حينما نتحدث عن المغفور له بإذن الله تعالى فضيلة الدكتور حسين حامد حسان، إنما نتحدث عن قامة علمية كبيرة، وفقيه ذي مواصفات خاصة، وعلم من أعلام الأمة العاملين المجتهدين المخلصين .. جمع بين الأصالة والمعاصرة، واتسم بتعدد التخصصات والخبرات، فقد جمع بين الثقافة الشرعية، والثقافة القانونية، والثقافة الاقتصادية، والثقافة المالية والمصرفية .. مع خبرة عميقة في الأصول وفي الشريعة وفي المقاصد.
لقد كان الدكتور حسين حامد – رحمه الله – مدرسة فقهية في ذاته، كما قال عنه العلماء، فكان يُعمِل المقاصد بشكل متوازن، وكان يتسم بالجدية في التعامل مع أي قضية فقهية مطروحة، كما كان يجيد ما يسميه العلماء بـ«الصنعة الفقهية»، حليم، متواضع، طويل النفَس، يتسع صدره لكل ناقد أو محاور أو طالب علم.. أظهر براعة فائقة في مسألة البناء القانوني للعمل المصرفي الإسلامي، إذ استطاع أن يدمج بين القانون وأصول الفقه.. فاستحق بجدارة أن يكون عالم عصره وفقيه زمانه.
حينما قرر الدكتور حسين – رحمه الله – أن يدخل إلى مجال العمل المصرفي الإسلامي، استطاع بنك دبي الإسلامي، الأول في عالم الصيرفة الإسلامية، أن يكون أيضاً أول من يظفر بخدمات الدكتور حسين العالم الفقيه المتمرس المنفتح على كل الثقافات والمدارس الفقهية والاقتصادية والقانونية، فكانت النقلة النوعية للبنك، والتي يمكن أن نسميها (مدرسة بنك دبي الإسلامي الفقهية)، التي كانت ملهمة لعدد كبير من البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية في العالم.
إن السيرة العلمية والعملية للمغفور له بإذن الله الدكتور حسين حامد لا يكفيها مقال أو خبر أو حتى مجلد، حيث كرّس حياته العملية لخدمة الإسلام والمسلمين، وقضاها متنقلاً بين مدن العالم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه؛ إما بحثاً عن العلم، أو ملبياً لنداء المؤسسات الاقتصادية والمالية الإسلامية؛ وظل هكذا حتى وفاته.
فمسيرة الدكتور حسين، الممتدة من أواخر الخمسينيات وحتى عام 2020 حافلة بالإنجازات، على المستويات الشخصية والمجتمعية والرسمية، فقد كان خبيراً قانونياً واقتصادياً ومصرفياً قلّ أن تجود الدنيا بمثله، خاصة أنه كان يتمتع بعقلية فذة، وحضور ذهني مفتوح على كل ما يمكن أن يعرض عليه من خطط أو معاملات أو فتاوى في كل ما يتعلق بالمال والاقتصاد والقانون، فضلاً عن دوره الملموس في التدريس بعدد من الجامعات الإسلامية.. وفي هذا الإطار نذكر له – رحمه الله – دوره في تأسيس الجامعة الإسلامية العالمية بباكستان، حين دعاه الرئيس الباكستاني لتأسيس الجامعة، وبعدها ترأس نفس الجامعة لمدة 14 عاماً.
وحتى يتسنى لنا الحديث عن إنجازات الراحل الدكتور حسين حامد حسان، لابد أن نتناول جانباً من سيرته الذاتية؛ العلمية والعملية، لنقف على حياته التعليمية التي كانت مليئة بالطموح، يظهر ذلك جلياً في حصوله على عدة شهادات عليا خلال أقل من 5 سنوات، فقد ولد في محافظة بني سويف المصرية عام 1932، وحصل على ليسانس في القانون والاقتصاد من كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1959، كما حصل على ليسانس في الشريعة من كلية الشريعة جامعة الأزهر عام 1960، بعدها حصل على ماجستير في الشريعة الإسلامية من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1960، ثم على ماجستير في القانون المدني من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961، وعلى دبلوم في القانون المقارن من جامعة نيويورك من المعهد الدولي للقانون المقارن عام 1963، ثم حصل على الماجستير في القانون المقارن عام 1965م، وحصل على الدكتوراة في الفقه وأصول الفقه من كلية الشريعة جامعة الأزهر عام 1965.
وظائف مهمة
– عُيّن فضيلة الدكتور حسين حامد – رحمه الله – محامياً بإدارة قضايا الحكومة – مصر – عام 1959م، ثم معيداً بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، فمدرساً فأستاذاً مساعداً فأستاذاً فرئيساً لقسم الشريعة بالكلية، ثم أعير رئيساً للدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن علي السنوسي الكبير في ليبيا، ثم أعير رئيساً للدراسات العليا الشرعية بجامعة الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة، ومديراً لمركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بكلية الشريعة بالجامعة، ومستشاراً لمدير الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث والتعاون بين الجامعة والجامعات الأخرى، ورئيساً للجنة الدائمة لترقية أعضاء هيئة التدريس في جامعة الملك عبد العزيز وجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
في عام 1979 أعير لإنشاء الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد، عقب إعلان باكستان تطبيق الشريعة الإسلامية، وعين عضواً في مجلس أمناء هذه الجامعة، ثم تولي رئاستها لمدة أربعة عشر عاماً. عمل فضيلة الدكتور حسين مستشاراً قانونياً واقتصادياً لرئيس جمهورية كازاخستان، ومستشارا اقتصادياً لرئيس وزراء قيرغزستان، وكلف بعمل خريطة استثمارية للدولة، كما عمل مستشاراً لرئيس جمهورية باكستان الإسلامية لشئون الجامعة الإسلامية العالمية، ومستشاراً لأمين عام رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، ثم مستشاراً لرئيس مؤتمر العالم الإسلامي بجدة، ومستشاراً لهيئة إحياء التراث بالإمارات العربية المتحدة، كما عين مستشاراً لرئيس جامعة القاهرة.
وبالإضافة إلى ذلك تولى العديد من المناصب الاستشارية الأخرى في عدد من المجامع الفقهية والمؤسسات الدينية الرسمية في الدول العربية والأوروبية.
وللدكتور حسين – رحمه الله – عدد كبير من المؤلفات تزيد على 400 كتاب وبحث ومقال في عدة مجالات كالصيرفة والتمويل والتأمين الإسلامي، كما شارك في مئات المؤتمرات العالمية والندوات المعنية بالاقتصاد والتمويل الإسلامي، قدم فيها العديد من البحوث والدراسات الفقهية التي كان لها أثر كبير في إثراء الصناعة.
هذا جانب من المسيرة العلمية والعملية التي عاشها الدكتور حسين حامد حسان، الخبير الحقوقي والمالي والاقتصادي، الذي ترك إرثاً اقتصادياً كبيراً تستفيد منه الأجيال القادمة، خاصة في الصناعة المصرفية والمالية الإسلامية.
الاقتصاد والبنوك الإسلامية
بدأ الدكتور حسين حامد حسان – رحمه الله – مسيرة العمل في البنوك الإسلامية، ثم أصبح في وقت قصير جداً واحداً من أشهر فقهاء المعاملات الإسلامية في العالم، فقد ظل لسنوات طويلة يصل الليل بالنهار بحثاً في أمهات الكتب عن كل ما هو جديد في مجال المعاملات الإسلامية، ولأنه كان خبيراً قانونياً وعالم شريعة وخبير اقتصادي في نفس الوقت، استطاع في فترة وجيزة أن يطور العقود الشرعية للمعاملات والصيغ المصرفية لعدد كبير من البنوك الإسلامية وشركات التأمين التكافلي، واستحداث عدد من الصيغ الشرعية المبتكرة التي سارت عليها تلك المؤسسات حتى الآن.
ولقد أسهم الدكتور حسين بدور كبير في خدمة الصناعة المصرفية الإسلامية منذ إنشائها، كما حرص على تدريب الكوادر المصرفية العاملة في هذا المجال، واختير رئيساً للعديد من هيئات الرقابة الشرعية في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية في العالم، وعلى رأسها بنك دبي الإسلامي.
بنك دبي الإسلامي
تولى الدكتور حسين – رحمه الله – رئاسة هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في بنك دبي الإسلامي لفترة طويلة، وبرز دوره المتميز والنشط خاصة وأنه قام باستحداث عدد من العقود الشرعية التي كان لها دور متميز في نشاطات البنك وتميزه بين أقرانه، وجعلته في مقدمة البنوك الإسلامية في المنطقة، بل وفي العالم كله، بنظامه الرقابي الراقي والصارم، ومعاملاته التي حرصت الهيئة الشرعية على اتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها مطابقتها لمبادىء وأحكام الشريعة الإسلامية، والبعد عن المعاملات التي تثير الشبهات في العمل المصرفي الإسلامي، ومن هنا اكتسب البنك ثقة عملائه، كما اكتسب سمعة طيبة في الصناعة المصرفية الإسلامية وفي العالم أجمع.
وقد كان للدور المتميز الذي قام به الدكتور حسين خلال رئاسته لهيئة الفتوى في بنك دبي الإسلامي ردود فعل إيجابية تجاه البنك، حيث سعت معظم البنوك الإسلامية في المنطقة والعالم إلى الاستفادة من خبرات البنك في مجال صياغة العقود الجديدة، بينما عملت معظم المؤسسات المالية الإسلامية الأخرى في محاكاة الأنشطة والعقود التي يعمل بنك دبي الإسلامي من خلالها.
وسعياً لتعزيز دور الرقابة الشرعية في بنك دبي الإسلامي عمل الدكتور حسين حامد – رحمه الله – على تأسيس «دار الشريعة»، وهي شركة شرعية قانونية متخصصة في صياغة العقود الشرعية المستجدة، ومراجعة العقود الأخرى المعمول بها فعلياً في المؤسسات المالية الإسلامية وشركات التأمين التكافلي، ولتكون هذه الشركة بمثابة المرجع الشرعي والقانوني لعمليات بنك دبي الإسلامي والبنوك الإسلامية الأخرى في العالم، حيث نفذت «دار الشريعة عدداً كبيراً من العقود الشرعية لصالح عدد كبير من البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية داخل دولة الإمارات العربية المتحدة وخارجها، وحصلت هذه العقود على الإشادة من أساتذة الشريعة وفقهاء المعاملات الإسلامية.
«هندسة» التحول
كان لفضيلة الدكتور حسين حامد حسان – رحمه الله – الدور الرئيس في تنفيذ عمليات تحول العديد من البنوك التقليدية إلى بنوك إسلامية، بعد التوجه الذي اتخذته هذه البنوك لتحويل أنشطتها ومعاملاتها إلى إسلامية، فقد اختير من قبل إدارة بنك الشارقة ليتولى تنفيذ عملية تحويل كافة أنشطته التقليدية إلى معاملات وأنشطة إسلامية وليصبح اسمه «مصرف الشارقة الإسلامي»، كما قاد عملية تحويل بنك الإمارات إلى «مصرف الإمارات الإسلامي»، بالإضافة إلى سوق دبي المالي الذي تولى الدكتور حسين عملية تحويله إلى سوق مالي إسلامي، وظل رئيساً لهيئته الشرعية حتى وفاته، وما تبع ذلك من إعادة صياغة كافة العقود إلى عقود إسلامية بشكل كامل، كما حرص – رحمه الله – على تدريب الكوادر البشرية العاملة على تنفيذ المعاملات الإسلامية بعد عمليات التحول، وكذلك إعادة هيكلة كافة العمليات والأنشطة وحقوق المساهمين والمتعاملين حسب النظام المصرفي الإسلامي.
وفي هذا الإطار، ومما يؤكد الدور المتميز للدكتور حسين حامد في تحويل العديد من البنوك التقليدية إلى بنوك إسلامية، أطلق عليه المصرفيون لقب «مهندس عمليات التحول» حيث طلب منه أكثر من بنك تقليدي إجراء عملية التحويل إلى النشاط المالي الإسلامي، وقد تكللت كل هذه الجهود بالنجاح والحمد لله.
مساهمات قانونية وشرعية
أسهم الدكتور حسين – رحمه الله – في إعداد القانون المدني المصري وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وأعد مذكرته التفسيرية، كما أسهم في إعداد قوانين تطبيق الشريعة الإسلامية في باكستان، وشارك في تحويل نظامها المصرفي التقليدي إلى العمل طبقاً لمبادىء الشريعة الإسلامية، وكذلك في جهود تطبيق الشريعة بالكويت، وراجع مشروع قانون شركات التأمين الإسلامي بها، كما أعد مشروع قانون الأحوال الشخصية بليبيا، وفي إعداد دستور جمهورية كازخستان والقوانين المكملة للدستور.
وفاته
بعد مسيرة حافلة بالعطاء والتميز والنجاح، استمرت نحو 60 عاماً، غيب الموت الدكتور حسين حامد حسان، الخبير الاقتصادي والحقوقي والمالي، وأبرز خبراء الصناعة المصرفية الإسلامية في العالم، في 20 أغسطس 2020، ووقع خبر وفاته كالصاعقة على تلامذته ومحبيه، وكذلك على الفقهاء والاقتصاديين والمصرفيين، الذين كانوا يرون فيه مدرسة فقهية متنوعة الثقافات، وخبيراً في فقه الواقع، وعالماً منزهاً عن مغريات الدنيا، منقطعاً للاجتهاد والبحث في كل ما هو مستجد في عالم الاقتصاد والمعاملات الإسلامية.
وستظل بصماته واضحة لدى كل من يعمل في هذا المجال، وسيذكره التاريخ دائماً بالخير مادامت البنوك الإسلامية.
رحم الله الدكتور حسين حامد حسان، وجزاه خير الجزاء عما قدمه للإسلام والمسلمين.
__________________________
نُشر هذا التقرير في العدد رقم (479) المجلد رقم (41) من مجلة الاقتصاد الإسلامي الصادرة عن بنك دبي الإسلامي بتاريخ أكتوبر 2020، ومنشور على الموقع الإلكتروني للمجلة.