المفكر د. محمد سليم العوا: المؤسسات الدولية انهارت وفرض عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية "بلطجة"!

By أ. حسن قباني شباط/فبراير 28, 2025 341 0

حول مستقبل المؤسسات الدولية في ظل التحولات العالمية الكبرى، خاصة مع تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، والاستيلاء على غزة، التقت «المجتمع» المفكر الإسلامي د. محمد سليم العوا، الأمين العام السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي، في حوار أكد فيه أن المنظمات الدولية انهارت، في ظل إفلاس النظام الدولي، معولًا على الشعوب الحية وظهور زعامات شعبية حقيقية تواصل المقاومة.

 

في البداية، كيف ترون تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن تهجير الفلسطينيين؟

- هي عبارة عن دخان في الهواء، يستحيل أن ينفذها، ويستحيل أن ينفذ رغبته في إجلاء الفلسطينيين من غزة وسائر فلسطين بالطبع، فهو لا يقصد غزة فقط، هو يعيش في وهْم من أجل خدمة «إسرائيل»، ومحاولة إرضاء ممولي حملته الانتخابية من اليهود، ولكن ذلك الأمر يكاد يكون مستحيلًا، ليس فقط لأن العالم يقف ضده، ولكن لأن الفلسطينيين سيموتون جميعًا عن بكرة أبيهم دون أراضيهم، ولا يوجد فلسطيني واحد يقبل بهذه الأفكار التي يقول بها ترمب.

 

تصريحات ترمب دخان في الهواء ولا يوجد نظام عالمي ولا مؤسسات دولية

 

هناك الآن نموذج جبار؛ هو نموذج الجهاد في فلسطين، الذي يعمل منذ 7 أكتوبر 2023م حتى اليوم، في غزة والضفة الغربية، حتى دفع «إسرائيل» إلى اللجوء إلى السلطة الفلسطينية كي تقاتل مكانها في الضفة، وهو أمر يعني إفلاس «إسرائيل» وجيشها.

 

بالمخالفة الصارخة من رئيس أكبر دولة بالعالم للقانون الدولي، هل هذا مؤشر على انهيار النظام العالمي الجديد ومؤسساته، كما يرى البعض؟

- في الحقيقة، النظام العالمي الجديد لم يتأسس، وكان مجرد شعار، ولن يتحقق في المستقبل، وترمب جاء هذه المرة بخطط لتقسيم العالم، والاستيلاء عليه ومحاربة الجميع، من كندا والمكسيك وبنما وكولومبيا إلى غزة، وهذه تخاريف، لشعوره بالانتصار الزائف الذي حدث في الانتخابات.

 

كيف تقيّمون المؤسسات الدولية منذ 7 أكتوبر 2023م حتى اليوم؟

- هذه المؤسسات ثبت إخفاقها في معالجة أي قضية عالمية، وأنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، أطلق العديد من التصريحات منذ 7 أكتوبر ولم يستمع له أحد، و«الأونروا» المؤسسة الإنسانية الوحيدة التي تعمل في فلسطين تحت مظلة الأمم المتحدة طُردت واُتهم أعضاؤها بالإرهاب، ولم يسمح لها بالعمل، والصحة العالمية ممنوعة من الدخول، ومجلس حقوق الإنسان الدولي لم يكن على مستوى ما يحدث في فلسطين.

 

نفتقد زعامات شعبية حقيقية تواجه العدوان الدولي والأيام القادمة أشد مما كانت

 

النظام الدولي ساقط، ولم تكن المواقف الدولية على قدر المجزرة الدائرة، واكتفت دول العالم بالتنديد أو بالاعتراف بسلطة محمود عباس، التي هي في حقيقة الأمر سلطة تابعة للاحتلال الصهيوني، وكل ما حدث من المجتمع الدولي ومؤسساته لا يصل إلى حد فرقعة في الهواء! في المقابل، كانت الشعوب الغربية حية، بمظاهراتها وإضراباتها وتحركاتها الجامعية وفي الشوارع، في كل أنحاء العالم.

 

هل يمكن النظر إلى المحكمة الجنائية الدولية، أنها قدمت بصيصًا من الأمل بالنظر في قضية الإبادة الجماعية للفلسطينيين؟

- المحكمة استمعت فقط ولم تتصد بعد، ورغم ذلك قامت أمريكا ولم تقعد، وعلى ما يبدو أنه عند التصدي ستكون الأمور صعبة، كما أن فرض عقوبات على قضاة المحكمة «بلطجة» أمريكية، وإهدار لكل قيمة دولية، فما معنى ملاحقة دولة لمحكمتين دوليتين، وانسحابها من منظمة الصحة العالمية، ومجلس حقوق الإنسان الدولي، ثم فرض عقوبات على قضاة؟! هذا دليل على إفلاس للنظام الدولي، وليس لديَّ أمل أن تستطيع أن تواجه محكمة العدل، والمحكمة الجنائية، ذلك الإفلاس في ظل انهيار النظام الدولي.

 

هل نحن بحاجة إلى تأسيسٍ أُمميٍّ جديد بعد ذلك الانهيار؟

- أعتقد أنه غير مجدٍ، فالنظام الدولي منهار، روسيا تحارب أوكرانيا، والغرب يدعم الأخيرة، و«إسرائيل» تدمر بلادنا العربية، وبلادنا صامتة ولم تتحدث إلا بالنزر اليسير، ولكن لا بد أن نقول: إن الموقف الأخير برفض التهجير موقف محمود ويجب أن يُشجَّع، وأعتبر أن موقف مصر بالذات يستحق التقدير.

 

هل يمكن أن تعوّض جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، هذا الغياب المؤسسي الدولي؟

- جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وغيرهما من منظمات شرق آسيا، مجرد منظمات حكومية، تعبر عن رأي الدول لا الشعوب، والدول مواقفها معروف بسبب الضغوط الأمريكية الاقتصادية والعسكرية والسياسية؛ ولذلك لا أمل عندي في كل هذه المنظمات، سواء العربية أم العالمية.

 

البعض يدعو إلى إنشاء نظام أمن وتعاون في دول الإقليم؛ لمحاولة تدارك الغياب المؤسسي الدولي، ومواجهة الجنون الأمريكي، كيف ترى ذلك؟

- هذه مناداة، بها تناقضات غريبة جدًا، فالبعض ينظر إلى الدولة الإقليمية إيران كعدو رغم المعاهدات، فيما تنظر إلى «إسرائيل» كحليف وصديق! فوجود هذه المشاركة شبه مستحيل، النداء الصحيح ليس هكذا، الدعوات يجب أن تتوجه إلى البدء بالأمن الاقتصادي، عبر محور إسطنبول- القاهرة- بغداد- الرياض، بالتزامن مع الأمن الثقافي الذي يضم القاهرة ودمشق وبغداد والمملكة العربية السعودية كلها وليس الرياض فقط. نحن في أشد الحاجة إلى إعادة هذين المحورين الحضاريين اللذين كانا متواجدين في فترة سابقة.

 

إذا كان الوضع كذلك، ماذا يجب علينا كعرب ومسلمين في هذا الوقت، برأيك؟

- العرب والمسلمون بحاجة إلى زعامات شعبية حقيقية في مختلف المجالات تكون محل ثقة شعوبها، وتستطيع أن تحركها وتجعلها على قدر المسؤولية في مواجهة العدوان الدولي وليس الصهيوني فقط، فما حدث في غزة شاركت فيه دول أخرى مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا.

الجهاد بفلسطين منذ 7 أكتوبر قدم نموذجًا جبارًا ولن يترك الفلسطينيون أرضهم أبدًا

مع الأسف «القهر» الذي يحاصر الشعوب هو السبب فيما وصلنا إليه، واسمح لي أن أطلب من مجلة «المجتمع» أن تكتب كلمة «القهر» بخط أكبر وأكثر سوادًا، ورغم ذلك أملي في الشعوب التي قد تخرج منها زعامات قوية مخلصة تقوم بالمسؤولية الواجبة.

 

هل نظرة العالم ومؤسساته اختلفت في التعامل معنا بعد «طوفان الأقصى»؟

- جزء كبير من شعوب العالم تنظر إلينا باحترام وتقدير، إنهم يعتبرون أن الفلسطينيين قوم أبطال دافعوا عن حقهم في الأرض والحياة، أما المؤسسات الدولية الحكومية أعتقد أنها سوف تضع كل ما يمكن من عراقيل، في مواجهة أي محاولة لإثبات الحق الفلسطيني في الوجود وإعلان الدولة، وأما المؤسسات المخابراتية العالمية، أتوقع أن تقوم بالبحث عن كل شخص دافع عن الحق الفلسطيني، ودفع جنيهًا أو دولارًا لمساندة فلسطيني؛ كي تنكل به أعظم تنكيل، حتى يكون مانعًا لمن يأتي من بعده أن يصنع مثله.

ورغم ذلك، أعتقد أن أي تنكيل جديد سيزيد الشعوب إصرارًا على موقفها، ومثلما ظهر الشيخ ياسين، والرنتيسي، وهنية، والسنوار، سيظهر غيرهم، لينجزوا إنجازات جديدة، في زمن مختلف، ستكون فيه زعامات حقيقية تقود الشعوب لإقرار كل الحقوق.

 

ختامًا، في ظل خذلان المؤسسات الدولية، إلى أين تمضي القضية الفلسطينية؟ وما اليوم التالي القادم لها؟

- اليوم التالي لما حدث سيكون أشد مما حدث، والدفاع عن الحق الفلسطيني سيزداد ولن ينقص، وأطفال غزة هم مشاريع مستقبلية تؤكد أن المقاومة مستمرة، وبالتالي فاليوم التالي هو يوم المقاومة بلا نزاع، وموعده قد يكون غدًا أو بعد غد أو بعد 5 سنين، لا يهمني، ودليلي صبر النبي صلى الله عليه سنوات عدة حتى إقامة دولته، وثقتي كبيرة أن الشعوب ستظل أمينة على القضية الفلسطينية.

 

_________________

المصدر: حسن القباني، المفكر د. محمد سليم العوا لـ«المجتمع»: المؤسسات الدولية انهارت والأمل في مقاومة الشعوب، مجلة المجتمع، 16 فبرابر 2025، https://2u.pw/u2TA9Gwr

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الجمعة, 28 شباط/فبراير 2025 13:13

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.