م، ص 182.

[56] فاطمة محمد عبد العليم، مرجع سابق، ص 481 - 485.

[57] محمد صادق فهمي، محاضرة بعنوان: الفقه الإسلامي والقانون المدني المقارن، كتاب المؤتمر الثاني للمحامين العرب، المنعقد بالقاهرة من 3-8 مارس 1956م، طبع بإشراف نقابة المحامين، مصر، مطبعة حجازي، سنة 1956م، ص 246.

[58] عبد القادر عودة، الإسلام وأوضاعنا القانونية، نشر دار المختار الإسلامي، ط 5/ 1977م، ص 25.

[59] محمد صادق فهمي، مرجع سابق، ص 246.

[60] نشر هذا المقال في مجلة القانون، وزارة العدل، سوريا، عدد 1، سنة 18، 1967م

[61] مثل المؤتمر الدولي للقانون المقارن سنة 1932م، وفي دورتها الثانية سنة 1937م، ومؤتمر المحامين الدولي سنة 1938م، والمؤتمر المنعقد في كلية الحقوق جامعة باريس للبحث في الفقه الإسلامي سنة 1951م، تحت شعار «أسبوع الفقه الإسلامي»،...حيث شهدت جميع هذه المؤتمرات بمكانة الشريعة الإسلامية، وأنها نظام قانوني قائم بذاته. انظر في ذلك بالتفصيل: د. ساجر ناصر حمد الجبوري، التشريع الإسلامي والغزو القانوني الغربي للبلاد الإسلامية، دار الكتب العلمية، بيروت، ط/ الأولى، سنة 2005م، ص  244 - 247؛ د. شوكت محمد عليان، التشريع الإسلامي والقانون الوضعي، دار الشواف، ط / 1996م، ص 196؛ سيد عبد الله علي حسين، المقارنات التشريعية بين القوانين الوضعية والتشريع الإسلامي، مقارنة بين فقه القانون الفرنسي ومذهب الإمام مالك، تحقيق: مركز الدراسة الاقتصادية والفقهية: د. محمد أحمد سراج وآخرون، دار السلام للطباعة والنشر، ط/ الأولى، 2001م، ص 9- 10؛ عبد الكريم زيدان، نظرات في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط/ الأولى، 2011م، ص 15؛ محمد وحيد الدين سوار، التعبير عن الإرادة في الفقه الإسلامي، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن ط/ الثانية، 1998م، ص

ب؛ محمد الصباغ، التشريع الإسلامي وحاجتنا إليه، المكتب الإسلامي، ط/ الثانية، بيروت، 1977م، ص 13 – 14.

[62] ساجر ناصر حمد الجبوري، مرجع سابق. ص 243.

[63] بلحاج العربي، أبحاث ومذكرات في القانون والفقه الإسلامي، ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون الجزائر، 1996م، مج 2، ص 542.

[64] بيولا كازيلي، مقال في مجلة مصر العصرية 1921م، مجلد 12، ص 195. نقلاً عن تقنين الفقه الإسلامي، مرجع سابق، ص 13.

[65] من مقال نشر في الجريدة القضائية في 23 جانفي 1937م نقلاً عن مقارنات بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، مرجع سابق، ص 41-42.

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الإثنين, 07 تموز/يوليو 2025 15:54

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.