مبادئ نظام الحكم في الإسلام مع المقارنة بالمبادئ الدستورية الحديثة

By الدكتور عبد الحميد متولي تشرين2/نوفمبر 01, 2023 1328 0

الدكتور عبد الحميد متولي

يعد هذا الكتاب من أبرز المؤلفات في موضوعه، ومؤلفه هو الفقيه الدستوري الكبير أ. د. عبد الحميد متولي. وهذه هي المرة الأولى التي يُنشر فيها هذا الكتاب على الشبكة العنكبوتية، بعد أن وردت لنا استفسارات كثيرة عن كيفية الحصول عليه. ونسخة الكتاب التي ننشرها اليوم على موقعنا صدرت عن دار نشر "منشأة المعارف" بالإسكندرية عام 2008م (الطبعة الرابعة).

ومما جاء في المقدمة العامة لهذا الكتاب:

المنهج العلمي للبحث، نجد الكثيرين من المؤلفين حين يتصدون لدراسة النظام السياسي (أو نظام الحكم) في الإسلام لا يمهدون لتلك الدراسة بأن يبحثوا أولاً المبادئ الدستورية في الشريعة الإسلامية، كما نجد الذين يتصدون منهم لدراسة هذه المبادئ لا يمهدون لدراستها بالبحث أولاً عن مصادر هذه المبادئ في الشريعة، أي "أدلة الأحكام الشرعية" كما يطلق عليها عادةً لدى الكثير من علماء الشريعة. إن دراسة هذه المصادر -فيما أعتقد– يجب أن تكون نقطة البداية لكل بحث علمي جدى بصدد النظام السياسي الإسلامي أو بصدد المبادئ الدستورية في الشريعة الإسلامية:

(أولاً) لأن كثيرًا من أوجه الخلاف بين الباحثين بصدد ذلك النظام أو هذه المبادئ، إنما يرجع كنهها في الواقع إلى أنهم يختلفون -من حيث هم أحيانًا لا يشعرون- حول مصادر أحكام تلك المبادئ الدستورية، كما أن هذا الخلاف في جوهره، وفى الواقع من أمره، إنما يرجع إلى أنهم لم يعنوا بأمر الدراسة العلمية الجدية لتلك المصادر، ولو أنهم عنوا بأمرهم لزال الكثير من وجوه الخلاف، ولربما نجا العالم الإسلامي كذلك من غير القليل من الفتن والحروب التي أثارتها تلك الخلافات الدستورية.

(ثانيًا) لأن الشريعة الإسلامية، وإن كانت تمتاز على غيرها من الشرائع بأن مصادرها قد عنى ببحثها علماؤها قبل غيرهم من علماء الشرائع الأخرى، فجعلوا لها علمًا مستقلاً هو علم أصول الفقه، إلا أننا نجد رغم ذلك أنهم عنوا ببحث مصادر الشريعة أو "أدلة الأحكام" بوجه عام، دون أن يعنوا ببحث مصادر كل فرع من فروعها كما هو شأن علماء القانون الوضعي في العصر الحديث.

فيجب ألا يفوتنا أن الشريعة الإسلامية (أو "الفقه الإسلامي" كما يطلق عليها بعض العلماء) تشمل قسمين كبيرين من الأحكام الشرعية:

  • "أحكام العبادات" (كالصلاة والصوم.... الخ)، وغير ذلك مما ينظم علاقة الإنسان بربه.
  • "أحكام المعاملات"، ويقصد بها في الاصطلاح الشرعي جميع فروع القانون بقسميه الكبيرين: القانون العام والقانون الخاص.

ولكن علماء الشريعة لا يفرقون بين القانون العام والقانون الخاص، وبالتالي لا يفرقون بين فروع كل منهما، لذلك كان طبيعيًا ألا نجدهم يطرقون باب البحث عن مصادر كل فرع من هذه الفروع كما يفعل رجال الفقه الوضعي الحديث، الذين تخصص من بينهم فريق في كل فرع من فروع القانون العام، وفروع القانون الخاص فبحثوا ثم قدموا لنا مصادر كل من القانون الدستوري والقانون الإداري والقانون الدولي العام وغيره من فروع القانون العام، ومصادر كل من القانون المدني والقانون التجاري وغيره من فروع القانون الخاص، إذ يجب ألا يفوتنا أن المصادر تختلف باختلاف فروع القانون، فمصادر القانون الدستوري مثلاً تتلخص:

(أولاً) في التشريع الدستورى (أو الدستور)، ويلحق به بعض القوانين العادية (كقانون الإنتخاب).

(ثانيًا) العرف (مع ملاحظة أن العرف الدستورى يختلف عن العرف العادى أي المعروف في القانون الخاص، كما سنبين ذلك تفصيلاً فيما بعد).

والقانون الإدارى له مصادر أربعة: التشريع والعرف والقضاء والفقه. والقانون الدولى العام له مصادر أصلية ثلاثة: العرف، والمعاهدات الدولية، ومبادئ القانون العامة التي أقرتها "الأمم المتمدينة"، وهناك مصادر ثانوية (يقضي النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية بالمادة ۳۸ بأن ترجع محكمة العدل إليها إذا لم تسعفها المصادر الثلاثة الأصلية)، وهى أحكام المحاكم ومذاهب كبار فقهاء القانون الدولى العام في مختلف الأمم.

والقانون المدنى فى مصر له مصادر ثلاثة: التشريع ثم العرف ثم الشريعة الإسلامية - هذا في غير مسائل الأحوال الشخصية، أما المصادر للقانون المصري في مسائل الأحوال الشخصية فهي تتلخص في الدين، أي الديانات المختلفة في مصر باختلاف عقائد المصريين، ولقد نص الدستور المصرى الجديد على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع".

أما علماء الشريعة الإسلامية فإنهم -كما قدمنا- لم تتجه أنظارهم إلى بحث مصادر كل فرع من فروعها، ففكرة التخصص في كل فرع من فروع الشريعة كانت ولا زالت غير معروفة لديهم، وإنما تجدهم يذكرون المصادر أو "أدلة الأحكام"، للشريعة الإسلامية بوجه عام (أى بمختلف فروعها) فهم يقررون أن ثمة مصادر متفقًا عليها، وهى أربعة: القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس، وأن ثمة مصادر مختلفًا عليها بين علماء الشريعة أهمها: العرف والاستحسان والمصالح المرسلة، والاستصحاب، وشرع من قبلنا، ومذهب الصحابي إلخ....

خطة البحث وأهدافه:

لما تقدم أصبح واجبًا علينا -قبل أن نعالج البحث في "مبادئ نظام الحكم في الإسلام"، أو على حد تعبير رجال الفقه الدستورى: "المبادئ الدستورية في الإسلام"- أن نبحث أولاً: "مصادر الأحكام الدستورية في الشريعة" (في العصر الحديث).

وجدير بنا أن نوجه الأنظار إلى أننا رأينا أن نوجه البحث إلى "مبادئ نظام الحكم في الإسلام، لا إلى "نظام الحكم" في الإسلام، ذلك لأنه وإن كان قد عُرف في التاريخ الإسلامي نظام حكم إسلامي، إلا أن الإسلام -باعتباره شريعة من الشرائع السماوية- لم يأت "بنظام" معين من أنظمة الحكم فرض على المسلمين في كل زمان ومكان، وإنما هو أتى فحسب -فيما نعتقد وفيما سنبين– "بمبادئ" عامة تصلح لكل زمان ومكان في هذا الميدان: ميدان نظام الحكم (أو الميدان الدستورى).

فالتاريخ لم يعرف "نظامًا" من أنظمة الحكم يصلح لجميع الأزمنة والأمكنة، وليست الناحية التاريخية هي التي تهمنا -كما قدمنا- في هذا البحث، إنما الذى يهمنا هنا هو أن نتبين ثم نبين تلك "المبادئ": الدستورية الإسلامية العامة التي يمكن أن يقوم على أساسها بناء نظام حكم إسلامي في من العصر الحديث.

رابط مباشر لتحميل الكتاب

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الأربعاء, 08 تشرين2/نوفمبر 2023 16:51

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.