مقدمة:
في هذا المقال أريد أن أناقش أفكارًا نمطية سادت الفكر “التقدمي” و”العلماني” العربي فترة طويلة؛ بل لا زال لها تأثير لا يستهان به عن طبيعة العلاقة بين المؤسسة الدينية وخصومها من رجال “الإصلاح”، وبين مسائل كبرى مثل الاستقلال عن الدولة والاستقلال الوطني ومسألة الديمقراطية والفردية والجماعية في الإدارة، وفي الأمثلة التي سأذكرها سيلاحظ القارئ أن سلوك الفرقاء كان فيه “خروج ملموس” على المتوقع أي على الأفكار النمطية التي نعرفها، الأفكار التي تقول مثلًا إن رجال الدين ممالئون للسلطة وللاستعمار ومعادون للديمقراطية والقرار الجماعي، ومن “البديهيات” طبعًا أنهم معادون لفصل الدين عن الدولة ..
والذي أراه أن هذا “السلوك الغريب” لن يبقى غريبًا بمجرد أن نزيح عن أعيننا حجاب مفاهيم نمطية استوردناها من تجربة تاريخية مختلفة كليًا هي التجربة التاريخية الغربية، وندرس المسائل المبحوثة في سياقها التاريخي الحضاري الخاص وبلا قيم وأحكام مسبقة.
• حين يتمنى أهل الإسلام أن تترك الدولة الدين في حاله!
من المعلوم أن الفكر الإسلامي المعاصر ولد على خلفية معارضة استيراد القوانين التي لا تستند إلى الشريعة الإسلامية وبناء الدولة الحديثة على أساس هذه القوانين لا على أساس الشريعة، ومن هنا اعتدنا على فكرة تبدو بديهية وهي أن الإسلاميين هم الخصوم الألداء لفكرة “فصل الدين عن الدولة”، وهذا ما نجده بالفعل في أدبيات الحركة الإسلامية وصحفها حيث يعتبر هذا الشعار شعار العلمانية وبرنامجها، والدمج بين العلمانية ومبدأ فصل الدين عن الدولة يبدو كما لو كان المسلمة المقابلة والمكافئة لمسلمة الدمج بين الحركة الإسلامية والعداء لهذا المبدأ.
في هذا المقال أريد أن أوضح أن طرح المسألة بهذا الشكل الذي ورد في الفقرة السابقة بعيد جدًا عن الدقة، وأن المسألة أكثر تعقيدًا من هذا التبسيط، ولتوضيح الجوانب التي لا تذكر من هذه المسألة في التحليلات السائدة عمدت إلى استذكار أمثلة من التاريخ الحديث كان فيها أهل الإسلام يكافحون من أجل تطبيق قانون فصل الدين عن الدولة، وكانت الدولة العلمانية على العكس هي التي لا تريد هذا الفصل! وآمل أن قارئي العزيز سيستطيع في النهاية أن يفهم السبب في ذلك ويستخلص العبر من هذه الوقائع، وبصورة خاصة سيعرف القارئ اللبيب إن شاء الله أن كاتب هذه السطور أيضًا ضد فصل الدين عن الحياة بأسرها وعن الدولة بالجملة، ولكن هذا أقرره في النهاية وعلى أساس مختلف عن الأطروحات المتسرعة التي نراها في الساحة الثقافية العربية.
• هل العلمانية تعني دومًا فصل الدين عن الدولة؟
وكتمهيد أذكّر القارئ بأن العلمانية ليست واحدة؛ فثمة علمانية تعني فصل الدين عن الدولة مع عدم تدخل الدولة في شؤون المؤسسة الدينية (الكنيسة وغيرها) وإعطائها الاستقلال الكامل ماليًا وإداريًا وتعليميًا، وعدم تدخل الدولة في شؤون الأفراد الدينية، فيترك من يشاء التدين لتدينه ومن يشاء الابتعاد عن الدين لابتعاده، وهذا النظام هو المتبع مثلًا في إنكلترا وألمانيا (في ألمانيا بالمناسبة تساعد الدولة حتى في جمع نوع من الضريبة للكنيسة تؤخذ تلقائيًا ما لم يخرج الفرد بطلب منه من الكنيسة التي ورثتها عائلته).
هاهنا نجد “فصلًا للدين عن الدولة” بمعنى أن الدولة لا ترى نفسها طرفًا مؤيدًا أو معارضًا للدين وتترك الأفراد والمؤسسات في حالها كما قلنا.
ولكن أوروبا شهدت نوعًا آخر من العلمانية يمكن أن نمثل له بفرنسا الثورة (وقد بقيت عناصر من هذا الموقف في فرنسا الحديثة رغم أن فرنسا الحديثة لم تعد “ثورية تمامًا” لا في هذه القضية ولا غيرها)، والاتحاد السوفياتي السابق وفيه تكون الدولة منفصلة عن الدين ولكنها ليست محايدة دينيًا، فهي أقرب إلى أن تكون معادية للدين، وهي لا تتسامح مع أي تعبير ديني في مؤسسات الدولة وفي المدرسة، وهي بهذا تخرق مبدأ الحرية الشخصية وحرية الاعتقاد الذي تعودنا خطأ أن نعده سائدًا في الغرب بأسره بلا قيود.. ومن الأمثلة المتطرفة لهذه الحالة تركيا وبعض الدول العربية.
وفي هذا المثال الأخير قد يفهم القارئ كيف يمكن للمسلمين أن يطالبوا في حالات معينة بفصل حقيقي للدين عن الدولة، بمعنى أن تكون الدولة محايدة كليًا تجاه معتقدات الأفراد الدينية وتجاه مؤسساتهم التي يبنونها ويمولونها ذاتيًا. فحين تمنع المدرسة الفرنسية حجاب الفتيات ويمنع البرلمان التركي دخول نائبة تضع على رأسها منديلًا؛ فإن الدولتين فرنسا وتركيا تؤكدان بسلوكهما هذا على أن التدين ليس مسألة شخصية، وعلى أن الدولة ليست محايدة دينيًا، بل هي صاحبة موقف ديني ولو بالسلب!
والاتجاه الإسلامي حين عارض فصل الدين عن الدولة فقد كان يتوجه في الواقع بهذه المعارضة في ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: نحو الماضي وفيه تعبر هذه الحركة عن معارضتها لعملية إحلال القانون الوضعي مكان الشريعة الإسلامية، وهي العملية التي بدأت في السنين الأخيرة للدولة العثمانية واكتملت تقريبًا في عهد الاستعمار ثم الدول المستقلة شكليًا التي بناها ثم في عهد الاستقلال، بحيث لم يبق من الشريعة إلا قانون الأحوال الشخصية الذي يبنى في الدول العربية كلها باستثناء تونس على أساس شرعي إسلامي لا يخرج عن أقوال الفقهاء بمجملها؛ وإن رد بعضها فعلى أساس من أقوال أخرى.
الاتجاه الثاني: اتجاه للحاضر وفيه تكافح هذه الحركة ضد اجتثاث ما تبقى من آثار الشريعة الإسلامية في النظام القانوني.
والاتجاه الثالث أخيرًا: هو من أجل المستقبل المرجو الذي هو عودة الشريعة الإسلامية لتكون هي الناظم المحدد للدولة والمجتمع.
ولكن الإسلاميين في غمرة حماسهم لشعار تطبيق الشريعة وضد شعار فصل الدين عن الدولة تفوتهم رؤية واقعية لموقف الدولة من الدين عندنا، ففي الحقيقة ما يعاني منه المجتمع العربي معاناة مباشرة لا يكاد يكون هو انفصال الدولة عن الدين؛ بل يكاد يكون مسك الدولة للدين مؤسسات ومساجد ومدارس وللتدين الفردي بيد من حديد! ولعل مشاهد تلفزيونات بعض الأقطار العربية سيحس بالرثاء لخطباء صلاة جمعة يمسكون بيدهم ورقة فرضتها عليهم الدولة يقرؤونها لا يحيدون عنها يمينًا ولا شمالًا! ولا شك عندي أن النظام العلماني الألماني مثلًا الذي لا يخطر له على بال أن يكتب موعظة الأحد للقسيسين هو أفضل للدين من هذه الأنظمة التي لا تريد أن “تترك الدين في حاله” ولا تريد “فصل الدين عن الدولة” بهذا المعنى! مع أن هذا الفصل هو شعار مرحلي قد يكون مناسبًا للمسلمين على مبدأ “الوحدة خير من جليس السوء”!
آمل أنني بهذه المقدمة جعلت القارئ أقدر على فهم الأحداث التي ستبدو له غريبة في الجزء التالي من المقال.
• تجربة الجزائر مع قانون فصل الدين عن الدولة في الحقبة الاستعمارية
من الغريب حقًا أن “بلد النور” فرنسا التي كانت في زمن الثورة وهو غير بعيد كثيرًا عن الزمن الذي احتلت فيه الجزائر بلدًا معاديًا للمسيحية علمانيًا بنسخة العلمانية، التي قلنا إنها ليست محايدة تجاه الدين بل هي معادية له، كانت في الجزائر بلدًا مسيحيًا مهتمًا جدًا بنشر المسيحية وتسيير أمور إدارته عبر التعاون الوثيق بين الجنرالات والقساوسة، حتى إن سكرتير الجنرال بيجو أعرب عن إيمانه بحلول عهد ألوهية المسيح في الجزائر: “إن أيام الإسلام قد دنت وفي خلال عشرين عامًا لن يكون للجزائر إله غير المسيح”(1).
وبتعبير فرحات عباس في كتابه ليل الاستعمار: “إن الثورة البرجوازية في فرنسا أعدمت الرهبان، وأحرقت الكنائس، وحاولت نزع الملكية من بلد مسيحي.
أما في الجزائر فهذه البرجوازية نفسها جعلت من المساجد كنائس تنشر المسيحية وتبشر بها في قطر إسلامي، واستعملت في ذلك أموال المسلمين، وتلك هي الطامة الكبرى حيث بعثت الروح الصليبية من مرقدها، رافعة راية المسيح لمحاربة الإسلام، ولو كانت في قرارة نفسها تعبث بكلا الدينين”(2).
والظاهرة غريبة ليس في الجزائر وحدها فمن العجب أن يتذكر الجنرال غورو هزائم حرب قادتها البابوية المكروهة حين وقف يشمت بصلاح الدين، وأن يتذكر ضباط بونابرت في الحملة على مصر في رسائلهم إلى أهلهم هزيمة لويس التاسع في المنصورة.
لا عجب والحالة هذه في أن يتمنى المسلمون لو تقف الدولة الاستعمارية موقفًا محايدًا من الدين، بل سأثير عجب القارئ بأكثر من ذلك: إن المسلمين تمنوا ولا شك والحالة كما وصفنا من تشجيع الدولة للتبشير لو أن الدولة المستعمرة وقفت موقفًا علمانيًا متطرفًا معاديًا مبدئيًا لأي دين كان! إذن لما شجعت القساوسة المبشرين على الأقل ولتساوت الأديان في عداء الدولة لها! ولكن الحال أن الدولة اختصت الإسلام بالعداء وحاولت نشر المسيحية بين الأطفال الأيتام ثم بين الأمازيغ.
لنذكر قبل هذا أول خطوة مهمة فعلتها الدولة المستعمرة وهي التصرف في أموال الأوقاف الإسلامية خلافًا لاتفاق التسليم مع حكومة الجزائر الذي تعهدت فرنسا فيه باحترام الدين الإسلامي وأوقافه ومعاهده، واحترام ملكية المواطنين الجزائريين وحريتهم الدينية.
مصادرة الأوقاف هذه أو تسليمها ليد الدولة كانت هي الخطأ الذي لا يغتفر في تاريخنا الحديث، وقد شارك في هذا الخطأ علماء الحركة الإصلاحية الإسلامية الذين كان همهم تنظيم وتحديث المؤسسات الدينية-كالأزهر وغيره، ورأوا في هيمنة الدولة واستلامها لزمام هذه المؤسسات والقضاء على استقلالها الخطوة التحديثية الضرورية، وكانت النتيجة ما نراه الآن من اضمحلال لاستقلال الأزهر ولهيبته العلمية، وزوال واقعي لمؤسسة جامع الزيتونة ومؤسسات شبيهة أخرى عندنا..
والدولة العلمانية الفرنسية لم تصادر الأوقاف فقط بل صادرت المساجد وحولتها إلى كنائس! هكذا أصبح أكبر مساجد قسنطينة كنيسة ولم يرجع مسجدًا إلا مع الاستقلال، وهكذا جرى مع جامع كيتشاوة في العاصمة الذي تحول إلى كاتدرائية.
وفي عام 1859 صدر قانون بإلغاء المحاكم الشرعية في منطقة القبائل واستبدالها بمحاكم عرفية، الأمر الذي أوقد نار ثورة كبرى في هذه البلاد بقيادة الشيخ محمد الحداد شيخ الطريقة الرحمانية والحاج محمد المقراني، وفي هذه الثورة استشهد من الجزائريين ستون ألفًا، وفقد الفرنسيون عشرين ألف جندي. وبعد قمع الثورة أقر القانون المدني الفرنسي في هذه المناطق، ومنع التكلم فيها بالعربية، وحظر تعليم القرآن والفقه الإسلامي.
لنأت الآن إلى قانون فصل الدين عن الدولة وصدر في فرنسا عام 1905 وبمقتضاه أصبحت الكنيسة في فرنسا مستقلة بكل ما يتعلق بالدين المسيحي عن الدولة، وصدر مرسوم في 27سبتمبر 1907 يطلب العمل به في الجزائر، ولكن هذا القرار طبق على جميع الأديان في الجزائر (اليهودية والمسيحية) ما عدا الدين الإسلامي، فهو وحده الذي بقي مؤممًا يخضع لسيطرة الإدارة الاستعمارية في كل أموره.. فكان الوالي العام الفرنسي في الجزائر هو الرئيس الأعلى للمسلمين في الأمور الدينية، فهو الذي يعين الأئمة في المساجد والمفتين والقضاة ويعزلهم، كما أنه هو الذي يقرر مواعيد الأعياد الإسلامية إلى غير ذلك مما يتصل بأمور الدين..(3).
والنتيجة كان للأقلية المسيحية واليهودية 372 معبدًا في مقابل 166 مسجدًا للأكثرية الساحقة في الجزائر!
وما يهمني في هذا المقال كما يذكر القارئ هو ذكر مطلب المسلمين بأن ترفع الدولة يدها عن الدين وتفصله عنها فصلًا حقيقيًا!
أول وفد جزائري تكون لبحث قضية الجزائر كان في مؤتمر الصلح بفرساي بعد الحرب العالمية الأولى، وكان الوفد مكونًا من نواب جزائريين في المجالس البلدية والعمالية، وكان بقيادة الأمير خالد بن الهاشمي بن الحاج الكبير بن الأمير عبد القادر الجزائري، وحين لم يحصل على نتيجة كوّن الأمير خالد مع زملائه هيئة “وحدة النواب المسلمين”، وعبرت جريدة اسمها “الإقدام” عن آرائها بالعربية والفرنسية.
وفي عام 1925 قدمت هذه الحركة مطالب إلى رئيس وزراء فرنسا عُرفت لاحقًا باسم “مطالب الأمير خالد العشرة”، والمطلب السابع فيها يقول: “تطبيق قانون فصل الدين عن الدولة بالنسبة للدين الإسلامي”!
وبعد نشوء “جمعية العلماء” برئاسة الشيخ عبد الحميد بن باديس صار استقلال الدين عن الدولة هدفًا من أهدافها.. يقول رئيس الجمعية الثاني الذي خلف بن باديس بعد وفاته في مقال له في جريدة “البصائر” العدد الثالث من السلسلة الثانية عام 1947: “يا حضرة الاستعمار إن جمعية العلماء تعمل للإسلام بإصلاح عقائده وتفهم حقائقه وإحياء آدابه وتاريخه، وتطالبك بتسليم مساجده وأوقافها إلى أهلها، وتطالبك باستقلال قضائه..”.
ومن العجب بمناسبة ذكر الأوقاف أن التبشير كان يتم في الجزائر بأموال الأوقاف الإسلامية!
وقد شاركت جمعية العلماء في “المؤتمر الإسلامي”عام1936، والمتابع لهذا المؤتمر يجد أن السمة العامة لمطالبه لم تكن استقلالية تطالب بفصل الجزائر عن فرنسا؛ بل كانت تطالب بدمج الجزائر في فرنسا وإزالة توسط الولاية العامة الجزائرية! وهذا سيبدو لنا الآن في غاية الغرابة، ولكن لنقرأ مطالب المؤتمر: “1-إلغاء سائر القوانين الاستثنائية التي لا تطبق إلا على الجزائريين.
2- إلحاق الجزائر بفرنسا رأسًا وإلغاء الولاية العامة الجزائرية ومجلس النيابات المالية ونظام البلديات المختلطة.
3- المحافظة على الحالة الشخصية الإسلامية مع إصلاح المحاكم الشرعية بصفة حقيقية ومطابقة لروح الفقه الإسلامي وتحرير هذا القانون:
– فصل الدين الإسلامي عن الدولة بصفة تامة، وتنفيذ هذا القانون حسب مفهومه ومنطوقه.
– إرجاع سائر المعاهد الدينية إلى الجماعة الإسلامية لتتصرف فيها بواسطة جمعيات دينية مؤسسة تأسيسًا صحيحًا.
– إرجاع أموال الأوقاف لجماعة المسلمين ليمكن بواسطتها القيام بأمور المساجد، والمعاهد الدينية: والذين يقومون بها.
– إلغاء كل ما اتخذ ضد اللغة العربية من وسائل استثنائية، وإلغاء اعتبارها لغة أجنبية.
– الحرية التامة في تعلم اللغة العربية، وحرية القول للصحافة العربية”.
وكما يرى القارئ فالمطالب لم تكن تتضمن أكثر من المطالبة بالعيش في دولة علمانية محايدة تجاه الدين والاختيارات الثقافية للفرد!
وقد نرى الآن أن هذه المطالب في غاية المهاودة بل ثمة من انتقدها في حينه، ولكننا نذكر بأن “فصل الدين عن الدولة” بصورة مطلقة قد لا ترضى به الدولة، وقد يعده علماء المسلمين خطوة مرحلية هامة كما نقول الآن بلغة الأحزاب السياسية المتداولة.
• ما هو مشترك مع تجربة الاستعمار في “الدول المستقلة”.
قد يظن القارئ المتعجل أن ذكر تجربة الإسلام مع الاستعمار الفرنسي لا يفيد إلا هواة التاريخ، وأن هذه التجربة لا علاقة لها بوضع الإسلام في الدول الإسلامية المستقلة، ولكن النظرة الممحصة سترينا ما هو مشترك مع هذه التجربة، ففي الحالتين كانت هناك دولة علمانية صراحة أو ضمنًا ترفض أن تترك الدين والمؤسسة الدينية والتدين الفردي للمجتمع، وتصر على تأميمه والهيمنة عليه وقولبته وتقنينه كليًا.
وفي الحقيقة لو درسنا مليًا تجربة “إصلاح” الأزهر و”تحديثه” لرأينا بوضوح أن هذه المؤسسة العظيمة منذ نهاية القرن التاسع عشر كانت تُلحق تدريجيًا بالدولة أحيانًا مع اعتراض الأزهريين، ولكن غالبًا بموافقتهم، وكان لهذه الموافقة سببان واحد فكري والثاني مادي عملي.
السبب الفكري هو السبب العام المميز للفكر العربي في العصر الحديث وهو الانبهار بالمؤسسات الغربية والسعي إلى بناء المؤسسات المحلية على طريقتها، وهو الأمر الذي قاد مشايخ الأزهر إلى الموافقة على إزالة نظام الحلقات العلمية المفتوحة ونظام المجاورة القديم، واستبداله بنظام الفصول الدراسية والكليات الذي هو ولا ريب أقل “ديمقراطية” إن شئتم وأكثر احتكارًا للعلم، وأقل انفتاحًا على الحوار بين الطلاب والأساتذة، وفي هذا النظام الجديد الذي تصرف فيه الدولة على “جامعة الأزهر” لا عجب أن يصبح الأزهر مؤسسة من مؤسسات الدولة.
وقد كان قانون الأزهر الذي صدر عام 1911 وهو الذي ينظم الدراسة على الطريقة الجديدة وتعديله الذي صدر سنة 1930، وأنشئت على أساسه الكليات الثلاث: الشريعة، واللغة العربية، وكلية أصول الدين هو الخطوة الحاسمة في القضاء على نظام الدراسة القديم.
يقول الشيخ محمد عبد الله عنان في كتابه “تاريخ الجامع الأزهر”: “وقد فقد الأزهر كثيرًا من مزايا الدراسة الجامعية الحقة بإلغاء الحلقات الدراسية الشهيرة التي لبثت قرونًا تزين أروقته وساحاته فقضى عليها النظام الجديد (…)، والواقع أن هذه الحلقات القديمة لم تكن سوى المدرج الجامعي الحديث، وقد كانت تتفوق بلا ريب في عناصرها الجامعية على فصول الكليات الأزهرية، وكان خيرًا لو أصلحت ونظمت على غرار الدراسات الجامعية العليا، التي يتولاها أعلام الأساتذة والأخصائيين، وقد كان في استبقائها على هذا النحو تخليدًا لذكرى الحلقات الأزهرية التاريخية التي كانت أيام ازدهارها من محاسن الدهر ومحاسن الأزهر”(4).
والسبب الثاني المادي العملي مشتق في الحقيقة من تحول النظامين القانوني والتعليمي للدولة، إذ إن القضاء في مصر وما يتبعه من محاماة ووظائف في المحاكم بُني على أساس النظام التشريعي والإداري الغربي، مما جعل الأزهر يحاول عبثًا تأمين وظائف لخريجيه في هذا النظام، وقد انهارت هذه المحاولات مع إلغاء القضاء الشرعي وما يتبعه من محاماة شرعية، وكذلك حُرم الأزهريون من فرصة التدريس في المدارس، أو قاربوا على الحرمان التام مع إنشاء الجامعة وكلية دار العلوم.
وما جرى للأزهر جرى أسوأ منه للزيتونة مما لا نريد أن نطيل هذا المقال بذكره، ولكن الخلاصة التي نستنتجها من كل ما تقدم أن الدولة في بلادنا هي أول من يعارض استقلال الدين عنها، وعلى الاتجاه الفكري الإسلامي العربي أن يعرف هذه الحقيقة ولا يترك شعاره البعيد وهو بناء الدولة على أساس الشريعة يغطي عينيه، فلا تريان الواقعة القريبة وهي هيمنة الدولة على التدين سواء بشكله المؤسسي أم بشكله الفردي.
وبهذا قد يكون من الحكمة أن يطالب الغيورون حقًا على الشريعة الجامعون مع الغيرة حكمة وفهمًا للسياسة بالإبقاء على ما تبقى من مظاهر الشريعة في الدولة، وبترك الدولة المؤسسات الدينية لاستقلال ذاتي يشبه استقلال الكنيسة في البلاد الأوروبية التي ذكرناها، ما دامت الدولة ترفض السير على الشريعة!
• تجربة العلاقة بين المؤسسة الدينية والشعب والدولة في حالة الكنيسة القبطية المصرية:
في التصور الشائع للعلاقات بين المؤسسة الدينية والمؤسسات الاجتماعية والمفاهيم السياسية من نوع “الدولة”، “الديمقراطية”، “الإجماع”، “فردية القرار”، “فصل الدين عن الدولة”، “الوطنية”، “التبعية للاستعمار”، ثمة مصادرات نموذجية جاهزة في أذهان المثقف العربي الحديث، أريد هنا أن ألقي عليها ضوءًا نقديًا مستندًا إلى التجارب التاريخية الفعلية.
كنا مثلًا استنادًا إلى تقليد يساري ممتد ننسب إلى رجال الدين ممالأة السلطة وإلى المتحررين معاداتها أو على الأقل قلة الاستلطاف بينهم وبينها! وكنا نرى أن “الديمقراطي” الذي يؤمن بإرادة الأكثرية هو بطبيعته يعبر عن مصلحة الجموع ويتطابق معها ويقف إلى جانب مبدأ الإجماع أو الأكثرية في القرارات التي تتخذها الهيئات المختلفة، على حين يميل رجال الدين بطبعهم إلى الفردية في القرار، إلى آخر هذه المصادرات التي نريد للقارئ الآن أن يتابعها بنفسه في مثال أراه قيمًا جدًا ومليئًا بالعبر؛ هو مثال الكنيسة القبطية في مصر في القرن العشرين والنصف الثاني من القرن التاسع عشر في علاقاتها مع المفاهيم والمؤسسات المذكورة(5).
منذ بداية ثمانينيات القرن التاسع عشر نشأ ضمن الجماعة القبطية تنافس وأحيانًا صراع بين المؤسسة الدينية الممثلة في الكنيسة القبطية الأورثوذكسية بهرميتها ومؤسساتها من كنائس وأديرة وما يمول هذه المؤسسة من أوقاف كثيرة، وبين المؤسسة العلمانية الناشئة التي تمثلت في “المجلس الملي” الذي صدر قرار إنشاؤه لأول مرة في عام 1874 على عهد الخديوي إسماعيل، ومن أبرز قيادات هذا المجلس كان الشخصية السياسية المشهورة بطرس غالي.
وفي ذلك الوقت كان منصب البطريركية خاليًا لوفاة البطريرك ديمتريوس عام 1872 وكان يدير أعمال الكرسي البطريركي بالوكالة الأنبا مرقس مطران البحيرة، وقد قام هذا المجلس بانتخاب البطريرك الجديد الذي كان الأنبا كيرلس الخامس، وكان هذا استنادًا إلى تقليد قديم يجعل انتخاب البطريرك عملية يشارك فيها أفراد الطائفة القبطية من خارج السلك الكهنوتي- بل يرى بعضهم أن البطريرك لا مانع من أن يكون قادمًا من خارج المؤسسة الدينية أصلًا.
وباختصار كانت وظيفة المجلس الملي أن يهتم بإدارة كل ما لا يخص الجانب الديني البحت من شؤون الكنيسة.
وكانت الجهة المهيمنة على المجلس الملي تتهم الجهاز الديني بإساءة الإدارة المالية، وأما البطريرك فرأى في المجلس محاولة غير مشروعة لإنشاء سلطة موازية للكنيسة تتدخل في شؤونها، لذلك سرعان ما عطل المجلس وظل المجلس معطلًا حتى عام 1883 عندما عاد بعض الوجهاء الأقباط وطالبوا البطريرك بإعادة المجلس فلم يوافق، وحين سعى هؤلاء الوجهاء عند الدولة لإعادة المجلس أرسل كيرلس الخامس إلى رئيس الوزراء يقول: “لقد اختبرنا ذلك المجلس فلم نر منه فوائد لأية جهة كانت واستغنى الحال عنه من وقتها”، ثم طلب من الخديوي عدم عقد المجلس ولكن الخديوي أجبره على إعادته، وكان لسعي بطرس غالي عند الدولة دور في هذا الشأن فانصاع البطريرك وصدر الأمر العالي بتشكيل المجلس في 13 مارس 1883، وانتخب بطرس غالي وكيلًا له ثم أعد المجلس لائحة له صدر بها الأمر العالي في 14 مايو 1883.
وكانت الوظيفة المقررة للمجلس الملي وفقًا للائحة هي “النظر في كافة المصالح الداخلية للأقباط، وحصر أوقاف الكنائس والأديرة والمدارس وجمع حججها ومستنداتها، وتنظيم حسابات الإيراد والمنصرف، وحفظ الأرصدة وإدارة المدارس والمطبعة، ومساعدة الفقراء، وحصر الكنائس وقسسها والأديرة ورهبانها والأمتعة والسجلات، والقيام بوظيفة محكمة الأحوال الشخصية التي تنظر منازعات الزواج والطلاق وغيرها”، ويتشكل المجلس من 12 عضوًا و12 نائبًا يكونون معًا الجمعية العمومية. والأعضاء والنواب ينتخبون 150 ناخبًا، ويكون البطريرك هو رئيس الاجتماع الانتخابي ورئيس المجلس الملي، على أن يكون للمجلس وكيل من أعضائه يقوم مقام الرئيس عند غيابه، ومدة عضوية المجلس 5 سنوات(6).
وكما قال صلاح عيسى: “وخوفًا من أن يتجمد المجلس مرة أخرى فإن الداعين إليه استصدروا قانونًا يحدد العلاقة بين البطريرك والمجلس، بحيث لا تكون اللائحة مجرد قرار صادر من المجلس نفسه ولكنها تصبح قانونًا له قوة النفاذ”.
ولنتذكر هنا هذه النقطة فسوف نجدها كثيرًا كما وجدناها في الفقرة السابقة: إن دعاة “فصل الدين عن الدولة” بمعنى فصل المؤسسة الدينية عن الدولة وجعلها مؤسسة مستقلة ذاتيًا لم يكونوا في هذه الحالة كما في حالات أخرى كثيرة الأطراف “الإصلاحية العلمانية الديمقراطية”، بل كانت هذه الأطراف هي التي تستعين بالدولة لإجراء التغييرات في المؤسسة الدينية وإزالة استقلاليتها وإلحاقها بالجهاز السلطوي، على حين كانت المؤسسة الدينية هي التي تناضل في سبيل الاستقلال الذاتي عن الدولة.
وبعد هذا جمد المجلس الملي مرة أخرى بعد رفض البطريرك محاولة هذا المجلس التدخل في شؤون الأديرة وأوقافها إلى أن جاء عام 1891، وفي هذا العام طلب عدد من وجهاء الأقباط من البطريرك إعادة تشكيل المجلس، ولكنه رفض قائلًا: إن اللائحة التي تحدد اختصاصات المجلس مخالفة لشرائع وقوانين الكنيسة، واقترح البابا أن تعرض اللائحة على جمعية من المطارنة والأساقفة لبيان وجهة نظر الشريعة الدينية فيها، فرفض الوجهاء هذا الاقتراح وتشاجروا مع البابا وخرجوا ووجهوا دعوات إلى الطائفة القبطية لتجتمع وتنتخب جمعية عمومية، فرفض البابا هذه الدعوة وعقد “مجمعًا مقدسًا” للنظر في انسجام المجلس مع الإنجيل، ورفض دعاة المجلس حضور هذا المجمع للمناقشة، ثم صدر قرار المجمع بأن فكرة إنشاء مجلس ملي هي فكرة مخالفة للإنجيل والقوانين الكنسية التي تعطي البطريرك تفويضًا كاملًا في كل الأمور العامة بما فيها تنفيذ الأحكام وقطع المنازعات وتقدير العطاء للمستحقين، وقرر المجمع أن تدخل أحد من الشعب في تدبير أمور الكنيسة ومتعلقاتها في شكل مجالس أو في أي شكل هو مخالف للأوامر الإلهية والنصوص الرسولية، ذلك أن إنشاء هذا المجلس هو سلب لحقوق الكنيسة وشرف رؤسائها المأمور بها من الإله، وتسليم شعبها لقيادة من لم تكن لهم السلطة.
بعد ذلك أسس دعاة الإصلاح جمعية سموها “جمعية التوفيق القبطية” وأصدرت الجمعية مجلة هاجمت فيها البطريركية وحالة المدارس التي تديرها والأديرة والأوقاف والرهبان والإكليروس، وأسس مناصروا الكنيسة جمعية سموها “الجمعية الأرثوذكسية” بادلت الهجوم بهجوم معاكس، وانهالت برقيات أنصار الإصلاح على الحكومة والخديوي تطالب بإلحاح بتشكيل المجلس الملي مرة أخرى، وفي صيف 1892 قابل بطرس غالي الخديوي عباس حلمي الثاني في الإسكندرية وطلب منه تشكيل المجلس، وبالفعل وافق الخديوي وانتخب المجلس الجديد في الدار البطريركية، وقد اختير 24 عضوًا من الأعيان البارزين، صار منهم اثنان رئيسي وزارة بعد ذلك، هما بطرس غالي ويوسف وهبة، وواحد صار وزيرًا هو مرقس سميكة.
وعارض البابا تشكيل المجلس معارضة تامة مستندًا إلى قرار المجمع المقدس، وسانده في هذه المعارضة وكيل البطريركية مطران الإسكندرية الأنبا يؤانس، أما الخديوي فاستاء من تحريضهما الشعب على المجلس، وحين حاول الاثنان زيارته في عيد الأضحى لتهنئته كالعادة رفض الخديوي استقبالهما.
وشن البابا حملة واسعة على دعاة المجلس الملي، ووجه إليهم تهمة خطيرة لم تكن كما يرى المدقق في وثائق تلك المرحلة خالية كليًا من الصحة، وهي أن دعاة المجلس هم من الزائغين عن العقيدة القبطية الأرثوذكسية الذين ساروا مع المبشرين البروتستانت، وكان نشاط هؤلاء قد قوي بصورة خطيرة وبدأ يجني ثمارًا ملموسة من حملاته التبشيرية بين أفراد الجماعة القبطية. وقال البابا: إن الحكومة ليس لها مصلحة في فرض المجلس على الكنيسة لأن المسألة غير سياسية بل هي “دينية كنائسية شرعية”.
وتدخل القنصل الروسي متوسطًا بين بطرس غالي والبطريرك، وتوصل الجانبان إلى اتفاق تعدل فيه لائحة المجلس، فتظل الأديرة تحت إشراف البطريرك، وتقسم المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية إلى قسمين شرعي من اختصاص المجلس الروحي، وحسبي من اختصاص المجلس الملي، وأخذ التعديل كما يقول صلاح عيسى بوجهة نظر البابا الذي اتهم بعض أعضاء المجلس الملي بأنهم ليس من الأرثوذكس بل هم أميل إلى البروتستانتية، فتقرر أن يحل محلهم عدد من الإكليروس نسبتهم إلى العلمانيين ثلث إلى ثلثين.
ولكن المجلس رفض التعديلات واشترط على البطريرك ألا ينفرد بعمل يدخل في دائرة اختصاص المجلس، ولا يأخذ شيئًا من الإيرادات سواء كانت من الأوقاف أم من مرتبات الأساقفة أم من تركاتهم إلى آخره، ولا يأخذ سوى الهدايا الشخصية ويكتفي بمرتب شهري يساوي ثلاثين “بنتو”.
فرفض البطريرك هذا وهاجم قرار المجلس وقال: إنه لا يريد الصلح وإنما التحكم في الإكليروس والبابا، وإن المجلس يريد وضع الإكليروس تحت أمر الشعب، بينما قواعد الدين تجعل الشعب تحت أمر الإكليروس.
وعندما تصاعد الخلاف إلى هذه الدرجة قرر المجلس الملي عزل البابا واختيار الأنبا اثناسيوس أسقف صنبو وكيلًا لإدارة البطريركية، وحين وافق هذا الأسقف أسرع البابا إلى عقد مجلس روحي مقدس قرر حرمانه وطرده من الكنيسة.
وقد قام أعضاء المجلس بجهود كبيرة لإقناع الحكومة بالضغط على الخديوي لإصدار قرار بالعزل، وبالفعل صدر قرار الخديوي بعزل البابا ونفيه هو ومناصره الأنبا يؤانس، الأول إلى دير البراموس بصحراء وادي النطرون، والثاني إلى دير الأنبا بولا بالصحراء الشرقية.
• الجماهير مع من؟
إذا كان عزل البابا ونفيه انتصارًا للمجلس الملي و”الإصلاحيين”؛ فإن الذي حول هذا الانتصار إلى هزيمة لاحقة رغم وقوف الحكومة إلى جانب المجلس كان الجماهير القبطية، ويصف صلاح عيسى في مقاله الشيق “البطريرك في المنفى” كيف تعاملت الجماهير القبطية مع هذه التغييرات في قيادة الكنيسة.
فلقد نفذت الجماهير قرار البابا بحرمان الأسقف، ويقول عيسى: “هجر الأقباط دار البطريركية وواجه أسقف صنبو الأنبا اثناسيوس مجموعة من الظروف المحرجة، فعندما أراد أن يزور أحد وجهاء الطائفة في بيته حدثت مشكلة بين الوجيه المذكور وزوجته وأبنائه وأشقائه، إنهم جميعًا يقيمون في دار واحدة وهم أرثوذكسيون مؤمنون ولا يمكن أن يسمحوا بأن يدخل دارهم رجل محروم بقرار من مجمع مقدس، إنهم لا يقبلون مخالطته ولا مؤاكلته ولا الحديث معه، بل ويرفضون حتى مجرد أن يلج عتبة باب دارهم. وكان موقفًا مؤلمًا ومحرجًا لأسقف صنبو بيد أنه تكرر كثيرًا.. في تلك الأيام هجر الأقباط في مصر كنائسهم فالكنيسة المرقسية الكبرى كانت تحت إشراف الآغامانس فليتاؤس عوض، وكان من دعاة المجلس ومؤيديه، بل، ويا للكارثة كان أحد القسس الذين وقعوا على قرار نفي البابا كيرلس الخامس، وبحث الأقباط في القاهرة عن كنيسة أرثوذكسية يصلون فيها فلم يجدوا سوى كنيسة الروم الأرثوذوكس بالحمزاوي فتوجهوا إليها في أيام الآحاد التالية لذلك، ولأن الكنيسة في الأصل مخصصة لجالية محدودة العدد فإن الأعداد الهائلة من الأقباط الذين ذهبوا للصلاة فيها قد أدت إلى ازدحامها بالمصلين، وغير القسس لغة الصلاة من اليونانية إلى العربية، وتعطلت أكاليل الزواج في القاهرة، واضطر أبناء الطائفة للذهاب إلى الجيزة لعقد الزواج.
وكلما توفي أحد لم يدخلوه قط إلى الكنيسة المرقسية الكبرى التي كانت تحت الحرم، وعندما توفي جرجس بك شلبي وكان من وجهاء الأقباط وذهب القمص فلتاؤس عوض لدار المتوفي للصلاة عليه رفض أهله ذلك، لأن القمص عضو بالمجلس الملي ومخالط للأسقف المحروم فهو إذن محروم مثله، ولذلك طردوه من دارهم ولم يصلوا على الميت في كنيسة كبرى، ولكن في كنيسة صغيرة (…)، وتزايدت هجرة الأقباط من كنائسهم وعندما جاء عيد الصليب لم يحضر في كنيسة الملاك البحري سوى ستة أشخاص، مع أن العادة كانت قد جرت بأن هذا العيد مهرجان ضخم تمتلئ فيه هذه الكنيسة بالآلاف من الناس، وفي هذا العيد أيضًا لم يذهب الناس كعادتهم إلى دير العريان بالمعصرة لذبح الذبائح ،وأقفلت الكنائس تمامًا ككنيسة الزقازيق، ونضبت إيرادات البطريركية فلم يرد إليها شيء من البلاد، وبمضي الوقت كان عدد الممتنعين عن الذهاب إلى الكنائس يزداد”.
وبعد سنة من عزل البابا ونفيه أقنع رئيس الوزراء الجديد رياض باشا الخديوي بأنه ما كان له الحق في نفي البابا وأما الخديوي فوضع المسؤولية على من أشار عليه بهذا القرار من الأقباط وعلى رأسهم بطرس غالي باشا ثم أعيد البابا ومنحه الخديوي أكبر وسام آنذاك وهو الوشاح المجيدي وصفح البابا عن خصومه وعفا عنهم وألغي المجلس الملي وقامت مكانه لجنة ملية مؤقتة مؤلفة من 4 أشخاص.
• “المحافظون” و”الإصلاحيون” في مسألة الوطنية والتبعية
هذا الصراع مليء بالعبر وهو يدلنا مرة أخرى على مقدار الخطل في المحاكمات الحداثية التي تعودنا عليها، فقد كان من الممكن لكل محلل ذكي أن يرى وراء أكمة الشعار الإصلاحي ارتباطات الإصلاحيين الوثيقة بالإنكليز، ومحاولاتهم تحويل الكنيسة القبطية إلى كنيسة قريبة من البروتستانتية لتكون موالية لإنكلترا، ومحاولة السلطة إزالة استقلالية الكنيسة وإلحاقها بجهازها كما فعلت بنجاح تام مع الأزهر، وقد يعترض بعض المؤرخين علينا بالقول إن البابا أيضًا كان له مناصرون خارجيون متمثلون في القيصر الروسي، بل فرنسا أيضًا تدخلت لصالحه نكاية ببريطانيا، لأنها حتى ذلك الحين لم تكن قد أقرت لبريطانيا بحق الهيمنة على مصر (وهذا الإقرار جرى لاحقًا عام 1904 فيما سمي “الاتفاق الودي”)، ولكن هذا الاعتراض غير وجيه في رأيي لأن فرنسا لم تكن تشكل أي قوة خطيرة داخل مصر مقارنة بإنكلترا، وروسيا كانت بعد أبعد من فرنسا عن تشكيل مثل هذه القوة، وبالتالي فإن التدخلين بخلاف التدخل الإنكليزي لم يكونا يهددان الاستقلال الوطني للكنيسة القبطية.
أما البابا كيرلس الخامس فقد كان مشهودًا له بالوطنية وكانت له مواقفه الحاسمة في هذا الاتجاه، فقد كان ممن أيد عرابي وعارض الغزو الإنكليزي، وأعلن فتوى تقول إن العدوان الإنكليزي على مصر يخالف تعاليم المسيحية الحقة، وأنهم بعدوانهم كفرة خارجون على دينهم، ووقع على قرار خلع الخديوي توفيق ورفض مساعي اللورد كرومر لوضع الكنيسة القبطية تحت الحماية البريطانية، ورفض عروض هذا اللورد لمساعدة مدارس الكنيسة ماليًا، وفي عام 1911 نصح الأقباط أن لا يعقدوا المؤتمر القبطي ذي التوجه الطائفي ووقف مع ثورة 1919، وكان له دوره المؤثر في تحقيق تلك الوحدة الوطنية الكبيرة بين عنصري الشعب المصري في الثورة، وكما قال العقاد عنه: إنه كان “رجلًا ناسكًا متعبدًا مؤمنًا برسالته الدينية أشد الإيمان، وكان مع رعايته لفرائض الدين لا ينسى فرائض الكرامة الدنيوية في معاملته لأصحاب السلطان ولو كانوا من الملوك أو في حكم الملوك. خطر لعميد الاحتلال البريطاني اللورد كيتشينر أن يلقاه على غير موعد فذهب إلى الدار البطريركية وأمر الحجاب أن يبلغوا صاحب الغبطة أن فخامته موجود في الدار، فهرول الحاجب الملازم له وهو يلهث ويكاد يصيح: اللورد يا أبانا.. اللورد يا أبانا.. فسأله في أناة: من اللورد يا هذا؟ وعلم جلية الخبر فلم يزد على أن قال: اذهب يا ولد وقل لفخامته إن البابا لا يقابل بغير ميعاد. وطلب منه الملك فؤاد أن يبارك وزارته كما بارك سعدًا فلم يجبه ولم يزد على أن قال: إن البركة لا تمنح باليمين وتسلب باليسار”(7).
والصراع بين التيار الإصلاحي والجهاز الكنسي لم يتوقف لاحقًا وكانت له جولاته وفيها هزائم وانتصارات لكل من الطرفين ولنذكر الآن واحدة منها وهي تلك التي جرت بعد وفاة البابا كيرلس الخامس عام 1927وهو البابا الذي وصفته صحيفة إصلاحية ناطقة بالإنكليزية “المورنينغ بوست” بعد وفاته بأنه “رجل قليل البصيرة والعلم ميال للمشاكسة صبر الناس على حياته الطويلة عديمة الجدوى بأمل أن تتاح فرصة الإصلاح بعد وفاته”(8).
وقد دارت المعركة حول انتخاب وكيل للبطريركية بانتظار انتخاب بطريرك جديد، ثم بعد ذلك جرت معركة انتخاب البطريرك.
وكان المطران يؤانس الذي ذكرناه سابقًا مقربًا من البطريرك المتوفى ومهيمنًا على الجهاز الكنسي، فكان بهذا أقوى المرشحين للنيابة البطريركية، وكان متهمًا من الرأي العام الإصلاحي بأنه مسؤول عن فساد الإدارة وتبديد الأموال، وفي مواجهته كان المطران مكاريوس مطران أسيوط وهو داعية قديم للإصلاح، وأخذ عليه أنه قبل برئاسة المؤتمر الذي عقده ذوو الاتجاه الطائفي من الأقباط عام 1911، وهذه نقطة ملتبسة قابلة لتأويلات متعددة لن نطيل النقاش فيها هنا، ونعيد القارئ المهتم إلى الصفحة 411 من كتاب طارق البشري “المسلمون والأقباط”.
كان الأنبا يؤانس إذن مرشح الإكليروس للنيابة البطريركية، وفي المقابل كان المطران مكاريوس مرشح الإصلاحيين الذين يبدو أنهم في هذا الوقت كانوا حائزين على شعبية لا بأس بها، والنقطة الأولى في الصراع التي تستثير الذكر لاحظها طارق البشري: “لقد جاءت وفاة كيرلس الخامس في وقت إعادة اختصاصات المجلس الملي إليه وارتفاع موجة الإصلاحيين ضد يؤانس وأنصاره، لذلك ظهر في البداية أن يؤانس صاحب الكفة المرجوحة، ولكن من يعرف أن المسيطر على الأبنية التنظيمية في أية مؤسسة هو الكاسب فيها ما دام يتمتع بتأييد رجالها وما دامت تلك المؤسسة قائمة ونشيطة لا يتهددها انهيار، من يعرف هذه الحقيقة يدرك أن يؤانس رغم خفة موازينه العامة كان على العكس هو صاحب القدح المعلى، إن يؤانس رغم أن قسمًا كبيرًا من ناخبيه سيكون من خارج الكنيسة فهو يقف عمليًا على رأس هذه الكنيسة بما لها من سلطان روحي على الآخرين، وبما لا تزال تقبض عليه من شؤون المال والإدارة. وقرارات الكنيسة مهما صادفت من معارضة خارجية فهي صاحبة القرار الممسكة بزمام الشرعية الكنسية، ومهما كانت المعارضة ضدها منظمة فإن هذه المعارضة التي تأتي من خارجها لا تمثل سلطة إصدار القرار للشرعية، وبهذا لن تمثل المعارضة إلا جماعات للضغط مهما بلغت قوتها فلا تصل بها إلى النفوذ الحاسم(…)، فكان مكاريوس هنا كالشيخ محمد عبده يأتيه التأييد من خارج مؤسسته لا من داخلها، وكانت مشكلة مكاريوس الخطيرة لا تتأتى فحسب من كونه معزولًا بين رجال الدين، ولكن من أن المؤسسة التي رشح لرياستها قد استقطبت ضده حيث صار لا يصلح لها ولا تصلح له، ولم يكن ثمة خيار إلا أن يقتحم أنصاره به المؤسسة الدينية لا ليعين رئيسًا لها فحسب ولكن ليعيد صياغتها كلها صياغة أخرى وليغير من طاقمها بما يتفق مع موقفه، وهذا أمر من الصعوبة بمكان بمراعاة التقاليد الكنسية الراسخة”(9).
وفي مواجهة التأييد الإكريلكي ليؤانس غيّر أنصار الإصلاح التكتيك وطالبوا بانتخاب البطريرك رأسًا دون البدء بتعيين نائب بطريركي.
وبعد صراعات طويلة ومد وجزر بين الطرفين لا نريد أن نطيل المقال بذكر تفاصيلها؛ عقد الإصلاحيون اجتماعًا كبيرًا بقيادة الدكتور سوريال جرجس الذي كان من نواب الوفد في مجلس الشيوخ، وكان المفروض أن الاجتماع مخصص لتأييد انتخاب يوحنا سلامة وهو مرشح إصلاحي لمنصب البطريرك، غير أن الاجتماع حول إلى عملية انتخاب البطريرك فوافقت الأغلبية على انتخاب سلامة بطريركًا، مما فاجأ بعض الحاضرين ولم ينجح الانتخاب المذكور في الحصول على الشرعية، وفي ديسمبر1928 صدر أمر ملكي يتضمن وجوب الإسراع بانتخاب البطريرك، وتضمن تحديدًا لجمعية الانتخاب، وقد ضمن هذا التحديد فوز مرشح الجهاز الإكريليكي يؤانس لأن الغالبية اختيرت من مؤيديه، وبالفعل انتخب يؤانس بطريركًا وعين رسميًا في 9 ديسمبر 1928، والنقطة التي يفيدنا أن نذكرها هنا هي أن مرشح الإصلاحيين يوحنا كان وفق أدلة كثيرة مؤيدًا من قبل الكنيسة الأسقفية الإنكليزية وواحد من أكبر مشايعيه وهو القمص إبراهيم لوقا راعي كنيسة مصر الجديدة، وكان هو المنظم الرئيس للاجتماع الذي انتخب يوحنا وغالبية المدعوين للاجتماع كانوا من أنصاره، وكان من أعضاء جمعية أصدقاء الكتاب المقدس التي أسسها مبشران أسقفيان هما: ثورنتون وجاردينر، وقد ذكر أن لوقا كان يستعمل ترانيم بروتستانتية في خدمة قداس الكنيسة الأرثوذكسية، وكان من دعاة التقريب بين الكنيستين الإنكليزية والقبطية، وفي المقابل كان يؤانس حائزًا على دعم الملك، ونلاحظ هنا تعقيد العلاقة بين القوى الخارجية والأطراف المتصارعة داخل الجماعة القبطية، فالإنكليز وعدوا الإصلاحيين سرًا بالدعم، وفي المقابل فإن الملك دعم يؤانس، والواضح أن الإنكليز سحبوا دعمهم ليوحنا في اللحظة الحاسمة لا لأنهم كفوا عن دعم الإصلاحيين، بل لأنهم كانوا يريدون تقسيم الكنيسة بدليل أن اللورد لويد الذي كان يدعم الإصلاحيين سرًا ويعدهم بالدعم في الانتخابات ثم لم ينفذ وعده، وسرعان ما اتصل بلوقا بعد الانتخابات وطلب منه الانضمام إلى الكنيسة الأسقفية. يقول طارق البشري في تفسير الموقف الإنكليزي الملتبس: إنه بعد أن حاولت الكنيسة الأسقفية استيعاب الكنيسة القبطية، وقاوم الأقباط ذلك وانضموا إلى الحركة الوطنية بقيادة الوفد، ورفضوا حماية الإنكليز وفكرة التمثيل النسبي، “فلعله يكون من المنطقي أن يفكر راسمو السياسة الإنكليزية بمعونة المبشرين الأسقفيين في العمل على شق الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لاستخراج فريق من الأقباط منها، وإذا لم يمكن ضم هذا الفريق إلى الكنيسة الأسقفية فسيكون على الأقل أقلية من أقلية تؤيد الاحتلال، وليس أنجح في هذا الأمر من دعم الخلاف بين الأقباط ومظاهرة كلا الفريقين فيما يفرق بينهما، وليس خيرًا من تنصيب يؤانس عاملًا يظهر به المنشقون أمام جمهور القبط بمظهر الإصلاح والاستنارة”(10).
فاز يؤانس بانتخابات البطريركية وظل بطريركًا حتى توفي عام 1942، وكان هو نفسه رجلًا متقشفًا زاهدًا، ولكن المحيطين به اتهموا بالتبديد، ويصفه البشري بأنه: “كان رجلًا ينتمي إلى الأجيال المنحدرة عن القرون الوسطى، الدين عنده عبادة لا علم، والفضل في الدين عنده للأكثر ممارسة للعبادات والطقوس لا للأوغل في العلوم، والصلابة عنده للأكثر محافظة على تقاليد السلف، والرياسة سلطان أبوي، والجديد بدعة من البدع. والفكرة الديمقراطية والنيابة عن الجماهير وترشيد الإدارة وتنظيم الرقابة وإنشاء المدارس وإدراك متطلبات العصر، وكل تلك الأمور التي تمليها النظرة المستقبلية؛ فلأنها تمليها النظرة المستقبلية لم يكن له بها أدنى شأن”.
• رجال الدين و”الإصلاحيون” في مسألة القرار الجماعي والقرار الفردي
من الأحداث البارزة التي جرت بعد هذا أن الإصلاحيين تمكنوا أخيرًا عام 1944 من إيصال مرشحهم إلى سدة البابوية، إذ فاز المطران مكاريوس فوزًا كبيرًا وأيده الإصلاحيون المهيمنون على المجلس الملي، وأيدته أيضًا الحكومة الوفدية القائمة، لذلك شرع البطريرك الجديد في تنفيذ مطالب الإصلاحيين فأصدر قرارًا بتنظيم إدارة أوقاف الأديرة، فأسند الإدارة إلى المجلس الملي، وألف لجنة ينتخبها المجلس ويصدق عليها هو مهمتها جرد أملاك الأديرة ومحاسبة النظار وتنظيم إدارتها، وتنظيم أوضاع الرهبان، والإنفاق من إيرادات هذه الأوقاف لسد حاجات الأديرة، وتخصيص ما يفيض للأغراض الإصلاحية، وقرر أن يكون تعيين نظار الأوقاف وإقالتهم باقتراح من هذه اللجنة يعتمده البطريرك، وقوبل القرار بحماس بالغ وازدحمت الوفود المهنئة بمقر البطريركية، وازدحمت الصحف ببرقيات التهنئة. ولكن البطريرك وجد نفسه وحيدًا في الجهاز الإكليريكي وعارض أعضاء المجلس المقدس القرارات الجديدة، ورفضوا اختصاص المجلس الملي بإدارة أوقاف الأديرة، وظل صوت رئيس المجمع وهو البطريرك وحيدًا، وقد أيد مجلس الوزراء موقف البطريرك وأعطى قراره الشرعية، لكن تنفيذ هذا القرار لم يكن ممكنًا في ظل اعتراض رجال الكنيسة، وهنا ظهر موقف طريف نحب أن ينتبه إليه القارئ يصفه طارق البشري: “انقلبت المواقف، صار الإصلاحيون الديمقراطيون “يطالبون” بدعم وتأكيد السلطة الفردية للبطريرك ويحبذون سلطانه على التابعين للكنيسة، وصار المطارنة المحافظون “يمارسون” ديمقراطية التنظيم الكنسي قائلين إن البطريرك ليس إلا مطرانًا، هو كبيرهم ليس إلا. والمجلس الملي يطالب ببطلان اجتماعات المجمع المقدس بغير رياسة البطريرك ودعوته، والمجمع يجتمع ويقرر وينفذ ويمارس “شرعية القرار الجماعي”(11).
ومن الأمور الجديرة بالذكر أيضًا في هذا السياق أن الإصلاحيين طلبوا من الحكومة تنفيذ القرار بقوة السلطة، ولكن رئيس الحكومة الوفدي النحاس كان هو الذي رفض هذا وأصر أن يكون التنفيذ بقوة القضاء والمحكمة فقط!
وقد انتهت هذه الحلقة من حلقات الصراع بعودة مكاريوس إلى تبني مواقف رجال كنيسته وتخليه عن “الإصلاحيين”.
___________________________________________
الهوامش:
1- كوليت وفرنسيس جانسون “الجزائر الثائرة”، ترجمة: علوي الشريف وآخرين، دار الهلال، القاهرة، 1957، ص41.
في: “الشيخ عبد الحميد بن باديس -فلسفته وجهوده في التربية والتعليم”، الأستاذ تركي رابح، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع- الجزائر، تاريخ المقدمة، 1969.
2- فرحات عباس، “ليل الاستعمار”، ترجمة: أبو بكر رحال، مطبعة فضالة، المغرب، بدون تاريخ، ص105.
3- تركي رابح، “الشيخ عبد الحميد بن باديس..”، ص47.
4- محمد عبد الله عنان، “تاريخ الجامع الأزهر”، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، الطبعة الثانية، 1958، ص264.
5- اعتمدت في العرض اللاحق على مواد صحفية متفرقة علاوة على مقال شيق لصلاح عيسى “البطريرك في المنفى”، مجلة “اليسار” المصرية، العدد الأول، مارس 1990. واعتمادي الأساسي كان على كتاب طارق البشري الممتاز “المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية”- الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة- 1980.
6– طارق البشري، “المسلمون والأقباط..”، ص396.
7- موجودة في طارق البشري، مرجع سابق، ص397، نقلًا عن جريدة الأخبار 26 سبتمبر 1955.
8- في طارق البشري، المرجع السابق، ص408.
9- طارق البشري، المرجع نفسه، ص 414.
10- طارق البشري- م. س، ص433.
11- طارق البشري- م. س، ص 447.