السنهوري في ليبيا ... (تحيا جمهورية مصر العربية)!

By أ. وائل أنور بندق أيلول/سبتمبر 29, 2025 92 0

في مايو من عام ١٩٥٣ اتصل الدكتور فتحي الكخيا، وزير العدل الليبي، بالمرحوم الدكتور عبد الرزاق السنهوري، ووجّه له دعوة من الملك إدريس السنوسي بزيارة ليبيا، وطلب منه ترشيح أحد تلامذته ليكون رئيسًا للفتوى والتشريع بالحكومة الاتحادية. وكانت هناك علاقة طيبة بين السنهوري والملك إدريس منذ أن كان لاجئًا في مصر.

وقد رشح السنهوري لتلك المهمة المرحوم المستشار عثمان حسين عبد الله؛ وتحَرَّز المستشار عثمان عن قبول المهمة؛ فلم يكن السفر إلى ليبيا وقتها مشجّعًا من النواحي المادية أو العلمية. غير أن السنهوري قام بإقناعه وساق له المبررات لذلك، وفقًا لما يحكيه المستشار عثمان ذاته؛ فقد قال له السنهوري ما يلي:

١. ليبيا جارة شقيقة عربية مسلمة تسألنا العون والمساعدة لتضع تشريعاتها وتنظّم أوضاعها القانونية، فكيف نتخلى عنها؟

٢. الدول الأوروبية على استعداد لتقديم المساعدات إليها كي يستمر نفوذها فيها، ومن مصلحتنا ومصلحة العروبة عامة أن نعين شعب ليبيا على تولي شؤونه مستقلًا عن ذلك النفوذ الأجنبي.

٣. الرفض يتعارض مع المبادئ التي نؤمن بها المتعلقة بالعروبة والإسلام.

٤. مصلحة ليبيا وانتظام أمورها التشريعية والقضائية تهمنا وتعنينا كما تهمنا وتعنينا مصلحة مصر.

 

وسافر السنهوري إلى ليبيا في أغسطس ١٩٥٣ ولحقه بعد ذلك المستشار عثمان حسين عبد الله؛ ومكث السنهوري في ليبيا خمسة أسابيع عمل خلالها طوال الوقت؛ وضع خلالها أسس الحركة التشريعية والقانونية في ليبيا ليترك لتلميذه المستشار عثمان حسين عبد الله تكملة المهمة بناءً على الأسس التي وضعها.

ويمكن القول إن السنهوري في هذه الأسابيع القصيرة أنجز، وفقًا لكلام المستشار عثمان حسين عبد الله، ما يلي:

١. وضع حجر الأساس لتعريب القانون في ليبيا وللتقريب بين العمل التشريعي فيها والعمل التشريعي في مصر.

٢. وضع مشروع القانون المدني الليبي، وهو يطابق القانون المدني المصري إلى حد كبير.

٣. أعد مشروع قانون لتنظيم القضاء ليحل محل النظام القضائي الإيطالي، وقد صدر في نوفمبر سنة ١٩٥٣، لكنه عُدِّل فيما بعد.

٤. أشرف على وضع مشروعات التقنينات الرئيسية الأخرى ووجَّه الجهود المتعلقة بذلك. وقد صدرت هذه التقنينات بعد أن راجعها المستشار عثمان حسين عبد الله في صورتها النهائية.

٥. راجع مشروع قانون المحكمة العليا.

٦. عقد اجتماعًا مهمًا ومطولًا لأعضاء اللجان المختصة في مجلسي الشيوخ والنواب -بطرابلس- وحضر الاجتماع وزير العدل ومسؤولون آخرون في الحكومة الليبية، وشرح لهم مهامهم وواجباتهم الأساسية نحو تأسيس مرافق هذه الدولة وتعريب التشريع والقضاء فيها. وكان من أبرز توجيهاته:

(أ) إذا كانت جهود هيئة الأمم المتحدة وطاقة المواطنين في هذه المرحلة قد وقفت عند قيام ليبيا كدولة (فدرالية) تحكمها حكومة اتحادية، وحكومات في الولايات، في حين كان تحقيق الأماني الوطنية كاملة يتطلب أن تكون البلاد دولة (موحدة) تحكمها حكومة واحدة، فإن المصلحة العامة الوطنية تملي على أعضاء السلطة التشريعية أن ينحو في تفسير الدستور نحوًا يقرب البلاد بقدر الإمكان إلى الوحدة ويقربها إلى الهدف الكبير.

(ب) إن من واجبهم العمل الدائب لتحرير بلادهم من بقايا الاستعمار وآثاره، وإن تطوير الإدارة والاقتصاد والتشريع والتعليم نحو ذلك مسؤولية تقع على عاتقهم.

(ج) تلافيًا للضغط الاستعماري والمناورات التي تُجرى ضد تعريب القضاء والتشريع، يمكنهم أن يفوتوا على خصوم التعريب الفرصة بأن يسمحوا بأن تصدر التقنينات الرئيسية بسرعة بمراسيم تشريعية تُعرض على البرلمان عند أول اجتماع له، وله أن يدرسها ويعدّل فيها كما يشاء. وربما ذلك يفسر وجود بعض الأخطاء في القوانين الليبية عند صدورها.

(د) أن تلميذه المستشار عثمان حسين عبد الله جدير بإنجاز ما بدأه هو من أعمال تشريعية في ذات الاتجاه، وبأن يثقوا به ليكون عونًا لهم.

 

وجدير بالذكر أن الدكتور السنهوري قد رفض عرض مجلس الوزراء الليبي مكافأةً مقابل جهوده العظيمة تلك، وقال: "إنما خدمنا ليبيا لوجه الله".

بل إنه في فترة إقامته في ليبيا، ورغم الكرم الكبير المعروف عن ليبيا والليبيين، إلا أن السنهوري كان يراعي الاقتصاد الشديد في طلباته في الفندق؛ وهو نفس المسلك الذي فعله السنهوري في الكويت عندما تنازل عن نصف راتبه كل شهر.

رحم الله السنهوري.

وحفظ الله ليبيا.

وتحيا جمهورية مصر العربية.

مصر العظيمة صانعة الحضارة..

 

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الإثنين, 29 أيلول/سبتمبر 2025 09:30

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.