صدرت الطبعة الورقية لهذا الكتاب* للباحث والصحفي محمد رضوان**، في الدار البيضاء بالمغرب بعد صدور الطبعة الإلكترونية بلندن منذ عامين.
وفي تصدير الناشر الإلكتروني للكتاب، كتب الناشر أنه ما من كتاب معاصر أرخ لعداوة الثقافة الغربية للإسلام مثلما فعل كتاب أوهام الغرب عن الإسلام. فبفضله أعاد محمد رضوان تلك العداوة إلى أصولها ومنابعها الأولى، ومنها انطلق ليرسم معالم حوار وتفاهم لا يزال، من وجهة نظر المؤلف، ممكنًا، وأضاف: لسوف يندهش قارئ هذا الكتاب إلى الحقيقة القائلة إن تلك العداوة لم تكن دينية، أو سياسية استعمارية فحسب، ولكنها كانت عداوة ثقافية أيضًا تتأصل برؤية الغرب إلى نفسه، وليس بالضرورة بسبب ما إذا كان الإسلام نفسه يشكل تهديدًا فعليًا. لم يستطع الغرب، وهو ينظر إلى نفسه في المرآة، إلا أن يتخذ من آخر عدوًا، وكان من سوء حظ التاريخ والجغرافيا أن كان الإسلام هو ذلك الآخر، الذي، بالموقف منه، يحدد الغرب هويته وصورته أمام نفسه، ويخلص الناشر إلى القول إنه لن يمكن، من دون هذا الكتاب، معرفة الأسس التي تنطلق منها العداوة الغربية للإسلام، ولن يمكن بالتالي معرفة السبل لمواجهتها.
يتناول الكتاب العوامل التاريخية والثقافية والدينية المتحكمة في رؤية الغرب للعالم الإسلامي، والأسباب التي تجعل من الإسلام معضلة في الثقافة الغربية، كما يسعى الكتاب إلى الإجابة عن تساؤل بات يطرح نفسه اليوم بإلحاح في الأوساط الفكرية والسياسية والدينية، وهو إذا كان الإسلام بتجلياته الدينية والثقافية والحضارية يمثل إشكالاً حقيقيًا في تاريخ الثقافة الغربية، فإلى أي مدى يمكن أن يستمر الصدام بين هاتين الثقافتين، وهو الصراع الذي يتخذ أشكالاً وصورًا مختلفة عبر الأزمنة والأمكنة، ويتراوح بين الهدوء تارة، والقوة والعنف تارات أخرى.
يعرض الكاتب رؤيته لجذور العداء للإسلام في الثقافة الغربية من خلال أربعة فصول وعدد من المباحث، والتي تتناول قضايا أساسية في علاقة الثقافتين الإسلامية والغربية عبر التاريخ والفكر والتراث والسياسة والدين، منها الكنيسة المسيحية والإسلام في القرون الوسطى، والإسلام في اللاهوت المسيحي الجدلي، وصورة الإسلام في التراث الأوروبي، والاستشراق ودوره في المطارحات الفكرية عن الإسلام في الغرب.
كما يعرض الكاتب لفصول المواجهة والحوار بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي، والحروب الصليبية، والحركة الاستعمارية وحقيقة كونها امتدادًا للحملة الصليبية، والعالم الإسلامي في الفكر السياسي الغربي، والعالم الإسلامي بين صدام الحضارات وحوار الثقافات والأديان، وأحداث شتنبر.. هل هي مؤامرة ضد العالم الإسلامي؟، والإسلام في الأدلوجة الغربية.. خطر ونقيض للحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وشبهات غربية نحو الثقافة الإسلامية، وثقافة الإقصاء والغلو الفكري ضد الإسلام في الغرب، والحضارة الإسلامية في عصر العولمة، ومستقبل الإسلام في الغرب.
عداء قديم للإسلام
لقد اتخذت العلاقات بين الغرب والإسلام صيغًا وأبعادًا مختلفة، بامتداد قرون التماس والتفاعل بين الكتلتين الحضاريتين، إلا أن الثابت الإبيستمولوجي في المقاربة الغربية - كما قال بذلك المفكر الكبير محمد عابد الجابري- هو تحديد الأنا عبر الآخر، تصنعه بالصورة التي تجعله قابلاً لأن يقوم بالوظيفة التي تريدها منه.
بدأ هذا المسار عبر الفكر الكنسي الذي أنتج جملة من المقولات التي تدعي بطلان الإسلام كدين سماوي قائم على الوحي الإلهي وتلصق به تهم الإرهاب والشهوانية، كما ترمي سيرة النبي الكريم بالتهم المخلة.
ويعتبر الكاتب أن القاعدة العدائية التي رسختها الكنيسة المسيحية تجاه الإسلام - خصوصًا أنها اضطلعت خلال العصور الوسطى بأدوار هامة في سياسة الدول وحياة الأفراد ونشاط المفكرين والعلماء- حفزت كل هؤلاء على مناهضة دينية عابرة للعصور، أعادت إنتاج مشاعر الحقد على الدينامية التوسعية التي اكتسبها الإسلام خارج الجزيرة العربية، وفي كل الاتجاهات.
لم يبق التجنيد العقدي لمناهضة الإسلام حبيس جدران الكنائس، بل امتد مفعوله ليطال مختلف شرائح المجتمعات الغربية، معتمدًا التعليم كوسيط لنقل الأفكار الجاهزة وغرس المواقف المسبقة، وشكلت النخبة الفكرية والأدبية موقعًا خصبًا لبلورة هذه الصورة الذهنية، وتسويق التمثلات التي أثرت إلى اليوم في صورة الإسلام والمسلم لدى الغرب، مع تحولات في الصيغ والمقاربات.
وكما يبين ذلك الكتاب، فإنه لم يسلم آباء الإبداع الغربي من التخندق في معسكر الحرب على الإسلام، وفي مقدمتهم الشاعر الإيطالي الكبير أليغري دانتي -مؤلف الكوميديا الإلهية- الذي يصف في رحلته الوهمية إلى العالم الآخر كيفية عذاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب في الجحيم.
هذا مع العلم بأن الشاعر الإيطالي تأثر بشكل واضح بأبي العلاء المعري وكبير الصوفية ابن عربي، وهي واقعة تبين من زاوية أخرى مدى نبذ الإيديولوجيا الغربية للحضارة الإسلامية ككل، إذ نفى بعض النقاد الغربيين -وخصوصًا الإيطاليين- وجود أي بصمة للثقافة العربية في الكوميديا الإلهية.
وتفسير ذلك بسيط بالنسبة للباحث محمد رضوان: فبالنسبة لهؤلاء مصادر الإلهام في الأعمال الكبرى والخالدة في تاريخ الفن والأدب بأوروبا لا يمكن تصورها خارج نسق الإبداع الإغريقي الروماني، أو حكايات وأساطير الشعوب الجرمانية.
الاستشراق.. واختراع الشرق
يتوقف الكاتب عند الدور الذي اضطلع به الاستشراق في اختراع الشرق بوجوه عديدة، أحيانًا غرائبية وأخرى متخلفة واستبدادية. سيصبح الشرق "اختراعًا غربيًا" بتعبير المفكر الراحل إدوارد سعيد، لأنه مشحون بحمولات دينية وثقافية وفكرية.
ويبين الكاتب في هذا السياق أيضًا أن نشأة الفكر الاستشراقي لم تكن بعيدة عن الرعاية الكنسية، انطلاقًا من دعوة مجمع فيينا الكنسي عام 1312م إلى إنشاء عدد من كراسي اللغة العربية بعدد من الجامعات الأوروبية، وكثير من طليعة هذه النخبة الاستشراقية ذات المرجعية الدينية نهل من ثمار الثقافة العربية الإسلامية في الأندلس، وبدأت بعض الترجمات الغربية لمصنفات العرب في الفلسفة والطب والفلك.
كما انبرى آخرون إلى تقصي مختلف مصادر الدين الإسلامي ترجمة ونقدًا ومقارنة، وحظي القرآن الكريم والسنة النبوية بنصيب وافر من هذه الحركة التي لم تتورع عن ترويج مغالطات تستهدف زعزعة الثوابت الدينية، على غرار الطعن في السنة ونسبتها إلى عمل المسلمين خلال القرون الأولى.
من الحروب الصليبية إلى الاستعمار
لم يكن للكتاب أن يغفل محطة هامة في تشكيل المخيال الجماعي للغرب تجاه الشرق العربي الإسلامي، وتتمثل في الحروب الصليبية التي لم يتردد بعض المؤرخين الأوروبيين في اعتبارها هبة مسيحية لإنقاذ نصارى الشرق من الاضطهاد الديني، علمًا أن جمهرة من المنصفين الغربيين تتفق على طابع التسامح الذي ميز الحكم العربي الإسلامي بفلسطين على وجه الخصوص، على خلاف ما عاشوه تحت قبضة الإمبراطورية الرومانية أو البيزنطية، وتأتي الحركة الاستعمارية استئنافًا لهذه الحروب في نظر الكاتب، الذي يحرص على إبراز الصلات بين هاتين الظاهرتين التاريخيتين، خاصة من ناحية الدوافع والمنطلقات، وكذا النتائج والأهداف والانعكاسات.
إن الكاتب محمد رضوان يرفض وضع هذه الحملة تحت يافطة الحاجة الاقتصادية الناجمة عن نمو الرأسمالية الأوروبية، ودينامية البحث عن أسواق جديدة ومصادر للمواد الأولية والسواعد البشرية.
يقول: ولعل هذه النخبة الجديدة من الأوروبيين، التي تولت زمام الأمور بأوروبا بعد عصر النهضة، هي التي قادت فيما بعد تجربة الحركة الاستعمارية في الشرق والغرب من العالم الإسلامي، وكان امتلاك الأرض والثروة واستغلال الموارد الطبيعية ضمن أهداف هذه الحركة، لكن أيضًا كان من أهدافها غير المعلنة هذه المرة تغيير البنية العقدية والفكرية واللغوية والاجتماعية لكثير من شعوب البلاد الإسلامية، في مسعى لتحقيق أهداف الحركة الصليبية القديمة، حتى وإن بدت العلاقة بعيدة، أو غائبة، بين آباء الكنيسة المسيحية ودعاة الحركة الاستعمارية الأوروبية.
الإسلام العدو الاحتياطي
بهذه الخلاصات المنبثقة عن استعادته لتاريخ أوهام الغرب عن الإسلام، يتناول الكاتب محددات المقاربة الغربية للإسلام في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تلك المفاجأة السعيدة التي أفاق معها الغرب على واقع فراغ استراتيجي عظيم، رشحت النخبة الأميركية في مراكز البحث، وصناع القرار الإسلام لشغله، ليصبح الخصم العالمي الجديد، خصوصًا مع إطلاق نظرية صدام الحضارات لصمويل هنتنجتون الذي حسم بأن الاختلافات الثقافية والحضارية ستكون المصدر الأساس للصراع الدولي في فترة ما بعد القطبية الثنائية.
وبغض النظر عن الجدل حول مدى مصداقية هذه النظرية، وعدم قدرتها على كسب تيار واسع من النخبة العلمية والسياسية في الغرب نفسه، فإنها - على الصعيد التنفيذي- كسبت موقعًا لها داخل بعض أجنحة الحكم في الولايات المتحدة وأوروبا.
ويلاحظ الكاتب أن العقد الأخير من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحالي شهدا عدة أحداث ومواقف تشير بالأحقاد الغربية الدفينة تجاه العالم الإسلامي، فتعرض كثير من أجزاء هذا الأخير لعمليات تدمير ونهب ونشر للفوضى العارمة، كما لم تخل كثير من تلك الأحداث والمواقف من دوافع عدائية دينية وحضارية قديمة، برغم من محاولات إخفائها باعتبارات سياسية أو أمنية أو قانونية.
وجاءت أحداث سبتمبر2001 لتفجر هذه الخلفيات الحضارية في علاقات الغرب بالإسلام والمسلمين، حيث مثلت مدخلاً لإعادة صياغة العديد من السياسات الدبلوماسية والأمنية والعسكرية وحتى الثقافية تجاه العالم الإسلامي، فتنامت الضغوط من أجل تجفيف ما يسمى بمنابع الإرهاب والقضاء على أسباب التطرف الديني، وإصلاح البرامج التعليمية وغيرها.
* الكتاب: أوهام الغرب عن الإسلام.. بحث في جذور معاداة الثقافة الإسلامية في الغرب.
المؤلف: محمد رضوان.
الطبعة: الأولى- 2013م.
عدد الصفحات: 162 صفحة من القطع المتوسط.
الناشر: الأندلس- الدار البيضاء- المغرب.
** الكاتب محمد رضوان يعمل صحافيًا بوكالة المغرب العربي للأنباء، وهو من مواليد عام 1964م، ويحمل شهادة دكتوراه الدولة في العلوم السياسية من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وحاصل على شواهد من أكاديمية لاهاي للقانون الدولي بهولندا، والمعهد الدولي لحقوق الإنسان بستراسبورج، وله مشاركات في ندوات علمية بالمغرب وخارجه.
من مؤلفاته: المبادئ العامة للقانون الدولي الإنساني، والعدالة الدولية، وكتاب منازعات الحدود في العالم العربي، فضلاً عن مقالات ودراسات علمية عديدة.