الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للدستور

By د. عبد الحميد متولي حزيران/يونيو 03, 2025 291 0

يُعد كتاب "الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للدستور"* للفقيه الدستوري الكبير دكتور عبد الحميد متولي** دراسةً فقهيةً دستوريةً موضوعيةً تهدف إلى إبراز مكانة الشريعة الإسلامية، ليس فقط كمجموعة من الأحكام الجزئية، وإنما كمنظومة متكاملة قادرة على تنظيم شؤون الحكم والدولة. ويقدم د. عبد الحميد متولي في هذا العمل إطارًا علميًا يعرض فيه الآراء المعارضة التي ترى فصل الدين عن التشريع وتتهم الشريعة بالجمود، ثم يواجه هذه الآراء بنقد مستفيض يُظهر مدى انفتاح القرآن والسنة والإجماع على مبدأ الاجتهاد وضرورة مراعاة المصلحة والضرورة وسنة التدرج في التشريع.

وتكمن أهمية الكتاب في كونه يقدّم نموذجًا متوازنًا يربط بين الثوابت الشرعية ومتطلبات العصر الديمقراطي وحقوق الإنسان، من خلال تحليل منهجي لمصادر التشريع الإسلامي وآليات تفسيرها، ورصد مرونتها وقدرتها على استيعاب تطورات المجتمعات، كما يسلط الضوء على مقاصد الشريعة الكبرى -كالعدل والمصلحة العامة- ويقترح آليات عملية لجعل هذه المقاصد أساسًا في صياغة دستور يعبر عن الهوية الإسلامية للأمة ويضمن استقرارها وتنميتها في آنٍ واحد.

ينطلق الكتاب بكلمة افتتاحية لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر، حيث يؤكّد على عصمة الشريعة وحيادها الخالص للهداية الإنسانية في كافة شؤون الحياة، ويثني على المؤلف باعتباره "قمة من قمم الفقه الدستوري في مصر"، معتبرًا أن هذا الكتاب جاء "نتيجة لدراسات طويلة في سنوات عدة، وكان ثمرة لجهد مستمر ودراسة مستفيضة"، معلنًا أنه وإن لم يتفق معه في بعض الأمور، إلا أنه متفق معه في الغاية التي تم تأليفه من أجلها "وهذه الغاية نعمل لها ويعمل لها كل محب لدينه ووطنه".

وفي مقدمته يعرض المؤلف الدكتور عبد الحميد متولي محاور أربعة تحدّد إشكاليّة الكتاب: أولها الخلاف حول صياغة النص الدستوري هل يجعل الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع أم أحد المصادر المتعددة؟ ثانيها محاولة تصنيف المصادر الشرعية وتبيان أنواع النصوص التي تستمد منها التشريعات. ثالثها مناقشة طبيعة التشريع نفسه؛ هل هو شامل عام، أم ظرفي مؤقت؟ ورابعها وضع منهجية واضحة للتقسيم العلمي والموضوعي للدراسة، مما يمكن القارئ من تتبّع مراحل الحجاج والنقاش خطوة بخطوة.

يتناول المبحث الأول بلغة علمية متزنة وجهة الرأي القائل بعدم صلاحية الشريعة الإسلامية مصدرًا أساسيًا للدستور، مستعرضًا أولًا رأي من يذهب إلى أن الإسلام "دين فحسب" لا علاقة له بالتشريع المدني، ثم ينتقل إلى أسباب اتهام الفقه الإسلامي بالجمود من وجهة نظر المستشرقين، مرورًا بنقد علماءٍ مثل الشيخ علي عبد الرازق الذين رأوا أن نظام الخلافة التاريخي لا ينسجم مع روح التطور الحديث، ووصولًا إلى الاعتراضات على عقوبات الحدود (خاصة حد السرقة وحدّ الخمر) وانتقادات عدم المساواة بين المسلمين وأهل الذمة في الحقوق السياسية والقضائية والتنفيذية.

يرد المبحث الثاني على هذه النقاط بالوقوف إلى جانب رأي أهل الصلاحية للشريعة مصدرًا دستوريًا، فيُفند ادعاء الجمود بالتأكيد على أن الإسلام دين متكامل يجمع بين أصول الشريعة وروح الاجتهاد، ويثبت ارتباط الدين بالدولة من خلال السيرة النبوية للدولة الأولى في المدينة. كما يوضح كيف أن الشريعة توازن بين مصالح الدنيا والآخرة، وينقض أدلة الشيخ عبد الرازق، ويبرر اعتباره للخلافة "مصالح عامة" مخولة للأمة، قبل أن يبين شروط تطبيق حدود السرقة والعقوبات التعزيرية للخمر، ويشرح حرص الإسلام على معاملة أهل الذمة وحفظ حقوقهم ضمن إطار من العدالة والمساواة أمام القانون.

في المبحث الثالث يقدم "الرأيان في كفتي الميزان" ويخوض نقاشًا معمقًا حول مرونة مصادر الشريعة وإمكاناتها الدستورية. ينقسم هذا المبحث إلى أربعة مطالب: يناقش الأول طبيعة النصوص القرآنية والسنّة والإجماع من حيث كميتها وظروفها الزمنية والظنية، ثم يُعنى الثاني بمنهج التفسير والاجتهاد القويم، مستعرضًا اختلافات مدارس أهل الرأي والحديث وأثر بيئات الخلفاء الراشدين ومعاصريهم على منهجية الاستنباط. أما المطلب الثالث فيتوسع في قواعد المصلحة والضرورة وسبل سد الذرائع، في حين يؤكد المطلب الرابع على روح الاعتدال وسنة التدرج في التشريع، بما يضمن تحديث الأحكام وفقًا للظروف دون تجاوز لمقاصد الشريعة.

يختتم المبحث الرابع الكتاب بعرض الأسباب المنطقية والحضارية التي تدعونا إلى اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرًا أساسيًا للدستور. في المطلب الأول يستعرض سمو مبادئ الشريعة واستقلالها وقبولها على ألسنة فقهاء الغرب والمؤتمرات الدولية للقانون المقارن. ثم يعرض المطلب الثاني مظاهر سمو الحضارة الإسلامية وفضلها على الحضارة الغربية، مستعينا بشهادات المؤرخين والعلماء الغربيين. وأخيرًا يناقش المطلب الثالث كيفية سد الفراغ التشريعي والثقافي الذي خلّفه الانقطاع عن التشريع الإسلامي، قبل أن يختم الكتاب بدعوةٍ إلى النهوض بالفقه الإسلامي عبر التجديد والاجتهاد المنضبط وتضافر جهود علماء الفقه والقانون.

 

فهرس الكتاب:

تقديم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر

الإهداء

تقديم الكتاب للمؤلف

المقدمة

المبحث الأول: الرأيُ القائل بعدم صلاحية الشريعة الإسلامية كمصدرٍ أساسي للدستور

 

المبحث الثاني: وجهاتُ نظر أنصار الرأي القائل بصلاحية الشريعة الإسلامية كمصدرٍ أساسي للدستور

 

المبحث الثالث: "الرأيان في كفتي الميزان"

المطلب الأول: بحث في مدى مرونة مصادر الشريعة الإسلامية وبخاصة في الشؤون الدستورية

المطلب الثاني: منهج التفسير (والاجتهاد) القويم

المطلب الثالث: مبدأ المصلحة (ونفي الحرج والضرورة)

المطلب الرابع: مراعاة روح الاعتدال والأخذ بسنة التدرج في التشريع

 

المبحث الرابع: الأسباب التي تدعونا إلى اتخاذ الشريعة الإسلامية مصدراً أساسياً للدستور

المطلب الأول: سموُّ مبادئ الشريعة الإسلامية

المطلب الثاني: سموُّ الحضارة العربية الإسلامية وفضلها على الحضارة الغربية

المطلب الثالث: سدُّ الفراغ التشريعي والثقافي

 

لتحميل ملف الكتاب

 

* صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عن دار "منشأة المعارف" بالإسكندرية عام 1975م.

** فقيه دستوري مصري. أستاذ القانون العام بجامعتي بغداد والإسكندرية، وأحد روّاد الفقه السياسي الإسلامي، حاصل على دبلوم الدراسات الإدارية والمالية من جامعة باريس (1926) ودكتوراه الحقوق من الجامعة ذاتها (1931). عمِل عميداً لكلية الحقوق بجامعة بغداد وأستاذاً بقسم القانون العام في جامعة الإسكندرية، وشارك في مؤتمرات دولية للقانون والإدارة، من أبرز مؤلفاته "القانون الدستوري والنظم السياسية"، و"الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للدستور"، وساهم في الحوار بين الفقه الإسلامي ومبادئ الدساتير الحديثة.

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الخميس, 05 حزيران/يونيو 2025 07:11

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.