موقع حوارات

موقع حوارات

يبرز اسم الدكتور صوفي أبو طالب في تاريخ مصر الحديث كأحد الشخصيات القانونية والسياسية البارزة التي جمعت بين العلم والعمل، وبين الفكر والتطبيق. فمنذ أن تولى رئاسة مجلس الشعب عام 1978، قاد مشروعًا طموحًا لتقنين الشريعة الإسلامية، مسعىً لم يتحقق إلا بفضل منهجه العلمي المتوازن الذي جمع بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي. هذا المقال يستعرض مسيرة هذا الرجل الذي لم يقتصر دوره على التشريع، بل امتد ليشمل التعليم والبحث، مؤكدًا أن إرثه الفكري لا يزال حاضرًا في الساحة القانونية المصرية.

أولًا: ميلاده وتعليمه

ولد الدكتور صوفي أبو طالب في (27 يناير 1925م) في مركز طامية بمحافظة الفيوم.

  • فقد تخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1946م، وحصل منها أيضًا على دبلوم القانون العام في 1947م، وأُوفد في بعثة إلى فرنسا في عام 1948م.
  • حصل على الدكتوراه في القانون من باريس في عام 1950م، ، ونال جائزة أفضل رسالة دكتوراه من ذات الجامعة،
  • حصل على "دبلوم قوانين البحر المتوسط" من جامعة روما عام 1959م.

 

ثانيًا: أعماله ووظائفه

  • تدرج في السلك الجامعي حتى تولى منصب رئاسة جامعة القاهرة.
  • نال أبو طالب عضوية مجلس الشعب، عن دائرة طامية، الفيوم عام 1976م، وتم انتخابه رئيسًا للجنة التعليم بالمجلس.
  • تولى رئاسة مجلس الشعب عام 1978- 1982م، وبعد تركه رئاسة المجلس استمر في العمل الأكاديمي أستاذًا لفلسفة القانون وتاريخه بكلية الحقوق جامعة القاهرة، ثم عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية.
  • كان يعمل رئيسًا للجنة التشريعات الاقتصادية "بمركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي" في جامعة الأزهر في عام 2002م.
  • تمكن من إصدار قرار جمهوري بإنشاء فرع لجامعة القاهرة فرع الفيوم، فكانت كلية التربية أولى الكليات التي أنشئت بالفيوم، وتم تكريمه لدوره البارز بالجامعة، فسُمي أكبر مدرج بكلية التربية باسمه، ثم توسعت الكليات إلى أن أصبحت جامعة الفيوم جامعة مستقلة.
  • شارك في إنشاء قسم الدراسات القانونية بكلية الشريعة جامعة الأزهر.
  • شغل مناصب أخرى فرعية مثل: مستشار لجامعة أسيوط، عضوية "المجلس القومي للتعليم"، وعضو منتخب "باللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي" عام 1975م، وكان عضوًا في "المجلس الأعلى للفنون والآداب"، ومقررًا للجنة تاريخ القانون للمجلس الأعلى للفنون والآداب، وعضوًا بمجلس إدارة "جمعية الاقتصاد والتشريع".
  • فترة توليه رئاسة الجمهورية: كان أبو طالب وقت اغتيال الرئيس السادات يشغل منصب رئيس مجلس الشعب، ولذا تولى منصب رئاسة الجمهورية مؤقتًا إلى حين انتخاب الرئيس، وذلك وفقًا لدستور (1971م) الذي نص على أن يتولى رئيس مجلس الشعب منصب رئيس للجمهورية، في حال خلو المنصب، وإذا كان المجلس منحلًّا حل محله رئيس المحكمة الدستورية العليا، وذلك بشرط ألا يُرشَّح أيهما للرئاسة.

 

ثالثًا: مشروعه الفكري ومنهجه

(1) تقنين الشريعة: تولى الدكتور صوفي أبو طالب رئاسة مجلس الشعب في الفترة من (4 نوفمبر عام 1978م حتى 1 فبراير عام 1983م)، وفي تلك الفترة سعى الرئيس السادات إلى تقنين الشريعة الإسلامية، وكلف رئيس مجلس الشعب بمهمة إعداد مدونة قانونية مستمدة بالكامل من الشريعة، وبدأ العمل الفعلي للتقنين في عام 1978م، واستعان الدكتور صوفي أبو طالب بصفوة من العلماء المتخصصين من الأزهر والقضاة، وأساتذة كلية الحقوق، والفقهاء الدستوريين، وبعض الخبراء من المسلمين والمسيحيين، وتم تقسيم العمل إلى لجان يرأس كل لجنة أحد أعضاء مجلس الشعب إلى جانب هؤلاء الخبراء، وارتكزت خطة العمل على عدم التقيد بالراجح في مذهب معين، بل الأخذ بالرأي المناسب من أي مذهب من المذاهب الفقهية، وبدأ التقنين على أبواب الفقه وتقسيماته، وما لم يكن له حكم في كتب الفقه لجأ الخبراء إلى مقاصد الشريعة في استنباط الأحكام، وفي حالة تعدد الآراء الفقهية للمسألة الواحدة تختار اللجنة حكمًا منها مع ذكر الآراء الأخرى ومصادرها على هامش الصفحة؛ ليرجع إليها من يشاء، ومع حلول عام 1982م تم الانتهاء من جميع أعمال التقنين وعرضت على مجلس الشعب المصري، وحظيت بالموافقة عليها بالإجماع من أعضاء المجلس المسلمين والمسيحيين، وهو ما سجلته مضابط المجلس.

أنتجت لجان مجلس الشعب خمسة مشروعات للقوانين طبقًا لأحكام الشريعة الإسلامية وهي: مشروع قانون المعاملات المدنية (1136 مادة)، ومشروع قانون إجراءات التقاضي والإثبات (71 مادة)، ومشروع قانون العقوبات (630 مادة) ومشروع قانون التجارة (776 مادة) ومشروع قانون التجارة البحرية (443 مادة). وكان من المفترض أن يبدأ المجلس مناقشة هذه المشروعات مادة مادة، لكن فجأة توقف كل شيء، ودُفنت هذه التجربة دون إبداء أي سبب.

(2) اعتنى الدكتور صوفي كثيرًا بقضية تطبيق الشريعة ، وسعى - بكل ما أوتي من علم - لإبراز النظام القانوني للشريعة الإسلامية، وبين الأسس والمرتكزات التي يقوم عليها مشروعه في مؤلفاته ومؤتمراته التي ترأسها.

(3) الاعتناء بالمقارنة: لقد اعتنى الدكتور صوفي بالمقارنات التشريعية، ولكنه كان يتميز بمنهج خاص يتضح في النقاط التالية:

  • يسعى الدكتور صوفي أبو طالب من مقارناته إلى إبراز استقلال التشريع الإسلامي عن غيره من النظم خاصة القانون الروماني، وذلك هو الهدف الأكبر عنده، ، يقول الدكتور صوفي: "إننا أمام مشكلة طال فيها الأخذ والرد منذ نهاية القرن الماضي - يقصد مشكلة تأثر الشريعة الإسلامية بالقانون الروماني - ولكن لم يستقر فيها الرأي بعد، فالذين قالوا بالتأثر لم يبحثوا المسألة بحثًا موضوعيًّا منزهًا عن الهوى، والذين نادوا بعدم التأثر لم يبحثوا المسألة من كل نواحيها، بل تعرضوا لها لا كبحث مستقل قائم بذاته بل بمناسبة بعض الأبحاث القانونية الأخرى؛ ولذلك لم يتعمقوا في دراسة المسألة ولم يحيطوا بكل جوانبها".
  • في قضية نفي التأثير والتأثر اعتادت الكتابات أن تنفي أو تثبت الأمر من خلال تتبع الفروع الفقهية بين النظم كما فعل العلامة السنهوري، لكن أبو طالب نفى الأمر من خلال التتبع التاريخي للنظم، ثم أتت المسائل القانونية كأمثلة يدعم بها ما نتجت عنه الدراسة التاريخية، وكشف الدكتور صوفي أبو طالب عن هذا المنهج في إحدى أبحاثه، حيث ذكر أن البحث "يتعرض لكيفية نشأة الشريعة الإسلامية محاولًا تقصي المصادر التي يظن أن الفقهاء المسلمين عرفوا من خلالها القانون الروماني البيزنطي؛ ليبين أنه لم يقم أي دليل على إمكان تعرف الفقهاء المسلمين على القانون الروماني بأية وسيلة من الوسائل، وأن الشريعة الإسلامية نشأت -بعيدة كل البعد- عن أي مصدر روماني... ثم الوقوف على مواطن التشابه -إن وجدت- واستظهار مواطن الاختلاف -وما أكثرها- بين القانون الروماني والفقه الإسلامي، سواء فيما يتعلق بنظم القانون الخاص، أم القانون العام، أم قانون العقوبات".

ولعل هذا الخلاف بين المنهجين (منهج السنهوري وأبي طالب) ناتج من تأثير التخصص، فالسنهوري رجل قانوني يهتم بالتشريعات والدساتير، فالتطبيقات هي التي تشغل حيزًا كبيرًا من حياته، أما الدكتور صوفي فهو متخصص في دراسة فلسفة القانون وتاريخه، فالمحطات التاريخية هي التي يقف عندها. ولا شك أن المنهجين يكمل كل منهما الآخر، ويدعم نتائج ما توصل إليه كل طرف في تخصصه.

  • حين يضع أبو طالب يده على مواضع التشابه يحاول جاهدًا إظهار الفروق بينهما، إما من خلال التطبيق، أو من خلال فلسفة النظام؛ لذلك عقد فصلًا عن النظم التي قيل بتشابهها، وكلمة "قيل" - كما هو معروف- توحي بضعف الرأي غالبًا، ومن الأمثلة على ذلك نظام الشفعة، فقد قيل: إن نظام الشفعة منحدر من نظام الاسترداد المعروف في القانون البيزنطي، وقد اعتدل بعضهم وقال بأن هذا النظام البيزنطي اتخذه الفقهاء المسلمون نموذجًا لهم في نظام الشفعة، ولكن هذا الرأي أثبتت الأبحاث عكسه، فلا علاقة بين نظام الشفعة في الفقه الإسلامي ونظام الاسترداد إلا من حيث الغرض الذي يرميان إليه وهو دفع الأذى والضرر، ووحدة الغرض هذه لا تفسر إلا بوحدة الظروف الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع العربي وفي المجتمع الروماني، فنظام الشفعة كان معروفًا في المجتمع العربي قبل الإسلامي، والعرب لم يكن لهم أدنى صلة بالقانون البيزنطي، فقد نقلت دواوين الفقه أن "الْأَصْل فِي تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ إذَا اشْتَرَى حَائِطًا أَوْ مَنْزِلًا أَوْ شِقْصًا مِنْ حَائِطٍ أَوْ مَنْزِلٍ أَتَاهُ الْمُجَاوِرُ أَوْ الشَّرِيكُ فَشَفَعَ لَهُ فِي أَنْ يُوَلِّيَهُ إيَّاهُ لِيَتَّصِلَ لَهُ الْمِلْكُ أَوْ يَنْدَفِعَ عَنْهُ الضَّرَرُ حَتَّى يَشْفَعَهُ فِيهِ فَسَمَّى ذَلِكَ شُفْعَةً وَسَمَّى الْآخِذَ شَفِيعًا وَالْمَأْخُوذَ مِنْهُ مَشْفُوعًا عَلَيْهِ" . أما عن نقطة الخلاف فالنظام الروماني يلزم صاحب الحكر إذا أراد بيع حقه بالحصول على موافقة مالك الأرض المستحكرة، ولهذا الأخير الخيار بين أمرين: له أن يرفض الموافقة على البيع، وفي هذه الحالة يلتزم هو بشراء حق الحكر بنفس الثمن الذي عرضه المشتري، أما إن وافق على البيع فله الحق في الحصول على رسم قدره 2% من الثمن من المشتري.
  • اهتم الدكتور صوفي أبو طالب بالقوانين القديمة بصورة أكبر من القوانين الحديثة، كما أنه اهتم بالمنبع الذي انحدرت منه القوانين الفرعية، فهو دائمًا يذكر الشرائع اللاتينية والجرمانية، وهكذا في مقابل الشريعة الإسلامية، ولا تعنيه -بصورة كبيرة- القوانين الحديثة التي انبثقت منها، مثل القانون السويسري وغيره، مع ملاحظة أن أكثر القوانين مقارنة في أبحاث الدكتور صوفي تعلقت بالقانون الروماني.

 

رابعًا: من مؤلفات د. صوفي أبو طالب

  • بين الشريعة الإسلامية والقانون الروماني، دراسة، محمد عمارة، ط الأزهر، 1434هـ.
  • الوجيز في القانون الروماني، دار النهضة، 1964م.
  • تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، دار النهضة العربية، 1972م.
  • حالة المرأة القانونية في البلاد العربية (بالفرنسية)، 1977م.
  • الاشتراكية والديمقراطية، 1977م.
  • تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد العربية، دار النهضة، الطبعة الثالثة، 1990م.
  • محاضرات ألقاها حول تطبيق الشريعة (مجموعة)، مكتبة كلية الحقوق.
  • قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، (برئاسة د. صوفي أبو طالب)، دار ابن رجب والفوائد، ط1، 2013م.
  • مبادئ تاريخ القانون، دار النهضة العربية، 1387هـ - 1967م.
  • السلطة التشريعية في مصر، تكوينها ومقوماتها، المجلة الجنائية القومية، يوليو 2005م، العدد الثاني المجلد، 48.
  • الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي في البلاد العربية (الماضي والحاضر والمستقبل). مجلة اتحاد الجامعات العربية، عام 1995م.
  • المصالح المرسلة كمبدأ من مبادئ تقنين الشريعة، مجلة الأزهر، مارس 2013م.

 

خامسًا: التكريم والجوائز

حصل الدكتور صوفي أبو طالب على العديد من الجوائز منها "وسام الشرف" من الحكومة الفرنسية عام 1977م، ووسام "الشرف" من هيئة البرلمانيين الناطقين باللغة الفرنسية 1980م، ووسام الجمهورية من حكومة السودان 1982م، ووسام النيل 1983م و"جائزة الدولة التقديرية" 1990م.

 

سادسًا: وفاته

توفي د. صوفي أبو طالب فجر يوم (21 فبراير 2008م) في ماليزيا، عندما كان يشارك في الملتقى العالمي الثالث لرابطة خريجي الأزهر حول العالم في كوالالمبور‌.

 

المراجع

  • أثر الوعي الإسلامي في النهضة القانونية الأوربية في العصور الوسطى دراسة تاريخية تحليلية"، أحمد محمد بخيت، مجلة الأمن والقانون، دبي، السنة التاسعة العدد الثاني، 1422هـ - 2001م.
  • تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، د. صوفي أبو طالب، دار النهضة، 1428هـ، 2007م.
  • تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد العربية، للدكتور صوفي أبو طالب، دار النهضة، الطبعة الثالثة 1990م.
  • تطبيق الشريعة في مجلس الشعب، عاطف مظهر، تقديم إبراهيم بيومي.
  • تطبيق القوانين الأجنبية في مصر الإسلامية في ضوء فلسفة القانون وتاريخه، أنور حلمي عبد الهادي رسالة دكتوراه بإشراف د. صوفي أبو طالب، القاهرة 2006 رقم (2/339).
  • تقنين الشريعة في مجلس الشعب، د. محمد عمارة، ط الأزهر، 1434هـ.
  • التملك بالشفعة وطبيعته القانونية: دراسة مقارنة في القانون والشريعة: رسالة دكتوراه في القانون، موسى سلمان صالح، رقم (2/049) جامعة القاهرة، كلية الحقوق 1983م.
  • الشريعة الإسلامية والقانون الروماني، د. صوفي أبو طالب، تقديم د. محمد عمارة، ط الأزهر، 3012م.
  • الشفعة علمًا وعملًا: أ.د. نبيل إبراهيم سعد، الإسكندرية، منشأة المعارف، 1997م.
  • صوفي أبو طالب رئيس مصر الأسبق ومشروع تقنين الشريعة الإسلامية، مقال بمجلة العرب (على الشبكة الدولية)، زينب الروبي، 9 ديسمبر، 2017م.
  • مقال بمجلة القانون والاقتصاد، العدد الخاص، 1990م.

 

أولًا: تعريف الحياد

 يُعرف الحياد بأنه: الوضع القانوني لدولة تختار عدم المشاركة في نزاع مسلح قائم بين دول أخرى، مع التزامها بالامتناع عن تقديم أي دعم عسكري أو سياسي أو اقتصادي لأطراف النزاع، وبواجبات محددة نصت عليها اتفاقيات لاهاي لعام 1907، أهمها: عدم السماح باستخدام أراضيها أو مواردها في العمليات الحربية مع احتفاظها -في المقابل- بالحقوق المقررة لها، مثل حرمة إقليمها وعدم التعرض لمصالحها.

 ويُعد الحياد موقفًا قانونيًا وسياسيًا في آن واحد، يُفترض أن الدولة تلتزم بقواعد صارمة لضمان عدم انحيازها لأي طرف.

 

ثانيًا: أسس الحياد في القانون الدولي

تستند قواعد الحياد إلى مجموعة من الأسس القانونية، وأهمها:

  • العرف الدولي:

يُعد العرف الدولي المصدر التاريخي الأساسي لقواعد الحياد، حيث تطورت ممارسات الدول المحايدة خلال الحروب الأوروبية، وقد تم تدوين الكثير من هذه الأعراف لاحقًا في معاهدات.

  • اتفاقيات لاهاي لعام 1907م:

حيث تضمنت الإطار القانوني الرسمي الرئيسي المنظم للحياد في القانون الدولي الحديث.

  • مبدأ السيادة:

للدولة الحق في اختيار موقفها من النزاعات المسلحة، بما في ذلك اتخاذ موقف الحياد، طالما لم تكن طرفًا في معاهدات تحالف أو دفاع مشترك تُلزمها بالمشاركة.

 

ثالثًا: واجبات الدولة المحايدة

  • منع أطراف النزاع من استخدام أراضيها لأغراض عسكرية.
  • منع تجنيد المقاتلين أو إرسال الأسلحة من أراضيها.
  • احتجاز القوات المسلحة لأطراف النزاع التي تلجأ لأراضيها.
  • احترام الحظر البحري المشروع الذي يفرضه أحد أطراف النزاع.
  • عدم السماح بمرور قوافل عسكرية أو أسلحة عبر أراضيها.

 

رابعًا: حقوق الدولة المحايدة

  • حقها في حماية أراضيها ومصالحها من أي اعتداء من أطراف النزاع.
  • حقها في التجارة مع أطراف النزاع، شريطة ألا تكون البضائع من الممنوعات الحربية.
  • حقها في الاحتجاج على أي انتهاك لحيادها.

 

خامسا: أنواع الحياد

  • الحياد الدائم: وهو حياد مُعلن ومُعترف به دوليًا، ويُلزم الدولة بعدم الدخول في أي تحالفات عسكرية.
  • الحياد المؤقت: تتخذه الدولة في نزاع معين دون أن يكون موقفًا دائمًا، مثل حياد بعض الدول في الحرب العالمية الثانية أو في النزاعات الإقليمية.

ومن زاوية أخرى قد يكون الحياد اختياريًا أو إلزاميًا بأن يُفرض عليها بموجب معاهدات أو قرارات دولية.

الحياد في الفقه الإسلامي

الحياد من القضايا التي لم تفرد لها الأدبيات الفقهية مؤلفًا أو بابًا، مما دفع رجال الإحياء التشريعي للم شتاتها من الفروع الفقهية، والتصرفات النبوية، مع تتبع سير الدولة الإسلامية؛  ليقيموا نظرية مكتملة الأركان لهذا المفهوم.

أولًا: مفهوم الحياد في الفقه

مصطلح الحياد: عرَّفه العرب قديمًا بمعنى "الاعتزال"،  وهو يعني: عدم الانضمام لأي من الدول المتنازعة[1].

 

ثانيًا: المستند الشرعي للحياد

رغم أن مصطلح "الحياد" لم يرد في النصوص الشرعية بصيغته القانونية الحديثة، إلا أن الفقه الإسلامي أرسى قواعد شرعية وأحكامًا عملية تُجيز الامتناع عن القتال، أو عقد الهُدَن ومن هذه المستندات:

  • آيات القرآن الكريم: مثل قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ۚ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ (النساء:90). فهذا النص صريح وواضح في أن من يريد الحياد يناله، وهو يتوافق مع المبادئ العامة في الفقه التي تدعو للسلم، ومراعاة المصالح.
  • السنة النبوية: فواقعة صلح الحديبية النموذج العملي للهدنة بدل القتال، فالنبي ﷺ اختار تعليق القتال وعقد الصلح رغم أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا مستعدين للقتال، وهذا يُعد تطبيقًا عمليًا لما يشبه الحياد الاستراتيجي، مستندًا إلى المصلحة العليا.
  • قواعد الفقه الكلية، ومنها:
  • قاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، فإذا كان القتال يؤدي إلى مفاسد أعظم (كإراقة دماء المسلمين، أو تمكين الظالم)، فإن الامتناع عنه -أي الحياد- يكون واجبًا.
  • قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، فلا يجوز أن يُسبب انحياز المسلم لطرف في نزاع ضررًاعلى نفسه أو على غيره، ففي هذه الحالة يكون الحياد موقفًا شرعيًا.
  • قاعدة "المصلحة المرسلة" فيجوز للمسلمين عقد الهُدَن، أو التحالفات، أو الامتناع عن القتال إذا كان فيه مصلحة راجحة، حتى لو لم يرد فيه نص خاص ما دام لا يخالف نصًا أو إجماعًا.

 

ثالثًا: صور الحياد، وأحكامه في الفقه

يختلف حكم الحياد في الفقه الإسلامي حسب الحالة التي يندرج تحتها وفقًا للتوضيح التالي:

أولًا: إذا كانت هناك معركة بين المسلمين وغيرهم، ورفض قوم (أو دولة) المشاركة بين الطرفين، فهنا يجب أن يوافق المسلمون على حياد تلك الدولة. بنص القرآن: ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ (النساء:90).

ثانيًا: أن يكون النزاع بين طافئتين من المؤمنين، ففي هذه الحالة لا يجوز الحياد، بل يجب الإسراع للمصالحة، وجمع الشمل، فإن بغت إحداهما على الأخرى يجب الانضمام إلى الدولة المعتدَى عليهم حتى تتراجع الدولة الباغية وتستجيب للصلح العادل.

ثالثا: أن يكون النزاع بين دولة إسلامية، وغير إسلامية، وهنا لا يجوز الحياد، بل يجب الانضمام للدولة المسلمة نصرة، وتأييدًا.

رابعًا: أن يكون الحياد بين دولتين غير مسلمتين، وهنا يوجد تفصيل:

  • أن تكون إحدى الدولتين ليست علاقتها مع المسلمين علاقة سلم، ولكن سكنت الحرب، فهنا يجب الموادعة، إلا إذا تبين أنها تأخذ هدنة لاستكمال حربها ضدنا.
  • أن يكون بين المسلمين وإحدى المتنازعتين معاهدة نصرة في الحرب، فهنا يُعد الحياد خيانة، ويجب نصرتهم.
  • ألا تكون هناك معاهدة أو حرب مع إحدى الدولتين المتنازعتين، فهنا يجب الحياد.

ويشير أبو زهرة إلى أنه يجب عدم الحياد في هذه الحالة الأخيرة إذا تبين ظلم إحداهما؛ لأن الإسلام جاء لنصرة المظلوم، لكنه خفف من صرامة هذا الحكم حين أوكل حكم هذه الحالة لرؤية الدولة بما يرعى مصالح المسلمين دينًا ودنيا.

 

مقارنة بين نظرية الحياد في  القانون الدولي والفقه الإسلامي

تتشابه نظرية الحياد في الفقه الإسلامي والقانون الدولي في بعض الجوانب، ويختلفان في نقاط جوهرية، فمفهوم الحياد يكاد يكون واحدًا في الفكرين، لكن آليات التطبيق ودوافعه قد تكون متباينة، ويتضح ذلك بصورة جلية في النقاط الآتية:

  • يُبنى الحياد في القانون الدولي على مبدأ السيادة الوطنية، وعدم التدخل كحق للدولة، لكنه يُبنى في الفقه الإسلامي على المصلحة الشرعية، وتحقيق العدل، ودرء الفتنة، ومقاومة البغي، كواجب ديني وأخلاقي، فالحياد في الإسلام ليس موقفًا سلبيًا من الصراع، بل هو موقف إيجابي مشروط بالحكمة والمصلحة وعدم الإضرار.
  • يستند الحياد في القانون الدولي إلى مصادر قانونية وضعية، أهمها: الاتفاقيات الدولية، والعرف الدولي، ومبدأ السيادة، ويُنظر إليه كحق من حقوق الدولة المستقلة في اختيار موقفها من النزاعات. ولا يهتم بالقيم الخُلقية حتى لو كان أحد أطراف النزاع ظالمًا ؛ لأن القانون الدولي لا يتدخل في تقدير "العدل" أو "الظلم" في الحرب، بل ينظم العلاقات بين الدول المتحاربة والمحايدة.

أما في الفقه الإسلامي، فالمرجعية هي الوحي -القرآن والسنة- ثم الاجتهاد الفقهي القائم على مقاصد الشريعة. فلا يُقبل موقف الحياد، أو الامتناع عن القتال إذا كان يؤدي إلى نصرة الباطل، أو إضعاف الحق، أو إراقة دماء المسلمين.

  • في القانون الدولي، يُشترط لإعلان الحياد أن تعلن الدولة موقفها صراحة أو يُعترف به ضمنًا، وأن تلتزم بعدم التحيز، ومنع استخدام أراضيها، وعدم توريد الأسلحة، ومعاملة الأطراف بالمساواة. وإذا خرقت هذه الالتزامات تفقد صفة الحياد، وتتعرض للمساءلة الدولية.

أما في الفقه الإسلامي، فالضوابط أعمق وأعقد. فمثلًا: يجوز عقد الهدنة مع العدو الكافر إذا كان فيها مصلحة للمسلمين، كما في صلح الحديبية، حتى لو كان العدو ظالمًا. ويجوز إعطاء الأمان لفرد أو وفد من العدو، ويحرم خيانته. ويحرم نصرة الباغي أو الظالم، بل يجب على المسلم أن يعتزل الفتنة إن لم يستطع إنصاف المظلوم. ولا يجوز الحياد إذا كان يؤدي إلى إقرار الظلم أو إضعاف شريعة الله.

وهكذا، فإن الحياد في الإسلام مشروط بـنية صالحة ومصلحة راجحة، وعدم الإضرار بالدين.

 

المراجع

  • أحكام المعاهدات في الشريعة الإسلامية، دراسة مقارنة، إسماعيل كاظم العيساوي، مكتبة الرشد، الرياض، 2016م.
  • أحكام القانون الدولي في الشريعة الإسلامية، حامد سلطان، دار النهضة العربية، القاهرة، 1968م.
  • أساليب فض تنازع القوانين ذي الطابع الدولي في الإسلام، عنايت عبد الحميد، دار النهضة، 2017م.
  • انفصال جزء من إقليم الدولة: دراسة فى إطار القانون الدولي والفقه الإسلامي، عبد الرحمن محمد حمود الوجيه، طبعة جامعة القاهرة، 2003م.
  • التحفظ على المعاهدات الدولية، في القانون الدولي العام والشريعة الإسلامية، عبد الغني محمود، دار الاتحاد العربي، بدون سنة نشر.
  • حالات عدم الوفاء المشروع بالتعهدات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، يحيى محمد علي عبد الله، جامعة القاهرة، بدون سنة نشر.
  • حماية المدنيين والأعيان المدنية وقت الحرب، جمعة شحود شباط، ط جامعة القاهرة،2003م.
  • العلاقات الدولية في الإسلام ، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، 2017م.
  • العلاقات الدولية في الإسلام، محمد حميد الله، ترجمة، محمد أحمد سراج، دار نهوض، الكويت، 2022م.
  • العلاقات الدولية في الإسلام، إبراهيم عبد الحميد، ضمن الأعمال الكاملة لطبعة دار الإفتاء، إشراف محمد كمال إمام، وشوقي علام، 2017م.
  • العلاقات الدولية في السنة النبوية، أحمد أبو الوفا، دار النهضة، 2009م .
  • قانون الحرب أو القانون الدولي الإنساني، نعمان عطا الله الهيتي، دار رسلان، 2008م.
  • القانون الدولي الإنساني، دراسة مقارنة بالشريعة عبد الغني محمود، دار النهضة.
  • القانون الدولي العام دراسة تأصيلية، محمـد سعـادي، منشأة المعارف، 2020م.
  • قانون حقوق الإنسان في الفكر الوضعي والشريعة الإسلامية، عبد الواحد محمد الفار، دار النهضة.
  • قواعد السلوك الدبلوماسي في الإسلام، عبد القادر سلامة، دار النهضة العربية، 1999م.
  • المعاهدات الدولية في الشريعة الإسلامية، أحمد ابو الوفا، دار النهضة، 2007م.
  • المنظمات الدولية، في القانون والفكر الإسلامي، صلاح عبد البديع شلبي، دار النهضة العربية، 2010م.

                                                                                                                   

 

 

الدفاع الدولي المشترك

أيلول/سبتمبر 24, 2025

أولاً: التعريف في القانون الدولي

هو: "نظام تعاقدي بين دولتين أو أكثر، يقوم على اتخاذ تدابير عسكرية وسياسية واقتصادية وأمنية لمواجهة أي عدوان على إحداها باعتباره عدوانًا على جميع الأطراف، في إطار مبدأ التضامن الجماعي".

وقد تجسد هذا المفهوم بوضوح في ميثاق الأمم المتحدة (المادة 51 الخاصة بالدفاع الشرعي الفردي والجماعي)، وكذلك في مواثيق المنظمات الإقليمية مثل: حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وجامعة الدول العربية عبر معاهدة الدفاع المشترك.

 

ثانيًا: أسس الدفاع الدولي المشترك

1- الشرعية الدولية:

يجب أن يتم الدفاع المشترك في إطار احترام قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، خاصة فيما يتعلق بحظر استخدام القوة إلا في حالات الدفاع الشرعي.

2- مبدأ التضامن الجماعي:

فالاعتداء على دولة عضو يعتبر اعتداءً على جميع الدول الأطراف، مما يستوجب ردًا جماعيًا منسقًا.

3- التوافق والالتزام التعاهدي:

يقوم الدفاع المشترك على معاهدات أو اتفاقيات رسمية، تُلزم الدول باحترامها وتنفيذها.

4- الأمن الجماعي:

يعتمد على فكرة أن استقرار وأمن كل دولة مرتبط بأمن المجموعة كلها، مما يعزز السلام الإقليمي والدولي.

5-التوزيع المتوازن للأعباء:

أي إنَّ الدول المشاركة تتقاسم التكاليف العسكرية والمالية والسياسية بشكل عادل وفق قدراتها

6-التكامل بين الوسائل:

الدفاع لا يكون عسكريًا فقط، بل يشمل التعاون في المجالات الأمنية، الاستخباراتية، الاقتصادية، والإعلامية لمواجهة الأخطار.

 

ثالثًا: أهداف الدفاع الدولي المشترك

  1. ضمان التأمين ضد أي عدوان.
  2. تقليل احتمالات الحرب من خلال الردع.
  3. التعاون العسكري والسياسي بين الدول.
  4. مواجهة الحروب، ولاسيما الحروب الجديدة، مثل: الإرهاب، الحرب السيبرانية، والصراعات الهجينة.

 

رابعًا: التحديات التي تواجه اتفاقيات الدفاع المشترك

  1. الاختلافات في اتخاذ القرارات.
  2. تباين المحفزات والدوافع والمصالح مع الدول غير المنضمة إلى الحلف.
  3. التباين في الطموح العسكري.
  4. المسائل المتعلقة بالاقتصاد أو الشؤون الداخلية أو الشؤون المالية بين الدول الأعضاء.

 

خامسًا: أبرز اتفاقيات الدفاع العربي المشترك

  1. معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي (1950):

-أُقرت في إطار جامعة الدول العربية في 18 يونيو 1950.

-تنص على أن أي اعتداء مسلح على دولة عربية يُعتبر اعتداءً على جميع الدول الأعضاء، وتلتزم الدول بالرد المشترك.

- تضمنت أيضًا إنشاء مجلس دفاع عربي مشترك للتنسيق العسكري.

  1. اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر وسوريا (1955م):

- عُقدت لمواجهة النفوذ الغربي والإسرائيلي في المنطقة.

- نصت على التعاون العسكري وتبادل الدعم في حال تعرض أي طرف لعدوان.

  1. اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والأردن (1957م):

- هدفت إلى مواجهة التهديدات الإسرائيلية بعد العدوان الثلاثي (1956م).

- تضمنت التزامات بالتنسيق العسكري وتبادل المساعدة الدفاعية.

  1. اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والعراق والأردن (1958م) – (ضمن إطار الاتحاد العربي بعد وحدة مصر وسوريا في الجمهورية العربية المتحدة):

-أكدت التعاون العسكري والسياسي لمواجهة التحديات الأمنية.

  1. اتفاقية الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي (1984م):

- عُرفت بإنشاء قوة "درع الجزيرة" كقوة دفاع مشترك.

- تنص على أن أي اعتداء على دولة عضو يعتبر اعتداءً على بقية الدول الأعضاء.

  1. اتفاقية الدفاع المشترك بين المملكة العربية السعودية وباكستان (2025م):

- تأتي في إطار "سعي البلدين لتعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم".

- كما تهدف إلى "تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء".

- نصت الاتفاقية على أن "أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما"، كما نصت على التنسيق في مواجهة التهديدات المشتركة: خصوصًا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، والتطرف، وأي تهديدات لأمن الخليج أو شبه القارة الهندية.

 

الدفاع المشترك في الفقه الإسلامي

أولا: تعريف اتفاقيات الدفاع المشترك في الفقه الإسلامي وسندها:

هي عهود أو مواثيق تُبرم بين المسلمين أنفسهم، أو بينهم وبين غيرهم من الدول والجماعات، غايتها التناصر والتعاون العسكري ضد أي اعتداء خارجي، وفق ضوابط الشرع. وهي ترتكز على نصوص أصيلة منها:

  • قوله تعالى:{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [سورة الأنفال: جزء من الآية رقم 72].

2- قوله ﷺ: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" (رواه البخاري ومسلم).

3- إجماع الفقهاء، فإذا اعتُدي على بلد من بلاد المسلمين وجب على بقية المسلمين نصرته (فرض كفاية يتحول إلى فرض عين عند الحاجة).

4-كما تندرج تحت مبادئ فقهية عميقة كمبدأ التكافل الدفاعي الذي يجمع الأمة الإسلامية في مواجهة العدوان.

5- وثيقة المدينة المنورة التي نصّت على أن "المؤمنين يد على من سواهم".

 

ثانيًا: صور اتفاقيات الدفاع المشترك في الإسلام

1-اتفاقيات الدفاع المشترك بين الدول الإسلامية:

وهو الأصل في هذه الاتفاقيات، وأصل العلاقة بين المسلمين حتى بدون اتفاق.

2-اتفاقات الدفاع المشترك مع غير المسلمين:

والأصل فيها التأقيت، والاحتكام للمصلحة؛ فهي جائزة مثلا إذا كان الهدف دفع العدوان المشترك، ولها أمثلة منها:

معاهدة النبي ﷺ مع خزاعة ضد قريش، وكذلك صلح الحديبية وما تلاه.

 

ثالثًا: الضوابط العامة لاتفاقيات الدفاع المشترك في الإسلام:

  • أن يكون الهدف رد العدوان المشروع لا العدوان والظلم.
  • ألا يترتب عليها تنازل عن ثوابت الدين أو استقلال المسلمين.
  • أن تكون القيادة للمسلمين أو في إطار يضمن عدم ذوبان الهوية.
  • الالتزام بالعهود والمواثيق لقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} (سورة الإسراء، جزء من الآية رقم 34).

 

مقارنة بين مفهوم الدفاع المشترك في الفقه والقانون

1- الدفاع المشترك واجب شرعي في الإسلام على الأمة، يتجاوز حدود الدولة القُطرية، ولا يحتاج حسب أصول الإسلام إلى اتفاقيات، وإن كانت جائزة، وغير ممنوعة، بخلاف القانون الدولي، فالأصل أن كل دولة تدافع عن نفسها، ولا يحدث التناصر إلا باتفاق مشروط.

2-وضع الفقه الإسلام مجموعة من القواعد التي تضمن أن يكون الدفاع المشترك موجها في الاتجاه الصحيح، كرد العدوان ونصرة المظلوم، أما القانون الدولي، فقد يتخذ قرارات بناء على مصالح اقتصادية أو سياسية لا تراعي البعد الإنساني، ولا تحترم العدالة .

3-طبيعة الالتزام في الفقه الإسلامي هو التزام ديني وأخلاقي، أما القانون الدولي فهو التزام قانوني وسياسي قابل للتفاوض.

 

المراجع:

  1. آلية الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي في ضوء التحديات الراهنة، محمد حسن أحمد جاد. مجلة مصر المعاصرة، المجلد 110، العدد 533 - الرقم التسلسلي 4، أكتوبر 2019م.
  2. التجربة والخطأ في استراتيجية الدفاع العربي المشترك، جميل الجبوري. مجلة "شؤون عربية" التابعة لجامعة الدول العربية. العدد 21، نوفمبر 1982م.
  3. تاريخ الوحدة العربية بين زمنين، د أحمد يوسف أحمد، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، فبراير، 2018م.
  4. نحو استراتيجية سياسية واقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي تجاه العراق في مرحلة ما بعد الحرب د. عبد العزيز بن صقر مركز خليج للأبحاث، 1 يناير، 2004م.
  5. دور حلف شمال الاطلسي بعد الحرب الباردة، نزار الحيالي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2003م.
  6. الأمن الجماعي في جامعة الدول العربية، أحمد علي سالم، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016م.
  7. آثار الحرب في الفقه الإسلامي، وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق. 1998م.
  8. أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام، عبد الكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، 1982م.
  9. في النظام السياسي للدولة الإسلامية، محمد سليم العوا، دار الشروق، 2006م.
  10. العلاقات الدولية في الإسلام، محمد حميد الله، ترجمة: محمد أحمد سراج، مركز نهوض، بيروت- لبنان، 2022م.

 

يواجه الواقع التشريعي والقانوني في عالمنا العربي والإسلامي إشكالية التباين بين المرجعية الشرعية الإسلامية الأصيلة، التي شكّلت عبر قرون أساس النهضة المدنية ومصدرًا للعدالة والاستقرار، وبين القوانين الوضعية الوافدة التي فُرضت في عصور الاستدمار وما بعدها. وقد برزت في هذا السياق محاولات للتأصيل الشرعي لهذه القوانين، عبر ردّها إلى الشريعة الإسلامية وإلى الفقه الآخذ عنها ما أمكن، وكشف ما يصادم منها هذه المرجعية، وهو اتجاه جدير بالاهتمام والتطوير. ومن هنا يقدّم موقع "حوارات الشريعة والقانون" دليلًا بيبليوغرافيًا لأهم المؤلفات التي سلكت هذا المنهج؛ ليكون أداة علمية نافعة للباحثين ورجال القانون، مع تحديثه المستمر بما يستجد من دراسات في هذا الحقل.

 

وقد رأينا أن نقسم المكتبة التأصيلية على النهج المعاصر، بحسب فروع القانون المختلفة، وذلك على النحو الآتي:

أولًا: كتب ودراسات التأصيل الشرعي لأحكام القانون المدني.

ثانيًا:  كتب ودراسات التأصيل الشرعي في فلسفة القانون وتاريخه.

ثالثًا: كتب ودراسات التأصيل الشرعي لأحكام القانون الجنائي.

رابعًا:  كتب ودراسات التأصيل الشرعي لأحكام القانون الدولي.

خامسًا: كتب ودراسات التأصيل الشرعي لأحكام القانون الدستوري.

سادسًا: كتب ودراسات التأصيل الشرعي لأحكام القانون الإداري.

 سابعًا: كتب ودراسات التأصيل الشرعي لأحكام القوانين التجارية و(المصرفية).

ثامنًا: كتب ودراسات التأصيل الشرعي لأحكام قانون المرافعات.

تاسعًا: كتب ودراسات التأصيل الشرعي لأحكام قانون الإجراءات الجنائية.

عاشرًا: كتب ودراسات التأصيل الشرعي لأحكام التشريعات الاجتماعية وقانون العمل.

حادي عشر: كتب ودراسات التأصيل الشرعي لأحكام الأحوال الشخصية.

 

 

 

أولًا: كتب ودراسات التأصيل الشرعي لأحكام القانون المدني

(الجزء الأول)

  1. الإثراء بلا سبب كمصدر للالتزام بين النظرية والتطبيق في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، محمد علي عتمان الفقي، رسالة دكتوراه بجامعة القاهرة.
  2. الإثراء بلا سبب كمصدر للالتزام بين النظرية والتطبيق في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، محمد علي عثمان الفقي، رسالة دكتوراه بكلية الحقوق، جامعة القاهرة، سنة 1979م، رقم (1/164).
  3. الإثراء على حساب الغير بلا سبب في الشريعة الإسلامية- دراسة مقارنة بالقانون، عايش رجب مجيد، رسالة للحصول على درجة دكتوراه في القانون، رقم (1/044).
  4. أحكام الالتزام: شرح أحكام القانون المدني العراقي مقارنًا بالفقه الإسلامي والقوانين المدنية ومشروع القانون المدني العربي الموحد في ضوء أحكام القضاء، ويشتمل على: الآثار - الأوصاف - الانتقال - الانقضاء، عصمت عبد المجيد بكر، أربيل، جامعة جيهان الخاصة، ط1، 2012م.
  5. أحكام المعاملات المالية في المذهب الحنبلي، محمد زكي عبد البر، دار التراث، ط2، 1418هـ، 1998م.
  6. أحكام المعاملات المالية في المذهب الحنفي- عرض منهجي، محمد زكي عبد البر، مكتبة التراث 1997م.
  7. الإرادة المنفردة كمصدر للالتزام بين النظرية والتطبيق، دراسة مقارنة بين القانون الوضعي والفقه الإسلامي، لاشين محمد يونس، ط1، 1968م، مكتبة طنطا.
  8. الاشتراط لمصلحة الغير في الشريعة الإسلامية والقانون- دراسة مقارنة، انتصار ميلاد مصباح، رسالة ماجستير، سنة 2009، جامعة التحدي، كلية القانون، ليبيا.
  9. الاشتراط لمصلحة الغير في الفقه الإسلامي والقانون المقارن، عباس حسني محمد، 1977م، دكتوراه، قسم القانون المدني.
  10. الاشتراط لمصلحة الغير- دراسة مقارنة، محمد عارف قاسم الشناق، القاهرة، 1993م، (كلية الحقوق) قسم الشريعة.
  11. الأصل والوصف في الفقه الحنفي، محمد زكي عبد البر، مجلة القانون والاقتصاد، العدد السابع والستون، 1997م.
  12. الالتزامات في الشرع الإسلامي، أحمد إبراهيم بك، وواصل علاء الدين، المكتبة الأزهرية والجزيرة، ط1، 2013م.
  13. انتقال الحق في التعويض عن الضرر الجسدي، د. أحمد شرف الدين، حقوق عين شمس. رقم 213122، عام 1982م.
  14. البطلان الجزئي للعقود والتصرفات القانونية، محمد حسن عواد الرجوب، ماجستير.
  15. نظرية البطلان في الشريعة الإسلامية والقانون المدني، محمد أمين إبراهيم حسن، 1984م.
  16. تأثير مجلة الأحكام العدلية في التقنينات العربية- دراسة تطبيقية على عقد التحكيم، فاطمة محمد سليم العوا، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، 1999م.
  17. التعبير عن الإرادة في الفقه الإسلامي- دراسة مقارنة بالفقه الغربي، لوحيد الدين سوار، مكتبة النهضة.
  18. التعليق على نصوص القانون المدني بمذاهب الفقه وأحكام القضاء الحديثة في مصر والأقطار العربية، أنور العمروسي، دار المطبوعات العربية.
  19. التعويض عن الضرر الأدبي دراسة تطبيقية في الفقه الإسلامي والقانون، أسامة السيد عبد السميع، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية.
  20. التعويض عن الضرر الأدبي في المسئولية المدنية: دراسة مقارنة، طلال حسين علي الجبوري، جامعة القاهرة، كلية الحقوق، رسالة ماجستير، رقم 2/513.
  21. التعويض عن الضرر الأدبي- دراسة تطبيقية في الفقه الإسلامي والقانون، أسامة السيد عبد السميع، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة 2007م.
  22. التعويض عن الضرر المعنوي في المسؤولية التقصيرية وفق أحكام القانون المدني الأردني- دراسة مقارنة، بشار فريح سليمان، رسالة ماجستير، رقم (2/460) بكلية الحقوق.
  23. تقنين الفقه الإسلامي (المبدأ والمنهج)، د. محمد زكى عبد البر، إدارة إحياء التراث الإسلامي، ط1، 1403هـ - 1983م.
  24. التملك بالشفعة وطبيعته القانونية دراسة مقارنة في القانون والشريعة: رسالة دكتوراه في القانون، موسى سلمان صالح، رقم 2/049، جامعة القاهرة، كلية الحقوق 1983م.
  25. توحيد تقنينات الأزهر للشريعة الإسلامية، د. عبد الناصر توفيق العطار، المكتبة الأزهرية.
  26. توحيد مصطلحات الشهر العقاري في البلاد العربية، جامعة الدول العربية، 1977م.
  27. جهود مجلس الشعب المصري في تقنين الفقه الإسلامي، د. عبد العزيز فتحي، مجلة اتحاد الجامعات العربية للدراسات والبحوث القانونية، العدد الحادي والعشرون، 1997م.
  28. الحجر على المدين حماية لحق الغرماء، حسن عبد ه أحمد السراجي، رسالة دكتوراه، حقوق القاهرة، رقم 381.
  29. الحجر على المدين لحق الغرماء في الفقه الإسلامي والقانون المقارن، د أحمد على الخطيب، ط دار التأليف، 1996م.
  30. حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن، فتحي الدريني، مؤسسة الرسالة، ط2، 1402ه/ 1981م.
  31. الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، ونظرية التعسف في استعمال الحق، بين الشريعة والقانون، د. فتحي الدريني، ط1، جامعة دمشق، 1976م.
  32. حقوق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن، مؤسسة الرسالة، ط2، 1981م.
  33. دراسة موجزة عن مجلة الأحكام العدلية، د. شامل الشاهين، دار غار حراء، دمشق، ط1، 2004م.
  34. درر الحكام شرح مجلة الأحكام، علي حيدر باشا، تعريب المحامي فهمي الحسيني، دار عالم الكتب 2003م.
  35. الدين والعين في الفقه الإسلامي والحق الشخصي والحق العيني في الفقه الغربي، د. محمد زكي عبد البر، مجلة القانون والاقتصاد، جامعة القاهرة.
  36. سبب الالتزام وشرعيته في الفقه الإسلامي، دراسة مقارنة، جمال الدين محمد محمود، وكيل أو نيابة النقض الجنائي، رسالة دكتوراه، كلية حقوق القاهرة، رقم (21/1) عام 1968م.
  37. الشريعة الإسلامية تاريخها ونظرية الملكية والعقود، بدران أبو العينين بدران، مؤسسة شباب الجامعة.
  38. الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتقنين، المستشار عبد الحليم الجندي، مجلة إدارة قضايا الحكومة، العدد الأول يناير 1966م.
  39. الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي في البلاد العربية، للدكتور صوفي أبو طالب، مجلة القانون والاقتصاد، العدد الخامس.
  40. الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، للدكتور صوفي أبو طالب، مجلة اتحاد الجامعات العربية، عام 1995م.
  41. الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية في القضاء والاقتصاد والاجتماع، أحمد أبو الفتوح باشا.
  42. الشفعة علمًا وعملًا: د. نبيل إبراهيم سعد، الإسكندرية، منشأة المعارف، 1997م.
  43. ضمان العدوان في الفقه الإسلامي، دراسة فقهية مقارنة بأحكام المسئولية التقصيرية في القانون، د. محمد أحمد سراج، دار الثقافة العربية، ط 1990م.
  44. الضمان في الفقه الإسلامي، للشيخ علي الخفيف، دار الفكر العربي، 2000م.
  45. ضوابط العقود دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي وموازنة بالقانون الوضعي وفقهه، د. عبد الحميد محمود البعلي، دار وهبة.
  46. العقد الموقوف في الفقه الإسلامي والقانون المدني العراقي وما يقابله من التقنين المدني المصري، محمد زكي عبد البر، مجلة القانون والاقتصاد، العدد الأول، السنة الخامسة والعشرون، مارس ويونيه 1955م.
  47. الفعل الضار والضمان فيه، مصطفى الزرقا، دار القلم، دمشق.
  48. القانون المدني في ثوبه الإسلامي: مصادر الالتزام: شرح مفصل لأحكام التقنينات العربية المستمدة من الفقه الغربي والمستمدة من الفقه الإسلامي وتطبيقاتها القضائية، مصطفى محمد الجمال، ط1، 1996م.
  49. القانون المدني مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المصري، ط دار الكتاب العربي.
  50. قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، برئاسة د. صوفي أبو طالب، دار ابن رجب والفوائد، ط1، 2013م.
  51. القيود التعاقدية على الحرية الفردية للعمل في القضاء الإنجليزي، د. عبد الرزاق السنهوري، ترجمة كمال جاد الله، مراجعة سمير تناغو، مركز نهوض، ط1، 2020م، بيروت – لبنان.
  52. كتاب المعاملات في الشريعة الإسلامية والقوانين المصرية، للشيخ أحمد أبو الفتوح، ط البوسفور، 1913م.
  53. المدخل الفقهي العام، مصطفى أحمد الزرقا، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية، 142هـ/2004م.
  54. مصادر الالتزام: العقد والإرادة المنفردة والعمل النافع والعمل الضار والقانون كمصدر للالتزام في القانون المدني المصري مع أحدث أحكام القضاء والإشارة إلى بعض أحكام الفقه الإسلامي، عبد الناصر توفيق العطار، دار النهضة، 1999م.
  55. مصادر الحق في الفقه الإسلامي، دراسة مقارنة بالفقه الغربي، عبد الرزاق السنهوري، معهد الدراسات العربية، 1956م.
  56. المقارنات التشريعية بين القوانين المدنية الوضعية ومذهب مالك، السيد عبد الله حسين، دار السلام، 1421ه - 2001م، دار السلام، تحقيق د محمد أحمد سراج، ود. علي جمعة.
  57. المقارنات التشريعية، تطبيق القانون المدني والجنائي على مذهب الإمام مالك، محمد حسنين محمد مخلوف، ط1، 1420هـ، 1999م، دار السلام، تحقيق، د محمد أحمد سراج، ود علي جمعة.
  58. نظرية الاستحقاق في الفقه الإسلامي والقانون المدني، محمد أحمد الكزني، مكتبة النهضة.
  59. نظرية الاستغلال، توفيق حسن فرج، رسالة دكتوراه جامعة القاهرة، رقم 346. 21111، عام 1957م.
  60. نظرية الالتزام في الشريعة الإسلامية والتشريعات العربية، د. عبد الناصر توفيق العطار، مطبعة السعادة.
  61. نظرية الالتزام، أحمد سلامة، دار النهضة بالقاهرة.
  62. نظرية الالتزام، مصطفى إبراهيم الزلمي، العراق، ط1، 2014م.
  63. نظرية الشروط المقترنة بالعقد، في الشريعة والقانون لزكي الدين شعبان، دار النهضة، ط1، 1968م
  64. النظرية العامة للالتزام دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقوانين المدنية الوضعية، منذر فضل، ط2، عمان، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1992م.
  65. النظرية العامة للالتزام في الشريعة الإسلامية، د. شفيق شحاتة، مطبعة الاعتماد، بدون تاريخ.
  66. النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني الأردني: دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقوانين المدنية الوضعية ج 1. مصادر الالتزام، ويشتمل على: العقد - الإرادة المنفردة - المسؤولية التقصيرية - الإثراء بلا سبب، منذر الفضل، ط2، عمان، مكتبة دار الثقافة، 1992م.
  67. النظرية العامة للفسخ في الفقه الإسلامي والقانون المدني، دراسة مقارنة، د. حسن على الزنون، نهضة مصر.
  68. النظرية العامة للموجبات والعقود في الشريعة الإسلامية، د. صبحي المحمصاني، مطبعة الكشاف – بيروت، 1948م.
  69. نظرية العقد الموقوف في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة بالقانون المدني، د. عبد الرازق فرج حسن، دار النهضة، 1969م.
  70. نظرية العقد في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، عبد المنعم فرج الصدة، دار النهضة العربية، القاهرة.
  71. نظرية العقد في الفقه الإسلامي، دراسة مقارنة مع الفقه القانوني والقوانين المعاصرة، د. عصمت عبد المجيد بكر.
  72. نظرية العقد مقارنة بين القوانين العربية والشريعة الإسلامية، محيي الدين إسماعيل، بدون تاريخ.
  73. نظرية العقد والإرادة المنفردة، دراسة معمقة ومقارنة بالفقه الإسلامي، د. عبد الفتاح عبد الباقي، 1984م.
  74. نظرية العقد والتعسف في استعمال الحق من وجهة الفقه الإسلامي، د. محمد أحمد سراج، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية.
  75. نظرية تحمل التبعة في الفقه الإسلامي، د. محمد زكي عبد البر، دار التراث.
  76. النيابة في التصرفات القانونية طبيعتها وأحكامها، جمال مرسي بدر، دار النهضة، ط2، 1968م.
  77. الأحكام المتعلقة بالمعاق ذهنيًا بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، أحمد عبد الحميد البسيوني،   الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة، 2008.     
  78. إبرام عقد البيع عبر الإنترنت: دراسة مقارنة بين القوانين الوضعية والفقه الإسلامي، مجد الدين محمد إسماعيل السوسوة، ط 1، مكتبة كلية الحقوق بجامعة القاهرة، د . م . ن د . ن، 2010.
  79. إجازة التصرفات: دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي والقانون المدني اليمني والمصري، محمد بن محمد بن محمد بن اسماعيل الغشم، رسالة للحصول على درجة الدكتوراه في القانون- جامعة القاهرة؛ كلية الحقوق 1995م.
  80. أحكام العلم بالمبيع وتطبيقاته في ضوء تقدم وسائل التكنولوجيا المعاصرة: دراسة مقارنة بين القانون المدني والفقه الإسلامي- ممدوح محمد على مبروك، رسالة للحصول على درجة الدكتوراه في القانون جامعة القاهرة؛ كلية الحقوق
  81. استحالة تنفيذ الالتزام وأثارها- دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون المدني، محمد على عثمان الفقي، القاهرة، دار النهضة العربية، 1995.
  82. الإثبات بالشهادة في الفقه الإسلامي- دراسة فقهية قانونية مقارنة، ابراهيم عبد الرحمن إبراهيم، رسالة للحصول على درجة الدكتوراه في القانون، جامعة القاهرة، كلية الحقوق، 1989.
  83. الإرادة المنفردة كمصدر للالتزام بين النظرية والتطبيق- دراسة مقارنة بين القانون الوضعي والفقه الإسلامي، لاشين محمد يونس الغياتي، ط 1، طنطا، مكتبة جامعة طنطا، 1986م.
  84. الإكراه المفسد للرضا في المعاملات المدني الإماراتي- دراسة مقارنة بالقانون المدني المصري والفقه الإسلامي، عمر مؤمن، القاهرة، دار النهضة العربية، 1997.
  85. الإكراه وأثره في العقود: دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون المدني، جمال الدين طه العاقل، مكتبة كلية الحقوق – القاهرة، د . م . ن د . ن، 1986م.
  86. الالتزام بالإفضاء بالصفة الخطرة للشيء المبيع- دراسة مقارنة بين القانون المدني (المصري والفرنسي) والفقه الإسلامي، حمدي أحمد سعد، القاهرة، المكتب الفني للإصدارات القانونية، 1999.
  87. الالتزام بصيانة الشيء المبيع- دراسة مقارنة بين القانون المدني (المصري والفرنسي) والفقه الإسلامي، ممدوح محمد على مبروك، القاهرة، دار النهضة العربية، 2003.
  88. الالتصاق كسبب من أسباب كسب الملكية في الفقه الإسلامي والقانون المدني، جمال خليل النشار، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة، 2001.
  89. التعاقد بالوسائل المستحدثة في الفقه الإسلامي، محمد سعيد محمد الرملاوي، الإسكندرية، دار الفكر الجامعي، 2007.
  90. التعويض الاتفاقي عن عدم تنفيذ الالتزام او التأخر فيه: دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، حسنى محمد جاد الرب، الإسكندرية، دار الفكر الجامعي، 2006.
  91. التعويض عن الضرر الأدبي- دراسة تطبيقية في الفقه الإسلامي والقانون، أسامة السيد عبد السميع، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة، 2007.
  92. التعويض عن ضرر النفس في المسؤولية التقصيرية في القانون الوضعي والفقه الإسلامي، رسالة للحصول على درجة الدكتوراه في القانون، سعيد سعد عبد السلام، جامعة القاهرة، كلية الحقوق. بدون تاريخ.
  93. الحق المالي للمؤلف في الفقه الإسلامي والقانون المصري، عبد السميع عبد الوهاب ابو الخير، القاهرة مكتبة وهبة،
  94. الحق في الحبس في الفقه الإسلامي والقانون المدني- دراسة مقارنة، عبد السميع عبد الوهاب ابو الخير القاهرة، دار النهضة العربية، 1994.
  95. الحق في الحبس كوسيلة للضمان- دراسة مقارنة بين القانون المدني والفقه الإسلامي، رأفت محمد أحمد حماد، القاهرة دار النهضة العربية، 1990.
  96. إجازة العقد القابل للإبطال- دراسة مقارنة بين القانون المدني والفقه الإسلامي، رسالة للحصول على درجة الدكتوراه في القانون حمدي المغاروي محمد عرفه، جامعة القاهرة؛ كلية الحقوق، 2008.
  97. أسس الاثبات المدني طبقا للقانون المصري والقطري، دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي، محمود عبد الرحيم الديب، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة، 2004.
  98. أثار الظروف الطارئة والقوة القاهرة على الأعمال القانونية: بحث علمي على ضوء الفقه وقضاء النقض، عبد الحكم فوده، الإسكندرية،  منشاة المعارف، 1999.
  99. الحقوق المجاورة لحق المؤلف- دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، حسن حسين البراوي، ط 1، القاهرة، دار النهضة العربية، 2005.
  100. الحماية المقررة لحقوق المؤلفين الأدبية في الفقه الإسلامي مقارنا بالقانون- دراسة مقارنة، عبد الله مبروك النجار، ط 1 ، القاهرة، دار النهضة العربية، 1990.
  101. الحيازة في القانونين اليمنى والمصري وآثارها وحمايتها- دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي، على محمد أحمد اليناعي، رسالة للحصول على درجة الدكتوراه في القانون، جامعة القاهرة، كلية الحقوق، 1995.
  102. --أحكام ضمان العارية- دراسة مقارنة- مع الاهتمام بالبحث المتعمق في الفقه الإسلامي، محمد محى الدين ابراهيم سليم، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، د . م . ن د . ن، 1996.
  103. أحكام مطالبة المدينين المتضامنين بالدين في القانون المدني- دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي، إسماعيل عبد النبي شاهين، ط 1، الكويت- دار ابن قتيبة، 1988.
  104. الاستحالة وأثرها على الالتزام العقدي: دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي والقانون المدني- عبد الوهاب علي بن سعد الرومي، رسالة للحصول على درجة الدكتوراه في القانون، جامعة القاهرة، كلية الحقوق، 1994.

 

 

أقامت الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع حلقة نقاشية بعنوان: "الاعتراف ليس دائمًا سيد الأدلة"، حاضر فيها المستشار بهاء المُري، رئيس محكمة الجنايات بالمنصورة، وذلك يوم الخميس الماضي الموافق 18/9/2025م. وقد كان لموقع حوارات الشريعة والقانون حضور فعال في هذه الحلقة.

 

ما الذي استهدفته الحلقة؟

استهدفت الحلقة النقاشية مناقشة أحد أبرز القضايا المطروحة على الساحة التشريعية والقضائية في المجال الجنائي، والمتمثلة في القاعدة الراسخة التي تعتبر الاعتراف "سيد الأدلة"، بحيث يغلق بمجرده الباب أمام القاضي لمواصلة التحقيق والتقصي.

وخلال مداخلته، أوضح المستشار بهاء المري أن هذه القاعدة لم تعد ملائمة في صورتها التقليدية، وأنها تستوجب إعادة نظر وتعديل؛ لأن الاعتراف قد لا يعكس الحقيقة دائمًا، إذ قد يصدر بدافع المحاباة لشخص آخر، أو بدافع الشفقة والرحمة، أو طمعًا في منفعة ما، أو حتى تحت وطأة الضغوط والإكراه.

 

أمثلة واقعية توضح المخاطر

وضرب المستشار أمثلة على ذلك، أبرزها واقعة اعترفت فيها امرأة بأنها أغرقت طفلها في الماء. لكن القاضي، الذي لم يجد في هذا الاعتراف ما يطمئن إليه قلبه، قرر الاستمرار في التحقيق. ومع المزيد من المناقشة، أقرت الأم في النهاية بأن طفلها مات غريقًا دون أي تدخل منها أو من غيرها، وأن اعترافها الأول كان بدافع الشفقة على وليدها، حتى لا تتعرض جثته للتشويه أثناء فحص الطب الشرعي.

هذا المثال –كما أشار المستشار– يعكس خطورة الاكتفاء بالاعتراف كدليل قاطع، ويدعو إلى مراجعة القاعدة التقليدية بما يضمن تعزيز دور القاضي في البحث والتحقيق، وصولًا إلى الحقيقة التي تبرئ البريء وتدين المذنب دون لبس أو ظلم.

 

مقترح التشريعي

طرح مركز العضو المنتدب خلال الحلقة النقاشية مقترحًا – كان قد تقدّم به أحد المشاركين – وحظي باستحسان المنصة. وجوهره أن الشخص الذي يعترف على نفسه كذبًا، ثم تكشف التحقيقات عدم صحة اعترافه، لا ينبغي أن يُترك بلا عقوبة، بل يجب أن يُحاسب رادعًا. فالاعتراف الكاذب يضلل العدالة، ويتستر على الجاني الحقيقي، ويشجع غيره على تكرار الفعل، بينما التمييز يبقى قائمًا لمن يعترف تحت التهديد أو الإكراه، فذلك له وضع مختلف.

المقترح شبّه الاعتراف الكاذب بالبلاغ الكاذب؛ فإذا كان الأخير جريمة لأنه يرهق السلطات، فإن الأول أشد خطرًا لأنه يربك العدالة ويضلل القضاء.

من جانبه، علّق القاضي بهاء المري على المقترح قائلًا إن القانون لا يتضمن نصًا صريحًا يعاقب مثل هذه الحالات، لكنه وصف الطرح بأنه "مقترح جدير بالاهتمام ويستحق أن يؤخذ بعين الاعتبار". وقد فتح هذا التصريح باب التساؤلات حول ما إذا كانت المرحلة المقبلة ستشهد تحركات فعلية لترجمة الفكرة إلى نصوص تشريعية تُغلق ثغرة قانونية طالما أثارت الجدل.

 

موقف الشريعة الإسلامية:

تشير الشريعة الإسلامية إلى أن الاعتراف يعد من أقوى الأدلة وأوضحها في إثبات الحقوق أو الجرائم، لكونه إقرارًا صريحًا من المتهم على نفسه. ومع ذلك، فإن صحة الاعتراف واعتباره حجة شرعية يشترط أن يكون صادرًا عن إرادة حرة وواعية، خاليًا من أي إكراه أو ضغط مادي أو معنوي، وأن يكون مطابقًا للواقع وواضحًا من أي غموض.

ويؤكد الفقه الإسلامي على أن الاعتراف يجب أن يُقارن دائمًا مع الأدلة المادية الأخرى، خاصة في القضايا الجنائية، لضمان صدقه. كما يشدد على شروط صدور الاعتراف عن شخص بالغ وعاقل، ووضوحه ودقته، بحيث يمنح القاضي حرية التقدير في قبول الاعتراف كدليل، مع مراعاة منع البطلان إذا ثبت أي ضغط أو نقص في الفهم.

 

ثغرة قد تستوجب التعديل التشريعي

وبذلك تكون الحلقة النقاشية قد سلطت الضوء على تحدٍ قانوني مهم: كيف يمكن للمحاكم التعامل مع الاعترافات الكاذبة دون المساس بحقوق الأفراد أو تعطيل مسار العدالة. وما بين المقترحات التشريعية وردود القضاة، يَبْرُز سؤالًا جوهريًا: هل ستتخذ السلطات خطوات عملية لترجمة هذه الأفكار إلى نصوص قانونية واضحة، تغلق ثغرات طالما أثارت الجدل؟ يبدو أن الشارع القانوني على موعد قريب مع نقاشات قد تُفضي إلى تعديل جذري في مفهوم "سيد الأدلة"، لتصبح العدالة أكثر صرامة وحيادية في آن واحد.

أصدرت الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية (IAGS) في مطلع سبتمبر 2025 قرارًا رسميًا يقضي بأن سياسات وإجراءات إسرائيل في قطاع غزة «تتوافق مع التعريف القانوني للإبادة الجماعية» الوارد في المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948. وقد جاء القرار عقب تصويت أعضاء الجمعية، ووصفت رئيستها هذه الخطوة بأنها «بيان حاسم من خبراء المجال» يربط بشكل صريح بين عدد من السياسات والعمليات العسكرية الجارية على الأرض وبين المقوّمات القانونية للجريمة المعروفة بـ "الإبادة الجماعية".

يدعو القرار، المؤلف من ثلاث صفحات، إسرائيل إلى «الوقف الفوري لجميع الأعمال التي تشكّل إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة». وتشمل هذه الأعمال: «الهجمات المتعمّدة على المدنيين وقتلهم، بما في ذلك الأطفال، والتجويع، ومنع دخول المساعدات الإنسانية والمياه والوقود وغيرها من المواد الأساسية لبقاء السكان، فضلًا عن العنف الجنسي والإنجابي، والتهجير القسري».

كما يوضّح القرار السلوكيات والأفعال التي اعتبرتها الجمعية متوافقة مع عناصر المادة الثانية، ومنها: قتل أفراد من الجماعة، إلحاق أذى جسيم أو اضطراب نفسي بهم، فرض ظروف معيشية تؤدي إلى الإبادة الجزئية أو الكاملة (بما في ذلك التجويع وحرمان المساعدات الأساسية)، اتخاذ إجراءات لمنع الولادات أو تعريض النساء للعنف الجنسي المرتبط بالتناسل، وأخيرًا التهجير القسري ونقل السكان. وقد أشار القرار بوضوح إلى ممارسات بعينها مثل: «قتل المدنيين بمن فيهم الأطفال»، و«التجويع والحرمان من المساعدات الإنسانية والمياه والوقود»، و«العنف الجنسي والاعتداءات على الخصوبة»، و«الترحيل القسري» باعتبارها عناصر تؤكد هذا التوصيف.

وتندرج هذه الأفعال ضمن الأركان الخمسة المكوِّنة لجريمة الإبادة الجماعية وفق اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، التي تعرّفها بأنها: «أي فعل من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية».

وتشمل الأفعال الخمسة المحددة في الاتفاقية:

أولًا: قتل أعضاء من الجماعة، ويتضمن هذا التعريف القتل المباشر لأفراد المجموعة المستهدفة بناءً على انتمائهم القومي أو العرقي أو الديني.

ثانيًا: إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأعضاء الجماعة، ويشمل هذا التعريف الإصابات الجسدية الخطيرة والصدمات النفسية والعقلية التي تُلحق بأفراد المجموعة المستهدفة.

ثالثًا: إخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا، ويركز هذا التعريف على خلق ظروف حياتية قاسية ومدمرة بهدف القضاء على المجموعة.

رابعًا: فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، ويتعلق هذا التعريف بمنع التناسل والإنجاب داخل المجموعة المستهدفة.

خامسًا: نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى، ويشير هذا التعريف إلى النقل القسري للأطفال من مجموعتهم الأصلية إلى مجموعات أخرى.

 

الأدلة والوقائع الميدانية:

الحجج العملية والإحصائية التي استندت إليها الجمعية تضمنت الإشارة إلى حجم الخسائر البشرية، والدمار واسع النطاق في البنية التحتية، ونتائج مراقبة الجوع وغياب الإغاثة في أجزاء من القطاع. وهي عناصر وثقتها تقارير إعلامية ووكالات إنسانية عند تفسيرها لظروف المعيشة والقدرة على البقاء في غزة. وربطت الجمعية بين هذا السياق وتوافر القصد (intent) الجزئي أو الكلي لاستهداف مجموعة قومية/وطنية، وهو عنصر محوري في تعريف الإبادة الجماعية بموجب اتفاقية 1948.

وفي معرض تطبيق التعريفات على الحالة الفلسطينية، أوضحت إميلي سامبل، عضوة المجلس التنفيذي للجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، أن ما تقوم به إسرائيل في غزة «يتماشى مع جميع المعايير المندرجة تحت تعريف الإبادة الجماعية»، مضيفة أن «الجمعية لا تركز على أحدها فقط». ويعني هذا التقييم أن الأفعال الإسرائيلية تندرج ضمن جميع الفئات الخمس المنصوص عليها في الاتفاقية.

كما شددت سامبل على أن «الفارق الجوهري في مفهوم الإبادة الجماعية هو النية الكامنة وراء استهداف مجموعة معينة»، مؤكدة أن «هذا ما يتحقق فيما نشهده، وهو يتجاوز بكثير ما يمكن أن يُعزى إلى الحرب أو الدفاع عن النفس». وهو ما يؤكد أن الأفعال المرتكبة تتخطى نطاق الأعمال العسكرية المشروعة، وتنطوي على نية مبيتة لاستهداف الشعب الفلسطيني.

أما الأدلة والوقائع الميدانية، فإن التقييم العلمي للجمعية يستند إلى ما وثقته مؤسسات مستقلة. ووفقًا للدكتور تيموثي ويليامز، نائب رئيس الجمعية، فإن الوضع في غزة «يستوفي بوضوح المعايير القانونية الدولية لتعريف الإبادة الجماعية». وتشمل الأدلة: مقتل أكثر من 59,000 شخص، وإصابة ما يزيد على 143 ألفًا جسديًا أو نفسيًا، والتدمير شبه الكامل للبنية التحتية بما في ذلك النظام الصحي والأراضي الزراعية والمستودعات، وتضرر نحو 90% من المباني السكنية. وهذه المعطيات تشير، بحسب ويليامز، إلى «نية واضحة لجعل الحياة مستحيلة في قطاع غزة".

ويبرز في هذا السياق استخدام التجويع كأداة للإبادة؛ إذ يركّز التقرير بشكل خاص على هذه الوسيلة. فقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة ارتفاع حصيلة ضحايا «التجويع والحصار الإسرائيلي» إلى 348 شخصًا، بينهم 127 طفلًا، مع «وفاة 9 أشخاص بسبب سوء التغذية خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية». ويُعدّ هذا الواقع تطبيقًا مباشرًا للتعريف الثالث للإبادة الجماعية المتعلق بإخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشية مدمرة.

 

آلية اتخاذ القرار وردود الفعل:

من الناحية الشرعية ومنهجية العمل الجمعي داخل IAGS، أشار تقرير الجمعية إلى أن القرار حاز موافقة 86% من المصوّتين، من بين عضوية تقارب 500 عضو، وذلك مع مستوى محدّد من المشاركة في التصويت. وقد استُخدمت هذه النسبة المرتفعة بين المشاركين كدليل على اتفاق خبراء الحقل على هذا التقييم، رغم أن نسبة الإقبال على التصويت نفسها كانت محدودة نسبيًا قياسًا بإجمالي العضوية، وهو ما لفتت إليه بعض التقارير الصحفية عند تغطية تفاصيل عملية التصويت.

أما على المستوى السياسي، فقد ردّت إسرائيل برفض قاطع لوصف الأحداث بـ«الإبادة»، معتبرة البيان مسيّسًا ومبنيًّا على معلومات مغلوطة، في حين لا تزال هناك إجراءات قضائية دولية جارية (منها قضايا أمام محاكم دولية) تتعلق بتقديم تقييمات قانونية مستقلة لمزاعم الإبادة وجرائم الحرب.

 

أهمية القرار:

يحمل قرار الجمعية أثرين رئيسيين:

الأول، بُعد علمي وأكاديمي يُضاف إلى سلسلة مواقف صادرة عن منظمات حقوقية وضغوط دولية بشأن ما يجري في غزة؛

والثاني، أثر قانوني وسياسي محتمل، إذ يمكن أن تُستَخدم تصريحات خبراء الإبادة الجماعية لدعم مطالب دبلوماسية وقضائية، أو لمناشدات ترمي إلى منع تصدير الأسلحة ووقف أعمال يُعتقد أنها ما تزال تضرّ بالمدنيين.

وفي نص قراراتها، طالبت الجمعية إسرائيل بوقف جميع الأفعال التي تُشكّل إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية، كما شدّدت على مسؤولية الدول الموقّعة على اتفاقية الإبادة الجماعية في التدخّل لمنع ارتكاب هذه الجرائم أو المساعدة في وقفها.

 

السياق القانوني الدولي:

يأتي هذا التقييم في إطار قانوني دولي أوسع، إذ تواجه إسرائيل حاليًا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. وكانت جنوب أفريقيا قد رفعت في ديسمبر 2023 دعوى ضد إسرائيل متهمةً إياها بارتكاب إبادة جماعية في غزة. وفي يناير 2024، أصدرت المحكمة أمرًا احترازيًا حثّت فيه إسرائيل على اتخاذ جميع التدابير الممكنة «لتفادي وقوع إبادة في عملياتها العسكرية بغزة، بما في ذلك توفير مساعدات إنسانية كافية لتجنب المجاعة».

ومن المهم عند قراءة هذا القرار التمييز بين التقييم الأكاديمي/المنهجي الذي يصدر عن خبراء الإبادة الجماعية، وبين مرحلة الإثبات القضائي أمام محكمة دولية مختصة. فالتقييم الأكاديمي يقدّم قراءة مبنية على مؤشرات تاريخية وقانونية وسلوكية، لكنه لا يُعدّ حكمًا قضائيًا نهائيًا. أما الفصل القانوني بشأن ثبوت جريمة الإبادة أو تحديد مسؤولية أشخاص بعينهم، فهو من اختصاص المحاكم المخوّلة التي تطبّق قواعد الإثبات والإجراءات القضائية.

مع ذلك، أضاف قرار الجمعية وزنًا معنويًا ودلاليًا كبيرًا إلى النقاش الدولي حول الوضع الإنساني في غزة وسبل الاستجابة العاجلة.

 

التأثير الأكاديمي والسياسي:

أشار سيرغي فاسيلييف، أستاذ القانون الدولي في الجامعة المفتوحة بهولندا، إلى أن القرار يعكس أنّ «هذا التقييم القانوني بات سائدًا في الأوساط الأكاديمية، ولا سيما في مجال دراسات الإبادة الجماعية». ويُعد هذا الإجماع الأكاديمي ذا أهمية بالغة في تشكيل الرأي العام الدولي وممارسة الضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف أكثر حزمًا.

كما أكد الدكتور تيموثي ويليامز أن قرارات الجمعية يمكن أن تُستخدم كغطاء علمي وأساس أخلاقي من قبل البرلمانيين والأكاديميين والسياسيين الساعين إلى تحدي مواقف حكوماتهم، ولا سيما تلك التي تواصل دعم إسرائيل رغم تزايد التقارير الحقوقية.

 

المصادر:

  1. Stephanie van den Berg, Israel is committing genocide in Gaza, scholars' association says, Reuters, September 2, 2025, https://reut.rs/4mPENqS
  2. قرار بالإجماع من “الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية” بشأن غزة.. وحماس تعلق، الجزيرة مباشر، 1 أغسطس 2025، https://bit.ly/45PZigY
  3. جمعية علماء الإبادة: "إسرائيل" تنفذ جميع أشكال الإبادة الجماعية بغزة.. والاحتلال يرد، عربي 21، 2 سبتمبر 2025، https://bit.ly/4gcYsyy
  4. الدبابات الإسرائيلية تتوغل في غزة... وعلماء دوليون يؤكدون حصول «إبادة جماعية»، الشرق الأوسط، 1 سبتمبر 2025، https://bit.ly/4m3fnou
  5. أكبر جمعية دولية معنية بأبحاث الإبادة: إسرائيل استوفت المعايير القانونية لارتكاب إبادة جماعية في غزة، بي بي سي، 1 سبتمبر 2025، https://bbc.in/4ncx9Xb
  6. هذا ما قالته عضوة جمعية علماء "الإبادة الجماعية" لـCNN حول أفعال إسرائيل بغزة، سي إن إن العربية، 2 سبتمبر 2025، https://cnn.it/4gaVVVt

يُعتبر مشروع تقنين الشريعة الإسلامية الذي أعدته لجنة تقنين الشريعة الإسلامية بمجلس الشعب المصري واحدًا من أهم المحاولات المؤسسية في العصر الحديث لتحويل أحكام الفقه الإسلامي إلى مواد مقننة. بدأ هذا المشروع في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وتحديدًا في يوم 4 نوفمبر 1978، حين أعلن الدكتور صوفي أبو طالب[1] -في بيانه بعد انتخابه رئيسًا لمجلس الشعب مباشرة- أنه: "قد آن الأوان لإعمال نص المادة الثانية من الدستور التي تقضي بأن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، بحيث لا يقتصر الأمر على عدم إصدار تشريعات مخالفة لهذا النص، بل يتعداه إلى مراجعة كل قوانيننا السابقة على تاريخ العمل بالدستور وتعديلها بالاعتماد على الشريعة الغراء".

وفي 17 ديسمبر 1978، وافق مجلس الشعب على قرار تشكيل لجنة خاصة تتولى دراسة جميع الاقتراحات بمشروعات قوانين تطبيق الشريعة الإسلامية. عُقد أول اجتماع للجنة في 20 ديسمبر 1978 برئاسة الدكتور صوفي أبو طالب. ضمت اللجنة صفوة من علماء الشريعة والقانون من الأزهر والجامعات المصرية والقضاء ورجال الدين المسيحي لضمان قبول التشريع من فئات المجتمع المختلفة.

وقد بدأت اللجنة، تيسيرًا للعمل ورغبة في الإسراع في إنجاز مهمتها، بتشكيل سبع لجان فرعية، هي لجان التقاضي، والقوانين الاجتماعية، والمعاملات المالية والاقتصادية، والقانون المدني، والعقوبات، والتجارة، والتجارة البحرية. وقررت اللجنة الخاصة عرض ما تنجزه اللجان أولا بأول على الأزهر الشريف وأساتذة كلية الحقوق، فبعثت إليها بهذه الأعمال لإبداء الرأي في شأنها، وقد روجعت بعض المشروعات المقترحة في ضوء ما انتهى إليه من رأي أو اقتراحات من تلك اللجان.

استمرت اللجان في عملها ما يقارب الأربع سنوات إلى أن عقد مجلس الشعب في أول يوليو 1982م جلسة تاريخية بمعنى الكلمة، أعلن فيها إنجاز تلك المشروعات، واستهلها رئيس المجلس أ. د. صوفي أبو طالب -رحمه الله- بأن ألقى بيانًا مهمًّا حول الملامح الأساسية للمشروعات التي تم إنجازها على مدى أربع سنوات، مع الإشارة إلى الجهود الكبيرة التي بذلت في هذا الشأن مع الإشارة إلى متطلبات المرحلة المقبلة كي يتم إعداد المجتمع لتطبيق تلك القوانين بعد إصدارها، ثم طلب من رؤساء اللجان عرض الملامح الرئيسية لكل مشروع على حدة، ثم فتح الباب لبقية الأعضاء للحديث حول هذا الإنجاز، فتكلم بعضهم وأشادوا به إشادة كبيرة.

ومما جاء في بيان رئيس المجلس:

"وأهم الملامح الأساسية للتقنينات الجديدة تظهر فيما يأتي:

1) إن هذه التقنينات مأخوذة من الشريعة الإسلامية نصًّا أو مخرجة على حكم شرعي أو أصل من أصولها، وذلك دون التقيد بمذهب فقهي معين، ومن هنا استنبطت الأحكام من آراء الفقهاء التي تتفق وظروف المجتمع. ولست في حاجة إلى أن أذكر لحضراتكم أن الأحكام الشرعية تنقسم الى قسمين:

النوع الأول: أحكام قطعيةُ الثبوت والدلالة ولا مجال للاجتهاد فيها.

النوع الثاني: أحكام اجتهادية؛ إما لأنها ظنية الثبوت، وإما لكونها ظنية الدلالة، ومن المسلَّم بالنسبة للأحكام الاجتهادية أنها تتغير بتغيير الزمان والمكان، الأمر الذي أدى إلى تعدد المذاهب الإسلامية بل والآراء داخل المذهب الواحد وهو ما أعطى للفقه الإسلامي مرونة وحيوية أمكن معها القول بأن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان.

2) حرصت اللجان الفنية التي تولّت إعداد هذه التشريعات على بيان الأصل الشرعي لكل نص من النصوص أو الأصل أو المبدأ الذي خرجت الحكم عليه حتى يكون الرجوع في التفسير والتأويل إلى مراجع الفقه الإسلامي بدلًا من الالتجاء دائما إلى الفقه الأجنبي.

3) أما بالنسبة للعلاقات الاجتماعية والمعاملات المالية الجديدة التي استحدثت ولم يتطرق لها فقهاء الشريعة اجتهدت اللجان في استنباط الأحكام التي تتفق وظروف المجتمع وروح العصر بشرط مطابقتها لروح الشريعة الإسلامية وأصولها، ومن أمثلة ذلك معاملات البنوك والتأمينات وطرق استثمار المال... إلخ.

4) إنه في سبيل الحفاظ على التراث الفقهي المصري ومبادئ القضاء التي استقرت طوال القرن الماضي فقد حرصت اللجان على الأخذ بالمصطلحات القانونية المألوفة ولم تخرج عليها في الصياغة إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك، أما المضمون والمعاني فهما مطابقان للفقه الإسلامي.

والتشريعات التي تم إنجازها هي:

1) مشروع قانون المعاملات المدنية ويقع في (1136 مادة).

2) مشروع قانون الإثبات ويقع في (181 مادة)، ومشروع قانون التقاضي ويقع في (513 مادة).

3) مشروع قانون العقوبات: القسم العام والحدود والتعزيرات ويقع في (630 مادة).

4) مشروع قانون التجارة البحرية ويقع في (443 مادة).

5) مشروع قانون التجارة ويقع في (772 مادة)".

وقد انتهت الجلسة بموافقة أعضاء مجلس الشعب بالإجماع على إحالة مقترحات مشروعات القوانين جميعها إلى اللجنة الدستورية والتشريعية تمهيدًا لاستكمال إجراءات إصدارها، إلا أن هذه المشروعات لم تصدر، بل جرى تجاهلها وكأنها لم تكن!

 

الأسباب وراء توقف المشروع:

رغم الإنجاز الكبير والموافقة البرلمانية، توقف المشروع عن التطبيق لأسباب متعددة أوضحها الدكتور صوفي أبو طالب في لقاءاته اللاحقة:

  1. التغيير السياسي: أو "الظروف السياسية" (كما عبر عنها الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب لاحقًا)، والتي كان أبرزها اغتيال الرئيس السادات في أكتوبر 1981، حيث أدى ذلك إلى تغيير في التوجهات السياسية، فقد ترددت القيادة السياسية الجديدة، أو بالأحرى لم ترغب في إتمام إجراءات إصدار مشروعات القوانين.
  2. الثورة الإيرانية (1979)تهديدات إيران بتصدير الثورة خلق مخاوف من أن تطبيق الشريعة قد يحول مصر إلى إمارة إسلامية على النمط الإيراني.
  3. التجربة السودانية: تطبيق جعفر النميري للشريعة في السودان بطريقة متطرفة خلق أجواء من الحذر والخوف من مفهوم تطبيق الشريعة بشكل عام.

 

التأثير والاستفادة:

يُمثل مشروع قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة الذي أعدته لجنة تقنين الشريعة الإسلامية بمجلس الشعب المصري تحت قيادة الدكتور صوفي أبو طالب وبمشاركة علماء أجلاء، مثل الإمام الأكبر جاد الحق علي جاد الحق (شيخ الأزهر)، إنجازًا علميًا وفقهيًا متميزًا يشهد على إمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية في العصر الحديث. رغم توقف تطبيق هذا المشروع لأسباب سياسية وإقليمية، فإنه يبقى مرجعًا مهمًا للباحثين والمهتمين بتقنين الشريعة، ونموذجًا يُحتذى به في الجمع بين الأصالة الإسلامية والمعاصرة القانونية. يُعتبر هذا المشروع من أهم جهود تقنين الشريعة الإسلامية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين. يصنفه الباحثون مع مجلة الأحكام العدلية العثمانية ومجموعة محمد قدري باشا كأحد أبرز المحاولات التاريخية لتقنين الفقه الإسلامي. إن هذا المشروع، الذي استغرق إعداده حوالي أربع سنوات وأنتج أكثر من 3000 مادة قانونية موثقة ومدروسة، يُعتبر شاهدًا على "لحظة صدق للدولة المصرية مع نفسها ونزعتها الأصيلة كي تتطابق مع إرادة مجتمعها وتتصالح مع أصل أصول هويتها". ويبقى الأمل قائمًا في أن تأتي "أقرب فرصة: لتشهد تطبيق هذا الإرث العلمي الثمين الذي يجمع بين حكمة الشريعة الإسلامية ومتطلبات العصر الحديث".

وقد استفادت دول عربية وإسلامية أخرى من هذا العمل المصري. على سبيل المثال، أكد الدكتور خالد المذكور رئيس اللجنة العليا لاستكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على استفادة اللجنة من تلك المشاريع حيث ذكر ما يأتي: "استفدنا كثيرًا من التجربة المصرية هذه لما كانت تتمتع به من ثراء وتنوع".

 

تقييم التجربة:

ذكر د. حازم علي ماهر في كتابه "تطبيق الشريعة الإسلامية والنصوص الدستورية" العديد من الدلالات الإيجابية وغير الإيجابية لتك التجربة، وننقل عنه بعض ما أورده بشأن تلك الدلالات:

من الدلالات الإيجابية:

"1) إن الطابع الاحتفالي الذي شهدته المناقشات وترحيب جميع من تحدث من فيها بإنجاز مشروعات التقنين المستمدة من الشريعة الإسلامية، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، ينتمون إلى الحكومة أو إلى المعارضة... إلخ، هو أمر مهم يعطي مؤشرًا على مدى إجماع نواب مجلس الشعب -في تلك الجلسة- على استكمال قوانين الشريعة الإسلامية، وتفعيل المادة الثانية من الدستور، بغض النظر عن حقيقة بواعث هذا الإجماع.

2) إن تشكيل اللجان كان جامعًا لرجال الفقه الإسلامي والقانون الوضعي وهو أمر يدحض الطبيعة الصراعية بين المجالين، ويوضح أن المسافات بينهما ليست بعيدة كثيرًا كما يتصور البعض، وهو أمر ثبت من قبل كثيرًا؛ فإنه كلما ابتعدت الموانع والخلافات السياسية وعمل الفقهاء من الجانبين معًا في صمت لاستعادة مصدرية الشريعة للنظام القانوني كانت النتيجة مبهرة وناجحة.

3) من الملاحظ أن تكوين اللجان التي وضعت مشروعات التقنين لم يكن قائمًا على أساس سياسي أو أيديولوجي، بل كان فنيًّا يعتمد على كفاءة الأعضاء وخبراتهم من الناحية العلمية وإلى حد ما العملية، ويظهر ذلك بالاطلاع على أسماء المشاركين في تلك اللجان والتي سلف ذكرها من قبل، وهذا أفضل من الناحيتين العلمية والسياسية باعتبار أن العمل لن يكون منسوبًا لجهة ما أو جماعة سياسية معينة، بل منسوبًا للأمة ككل، وهو أمر يصب في إعادة الاعتبار للجانب الثقافي في قضية تطبيق الشريعة الإسلامية على حساب الجانب السياسي الذي تضخم كثيرًا وكان معيقًا للتطبيق أكثر منه ممهدًا له ومعاونًا.

4) من الواضح أن القائمين على أمر تلك المشروعات كانوا مدركين تمامًا لفكرة أن تطبيق الشريعة الإسلامية لا تنحصر فقط في استبدال مواد مطابقة للشريعة بأخرى مخالفة لها، بل إن الأهم من ذلك هو أن تكون مرجعية التشريع (أو مصدريته) هي للشريعة الإسلامية، ويظهر ذلك -على سبيل المثال- مما جاء في بيان السيد رئيس مجلس الشعب من أن اللجان الفنية التي تولت إعداد هذه التشريعات حرصت على بيان الأصل الشرعي لكل نص من النصوص أو الأصل أو المبدأ الذي خرجت الحكم عليه حتى يكون الرجوع في التفسير والتأويل إلى مراجع الفقه الإسلامي بدلا من الالتجاء دائمًا إلى الفقه الأجنبي.

5) إن اللجان اعتمدت التفرقة بالنسبة للشريعة الإسلامية، بين نصوصها قطعية الثبوت والدلالة التي أقرت بأنها لا مجال للاجتهاد فيها واعتبرتها من النظام العام الذي لا يجوز الخروج عليه، وأحكامها الاجتهادية ظنية الثبوت أو الدلالة أو الاثنين معًا... وفي هذا إدراك جيد لطبيعة أحكام الشريعة الإسلامية التي تشتمل على أحكام قطعية لا يجوز الخروج عليها بأي حال من الأحوال، وتلك الأحكام الاجتهادية التي تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال وفق ضوابط الاجتهاد وبما يحقق مصالح العباد التي لا تتعارض مع ثوابت الشرع، غير أن هناك تحفظًا مهمًّا في قصْرها أحكام الشريعة القطعية على النصوص قطعية الورود والدلالة سنورده تفصيلًا عند نقد موقف المحكمة الدستورية العليا التي تبنت الرأي نفسه واستقرت عليه في أحكامها.

6) إن اللجان راعت كذلك الحفاظ على التراثين: الفقهي والقانوني، ومبادئ القضاء التي استقرت منذ إقصاء الشريعة الإسلامية عن التطبيق في نهايات القرن التاسع عشر، وراعت كذلك ألا تقوم بإلغاء تلك القوانين جملة واحدة كما كان يطالب البعض، بل حرصت فقط على تنقيتها مما يخالف الشريعة الإسلامية، وردها إلى الأصول الشرعية بالقدر المتاح، وهو اختيار موفق يمنع من اهتزاز النظام القانوني المستقر في الدولة منذ أكثر من قرن من الزمان.

7) إن اللجان لم تقتصر فقط على عملية "أسلمة" القوانين -بالمعنى الضيق المنغلق- بل إنها سعت إلى هدف آخر يتمثل في إصلاح ما أثبته الواقع العملي من قصور في بعض نصوصها، حتى إن رئيس لجنة المعاملات المدنية -على سبيل المثال- ذكر أن اللجنة قد أخذت في الاعتبار بصفة عامة عند وضع نصوص المشروع "كل ما أبداه الفقه من ملاحظات على النصوص الحالية، وكل ما كشف عنه التطبيق العملي من نقص أو قصور في هذه النصوص، بحيث يعتبر هذا العمل في حد ذاته تنقيحًا للتقنين الحالي"، وهو أمر يؤكد مدى الاستيعاب لمفهوم الأسلمة نفسه، من حيث إنه يهدف إلى تحقيق مصالح الناس التي أقرها الشرع أو على الأقل لم يعارضها، وهو ما يتحقق بتطوير التشريعات التي يخضعون لها بما يراعي المستجدات في تعاملاتهم، وكذلك سد النقص في القوانين الذي كشف عنه تطبيقها في الواقع العملي.

8) إن اللجان الفنية قد برهنت على إدراكها لأهمية تضييق الفجوة بين القانون والأخلاق، وظهر ذلك من كلمة رئيس لجنة المعاملات المدنية كذلك حين أكد أن مشروع القانون رفع "العديد من الواجبات الخلقية الدينية إلى مستوى الواجبات القانونية، وذلك حرصًا على التضييق من مسافة الخلف بين القانون والأخلاق"، وهو أمر مهم يدل على وعي أعضاء تلك اللجان بالاختلاف بين خصائص الشريعة الإسلامية وخصائص القانون الوضعي، شرط عدم التوسع في الإلزام بالقواعد الخلقية عن طريق سلطة الدولة وتقنيناتها، حتى لا يكون عبئًا على حريات المواطنين وخياراتهم، مما قد يجعلهم يضيقون بتلك القواعد، وقد تؤدي إلى عكس مقصودها، بأن تشيع صفات سلبية بين الناس، كالنفاق، والرياء، وغيرهما، والأولى تركها للمجتمع، أو ما يسمى بآلية الضبط الاجتماعي.

9) إن فكرة الاستفادة من الفكر القانوني الإنساني المتقدم، والأخذ منه ما يتناسب مع مجتمعاتنا بما لا يخالف مبادئ شريعتنا، لم تكن غائبة كذلك عن اللجان التي وضعت تلك المشروعات، بل على العكس من ذلك، فإنهم تحدثوا صراحة عن ترحيبهم بذلك ومراعاته في مشروعات القوانين التي أنجزوها، ومنهم رئيس لجنة المعاملات المدنية كذلك، الذي قال في كلمته: "وروعي في ذلك [أي في عملية التقنين التي قامت بها اللجنة] ما خضع له علم القانون من تطور وما أصابه من تقدم، وذلك في ضوء تطور المجتمع الإسلامي وتقدم الفكر الإنساني"، وما أكده كذلك كل من رئيس لجنة قانون التجارة البحرية، ورئيس لجنة القانون التجاري من مواكبة أحدث الاتجاهات في مجال التشريعات التجارية، مع مراعاة المعاهدات والاتفاقات الدولية التي انضمت إليها مصر".

 

ومن الدلالات غير الإيجابية بحسب د. حازم:

  • تشكيل اللجان اقتصر -في أغلبه- على المختصين بالقانون والشريعة دون غيرهم من أهل الخبرة والاختصاص.
  • التقنينات المنتقاة خلت من القوانين المتعلقة بنظام الحكم وحماية حقوق الإنسان وحرياته.
  • المناقشات والتقنينات وقعت في الخلط بين مصطلح الفقه الإسلامي ومفهوم الشريعة الإسلامية.
  • لم تحدد التقنينات معيارًا لتحديد المخالفات الشرعية ومنهج التعامل معها.

 

ويجدر التنويه في الختام إلى أن النسخة المتداولة بين أيدينا هي طبعة صادرة سنة 2013م عن دار ابن رجب بالمنصورة ودار الفوائد بالقاهرة، بتقديم الشيخ وحيد عبد السلام بالي[2]. غير أنّ هذه الطبعة لا تشمل جميع مشروعات التقنين، إذ خلت من ملف مشروع قانون التجارة البحرية ومذكرته الإيضاحية، وقد قمنا بالحصول على نصوص هذا المشروع ومذكرته الإيضاحية وأتحناهما للتحميل على الشبكة لأول مرة -حصريًا- رفق الأجزاء الخمسة المطبوعة المحتوية على بقية المشروعات.

إن نشر كافة هذه المشروعات والتعريف بها يُعدّ استكمالًا لجهودنا الرامية إلى إبراز المحاولات المهمة التي جرت لتفعيل العلاقة بين الشريعة والقانون من منظور علمي وثقافي بعيدًا -إلى حد كبير- عن أي تحيزات أو إملاءات أو أيديولوجيات سياسية.

 

الجلسات التمهيدية

1) مشروع قانون المعاملات المدنية.

2) مشروع قانون الإثبات، ومشروع قانون التقاضي.

3) مشروع قانون العقوبات: القسم العام والحدود والتعزيرات.

4) مشروع قانون التجارة البحرية.

5) مشروع قانون التجارة.


____

المصادر:

  1. صوفي أبوطالب لـ «البيان»: ثورة إيران وتجربة السودان ساعدتنا بتأجيل تطبيق الشريعة، البيان، 1 يونيو 2002، https://www.albayan.ae/one-world/2002-06-02-1.1314366
  2. محمد شافعي مفتاح، تقنين الأحكام الفقهية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين: دراسة لثلاثة نماذج، دار المنظومة، https://search.mandumah.com/Record/1310238
  3. إبراهيم البيومي، ثورة 1919: جدليات الشريعة والهوية والاستقلال والحرية، إضاءات، 17 مارس 2019، https://www.ida2at.com/revolution-1919-arguments-sharia-identity-independence-freedom/
  4. حازم علي ماهر، تطبيق الشريعة الإسلامية والنصوص الدستورية، دار النهضة العربية- القاهرة، ودار النهضة العلمية- الإمارات، عام 2018م.
  5. إسلام هلال، تقنين الشريعة الإسلامية بين الجهد العلمي والسلطة السياسية، سبل، 5 أكتوبر 2022، https://subulmagazine.com/?p=1325
  6. أسرار التجربة المصرية في تقنين وتطبيق الشريعة الإسلامية، الوطن الكويتية، 12 سبتمبر 2013، https://alwatan.kuwait.tt/articledetails.aspx?id=303844&yearquarter=20133
  7. جمال الدين عطية، تاريخ تقنين الشريعة الإسلامية، المسلم المعاصر، https://2u.pw/5YKb5.

 

[1] أ. د. صوفي حسن أبو طالب (27 يناير 1925 – 21 فبراير 2008) أستاذ قانون ومؤرخ قانون مصري من مركز طامية بمحافظة الفيوم؛ تخرج من كلية الحقوق بجامعة القاهرة وحصل على دراسات عليا من جامعات باريس وروما، وتدرّج أكاديميًا حتى شغل مناصب قيادية في جامعة القاهرة ثم انتقل إلى العمل البرلماني فانتُخب رئيسًا لمجلس الشعب (أواخر 1978–أواخر 1983)، وتولّى رئاسة الجمهورية مؤقتًا بعد اغتيال الرئيس محمد أنور السادات في الفترة 6–14 أكتوبر 1981؛ عرف عنه الجمع بين السيرة الأكاديمية والحياة العامة وتلقى عدة تكريمات وطنية ودولية قبل أن يتوفى عام 2008.

[2] لجنة تقنين الشريعة الإسلامية، مشروعات تقنين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، تحقيق وتقديم: وحيد عبد السلام بالي، دار ابن رجب بالمنصورة، ودار الفوائد بالقاهرة، 2013م.

أعلنت الأمم المتحدة رسميًا وقوع مجاعة في قطاع غزة، ووصفت الوضع القائم بأنّه «كارثة من صنع الإنسان»، محذِّرة من أنّ ما يقارب نصف مليون شخص يواجهون خطر الجوع الكارثي. ويكتسب هذا الإعلان أبعادًا قانونية وإنسانية وسياسية بالغة الأهمية؛ إذ يُذكّر صراحةً بالقاعدة المستقرة في القانون الدولي الإنساني التي تحظر استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب، وتُلزم قوة الاحتلال بضمان توفير الإمدادات الأساسية والضرورية لسكان الأراضي المحتلة. وبذلك، فإن الإعلان لا يقتصر على كونه توصيفًا لحالة إنسانية حرجة، بل يُمثل كذلك مؤشرًا قانونيًا ومعياريًا يمكن أن يشكّل منطلقًا لتفعيل آليات المساءلة الدولية وإعادة توجيه الاهتمام السياسي والحقوقي نحو حماية المدنيين وإنقاذ حياتهم.

الوقائع والسياق:

يشير الإعلان الأممي عن المجاعة في قطاع غزة إلى وجود نقص حاد في الغذاء والمواد الأساسية، بما يهدّد بصورة مباشرة حياة المدنيين، مع تقديرات تفيد بأن ما يقارب نصف مليون شخص معرّضون لمرحلة جوع كارثي. وفي هذا الإطار، صرّح الأمين العام للأمم المتحدة واصفًا الوضع القائم بأنّه «كارثة من صنع الإنسان»، في إشارة واضحة إلى الطابع غير الطبيعي للأزمة وإلى مسؤولية بشرية في تفاقمها.

ومن منظور القانون الدولي، يرى عدد من الخبراء أنّ هذا الإعلان لا يقتصر على كونه توصيفًا لحالة إنسانية بالغة الخطورة، بل يرقى إلى مرتبة تُحوّل الأزمة من مجرد مأساة إنسانية إلى توصيف ذي آثار قانونية، يمكن أن يُفضي إلى مساءلة جنائية دولية. كما يُعدّ الإعلان مدخلًا لإطلاق إجراءات سياسية ودبلوماسية ضد الجهة أو الجهات المتورطة في عرقلة وصول المساعدات الإنسانية، بما يضع أساسًا لإعمال قواعد القانون الدولي الإنساني وآلياته ذات الصلة بالمساءلة.

 

الإطار القانوني ذي الصلة

 

أ. مبادئ القانون الدولي الإنساني (IHL)

حظر التجويع كسلاح حرب: ينص القانون الدولي الإنساني على تحريم استخدام التجويع ضد السكان المدنيين أو عرقلة وصول الإمدادات الأساسية (البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف 1977، المادة 54). كما أكدت اتفاقية جنيف الرابعة على أن تدمير المواد الضرورية لبقاء المدنيين أو منعها عنهم يشكل انتهاكًا جسيمًا (اتفاقية جنيف الرابعة 1949، المادة 33 وما بعدها).

التزامات القوة القائمة بالاحتلال: تفرض اتفاقية جنيف الرابعة على القوة المحتلة التزامًا بضمان توفير الغذاء والدواء للسكان، وتأمين مرور المساعدات الإنسانية دون عوائق (اتفاقية جنيف الرابعة 1949، المواد 55–59). والإخلال بهذه الالتزامات يُعد انتهاكًا جسيمًا يمكن أن يرقى إلى جريمة حرب.

 

ب. القانون الجنائي الدولي (نظام روما الأساسي)

جرائم الحرب: نص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن "استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك عرقلة الإمدادات" يُعد جريمة حرب (نظام روما الأساسي 1998، المادة 8(2)(ب)(xxv)). ويُرتب ذلك مسؤولية جنائية مباشرة على القادة السياسيين والعسكريين متى ثبت توافر القصد أو الإهمال الجسيم.

 

ج. مبادئ مسؤولية الدول وحماية المجتمع الدولي

مسؤولية الحماية (R2P): اعتمد مؤتمر القمة العالمي للأمم المتحدة عام 2005 مبدأ "مسؤولية الحماية" الذي يوجب على المجتمع الدولي التدخل (بالوسائل السلمية أولًا، ثم بوسائل أخرى إذا فشلت) عندما تفشل الدولة أو السلطة القائمة بالاحتلال في حماية السكان من الجرائم الفظيعة مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية (وثيقة نتائج القمة العالمية 2005، الفقرة 138–139).

 

البُعد التقني لتعريف «المجاعة» ودلالته القانونية:

تَصدُر اعتبارات إعلان المجاعة عن مؤشرات فنية موحَّدة (مثل تصنيفات IPC والبيانات التغذوية ومعدلات الوفيات المرتبطة بسوء التغذية) التي تعتمدها وكالات الأمم المتحدة المتخصّصة. وعندما تُعلِن جهات أممية أن مؤشرات معيَّنة قد بلغت حدود المجاعة، تصبح تلك الوثائق دليلًا فنيًا مُعتَمدًا يُستخدم في تقييم مستوى الخطر الإنساني، كما تُعدّ مؤشرًا مرجعيًا أمام آليات المساءلة. ومن ثَمّ، فإن الأثر القانوني للإعلان لا يقتصر على مجرد وصف إعلامي، بل يمتد ليشكّل وثيقة تقنية مُؤسِّسة لمعايير تقدير الضرر ولبيان الامتناع عن توفير الإغاثة.

وتكمن قيمة الإعلان كأداة لتيسير المساءلة في أن توثيق الأمم المتحدة لحالة مجاعة يكتسب حجية إثباتية ويوفّر قاعدة مرجعية راسخة للتحقيقات، إذ تعتمد الجهات القضائية والتحقيقية على البيانات الميدانية والمقاييس التغذوية والتقارير المؤسسية لتحديد نطاق النتائج وربطها بالسياسات والإجراءات. وفي هذا السياق، تُنشئ المعلومة الأممية قرينة قانونية تقلّل من مساحة الجدل حول ثبوت النتيجة الكارثية، وتتيح للمحققين تركيز جهدهم على تحديد العلاقة السببية بين النتيجة وبين السياسات أو الإجراءات المسؤولة عنها.

أمّا عن مسارات المساءلة المتوفِّرة ضمن النظام الدولي، فتُشير مصادر أممية إلى أنّها قد تسلك مسارات متوازية:
(أ) تحقيقات جنائية أمام آليات مختصّة عند توفّر الاختصاص والأدلّة (وقد تفضي في بعض الحالات إلى ملاحقات جنائية دولية)،
(ب) دعاوى ومسارات للمسؤوليّة الدولية أمام محاكم أو محافل دولية لمعالجة خروقات الالتزامات المعاهدية،
(ج) آليات أممية مستقلّة للتحقيق والتوثيق تُهيّئ ملفات قابلة للاستخدام لاحقًا من قِبل جهات إنفاذ القانون أو آليات العدالة الانتقالية.

ويُعزِّز الإعلان الأممي عن المجاعة عمليًا إمكانيّة فتح تلك المسارات عبر توفير معطيات فنية وشرعية صالحة لانطلاق عملٍ تحقيقِي موثوق.

أمّا عن صعوبات الإثبات والقيود العملية التي تعترض التحرك القضائي، فعلى الرغم من قوة البعد التقني لإعلان المجاعة، تبقى مسائل الإثبات المتصلة بـ «العنصر المعنوي» (النية أو القصد) وتحديد المسؤولين عن السياسات أو الأوامر التي أفضت إلى النتيجة، عوامل حاسمة لنجاح أي ملاحقات جنائية. كما تُشير جهات أممية إلى تحدّيات ميدانية ملموسة، من أبرزها: صعوبة الوصول الآمن لجمع الأدلة، ضرورة حماية الشهود، وضمان الحفاظ على سلاسل حفظ الأدلة الطبية والإحصائية في مناطق النزاع. لذلك، فإنّ الإعلان الأممي يُعدّ خطوة تأسيسية مهمّة، غير أنّه لا يُغني عن عمل توثيقي منهجي ومعمّق يُشكّل أساسًا متينًا لإسناد دعاوى قانونية ناجعة.

 

الآثار القانونية المترتبة على إعلان المجاعة:

  1. تشكيل قاعدة أدلة رسمية: إعلان الأمم المتحدة له قيمة وثائقية قوية، يستخدمها المدّعون أو لجان التحقيق كعنصر إثباتي في إبراز خطورة الوضع وتوافر دلائل على نتائجه الكارثية.
  2. تحريك آليات المساءلة الدولية: الإعلان يمكن أن يدفع نحو:
  • إحالات أو ضغوط على محكمة الجنايات الدولية لفتح تحقيق أو توسيع نطاق تحقيق قائم.
  • تشكيل لجان تقصّي حقائق أممية أو تحقيقات دولية مستقلة لتوثيق الانتهاكات.
  1. مسؤولية القادة: إذا ثبت التعمّد أو الإهمال الجسيم في عرقلة وصول المساعدات أو استخدام التجويع كأداة ضغط، تقع المسؤولية الجنائية على صانعي القرار العسكريين والسياسيين وفق مبادئ القانون الجنائي الدولي.

 

يُعدّ إعلان الأمم المتحدة عن المجاعة في غزة نقطة تحوّل ذات دلالة قانونية ومعيارية عميقة، إذ لا يقتصر أثره على توصيف حالة الطوارئ الإنسانية، بل يتجاوز ذلك ليقدّم مرجعًا فنيًا معتمدًا يمكن الاستناد إليه في عمليات التوثيق، وفي تعزيز الضغوط الدولية باتجاه تحرّك إنساني وقانوني منسّق. غير أنّ القيمة القانونية للإعلان، وإن كانت راسخة في بعدها التوثيقي، تظل مشروطة بقدرة الفاعلين المعنيين على استكمالها بأدلة ميدانية رصينة تُثبت العلاقة السببية بين السياسات والممارسات من جهة، والنتائج الكارثية المترتبة من جهة أخرى، فضلًا عن ضرورة إظهار القصد الجنائي أو الإهمال الجسيم لدى صانعي القرار السياسي والعسكري. ومن ثمّ، فإن الإعلان يُوفّر أرضية صلبة للشروع في مسارات المساءلة، لكنه لا يغني عن بناء ملف إثباتي متكامل قائم على منهجية دقيقة في جمع البيانات، وحماية الشهادات، وصون سلاسل حفظ الأدلة. وفي ضوء ما تقدّم، فإن الأولوية العملية في المرحلة الراهنة تتمثّل في ضمان إنقاذ الأرواح عبر إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة وصون المرافق والخدمات الأساسية، على أن يُنظر إلى جهود التوثيق الممنهج باعتبارها استثمارًا استراتيجيًا يمهّد لإمكان مساءلة قانونية عادلة وفعّالة في المستقبل.

_______

المصادر:

  1. Famine in Gaza: ‘A failure of humanity itself’, says UN chief, UN, 22 August 2025, https://bit.ly/4oOoYlL
  2. UN experts declare famine has spread throughout Gaza strip, UN, 09 July 2024, https://bit.ly/479v0a7
  3. UNRIC Library Backgrounder: Food Insecurity, UN, https://bit.ly/45RQki3
  4. ما هو مفهوم ومعايير المجاعة في القانون الدولي؟، مونت كالو الدولية، 4 مارس 2024، https://bit.ly/4fWJrRl
  5. "المجاعة في غزة" تُعلن رسمياً.. ماذا يعني ذلك بالقانون الدولي؟، 24 الإماراتية، 22 أغسطس 2025، https://bit.ly/3Jr0EpT
  6. خبراء يعددون لـ«العين الإخبارية» الآثار القانونية لإعلان المجاعة في غزة، العين الإخبارية، 22 أغسطس 2025، https://bit.ly/3HIjdW0

 

باسم الشعب

محكمة النقض

الدائرة العمالية

برئاسة السيد القاضي/ إسماعيل عبد السميع - نائب رئيس المحكمة

 

وعضوية السادة القضاة/ سمير عبد المنعم، الدسوقي الخولي، خالد مدكور، وطارق تميرك

نواب رئيس المحكمة

 

ورئيس النيابة السيد / أحمد غازي.

وأمين السر السيد / محمد إسماعيل.

 

في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة.

في يوم الأربعاء ۲۰ من ذو الحجة سنة ١٤٤٥هـ الموافق ٢٦ من يونية سنة ٢٠٢٤م.

أصدرت الحكم الآتي:

في الطعن المقيد في جدول المحكمة ٣٤١١٨ لسنة ٩٣ القضائية.

 

المرفوع من

السيد / رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة الإسكندرية للصيانة البترولية بترومنت.

ضد

١ - السيدة/

- السيد/ ممثل الشئون القانونية لشركة إسكندرية للصيانة البترولية.

 

الوقائع

في يوم 15/11/2023 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف "الإسكندرية" مأمورية استئناف الإسكندرية، الصادر بتاريخ 19/9/2023م في الاستئناف رقم ۱۳۸۱ لسنة ۷۹ ق وذلك بصحيفة طلبت فيها الطاعنة الحكم بقبول الطعن شكلًا، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه.

وفي اليوم نفسه أودعت الطاعنة مذكرة شارحة وحافظة بالمستندات.

ثم أودعت النيابة مذكرتها وطلبت فيها قبول الطعن شكلًا، وفي الموضوع برفضه.

وبجلسة 24/4/2024م عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر فحددت لنظره جلسة للمرافعة وبها سمعت الدعوى أمام هذه الدائرة على ما هو مبين بمحضر الجلسة -حيث صمم محامي الطاعنة والنيابة على ما جاء بمذكرتهما- والمحكمة أصدرت الحكم بجلسة اليوم.

 

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر.

نائب رئيس المحكمة " والمرافعة وبعد المداولة.

حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.

وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنة - شركة الإسكندرية للصيانة البترولية "بترومنت" وبعد أن لجأت إلى مكتب العمل أقامت الدعوى رقم ١٨٥٠ لسنة ۲۰۲۲ عمال الإسكندرية الابتدائية على المطعون ضدها بطلب الحكم بفصلها من العمل لديها، وقالت بيانًا لها أن المطعون ضدها خرجت على مقتضى الواجب الوظيفي والسلوك اللائقة ولم تحافظ على كرامة الوظيفة في تأدية عملها بأن نشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي من داخل مقر عملها وخارجه وهى ترتدي ملابس غير لائقة تتضمن إيحاءات جنسية وألفاظ خادشة للحياء فأوقفتها عن العمل بالقرار رقم ۷۹۲ لسنة ۲۰۲۲ اعتبارًا من 12/10/2022 ثم أقامت الدعوى بطلبها سالف البيان، ادعت المطعون ضدها فرعيًا قبل الطاعنة والمطعون ضده الثاني بطلب الحكم بإلغاء قرار وقفها عن العمل وإعادتها لعملها وصرف كامل أجرها والزام الطاعنة أن تؤدي إليها مليون جنيه بالإضافة إلى التعويض المنصوص عليه بالمادة ۱۲۲ من قانون العمل تعويضًا عن فصلها من العمل والإساءة إلى سمعتها، وتعويضًا عن عدم مراعاة مهلة الإخطار والأرباح المستحقة لها عن السنة ۲۰۲۲ ، والمقابل النقدي عن إجازاتها السنوية غير المستنفدة، وبتاريخ 27/11/2023  حكمت المحكمة في موضوع الدعوى الأصلية بفصل المطعون ضدها وفي موضوع الدعوى الفرعية برفضها، استأنفت المطعون ضدها الأولى هذا الحكم بالاستئناف رقم ۱۳۸۱ لسنة ۷۹ ق الإسكندرية، وبتاريخ 19/9/2023 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به في الدعوى الأصلية والقضاء برفض طلب الفصل وباستمرار المطعون ضدها الأولى في عملها، والزام الطاعنة بأن تؤدي لها ما لم يصرف لها من مستحقات، وفي موضوع الدعوى الفرعية بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض طلبي إلغاء قرار الوقف والعودة إلى العمل إلى عدم قبول الطلبين ورفض المقابل النقدي لرصيد الإجازات إلى عدم قبوله لرفعه قبل الأوان، والتأييد فيما عدا ذلك، طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.

وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول أنها استندت في طلبها بفصل المطعون ضدها إلى التحقيقات الإدارية التي أجرتها معها والتي ثبت منها قيامها من داخل مقر عملها وخارجه بتصوير ونشر مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي وهي ترتدي ملابس غير لائقة تتضمن إيحاءات جنسية وألفاظ خادشة للحياء وهو ما يعتبر خروجًا منها عن السلوك اللائق والنظام العام والآداب واعتداء على كرامة الوظيفة حتى ولو كانت هذه المشاهد تم تصويرها خارج دائرة العمل ويبرر لها طلب فصلها من العمل لديها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدعوى لمجرد القول بعدم ثبوت تصوير ونشر هذه المشاهد من داخل مقر العمل، فإنه يكون معيبًا بما يستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن النص في المادة ٥٦ من قانون العمل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ۲۰۰۳ على أنه "يجب على العامل (أ) أن يؤدي بنفسه الواجبات المنوطة به بدقة وأمانة وذلك وفقًا لما هو محدد بالقانون ولوائح العمل وعقود العمل الفردية والجماعية ....... (ب) ....... (ج) ...... (د) ...... (هـ) ..... (و) ...... (ز) أن يحافظ على كرامة العمل وأن يسلك المسلك اللائق به"، يدل على أن العامل يقع عليه الالتزام بالتحلي بالسلوك اللائق داخل دائرة العمل وخارجها، وإن إخلاله بهذا الالتزام يفقده شرط حسن السمعة وهو من شروط شغل الوظائف والاستمرار في شغلها ويبرر لصاحب العمل إنهاء خدمته بالإرادة المنفردة اعمالًا للحق المخول له بموجب المادة ۱۱۰ من قانون العمل المشار إليه أو اللجوء إلى المحكمة العمالية بطلب مجازاته بجزاء الفصل اعمالًا للمادة ٦٨ من ذات القانون. لما كان ذلك، وكان الثابت من التحقيقات التي أجرتها الطاعنة مع المطعون ضدها ثبوت قيامها بنشر مقاطع فيديو على صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي وهي ترتدي ملابس غير لائقة تتضمن إيحاءات جنسية وألفاظ خادشة للحياء، فإنه وبفرض صحة أنها لم تصور هذه المشاهد داخل مقر العمل وإنما من داخل مسكنها الخاص فإن تصويرها ونشرها لهذه المقاطع واتاحتها للمتابعين لمثل هذه المواقع يعتبر مسلكًا غير لائق منها وخروج عن الآداب العامة يفقدها شرط حسن السمعة اللازم لاستمرارها في شغل وظيفتها ويبرر لجهة عملها -الشركة الطاعنة- طلب مجازاتها بجزاء الفصل، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض دعوى الطاعنة لمجرد القول بأن هذه المشاهد لم يثبت تصويرها ونشرها من مقر عملها لدى الطاعنة فإنه يكون فضلًا عما شابه معه فساد في الاستدلال قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه في هذا الخصوص.

وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، وكان مفاد المادة 125 من قانون المرافعات أنه يشترط القبول الطلبات العارضة من المدعى عليه في الدعوى الأصلية أن يكون من شأن قبولها عدم إجابة المدعى لطلباته كلها أو أن تكون الطلبات متصلة بالدعوى الأصلية اتصالًا لا يقبل التجزئة أو متعلقة بطلب المقاصة القضائية أو التعويض عن ضرر لحقه من الدعوى الأصلية أو ما تأخذ المحكمة بتقديمه من طلبات شريطه أن تكون مرتبطة بالطلبات في الدعوى الأصلية، ومن ثم فإنه وإن كان الطلب العارض للمطعون ضدها بطلب إلغاء قرار وقفها عن العمل وإعادتها إلى عملها وتعويضها عن الفصل ومهلة الإخطار والإساءة إلى سمعتها من الطلبات المتصلة بطلب الطاعنة في دعواها الأصلية بطلب فصلها من العمل لديها وإجابتها إليها يترتب عليه عدم إجابة الطاعنة إلى طلبها في الدعوى الأصلية بفصلها من العمل لديها، كما أن الحكم بفصلها يترتب عليه القضاء برفض هذه الطلبات إلا أن طلبها بالمقابل النقدي عن إجازاتها السنوية غير المستنفدة ونصيبها في أرباح سنة ۲۰۲۲ لا تندرج ضمن الطلبات التي عددتها المادة 125 من قانون المرافعات سالفة البيان لكونه طلب مستقل بذاته عن الطلبات في الدعوى الأصلية ومن ثم يكون غير مقبول، ولما تقدم يتعين الحكم في الاستئناف رقم ۱۳۸۱ لسنة ۷۹ ق الإسكندرية بتعديل الحكم المستأنف بشأن ما قضى به من رفض طلب المطعون ضدها بالمقابل النقدي عن إجازاتها السنوية غير المستنفدة ونصيبها في أرباح سنة ۲۰۲۲ إلى القضاء بعدم قبول هذا الطلب وتأييده فيما عدا ذلك.

لذلك نقضت المحكمة: الحكم المطعون فيه، وحكمت في الاستئناف رقم ۱۳۸۱ لسنة ۷۹ ق الإسكندرية بتعديل الحكم المستأنف بشأن ما قضى به من رفض طلب المطعون ضدها المقابل النقدي عن إجازاتها السنوية غير المستنفدة ونصيبها في أرباح سنة ۲۰۲۲ إلى القضاء بعدم قبول هذا الطلب وتأييده فيما قضى به من فصل المطعون ضدها من العمل لدى الطاعنة ورفض الدعوى الفرعية في شقها المتعلق بطلب المطعون ضدها بإلغاء قرار وقفها عن العمل وإعادتها لعملها وصرف الأجر والتعويض عن الفصل ومهلة الأخطار والإساءة إلى سمعتها، وألزمتها بمصروفات الطعن ودرجتي التقاضي، ومبلغ ثلاثمائة خمسة وسبعين جنيهًا مقابل أتعاب المحاماة، وأعفتها من الرسوم القضائية.

 

لتحميل ملف الحكم

هذا العدد الخاص من دورية «نماء لعلوم الوحي والدراسات الإنسانية» بعنوان "المذاهب الفقهية؛ جذور النشأة المبكرة- بحوث منتخبة من أعمال الندوتين العلميتين الأولى والثانية ضمن سلسلة ندوات (المعارف الإسلامية: رؤية سياقية متعددة)" ثمرة تعاون أكاديمي بين مركز نماء للبحوث والدراسات وجامعة مونستر الألمانية، يربط بين مؤسسات عربية وأوروبية لتعميق دراسة التاريخ المبكر للفكر الفقهي الإسلامي.

يعتمد هذا الإصدار مقاربة تحليلية نقدية تتجاوز القراءة السلبية للتاريخ، من خلال دراسات تركز على البنى المنهجية والاجتهادية الداخلية التي أسست للمذاهب الفقهية في نشأتها، بالإضافة إلى استكشاف الأبعاد السياسية والاجتماعية المحيطة التي أثرت على تطورها.

تُثرِي بحوث هذا العدد المكتبةَ العربية الإسلامية بتنوع منهجي يجمع بين التاريخيّ والتحليليّ والنقديّ، ويغطي مدارس فقهية متعددة تُظهر طيف الاجتهاد الإسلامي في مراحله الأولى. كما تسعى الدراسات إلى استقصاء العوامل العلمية والاجتماعية والسياسية التي صاغت معالم كل مذهب، مما يعزز الحوار الأكاديمي المتخصص حول تطور الأفكار الفقهية ومنهجية الاجتهاد.

تولّت لجنة تنسيقية مكوّنة من الدكتور عبد الرحمن زعتري والدكتور محمد الريوش والدكتورة فاطمة خليل مهمة الإشراف على التنظيم العلمي والإداري لهذا العدد، فسهّلت التواصل بين الباحثين وضمنت جودة الأبحاث وتنسيق فعاليات الندوتين.

يمثّل هذا الإصدار نموذجًا للتعاون العلمي الدولي ويُسهم في تقديم فهم معمق لتشكّل المذاهب الفقهية الإسلامية في مراحلها المبكرة. ندعو الباحثين والمهتمين للمشاركة في الفعاليات القادمة ضمن برنامج «المعارف الإسلامية»، لتعميق البحث وإثراء المعرفة الإنسانية بتاريخ الفكر الإسلامي وتطوّره.

 

البحوث المنشورة في العدد

الاتجاهات المنهجية في المذهب المالكي

يقدم الدكتور سلمان الصمدي بحثًا مهمًا بعنوان "ابن القاسم وخصومه: نشأة الاتجاهات المنهجية داخل المذهب المالكي". يروم هذا البحث إعطاء صورة واضحة لأبرز الاتجاهات المنهجية التي ظهرت في المذهب المالكي في الفترة المبكرة، والإضاءة على عوامل نشأتها واختياراتها المنهجية ومظاهر تفاعلها وتدافعها لإثبات الوجود وما اكتنف ذلك من مظاهر الخصومة والعصبية. يستثمر البحث مصادر تاريخ المذهب المتنوعة، وفي مقدمتها نص من أقدم النصوص التي أشارت إلى هذا التنوع بشكل واضح، وهو كتاب "التسمية والحكايات لنظراء مالك وأصحابه وأصحاب أصحابه" للفقيه والمؤرخ الأندلسي أبي العباس الوليد بن بكر السرقسطي العمري (ت 392هـ). يُعد هذا الرصد ذا أهمية قصوى على مستوى التأريخ للدرس المالكي وتفسير قضاياه وظواهره اللاحقة ونقد كثير من التصورات العالقة به. خلص البحث إلى الوقوف بوضوح على الجذور الأولى التي أسهمت في تشكل منهج المدرسة المالكية العراقية والمدرسة المالكية المغربية بفروعها، وإلى رؤية أوضح عن تشكل مفهوم المذهب، والذي كان سابقًا عما يعتقده معظم الدارسين من تأخره إلى فترات لاحقة.

 

تطور مقاصد الشريعة في المدرسة الخراسانية

يسلط الدكتور حمزة مشوقة الضوء على موضوع "نشأة مقاصد الشريعة عند المدرسة الخراسانية الشافعية". تهدف هذه الدراسة إلى دراسة الأسباب التي أدت إلى نشأة مقاصد الشريعة عند المدرسة الخراسانية الشافعية، وقد تم تقسيمها إلى مقدمة وتمهيد ومبحثين يتناولان التعريف بالمدرسة الخراسانية الشافعية والبيئة العلمية التي نشأت فيها والمنهج العلمي للمدرسة الخراسانية. تجيب الدراسة عن عدة تساؤلات مهمة، منها: ما الأسباب التي أدت إلى نشأة مقاصد الشريعة عند المدرسة الخراسانية الشافعية؟ وهل أثرت البيئة العلمية التي احتوت المدرسة الخراسانية الشافعية في نشأة مقاصد الشريعة؟ وهل كان للمنهج العلمي الذي تميزت به المدرسة الخراسانية الشافعية أثر في تأسيس مقاصد الشريعة؟ خلصت الدراسة إلى وجود عدد من المسببات منها: البيئة العلمية للمدرسة الخراسانية، والمنهج العلمي عند المدرسة، وأصول مذهب الإمام الشافعي الذي أخذ بالمصلحة المعتبرة في أصول الشرع؛ ولذلك اهتم علماء المذهب باستقراء الكليات الشرعية التي بُنيت عليها الأحكام الجزئية.

 

نقد الرؤى الحداثية لنشأة الفقه

يقدم الدكتور محمد عبيدة مراجعة نقدية لتفسير جورج طرابيشي لنشأة الفقه والسنة من خلال تحليل بعض النقاشات الفقهية المبكرة. تُعد كتابات جورج طرابيشي من الكتابات الحداثية العربية البارزة، وهو في تفسيره لنشأة الفقه ينطلق من أساس ماركسي، حيث يربط ظهور السنة بالتقاء مصالح الطبقة الحاكمة بسبب حركة الفتوحات ورغبتها في إدارة المجتمعات المفتوحة برغبة الطبقات المثقفة المنحدرة من الشعوب المفتوحة (الموالي). يهدف هذا البحث إلى تقديم نقد لهذا التصور في ضوء بعض مبادئ السوسيولوجيا التأويلية، وإبراز ضعف مقاربة طرابيشي التي تهمل أدوار الفاعلين الاجتماعيين وتركز على العوامل السياسية والإيديولوجية والطبقية في تحليل الظواهر الاجتماعية وتفسيرها. توصل البحث إلى أن تفسير طرابيشي لنشأة الفقه الإسلامي قد أغفل دور الصحابة، كما عجز عن تفسير الجهد الذي بذله المحدثون في جمع السنة ونقدها.

 

الفقه الجعفري وظروف التكوين

يتناول الدكتور حيدر حب الله موضوع "الفقه الإمامي الجعفري وظروف النشأة في القرن الثاني الهجري". يهدف هذا البحث إلى دراسة ظروف تكون ما يُعرف اليوم بالمدرسة الفقهية الإمامية أو المذهب الجعفري أو فقه أهل البيت بالمصطلح الإمامي للكلمة، ويركز على اللحظة الزمنية لولادة الفقه الإمامي (الجعفري). يسعى البحث للإجابة عن تساؤلات مهمة مثل: لماذا تكون هذا الفقه مع الإمامين الباقرين وليس قبلهما ولا بعدهما؟ وما ظروف الانفصال عن فقه الجمهور؟ وما ظاهرة الالتباس في مرحلة التكون، أو لماذا ولد هذا الفقه ملتبسًا بعض الشيء؟ بالإضافة إلى بحث علاقة الفقه الجعفري وموقفه من مدرستي الحديث والرأي، وأتباعه الأوائل بين النص والاجتهاد. خلص البحث إلى أنه لا يمكن فصل نشوء الفقه الجعفري عن ظهور الفقهاء والقضاة الأوائل، ثم نشوء المدارس الفقهية بعدهم، فقد خط هذا الفقه تاريخيًا مسيرة مدارس الفقه الإسلامي، فولد على شكل توجيهات وأفكار فقهية حملها نخبة من تلامذة الأئمة، ثم تحول بالتدريج إلى مدرسة متكاملة بمرور الوقت.

 

الفقه الزيدي في العصر الكلاسيكي

يقدم الدكتور محمد الحسيني بحثًا بعنوان "الفقه الزيدي وأصوله في العصر الكلاسيكي: ملاحظات تمهيدية". قدم البحث فيما سماه الباحث "ملاحظات تمهيدية" صورة لملامح الفقه الزيدي وأصوله، أسهمت في موضعته في سياقه من المعارف الإسلامية في الحقبة قيد البحث؛ إذ أجاب عن الأسئلة الرئيسة المتعلقة بهذين العلمين. سلك الباحث لبناء عرضه التاريخي مسلك الوصف والاستقراء والتحليل باستنطاق المصادر الزيدية وإظهار ما تفصح عنه بنحو مباشر وغير مباشر. تكون البحث من مقدمة وثمانية عناوين، ثلاثة منها رئيسة وخمسة فرعية، تناولت مرحلة النصوص المؤسسة ونشوء المدارس الفقهية في الحقبة التكوينية المتأخرة، ومرحلة النصوص المؤسسة الثانية وتطور العلاقات مع الآخر. خلص البحث إلى أن الفقه الزيدي وأصوله قد مرا، لعوامل تاريخية وسياسية وثقافية وجغرافية، بعدة أدوار تنوع المشهد فيها تبعًا لذلك، أفرزت العديد من مدونات الفقهاء والأصوليين في مجالي الفقه وأصول الفقه.

 

نقد منهج المستشرقين في دراسة الفقه المبكر

يُسهم الدكتور مروان الحبشي بدراسة نقدية لمنهج هارالد موتسكي في إثبات صحة الرواية الفقهية للمذهب المكي المبكر. يهدف هذا البحث إلى تغطية فترة مبكرة في تاريخ تطور المدرسة الفقهية المكية أغفل المستشرق الألماني هارالد موتسكي التطرق إليها في عمله الموسوم بـ "بدايات الفقه الإسلامي وتطوره في مكة حتى منتصف القرن الهجري الثاني/الميلادي الثامن". يعود البحث إلى الفترة التي نشط فيها مؤسس المدرسة عبد الله بن عباس ودراسة مجهوداته التي ساهمت في قيام المدرسة المكية. وقد تطرق البحث لعرض أسباب اختيار موتسكي مصنف عبد الرزاق نصًا لتطبيق منهجه، دراسة السند والمتن معًا عليه، وبيان المعايير التي استند عليها في الوصول إلى نتيجة أن روايتي ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح وعن عمرو بن دينار صحيحتان. توصل البحث إلى أن تغطية فترة ابن عباس تضع الباحث أمام البدايات الفعلية الأولى للمدرسة الفقهية المكية وكيف تشكل النقاش الفقهي آنذاك.

 

الفكر الفقهي للماوردي

يقدم الدكتور محمد المعلم من جامعة جورج تاون دراسة معمقة بعنوان "الفكر الفقهي للماوردي (ت 450هـ/1058م) في الإسلام الكلاسيكي: نظام متكامل وتفاعلي للاجتهاد والتقليد". تسعى هذه الدراسة إلى إعادة النظر في رواية الانحدار التي تصور نشوء المدارس القانونية كعامل أساسي في تراجع الفقه، خصوصًا في القرن الرابع/العاشر وما بعده، حيث هيمنت ثقافة التقليد (اتباع السلطة القانونية) على الاجتهاد (التفكير القانوني المستقل). تحلل الدراسة العلاقة بين مفاهيم الاجتهاد والتقليد وإجراءاتهما في مؤلفات الماوردي، الفقيه الشافعي البارز، مع التركيز على عمله "الحاوي الكبير". بدلًا من تقديم الاجتهاد والتقليد كمراحل تاريخية متعارضة أو متعاقبة. تؤكد الدراسة أن الفكر الفقهي للماوردي يدمج هذين الإجراءين كأدوات تكاملية تلبي متطلبات منهجية واجتماعية وسياسية متميزة. تُعاين الدراسة معاني الاجتهاد والتقليد ووظائفهما كما وردت في مؤلفات الماوردي، مبرزة كيف أسهم التقليد في تحقيق الاستقرار خلال فترات التشرذم السياسي، بينما عزز الاجتهاد استقلال القضاء وتحدى التأويلات الباطنية. إن هذا الدمج بين الاجتهاد والتقليد كعناصر مستدامة ومتفاعلة ضمن الفقه الإسلامي يفند التأويلات التي تضع الماوردي ضمن سردية الانحدار التبسيطية.

 

لتحميل عدد المجلة

 

* صدر هذا العدد الخاص من دورية نماء لعلوم الوحي والدراسات الإنسانية في المجلد التاسع، العدد الثاني، المقرر صدوره في يونيو 2025. تحمل المجلة الرقم الدولي المعياري للنشر الإلكتروني (ISSN: 2785-9746) والرقم الدولي للنشر الورقي (ISSN: 2785-9738). تأسست المجلة عام 2016 وتصدر عن مركز نماء للبحوث والدراسات، وهي مجلة علمية محكمة تنشر الأبحاث بالعربية والإنجليزية والفرنسية، وقد أفدنا من تقديم العدد ومن ملخصات الأبحاث في إعداد هذا التقرير.

الصفحة 1 من 38