تنامى الحديث -في الفترة الأخيرة- عن الإسلام وكأنه مجموعة لا يمكن حصرها من "الإسلامات" التي لا يوجد لها تعريف واضح ومحدد، أو على الأقل فإن له تعريفًا "صحيحًا" و"حقيقيًا" لم يتمكن من اكتشافه والتعرف عليه سوى الجهة (أو الفرد أو الجماعة أو الحركة أو الدولة…) التي تقدم نفسها وكأنها هي الوحيدة التي أوحيَ إليها بالمعنى الدقيق للإسلام وما يتضمنه من قيم ومقاصد وأحكام!
وتكمن خطورة هذا "التسييل" لمفهوم الإسلام في أنه ييسر عملية استلابه لحساب القوى المعادية له، بل وجعلها هي المتحكمة في تحديد ما يعد من الإسلام وما لا يعد منه، ومن ثم تُدخل فيه ما ليس منه، وتُخرج منه ما قد يعتبر من أسسه وثوابته، أو على أقل تقدير فإنه يسهل عليها عملية تشويه الإسلام وتشويش معناه في أذهان الناس، ولا سيما المسلمين المعاصرين أنفسهم، في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى الوعي الصحيح به والعمل الرشيد بقيمه ومبادئه لمواجهة هجمات كاسحة لا تستهدف فقط إحكام الهيمنة عليهم، بل وعلى الإنسانية بأسرها، والتي لا يزال الإسلام هو الأمل في انتشالها من المصير البائس الذي تجرها إليه القوى المتحكمة في هذا العالم.
من أجل ذلك كان من الضروري الوقوف على حقيقة هذا الاختطاف للإسلام، ودراسة أهداف هذا الاختطاف واستراتيجياته وأساليبه، والقوى الفاعلة فيه، وبيان كيفية التصدي لها ومقاومتها، ورسم الطريق للحفاظ على "صلابة" الإسلام ووضوحه في أذهان الناس، لحمايتهم من التيه والضلال، لا للدفاع عن الإسلام نفسه، فإن له رَبًا يحميه!
ولعل من أهم النماذج التي تفترض هذه الدراسة أنه يمكن من خلالها الإحاطة بعملية اختطاف الإسلام وأساليبها، هو نموذج قضية "تطبيق الشريعة الإسلامية" باعتبارها من أكثر القضايا الكاشفة التي كانت -ولا تزال- تبين بجلاء كيف جرى استلاب مفهوم شريعة الإسلام، تمهيدًا لإقصائها من السيادة الثقافية والتشريعية التي تبوأتها -منفردة- في العالم الإسلامي على مدى ما يقرب من ثلاثة عشر قرنًا تقريبًا، وإحلال مرجعية غربية بديلة عنها في إطار عملية "التحديث" أو "التغريب" الشامل الذي فرضته قوى الإمبريالية منذ بدايات القرن التاسع عشر الميلادي وحتى وقتنا الراهن.
وتسعى الدراسة إلى اختبار هذه الفرضية من خلال تتبّع هذا الاختطاف للشريعة الإسلامية مفهومًا ومرجعيةً، وبيان القوى والجهات الفاعلة التي قامت به أو أسهمت فيه، وسياساته واستراتيجياته وأهدافه، وأدواته وآلياته، وعلاقاته ومؤسساته، وردود الفعل تجاهه، ودراسة استراتيجيات مواجهته ووسائلها ونماذجها، عسى أن يتضح عمليًا كيف يجري اختطاف الإسلام، مجسّدًا في هذه الحالة في شريعته، وكيف يمكننا أن نواجه هذا الاختطاف.
ولذلك فإن هذه الدراسة ستعتمد على عددٍ من المناهج التي يفرضها موضوعها والأهداف التي تتغياها؛ فستستخدم أحيانًا المنهج التاريخي لبيان خطوات اختطاف الشريعة الإسلامية وإحلال القانون الوضعي محلها، معنىً ومبنىً، ومنهج تحليل النصوص والمواقف (تحليلًا كيفيًا) لبيان السياق التاريخي والسياسي والاجتماعي، ومجمل الظروف التي وضعت فيها تلك النصوص وجرى فيها تبني تلك المواقف، فضلًا عن المنهج الاستقرائي للخروج بتفسيرات واضحة لهذه المواقف الجزئية بعد تحليلها وتصنيفها، للتوصل إلى قواعد عامة يمكن توظيفها في تفسير ظاهرة اختطاف الإسلام والإسهام في مواجهتها.
وبخصوص محددات الدراسة ومداها الزمني، فقد جرت الإشارة سابقًا إلى أنها ستتناول عملية اختطاف الشريعة الإسلامية في العصر الحديث، وإن كانت ستعود أحيانًا إلى جذور هذا الاختطاف في الماضي، فقط بالقدر الذي يؤثر في الحاضر. إذ إن هذه الدراسة ليست "تاريخية" تقف عند الماضي وتدور حوله، بل هي دراسة "معاصرة" تستهدف الإسهام في حل إشكالية -ومُشكِلة- مؤرقة في وقتنا الراهن، وتحرص على عدم الانجرار إلى الماضي دون داع، ومن ثم فإن مداها الزمني الأساسي سينحصر في الفترة من بدايات القرن التاسع عشر حتى وقتنا الحاضر.
تمهيد: المفاهيم الرئيسة للدراسة
من المهم في بداية الدراسة تعريف مفاهيمها الأساسية التي تمثل محورها ومحلها، وهي تتمثل في مفهومين؛ "اختطاف الإسلام" و"تطبيق الشريعة".
1) مفهوم "اختطاف الإسلام":
الاختطاف لغةً: اسم مشتق من المصدر "خطف" ويعني: مرَّ سريعًا، وخطف الشيء خطفًا، جذبه وأخذه بسرعة واستلبه واختلسه، ويقال: خطف البرق البصر؛ ذهب به، وخطف السمع؛ استرقه[1]. وقد عرف الإمام القرطبي الخطف -عند تفسيره لقوله تعالى: "يكاد البرق يخطف أبصارهم"- بأنه: "الأخذ بسرعة، ومنه سُمِّي الطير خطّافًا لسرعته"[2].
وبالنسبة للمعنى الاصطلاحي للاختطاف أو الخطف، فتتنوع تعريفاته وتتباين، ولكنها جميعها لا تتصادم مع معناه اللغوي؛ فالفقه الإسلامي ذكر الاختطاف ضمن مباحث جريمة السرقة باعتباره اختلاسًا، إذ كان الاختلاس والاختطاف عندهم بمعنى واحد، وكلاهما يعني أخذ الشيء علانيةً على وجه السرعة، خلاف الانتهاب الذي كان يعني أخذ الشيء علانيةً وعلى وجه المغالبة والقهر[3]. بينما يُعرَّف الاختطاف في القوانين المعاصرة باعتباره نوعًا مستقلًا من الجرائم الجنائية أو السياسية بحسب نوعية الجناة والمجني عليهم ووفقًا لدوافع الجريمة، ومن ثم فلا يوجد تعريف موحّد له[4].
والحقيقة فإن اختطاف المصطلحات والمفاهيم لا يختلف كثيرًا عن اختطاف الأشخاص والأشياء، مع اختلاف بسيط يتمثل في أن الاختطاف الأول اختطاف ذهني وفكري أساسًا، عكس الاختطاف الثاني فهو اختطاف مادي بالأساس، وكلاهما يجمعهما معنى الاستلاب والأخذ بسرعة، غير أن خطف المصطلحات يعتمد في الغالب على الخديعة لا على القوة المادية، وإن كانت هذه الأخيرة تحميه -عادةً- وتكون شريكًا أصليًا في ارتكابه!
أما مصطلح الإسلام لغةً، فهو: الطاعة والانقياد، ويُطلق في الشرع على الانقياد إلى الأعمال الظاهرة، وقيل هو: "الاستسلام لله المتضمن غاية الانقياد، في غاية الذل والخضوع"[5]، وقيل: إنه "هو الخضوع والانقياد للأحكام، بمعنى قبولها والإذعان بها"[6]. واصطلاحًا، للإسلام معنيان: معنى واسع، ويُقصد به: "مجموعة الأحكام والعقائد التي شرعها الله لعباده، ليتعبدوا بها في الدنيا، ثم يحاسبهم عليها في الآخرة"[7]، ومعنى ضيق، وهو المعنى الذي يقصد به عادة عند ذكر هذا اللفظ، وهو: "دين الله الذي أوصى بتعاليمه في أصوله وشرائعه إلى النبي محمد ﷺ، وكلفه بتبليغه إلى الناس كافة"[8].
وبناءً على ما تقدم فإن مفهوم اختطاف الإسلام مركبًا يعني استلابه ونقله من معناه الأصلي إلى معنى آخر يستهدفه المختطِف تحقيقًا لمصلحة ما، سواء له أم لمن ينوب عنه، وذلك عن طريق الخداع أو بأية وسيلة تحقق غرضه، ولو عبر استخدام القوة أو التهديد باستخدامها.
2) مفهوم "تطبيق الشريعة الإسلامية":
وهذا البحث سيدرس تحديدًا اختطاف "تطبيق الشريعة الإسلامية" كنموذج لاختطاف الإسلام ككل، وهذا المفهوم بدوره يتكون من مفردتين: الأولى: (تطبيق)، ويقصد به: تعميم، وإنفاذ، وتنزيل، وتنفيذ، وتحقيق[9]، والثانية: "الشريعة الإسلامية"، ويُقصد بها: "الأحكام التي شرعها الله - تعالى - لعباده، ونزل بها الوحي على رسوله محمد ﷺ، لتستقيم بها أحوالهم في الدنيا والآخرة"[10].
ومن ثم فإن مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية - مركبًا - يعني: "تنزيل (أو تعميم أو تنفيذ أو إنفاذ) ما سنَّه الله - تعالى - من أحكام سواء في القرآن الكريم أو أبلَغها رسوله محمد ﷺ، على حياة الإنسان وعلاقاته المختلفة بربه وبالناس وبالكون"[11].
غير أن هذا المعنى، على وضوحه، ثار حوله سجال كبير في العصر الحديث، وتفترض هذه الدراسة أنه جرى اختطافه هو الآخر، ومن ثم ستحاول بيان كيفية حدوث ذلك، وتحديد الخاطفين له، وردود الأفعال على هذا الاختطاف، وما يمكن فعله حتى يُسترد معناه الصحيح الذي يتوافق مع مدلول ألفاظه وتاريخه السابق على الاختطاف.
أولًا: الأسباب والبواعث لتبنّي هذا الوجه من الاختطاف
تُعد قضية "تطبيق الشريعة الإسلامية" من أكثر القضايا التي وُظِّفت لاختطاف الإسلام ككل، لصالح أعداء الأمة الإسلامية، حيث ساعد توظيف هذه القضية المختطفة على تيسير التغلغل الاستدماري (المسمى -تدليسًا- بالاستعمار) المستهدف الهيمنة على مقدرات الأمة الإسلامية ونهب ثرواتها، كما أسهم في التمكين للاستبداد السياسي عالميًا ومحليًا، فضلًا عن إسهامه في نشوب صراعات لا حصر لها بين أطياف الأمة المختلفة، وأودى إلى تعميق تخلفها بدلًا من مساعدتها في النهوض من جديد، وأعان على هذا السقوط انخداع الكثيرين، سواءً على المستوى النظري أم المستوى التطبيقي، بالمعاني المحرَّفة المقدَّمة إليهم لمفهوم تطبيق الشريعة، ومن ثم وقوعهم في هاوية الجهل بالشريعة وقلب أولويات تنزيلها على الواقع المعيش، على الرغم من أن الشريعة هي إحدى عنصري الإسلام الأساسيين وهما العقيدة والشريعة، بل هي الإسلام نفسه إذا ما استخدمناها بمعناها الواسع الذي يشمل (العقيدة والأخلاق والمعاملات).
ومن هنا ترجع أهمية دراسة اختطاف "تطبيق الشريعة" عسى أن تسهم في فضح الفاعلين في هذا الاختطاف، وكشف أساليبهم المخادعة واستراتيجياتهم الماكرة التي حولت هذه القضية من قضية توحيد وبناء ونهوض إلى قضية تمزيق وهدم وسقوط، مما أسهم في إفشال كل سعي جاد ومخلص إلى استرداد الأمة لعافيتها الحضارية.
ثانيًا: القوى والجهات الفاعلة
نعيش منذ بدايات القرن التاسع عشر -على أقل تقدير- في عصر الاستعمار والقابلية للاستعمار (بحسب مالك بن نبي)[12]، و"عصر الاستعمار ومقاومته" (بتعبير طارق البشري)[13]. فهذا هو الحدث الأبرز في القرون الثلاثة الأخيرة: الاستدمار الأوروبي للشعوب والأراضي العربية والإسلامية، بل لبقية دول العالم غير الأوروبي بصفة عامة، بما في ذلك القارة الكبرى (أمريكا) التي أباد الأوروبيون سكانها الأصليين (الهنود الحمر) وأعلنوا أنهم مكتشفوها، ومن ثم فرضوا عليها هيمنتهم وصادروها لحسابهم، وأطلقوا على أنفسهم جميعًا (أوروبا وأمريكا الشمالية تحديدًا) مسمّى "الغرب"، وأطلقوا على بقية دول العالم -ومن ضمنه العالم الإسلامي- مسمّى "الشرق"[14]. ومن هنا ظهرت "المسألة الشرقية" على حد تعبيرهم، فكان العالم الإسلامي بالنسبة لهم مجرد مسألة تحتاج إلى جواب، فحواها: "كيف سنهيمن على هذا العالم الذي يحكمه رجل مريض (الدولة العثمانية)؟ وكيف سنقسم فيما بيننا تلك الغنيمة الموروثة؟!".
وحين نتحدث عن القوى والجهات الفاعلة في عملية اختطاف "نموذج تطبيق الشريعة الإسلامية" تحديدًا، فإنه ينبغي ألا نغفل عن هذا الأمر -الغزو الأوروبي للعالم الإسلامي- الذي يعتبر المتغير الرئيس في العصر الحديث، والذي دارت حوله كل المتغيرات التابعة، وهو أمر يستدعي أخذه في الاعتبار عند معالجة غالبية قضايانا المتعلقة بالفكر والثقافة، بما في ذلك قضية اختطاف الإسلام واستلاب مرجعيته الثقافية والتشريعية المتمثلة في الشريعة الإسلامية. فإننا إذا ما وجّهنا النظر إلى قضية تطبيق الشريعة الإسلامية سنجد أن اختطافها بدأ مع قدوم الاستدمار الغربي، وتحقق واستمر في ظله ووفق مخططاته وتوجيهاته، وعلى يد جنوده الماكرين وبعض معارضيه -بغير وعي- على حد سواء!
ومن ثم فإن القوى والجهات الفاعلة في عملية اختطاف نموذج تطبيق الشريعة الإسلامية تتمثل في الدول الأوروبية الغازية للعالم الإسلامي بالاحتلال العسكري المباشر، ثم بالاحتلال غير المباشر الذي رحل عن العالم الإسلامي ليبقى مهيمنًا عليه لا العكس[15]، وهو ما يُسمى (الاستعمار الجديد، أو الاستعمار غير المباشر)، وأما غيرها من القوى والجهات فهي مجرد أذرع أو أدوات تسهم في تنفيذ استراتيجية الغزاة ومخططاتهم، مثل الصهيونية والعلمانية والحكومات المستبدة وحركات العنف التي تنسب نفسها إلى الإسلام زورًا أو جَهْلًا، وغيرها من الأدوات التي يُظَنُّ فيها أنها قوى فاعلة، أو تظن هي في نفسها أنها كذلك، وبجدٍّ وإخلاص أحيانًا!
ثالثًا: الاستراتيجيات والأهداف
أوضحنا فيما سبق الهدف الرئيس للقوى الفاعلة في عملية اختطاف نموذج تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو فرض الهيمنة على العالم الإسلامي والسيطرة الكاملة عليه واستتباعه، ومن ثم تحويله إلى سوق استهلاكي يستورد السلع الأجنبية وعلى رأسها الأسلحة، ويصدر المواد الخام -بأبخس الأثمان- والعمالة منخفضة الأجر. فهذا هو الهدف الأَساس من محاربة الشريعة الإسلامية والوقوف ضد أي محاولة لتطبيقها على نحو صحيح وفق أولويات محددة من شأنها أن تقاوم هذا الغزو وتنهض بالشعوب المسلمة، وهو أمر يتصادم بالضرورة مع سياسة الاستدمار الغربي الذي أدرك مبكرًا أنه لن يستطيع إحكام السيطرة الدائمة على ثروات بلد ما إلا بالهيمنة على المجالين السياسي والثقافي (ومن ضمنه القانون)، وهو أمر لن تمكنه منه الشريعة الإسلامية، بمفهومها الصحيح، بأي حال من الأحوال[16].
والأهداف المتفرعة عن هذا الهدف تتمثل في:
1) عرقلة كل محاولة للتقدم والنهوض بالعالم الإسلامي في مواجهة التفوق الغربي.
2) إفقاد المجتمعات الإسلامية الثقة في أنفسها وفي مرجعياتها الثقافية بمفهومها الشامل، ومنها مرجعية الدين والشريعة.
3) احتلال العقل المسلم وتوجيهه بما يحقق مصالح الإمبريالية.
أما الاستراتيجيات التي اعتمدتها تلك القوى في اختطافها لنموذج تطبيق الشريعة الإسلامية، فيمكن إجمالها على النحو الآتي:
1) فرض "التحديث"[17] على العالم الإسلامي عنوة، عن طريق فرض الهيمنة الاقتصادية والضغط من خلالها على حكام المسلمين، وإلا فالاحتلال العسكري لأراضي المسلمين، إذا لم يستجيبوا لفرض نموذجهم الذي يضمن لها التبعية والاستسلام لإرادات المستدمرين النفعية. ومفهوم التحديث أو العصرية Modernism لا يعني مجرد الانتماء للعصر ولكنه يعني فيما يخص الدين، وجهة نظر في الدين ترى ضرورة السعي إلى تطويع مبادئ الدين لقيم الحضارة الغربية ومفاهيمها وإخضاعه لتصوراتها ووجهة نظرها في شؤون الحياة[18].
2) فرض نموذج الدولة القومية الحديثة، بفلسفتها وبنيتها ومؤسساتها وهياكلها..، وإحلالها –بوصفها كائنًا قانونيًا- محل الشريعة الإسلامية وبنيتها القانونية والاقتصادية والاجتماعية، على ما بينهما من تمايزات وتناقضات واضحة[19]، لضمان تبعية العالم الإسلامي كذلك وفض وحدته، ولكن دون السماح أبدًا بإقامة هذه الدولة على أسس ديمقراطية حقيقية تحقق تداول السلطة وتنقلها إلى الشعوب؛ فلا نكاد نجد في تاريخ الاستدمار أي دعم يذكر لأي خيار شعبي ديمقراطي، بل كل الدعم للانقلابات العسكرية، والحكومات الاستبدادية، وحدها، وهو أمر متوقع لأن الشعوب إذا ما خيرت ومُكِّنت لاختارت أن تستعيد من جديد مرجعيتها الثقافية والتشريعية المتجسدة في الشريعة الإسلامية.
3) التشكيك في المرجعية الثقافية للشعوب المسلمة، والتي تتركز في الشريعة الإسلامية، تيسيرًا لانفراد الثقافة الغربية بالمسلم والتحكم فيه كيفما شاءت، ومن هنا جاء اتهام الشريعة بالجمود والرجعية، وتمرير أفكار من شأنها هدم البنيان التشريعي الإسلامي من أساسه، عبر بث الريبة في القرآن الكريم وما يتعلق بجمعه وبعلومه وبتفاسيره، والتشكيك في السنة وحجيتها، والحط من الفقه الإسلامي ومن قدرته على مواكبة العصر، والتحقير من التاريخ الإسلامي، وتشويه أبرز أعلامه ورموزه، بمن فيهم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
4) علمنة التشريع السائد في العالم الإسلامي بفرض القانون الوضعي وعزله عن الشريعة الإسلامي، واستبدال فقهاء الشريعة وعلماء الدين بنواب البرلمان وأعضاء السلطة التنفيذية. وقد جرت هذه العلمنة إما بفرض تقنينات غربية بدلا من الشريعة الإسلامية بشكل واضح ومعلن، كما جرى في مصر سنة 1883م، أو عبر الخديعة والتمويه، مثلما حدث في البداية في دولة الهند، حين طبق الإنجليز القانون (الأنغلو- محمدي) بوصفه تشريعًا إسلاميًا بينما هو في حقيقته قانون إنجليزي، يفرض قسرًا على المسلمين ويخضعهم لتصوراته وفلسفته، حتى حل القانون الإنجليزي بالتدريج محل الفقه الجنائي الإسلامي في الفترة من (1790- 1861م)[20].
5) وكذلك تعد من أبرز نماذج علمنة التشريع بطريقة مخادعة، تصدير معظم الدساتير العربية المعاصرة بالنص على مصدرية الشريعة الإسلامية للتشريع، بينما الواقع التشريعي يسير خلاف ذلك، حيث إنه توجد كثير من النصوص التشريعية مصادمة للشريعة الإسلامية، ومعظم هذه النصوص اكتُفِيَ بألا تكون مناقضة لأحكام شرعية قطعية الثبوت والدلالة بغض النظر عن مدى توافقها من عدمه مع روح الشريعة ومقاصدها وقيمها وأحكامها القطعية المستنبطة بطريق الاستقراء التام، فضلاً عن أن معظم هذه النصوص القانونية تكون مستعارة من مصادر أخرى غير الشريعة، ويجري ذلك كله بإقرار أحكام قضائية صادرة من محاكم عليا أعانت على إفراغ ذلك النص الدستوري من مضمونه عمليًا[21]!
6) محاربة المصطلحات والمفاهيم الإسلامية، وتشويهها، والتشويش على معانيها الحقيقية، إلى جانب ما يمكن تسميته بالغزو المفاهيمي الغربي، بما في ذلك مصطلح الدين نفسه، وحتى مصطلح الشريعة تم غزوه، وعوملت الشريعة الإسلامية معاملة القانون الوضعي، فضيق مفهوم الحكم الشرعي ليتناسب مع مفهوم القانون، بحيث لا يكاد يشتمل سوى على القواعد الملزمة وحدها منفصلة عن العقيدة والأخلاق، ومقتصرة على الواجبات والمحرمات، دون مراتب المندوب والمكروه والمباح… وهكذا!
7) مناهضة المؤسسات الدينية ومحاصرتها وأنظمتها وعلمائها، والتي كانت تعد في الوقت ذاته مؤسسات تعليمية وتربوية تمد المجتمع بالمدرسين والقضاة والفقهاء، وكانت مصنفات علمائها المرجع الأساس للتشريع والقضاء، حيث فُرض التعليم على النمط الأوروبي على حساب التعليم الديني الذي جرى فصله عن المجتمع، وقصره على الجوانب المتعلقة بالدين المنفصل عن الحياة، وفقًا لفهم الغرب للدين، كما سادت السخرية من علماء الشرع وفقهائه، وحرموا من مصادر دخولهم التي كانت تعتمد بشكل أساسي على التمويل المجتمعي عبر نظام الوقف الإسلامي وغيره، فكُسرت هيبتهم في أعين الناس، لحساب المتغربين من المثقفين والكتاب والصحفيين والممثلين، مما أثر بالسلب كذلك على وضع الشريعة الإسلامية وهيمنتها على المجتمع.
8) تجميد الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية الإسلامية، مثل الوقف والزكاة والحسبة، وغيرها من الأنظمة المرتبطة بالشريعة الإسلامية والمستندة إليها الداعمة لترسيخها في قلوب المسلمين وفي إدارة معاملاتهم وفق أحكامها ومقاصدها.
9) تغيير واقع المجتمعات الإسلامية بصفة عامة ليبتعد عن الشريعة الإسلامية، ويتبع في الوقت نفسه ما يريد الغرب استتباع العالم الإسلامي فيه، وأغلبها قشور ونقاط ضعف في الغرب، دون نقاط القوة الحقيقية والمتمثلة في القيم النهضوية، مثل: إتقان العمل والجدية فيه والانضباط والحرية الفردية والجماعية والأنظمة والآليات التي قامت عليها النهضة الغربية الحديثة، مثل: الديمقراطية والمؤسساتية وغيرها. فلم تسمح سوى بتقليدها فيما يهدم الأسرة، وفي نقل شكليات ومسميات لمؤسسات الغرب دون حقيقتها وقيمها –مثل: الانتخابات والبرلمان والقضاء- وفق النظام الغربي، وغيرها من الهياكل الكأنيَّة (نسبة لكأن)!
رابعًا: الأدوات والآليات
استخدمت الدول الاستدمارية العديد من الأدوات والآليات التي تستهدف استلاب الشريعة الإسلامية وإزاحتها عن مرجعية التشريع والقضاء والاقتصاد والثقافة وغيرها من المجالات، وكان من أبرز تلك الأدوات:
1) الاستشراق: بدأ الاستشراق في صورته الحديثة الخادمة للاستدمار بشكل منهجي في فرنسا بإنشاء كلية الدراسات الشرقية الحية في باريس سنة 1795م، ثم مع قدوم نابليون إلى مصر في نهاية القرن الثامن عشر حيث اصطحب معه العديد من الباحثين في مجالات مختلفة (بلغ عددهم 160 باحثًا)[22] بهدف مساعدته على فهم طبيعة المجتمع المصري وبيان سبل إحكام السيطرة عليه وشل مقاومته، ثم استمرت هذه السياسة فيما بعد حتى وقتنا الراهن، فلا تزال المراكز البحثية الغربية تعمل على دراسة أحوال المسلمين وتمد الحكومات الغربية بما يلزمها في مقاومة الإرهاب الإسلامي المزعوم!
وقد وجه الكثير من المستشرقين -ولايزالون- الكثير من المطاعن والاتهامات إلى الشريعة الإسلامية، من حيث المصادر والقيم والفقه…، وحاولوا إقامة الأدلة على عدم صلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق في عالمنا المعاصر، إلا قلة منهم استنارت بصيرتها واستكانت لضميرها متحدية لأهواء السلطات الاستدمارية، فاعترفت برُقي الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان.
2) الحكومات المستبدة: تعتبر تلك الحكومات من أهم الأدوات التي يعتمد عليها الغرب في تشويه مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية، وإعاقة تنزيل قيم الشريعة الإسلامية على واقع المسلمين بما ينتشلهم من تخلفهم، فحالت تلك الحكومات دون تحقيق أمال الشعوب في تطبيق الشريعة الإسلامية، بل وتحكمت في المؤسسات الدينية كافة، وجندت الخطاب الديني لتحقيق مآربها غير المشروعة، وأممت الدين لحسابها، وحولت العلماء إلى موظفين، فتحكمت في كثير منهم وحاصرت بقيتهم، فساد الجهل بالشريعة وأحكامها، وبأولويات تطبيقها، فإذا بها وكأنها عبارة عن حجاب (للرأس والعقل)، وعقوبات متوحشة عفا عليها الزمن، لا رحمة بالناس، ورافعة للشعوب، وعاصمة لها من الجهل والتخلف والزلل!
ولا يرجع ذلك بالضرورة للعمالة، بل قد يكون لعامل آخر مهم حال دون عودة الشريعة الإسلامية، يتمثل في أن الشريعة تعتبر مرجعية مستقلة عصية على التحكم الكامل كالقوانين الوضعية التي يستطيع الحاكم أن يغير فيها كيفما شاء، إما بالتزوير، أو بالتأثير، لاسيما إذا كان الحكم فرديًا استبداديًا، أو كان مواليًا للاستعمار الجديد[23].
3- الاقتصاد: عملت القوى الاستدمارية على تحويل المجتمعات الإسلامية إلى مجتمعات استهلاكية لا تستهدف إلا إشباع شهواتها المادية، وتعتمد على مؤسسات ربوية تتبع الاقتصاد الرأسمالي الغربي، ومن هنا كان إلغاء الاقتصاد الإسلامي الحقيقي المستند إلى نصوص الشريعة ومقاصدها، وقامت عليه الحضارة الإسلامية نفسها طوال تاريخها، فجرى تعطيل الوقف ومحاصرته عمدًا، وحوصرت الزكاة وتراجعت، وتغيرت قيم الاقتصاد، حتى إن المنفعة واللذة باتت مطلوبة لذاتها لا لأجل مكافحة الفقر وتحقيق العدالة في التوزيع وتحقيق التكافل الاجتماعي، فأصبحت البلاد الإسلامية تابعة تبعية شبه مطلقة للنظام الرأسمالي، بل وإن التبعية الاقتصادية هي نفسها العامل الأكبر وراء إصرار الغرب على الاستتباع التشريعي للمسلمين، لا الدافع العقيدي كما يظن كثير من الناس.
4) التغلغل في كثير من الحركات السياسية الإسلامية وتوجيهها من الداخل حتى أصبحت عبئًا على الإسلام ووبالاً على المسلمين، بعد أن أسرفت في تسييس الإسلام، وقدمت صورة مشوهة للشريعة الإسلامية، تكاد تنحصر في أحكام تحض على العنف، وتقمع المرأة، وتقطع أيدي المظلومين، وتصم المجتمعات المسلمة بالجاهلية، كل ذلك باسم الإسلام وشريعته الغراء، فساعدت الغرب في خطته في تشويه الشريعة الإسلامية وقلب أولويات تطبيقها حتى عند المطالبين به، فقدمت تلك الحركات -في أدبياتها وتصريحات قادتها وكتاباتهم- الحدود الشرعية على القيم والمقاصد الإسلامية وما تحض عليه من التوحيد العاصم للإنسان من عبودية الهوى والشهوات والسلطات البشرية، وتزكية الأنفس، وعمران الأرض والأوطان، بل ورفعت شعار الدولة الإسلامية التي يميزها تطبيق الشريعة الإسلامية –ويقصدون بها الفقه الإسلامي لا الشريعة- دون أن تنتبه أن هذا التطبيق لن يتحقق على نحو سديد بمجرد تسويد الفقه الإسلامي الموروث كما هو دون العمل على تجديد الاجتهاد في فهم الشريعة وفي تنزيلها على الواقع المعاصر بما يطابق بين النص والواجب ويحقق مصالح العباد، فأظهرت الشريعة وكأنها تستهدف التعسير على الناس بدلا من التيسير عليهم، وتتغيا تمكين استبداد بقناع ديني من رقاب الناس لا تحريرهم وإقامة العدل فيهم ومساعدتهم على عمران أنفسهم وحيواتهم!
5) الإعلام، والسينما: يكاد يتحول الإعلام، ومعه السينما، في العالم الإسلامي إلى أداة رئيسة من أدوات التجهيل والتسطيح، بما في ذلك ما يطرحه حول الشريعة الإسلامية من كذب وتضليل، تشوش عليها وتهدر الثقة فيها وفي علمائها ودعاتها، على عكس ما تفعله مع المناوئين للشريعة، حيث تفتح لهم قنواتها للطعن في الإسلام وشريعته ودعاته، حتى بات الإعلام -والسينما- من أهم الأدوات المستخدمة في تشويه مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية.
6) التعليم: لم يقتصر أمر استخدام التعليم في اختطاف مفهوم الشريعة الإسلامية على تحويله إلى تعليم مدني منفصل عن التعليم الديني ومتصادمًا معه أحيانًا، بل إن الغرب ووكلائه عملوا على التحقير من التعليم الشرعي وتجميده، ومحاصرته وتجفيف منابع تمويله، حتى ازداد تخلفًا على تخلفه، وأنتج دعاة غلب على كثير منهم العجز عن دفع الافتراءات عن الشريعة الإسلامية وعن إنتاج خطاب واعي وجاذب نحو المفهوم الشامل لتطبيق الشريعة، يحتوي على مقاصدها وقيمها وأحكامها الكلية ونُظمها إلى جانب أحكامها الفرعية والجزئية، مما أسهم في سيادة مفاهيم مخطوفة لعملية تطبيق الشريعة.
_________________________
* بحث محكم منشور في مركز "رؤيا للبحوث والدراسات" ثم في موقع مجلة "المجتمع" الكويتية، كما تم نشره في: "مسألة تطبيق الشريعة بين اختطاف النموذج ونموذج الاختطاف"، كتاب بالاشتراك مع د. فارس العزاوي، مركز الفكر السياسي الإسلامي الاستراتيجي، تركيا.
** باحث مصري مهتم بدراسة الشريعة الإسلامية وتطبيقاتها في الدساتير والقوانين المعاصرة، مؤسس موقع حوارات الشريعة والقانون ورئيس تحريره، حاصل على الدكتوراة في القانون العام والشريعة الإسلامية.
[1] المعجم الوسيط (1/244).
[2] تفسير القرطبي (1/222).
[3] راجع: فاطمة الزهراء جزار، جريمة اختطاف الأشخاص، رسالة ماجستير نوقشت في كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الحاج الخضر- ـ الجزائر، في العام الجامعي 2013/2014م،. يمكن تحميلها عبر هذا الموقع: http://www.sajplus.comhttp://www.sajplus.com.
[4] اضطرت مفوضة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى الاعتراف بذلك، ولجأت إلى تعريف الاختطاف تعريفًا عمليًا بشأن جريمة خطف الأطفال بصفة خاصة، فقررت أن: "الاختطاف هو نقل طفل (دون الثامنة عشرة) أو حجزه أو القـبضالقبض عليه أو أخذه أو اعتقاله أو احتجازه أو أسره، بصفة مؤقتة أو دائمة، باستعمال القوة أو التهديد أو الخـداعالخداع، بغية إلحاقه بصفوف قوات مسلحة أو جماعات مسلحة أو إشراكه في القتال أو استغلاله في الأغراض الجنسية أو العمل القسري". انظر: تقرير مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان عن اختطاف الأطفال في أفريقيا، منشور على موقع جامعة منيسوتا:
http://hrlibrary.umn.edu/arabic/AR-HRC/AHRC4-56.pdf
[5] سليمان بن عبد الله بن محمد عبد الوهاب (المتوفى: 1233هـ)، تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد. تحقيق زهير الشاويش، بيروت، دمشق: المكتب الإسلامي، ط1، 1423هـ/2002م، ص30.
[6] التهانوي، موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تقديم وإشراف ومراجعة: د. رفيق العجم، تحقيق: د. علي دحروج، نقل النص الفارسي إلى العربية: د. عبد الله الخالدي، الترجمة الأجنبية: د. جورج زيناني، بيروت: 1996م، ج1، ص178.
[7] محمد مصطفى شلبي، المدخل في الفقه الإسلامي -تعريفه وتاريخه ومذاهبه- نظرية الملكية والعقد، بيروت: الدار الجامعية، الطبعة العاشرة: 1405هـ/1985م، ص30.
[8] محمود شلتوت، الإسلام عقيدة وشريعة، القاهرة ـ مصر: دار الشروق، ط8، 1421هـ/2001م، ص8.
[9] انظر: لسان العرب، مادة "طبق"، والمحيط في اللغة، مادة "طبق"، والمعجم الوسيط (2/550).
[10] عبد العزيز رمضان سمك، تاريخ التشريع الإسلامي ومصادره، القاهرة: دار النهضة العربية، 1427هـ/2006م، ص10.
[11] حازم علي ماهر، تطبيق الشريعة الإسلامية والنصوص الدستورية، القاهرة: دار النهضة العربية، ط1، 1439هـ/2018م، ص38.
[12] ذكر مالك بن نبي هذا المعنى في كثير من كتبه، مثل: «الصراع الفكري في البلاد المستعمرة»، و«شروط النهضة»، و«في مهب المعركة»، و«المسلم في عالم الاقتصاد»، و«ميلاد مجتمع»، و«مشكلة الثقافة»، وغيرها.
[13] انظر: طارق البشري، نحو تيار أساسي للأمة، الدوحة ـ قطر: مركز الجزيرة للدراسات، ط1، 2008م، ص12. ولا أرى تعارضًا بين المعنيين المشار إليهما؛ فإن الاستدمار على الرغم من أنه واجه من الأمة قابلية له، بل وتلك القابلية هي التي جلبته ومكنت له، فإنه وجد مقاومة في الوقت نفسه استطاعت أن تقود بلادنا بعد ذلك إلى التحرر النسبي، من الاحتلال العسكري المباشر على الأقل، ومن الاستسلام للغزو الفكري ومن الذوبان الكامل في فكر الغزاة.
[14] لم يتفق الباحثون على معيار موحّد للتفرقة بين الشرق والغرب، فمنهم من اعتمد "التقسيم الجغرافي"، ومنهم من عول على "الخصائص (أو الطابع والمزاج)"، ومنهم من فرّق بينهما على أساس "الزمن". وقد استعرض هذه الآراء أحمد أمين، واختار أن يميّز بين الشرق والغرب على أساس اختلاف الطابع والمزاج. انظر كتابه: الشرق والغرب، دمشق، وبيروت، وبغداد: دار المدى للثقافة والنشر، إعادة نشر للطبعة الأولى من الكتاب التي صدرت في 1955م، 2011م، ص11-21.
[15] انظر في هذا المعنى: سيف الدين عبد الفتاح إسماعيل، الأمة الإسلامية وعواقب الدولة القومية، حولية "أمتي في العالم"، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 2000م، ص46؛ وموريس كروزيه، تاريخ الحضارات العام -العهد المعاصر– بحثًا عن حضارة جديدة، ترجمة: يوسف أسعد داغر، وفريد م. داغر، بيروت ـ لبنان: عويدات للنشر والطباعة، 2003، المجلد السابع، ص764-765، 774.
[16] يراجع في هذا المعنى: وائل حلاق، الشريعة: النظرية، والممارسة، والتحولات، بيروت ـ لبنان: دار المدار الإسلامي، 2018م، ص629-630.
[17] لبيان المقصود بمفهوم التحديث ونقده، راجع: سيف الدين عبد الفتاح إسماعيل، بين التجديد والتحديث، الكتاب رقم (70) من سلسلة “في التنوير الإسلامي”، القاهرة: دار نهضة مصر، أغسطس، 2006م، ص61-72.
[18] انظر: سيف الدين عبد الفتاح إسماعيل، بين التجديد والتحديث، المرجع نفسه، ص63.
[19] انظر: في السمات التي تجعل كل من الدولة القومية والشريعة الإسلامية كيانين غير متوافقين: وائل حلاق، الشريعة: النظرية، والممارسة والتحولات، مرجع سابق، ص632-648.
[20] انظر: وائل حلاق، الشريعة: النظرية، والممارسة والتحولات، المرجع نفسه، 650-672.
[21] انظر لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع: حازم علي ماهر، تطبيق الشريعة الإسلامية، والنصوص الدستورية، مرجع سابق.
[22] انظر: ديبا كومار، فوبيا الإسلام والسياسة الإمبريالية، ترجمة: أماني فهمي، القاهرة: المركز القومي للترجمة، ط1، 2015م، ص46-47؛ وكذلك: زكاري لوكمان، تاريخ الاستشراق وسياساته- الصراع على تفسير الشرق الأوسط، القاهرة: دار الشروق، ط1، 2007م، ص129-135.
[23] انظر: حازم علي ماهر، تطبيق الشريعة الإسلامية والنصوص الدستورية، مرجع سابق، ص198.