صدر هذا الكتاب المهم ضمن سلسلة "كتب الهلال" الشهرية الصادرة عن دار الهلال، رفق العدد 426 الصادر في يونيو 1986، وهو الكتاب الذي يتعرض فيه مؤلفه بالنقاش لقضية تطبيق الشريعة الإسلامية، وذلك من خلال التأكيد على إعلاء قيمة العقل ونبذ العنف والمصالح الأنانية الضيقة كطريق للخروج من المأزق الاجتماعي المعاصر،  اعتقادًا منه أنه حول هذه القضية بالذات تجتمع أغلب خلافات العصر، وهو بتعبيره "أقرب إلى تأملات شخص وإن لم يضلع في الخبرة والتخصص إلا أنه لا يبدى رأيًا دون حجة".  

أما المؤلف فهو د. محمد نور فرحات، وهو فقيه قانوني ومحامي بالنقض ومفكر وسياسي مصري معروف، عمل أستاذًا للقانون في كلية الحقوق في جامعة الزقازيق، وله العديد من الكتب والمقالات في مجالات فلسفة وتاريخ القانون وعلم الاجتماع القانوني وقضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان. كان عضوًا في المجلس الأعلى للثقافة، ورئيسًا للمكتب الدائم لحماية حق المؤلف، ونائبًا لرئيس المجلس القومي للمرأة. كما كان أحد أبرز المدافعين عن الدولة المدنية في مصر ومن مؤسسي المؤسسة المصرية لحماية الدستور. استعانت به الأمم المتحدة لتعديل دستور دولة منغوليا ودول آسيا الوسطى كي يتوافق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك بصفته كبير مستشاري الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. كما استعانت به الأمم المتحدة لوضع دستور دولة المالديف، ولتقييم احتياجات السودان في مجال المساعدة الفنية في حقوق الإنسان. واستعانت به المنظمة الدولية في تقارير التنمية البشرية عن الحريات والمرأة في الوطن العربي.

 

ومما جاء في مقدمته للكتاب:

"لعل أبرز سمات العقل المصري العام في العقدين الأخيرين هي ارتفاع حدة الجدل والنقاش -ولا أقول الحوار- حول عديد من القضايا التي باتت تشغل المصريين وتمثل همهم اليومي وشاغلهم العقلي: الهوية المصرية: أعربية هي أم اسلامية أم فرعونية أم الخليط من كل ذلك؟ الشخصية القومية: ما هي عناصرها الثابتة وعناصرها المتغيرة؟ والأصالة ثم المعاصرة وكيف نأخذ من كل بقدر وما هو المعيار الذي نأخذ به؟ وسبل النمو الاقتصادي وكيف السبيل إلى تلافى آثار الكوارث التي جرتها علينا «سياسة الانفتاح الاقتصادي» في حقبة السبعينات؟ والديموقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان وماهي أنسب الطرق من أجل تأمينها والحفاظ عليها وتطويرها؟ والتراث وماذا نأخذ منه وماذا ندع؟ وما هو المعيار الذي يحكمنا في ذلك؟ كل هذه أسئلة وغيرها الكثير والكثير التي ما فتئ المصريون يتجادلون حولها -ولا أقول يتحاورون- طيلة عقدين من الزمان. على أن أكثر ما يكون النقاش التهابًا وحده وأكثر ما يكون علوا في الصوت وحدة في النبرات وانفعالًا في العبارات عندما يتعلق الأمر بقضية تطبيق الشريعة الإسلامية.

ورأيي أن الموقف من هذه القضية ينطوي بالضرورة -صراحة أو ضمنا- على موقف محدد متبلور من كل القضايا السابقة. وكأن الفرقاء قد اجتمعوا على إفراغ خلافاتهم المتباينة في موقف محدد وواضح من قضية تطبيق الشريعة، وهكذا أصبح الموقف من تطبيق الشريعة -شئنا أم لم نشأ- موقفًا من مجمل القضايا التي يتحدد بها مسار تطورنا الاجتماعي الراهن. والنتيجة التي تترتب على ذلك، أنه لا مفر لأي مثقف ملتزم بقضايا مجتمعه ووطنه من مناقشة هذه القضية، ولا أقول بصراحة، لأن التأكيد على هذه الصراحة ينطوي على الاعتذار عن أمر من الواجب خُلقا أن يكون، والنتيجة المترتبة على ذلك أيضًا، هي إدانة كافة محاولات التهرب من الأسئلة التي تثيرها هذه القضية باستخدام صياغات انتهازية المظهر لا تقدم ولا تؤخر في المضمون والجوهر.

 

لابد إذن، إذا أردنا التعرض لقضايانا العقلية والاجتماعية الراهنة، ونحن ملزمون جميعًا بالتعرض لها، من مناقشة قضية تطبيق الشريعة، والمناقشة عندي التي لا أحيد عنها ولا أجيد غيرها هي مناقشة العقل، ذلك البعد الذي كثيرًا ما يغيب أو يتوارى خلف ضبابيات الانفعال بمناسبة هذه القضية بالذات، إذ اليقين لدى كل اليقين أن الطريق الوحيد للخروج من مأزقنا الاجتماعي الراهن هو طريق إعلاء قيمة العقل ونبذ التعصب والمصالح الأنانية الضيقة.

والعقل قد يغضب الآخرين والعقل قد يجلب على صاحبه اللعنات، والعقل قد يبهر، وفي هذه الحالة الأخيرة، عندما تنبهر الأمة بعقلها تفتح أمامها طاقات واسعة لطريق نوراني نحو القيام بدور في حضارة الإنسان، دور تذوب معه كل آلام الغضب وجراح اللعنات. وليس أكثر بؤسًا لنا من أن نقع فيما حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم «لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا فشبر وذراعًا بذراع وباعًا فباع حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه».

نحن إذن مقبلون على مناقشة قضية تطبيق الشريعة بمنهج العقل اعتقادًا منا أنه حول هذه القضية بالذات تجتمع أغلب خلافات عصرنا وليس ما تضمنه حديثي المسهب حول هذا الموضوع من قبيل الدراسات، بل هو أقرب الى تأملات شخص وإن لم يضلع في الخبرة والتخصص إلا أنه لا يبدى رأيا دون حجة قابلة للنظر والاعتبار، فمعذرة من نفسي عن الخطأ، وشكرًا لله على الصواب.

وتبقى بعد مناقشة قضية تطبيق الشريعة، وهي مناقشة تثير من الأسئلة أكثر مما تقدم من إجابات، أن تكون هناك كلمات محددة في عدد من قضايانا الاجتماعية التي تشغل بالنا اليوم بإلحاح مثل: هل تقبل في شعارنا عن سيادة القانون سيادة القانون الظالم أم أن هناك سيادة للعدل تعلو على سيادة القانون؟ وقانوننا لماذا فقد هيبته حتى طغى عصيانه والتحايل عليه على احترامه؟ وماهي أوجه الخصوصية في البناء الاجتماعي المصري التي تؤثر على موقف المصريين من السلطة والقانون؟ كل هذه أسئلة وغيرها أحاول أن أجتهد في وضع فروض للإجابة عليها بعد أن أفرغ من إثارة الأسئلة حول قضية تطبيق الشريعة، عسى أن تصبح هذه الأسئلة المشروعة وهذه الفروض المبررة أول الطريق نحو الاهتداء بالعقل والعقل وحده.

ولا أنوي أن أدخل بالقارئ في هذه المقدمة في موضوع تأملاتي وتفاصيلها، وإن كنت أجد لزاما على أن أقرر أن محورين بارزين تدور حولهما معظم هذه الآراء أو إن شئت كلها: محور الوعي بالتاريخ، لقناعتي أننا نشكل حضارة تاريخية لا نستطيع فهم واقعنا إلا برده إلى أعماق جذوره في تاريخنا الممتد، ومحور العلاقة بين المصريين وسلطة الحكم التي أرى أنها علاقة تاريخية تؤثر تأثيرًا فعالًا على كافة العلاقات الاجتماعية الأخرى.

وهنا أتوقف عن الحديث، تاركا القارئ وشأنه مع ما سطرت يداي مما تداعت به أفكاري، ونجاحي كصاحب وجهة نظر يرغب في نقلها للأخرين، يكون بقدر ما تتحدد أمام القارئ عند الانتهاء من القراءة مفارق الطرق، إذ ظني أن مصر الآن عند مفترق الطرق".

 

وقد جاء تقسيم موضوعات الكتاب كالتالي:

  • تطبيق الشريعة بين هتافات الدعاة وحقائق العقل.
  • الولاة والقضاة قراءات في حوليات تاريخ مصر الإسلامية.
  • الحس التاريخي ويقظة عقل الأمة.
  • الشهود والحدود.
  • الثوابت والمتغيرات في أحكام الشريعة.
  • المقاصد والمصالح والنصوص.
  • والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما.
  • التعزير والتراث والمعاصرة.
  • عن الشريعة والقانون وتطور أحوالنا الاجتماعية.
  • المأساة والملهاة والطريق إلى النجاة.
  • المصريون والقانون.
  • الدور السياسي للجماعات الهامشية في مصر.

 

رابط تحميل ملف الكتاب

 

هذا الكتاب هو دراسة جامعية للأستاذ هشام جعفر، لمعالجة مفهوم الحاكمية الإلهية، وما له من أبعاد سياسية. وهو الكتاب الذي اعتنى به المعهد العالمي للفكر الإسلامي وقام بتصديره د. طه جابر العلواني، وصدرت طبعته الأولي سنة 1995م ضمن سلسلة الرسائل الجامعية الخاصة بقضايا الفكر الإسلامي.

وتهدف هذه الدراسة إلى محاولة تحديد مفهوم شاع في الفكر السياسي العربي والإسلامي المعاصر، وأثار الكثير من الجدل والمعارك والخلافات، وتبنته كثير من الجماعات الفاعلة على الساحة السياسية، من خلال تأصيل وبناء مفهوم الحاكمية مقارنًا بمفاهيم الشرعية والمشروعية والسيادةً والثيوقراطية...، كمفاهيم مطروحة ومتداولة في العلوم السياسية. ومحاولة تكوين فهم صحيح وراشد يساهم في بلورة تعامل إيجابي مع هذه الجماعات يساعد في خروج الأمة من أزمتها، بالإضافة إلى محاولة الاستفادة من هذا المفهوم في تحديد أبعاد نظام سياسي يدور حول الحاكمية ويتخذ منه قاعدة للانطلاق والحركة السياسية.

وقد تناول الكتاب مسألة الحاكمية من جوانب متعدد، حيث حاول الباحث تتبع آثار المفاهيم وصياغتها في الحياة الفكرية والحياة العملية في الوقت ذاته، إلى غير ذلك من الجوانب المعرفية الهامة، كما أنها فتحت باب المراجعة والدراسة والتحليل والنقد لهذا المفهوم ولشبكة المفاهيم المتعلقة والمتصلة بالمفهوم، كما فتحت باب إعادة القراءة والنقد والتمحيص والتحليل والتفكيك وإعادة التركيب لهذا المفهوم ذي الآثار الخطيرة في الفكر الإسلامي المعاصر.

ومما جاء في مقدمة الباحث:

"برز في الفترة الأخيرة على مستوى الفكر السياسي العربي والإسلامي مفهوم (الحاكمية) الذي طرحه بعض المفكرين الإسلاميين وتلقفته بعض الحركات الإسلامية واتخذت منه محوراً وهدفًا لمواجهة واقع النظم السياسية القائمة وواقع المجتمعات المسلمة.

واختلف الفكر الإسلامي والعربي المعاصر حول تحديد هذا المفهوم وتأصيله وتحديد مدى إسلاميته، ومدى ملاءمته للظروف العربية والإسلامية الراهنة فثمة اتجاه يرى أن هذا المفهوم إسلامي يعبر عن جوهر النظرية الإسلامية السياسية والقانونية، وأنه يجد جذوره في الأصول المنزلة والتراث الإسلامي وأن دور أبي الأعلى المودودي وسيد قطب لم يكن إلا كشفا لمفهوم أصولي موجود وذلك حينما وجدت البيئة التي يتعين تنزيل هذا المفهوم عليها، والواقع الذي يتعين حكمه بمضمون هذا المفهوم.

وهناك اتجاه آخر يرى أن هذا المفهوم ليس مفهومًا أصوليًا، وأن المفهوم طرحه -أول ما طرحه- الخوارج اعتراضًا على واقعة التحكيم بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، ثم أعاد طرحه مرة أخرى في العصر الحديث المودودي، وأنه يجب أن يفهم في إطار وضعيته وظروفه السياسية والاجتماعية التي عاشها في شبه القارة الهندية التي ارتبطت بمجتمع يدين غالبيته بدين غير الإسلام، هذا بالإضافة إلى تدهور وضع الأقلية المسلمة في الهند التي كانت لها الغلبة والحكم قبل مجيء الاستعمار الانجليزي لشبه القارة الهندية. فالمفهوم وفقًا لهذا الرأي إفراز لظروف تاريخية واجتماعية معينة.

وهكذا فإن مفهوم «الحاكمية» يواجه أزمة حقيقية ما بين غموض يحيط به نتج في كثير من جوانبه عن المواقف والتحيزات المختلفة التي اتخذت منه ما بين مؤيد أو معارض أو متحفظ عليه، مع افتقاد أغلبها للتأصيل المنهاجي الواضح للمفهوم. فالخوض في مفهوم الحاكمية والبحث في مضمونه ومشكلاته وأبعاده قد تحول على يد الخائضين فيه إلى نوع من الممارسات الثقافية العامة وليس كما تحتم طبيعة الموضوع وخطورته - كتفريعات على إشكالية علمية دينية وتشريعية صارمة، وإشكالية عملية تتعلق بفكر الجماعات الإسلامية وممارساتها، وهذه الروح والتناول الثقافي العام؛ قد أغرى الكثيرين بالخوض في المسألة وطرح الآراء ووجهات النظر المختلفة لها ، دونما أدنى حرج من افتقار هؤلاء إلى أبسط شرائط النظر والاجتهاد الفقهي والقانوني، ناهيك عن الاجتهاد الأصولي بوصف المسألة تتعلق في أحد جوانبها بأصول الدين. ولعل من شواهد ذلك المنزلق أن معظم الطرح لهذه المسألة قد جاء عبر المنابر الإعلامية والصحافية ذوات الاتجاه الثقافي العام غير المتخصص.

وبالإضافة إلى الغموض الذي يحيط بالمفهوم حين يعرض، فإن هناك خلط بينه وبين مفاهيم أخري متعددة أو أحكام تبنى عليه سواء فيما يتعلق بالفرد أو المجتمع أو الدولة، فالباحث سيجابه ببعض الدراسات والأدبيات التي ترادف بين مفهوم الحاكمية وبين مفاهيم أخرى ترتبط بالخبرة الأوروبية تتناقض مع المفهوم أو تقصر عن التعبير عن كماله، مثل مفهوم السيادة والثيوقراطية. أما فيما يتعلق بالخبرة الإسلامية فهناك كثير من المفاهيم التي ترتبط بمفهوم الحاكمية وتتساند معه أو تتناقض معه، وقد استخدمت بعض الأدبيات والكتابات هذه المفاهيم كمرادف لمفهوم الحاكمية نتيجة التداخل والتشابك بين مفهوم الحاكمية وبين هذه المفاهيم في بعض المساحات والدلالات المنهاجية، إلا أنه يظل رغم هذا التداخل لكل منها تميزه واختلافه وخصوصيته.

وفي هذا السياق تسعى هذه الدراسة لبحث هذا الموضوع. وتدور مشكلة الدراسة حول تأصيل مفهوم الحاكمية وتتبع جذوره في التراث الاسلامي وارتباطه بالحركات التاريخية وتحديد موقع هذا المفهوم في إطار النظرية السياسية الإسلامية مقارنة مع النظرية السياسية الغربية".

 

أما تقسيم الكتاب فكان كالتالي:

تصدير د. طه العلواني للكتاب

مقدمة الباحث "أ. هشام جعفر"

ثم ثلاثة فصول وخاتمة:

الفصل الأول: وقد تناول فيه الباحث النسق القياسي لمفهوم الحاكمية عبر ثلاثة مباحث، وانقسم كل منها إلى جزئين أساسين:

ففي المبحث الأول؛ تناول الباحث معاني ودلالات الحاكمية في اللغة والأصول بالإضافة إلى ملامح التحيز في التعامل مع مفهوم الحاكمية. أما المبحث الثاني؛ فقد خصصه الباحث لدراسة طبيعة العلاقة بين مفهوم الحاكمية ومفهوم الشرعية في الرؤية الإسلامية، بالإضافة إلى بحث ودراسة مستويات الحاكمية. والمبحث الثالث؛ يدرس طبيعة العلاقة بين مفهوم الحاكمية ومفهوم الاستخلاف وذلك من خلال دراسة طبيعة العلاقة بين العقل والوحي أو العقل والنص كقضية أثيرت في التراث الإسلامي، مع ذكر الأبعاد التي اتخذتها في الوقت الحاضر.

أما الفصل الثاني: فقد تناول فيه الباحث الدلالات السياسية والمنهاجية لمفهوم الحاكمية من خلال ثلاثة مباحث أساسية، يتناول:

المبحث الأول الحاكمية والفصل في الخلاف بين الناس باعتبارها قضية حضارية ذات أبعاد سياسية ومنهاجية، بعدها السياسي يرتبط بالتعددية من منظار الإسلام وما يرتبط بها من قضايا أخرى مثل تحديد مضمون الاختلاف والقضايا أو الحدود التي لا يجوز تجاوزها في الخلاف. أما بعدها المنهاجي فيتعلق بالعلاقة بين المطلق والنسبي والثابت والمتغير. أما المبحث الثاني فيعرض لقضية الحاكمية وتحقيق مصالح الناس في الدارين، ويرتبط بذلك المقارنة بين مفهوم المصلحة في الخبرة الغربية ومفهوم «المصلحة الشرعية» في التصور الإسلامي. أما المبحث الثالث؛ فيعرض لضمانات فعالية مفهوم الحاكمية في تقييد السلطة، ويقتضي ذلك التعرض لجوهر المشكلة السياسية من خلال دراسة طبيعة الدولة الحديثة مع بيان الضمانات التي يقدمها كل من النموذج الإسلامي والنموذج الغربي لحل هذه المشكلة.

أما الفصل الثالث: فيعرض المفهوم «الجاهلية» باعتباره مفهومًا لصيقًا بمفهوم الحاكمية ويطرح في أغلب الأحيان كمناقض له، وهذا العرض يقتضي التعرض لدلالات مفهوم «الجاهلية» في اللغة والأصول، مع الإجابة عن تساؤل مطروح بشدة في الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر يتعلق بما إذا كانت الجاهلية حالة موضوعية أم فترة تاريخية انقضت ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم مع بيان مستويات الجاهلية بالإضافة إلى مقوماتها وخصائصها.

أما الخاتمة: فتعرض للإطار التحليلي المستخلص من تناول وتأصيل مفهوم الحاكمية وإمكانية الاستفادة منه في دراسة وفهم الواقع العربي والإسلامي.

رابط تحميل ملف الكتاب

أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه أجيزت بكلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1987م للدكتور رجب عبد التواب كدواني، والذي تقلد العديد من المناصب بالحكومة المصرية، وتفرغ للعمل الأكاديمي بجامعة الملك عبد العزيز لأكثر من ستة وثلاثون عامًا أسس خلالها العديد من التطبيقات الأكاديمية والعملية بالقطاع الخاص والعام، وله العديد من المؤلفات والأبحاث والدراسات التي نشرت من خلال المؤسسات العلمية التي عمل بها، كما شارك في تأسيس العديد من المؤسسات الدولية المتخصصة في الشرق الأوسط وأوروبا.

وتنطلق أهمية هذا الكتاب -حسبما أشار إليها المؤلف- من حقيقة مؤداها أن التأمين التعاوني الإسلامي لم تسبق فيه دراسات مستقلة، كما أن التعاون في الإسلام لم يولّه الفقهاء الاهتمام الكافي من حيث بيان أصوله وقواعده وأحكامه - وإن كان بعض الفقهاء قد استخدم مصطلح "عقد التأمين" الأمر الذي أوحى بوهم شائع هو أن الشريعة الإسلامية لم تعرف "التأمين" خاصة بعد أن تركزت جهود العلماء المسلمين وأبحاثهم في بيان الحكم الشرعي في التأمين الوضعي كمعاملة حديثة وافدة من غير بلاد الإسلام، منذ بوادر ظهوره في عصر الفقيه ابن عابدين حتى الآن، واحتدم الخلاف بينهم في حكمه، فمنهم من حرمه مطلقًا، ومنهم من أجازه مطلقًا، ومنهم من أجاز بعض صوره وحرم بعضها الآخر، وانتهت بعض الأبحاث والرسائل العلمية إلى أن الشريعة الإسلامية قد اشتملت على أحكام تأمينية تغني عن التأمين الوضعي، غير أن هذه الدراسات والأبحاث قد أشارت إلى ذلك كنتائج عامة، ولم تبين أصول هذا التأمين وقواعده وأحكامه العلمية مما استوجب تخصيص هذه الدراسة لبحث التأمين الإسلامي، والتعاون الإسلامي وعلاقته بذلك التأمين.

 

ضرورة بحث أصول التأمين:

التأمين التعاوني فرع من فروع التأمين تحكمه مبادئه وقواعده وأحكامه، ويستلزم ذلك ما يلي:

أولاً: ضرورة بحث أصول التأمين الوضعي خاصة مقاصده وغاياته والمصالح والمفاهيم والمصطلحات والقواعد والمبادئ العامة التي تحكمه دون الدخول في الجزئيات والتفصيلات التي لا تستقيم ومنهج هذا البحث وأسلوب المقارنة فيه.

ثانيًا: دراسة التأمين الإسلامي من ناحية أصوله ومبادئه وقواعده وأحكامه وتقسيماته.

ثالثًا: دراسة التأمين التعاوني كصورة من صور التأمين وأحد فروعه وتطبيقاته.

رابعًا: تقسيم الدراسة الى قسمين رئيسيين يخصص أحدهما لدراسة التأمين بوجه عام – أو أصول التأمين – وأن يخصص الثاني لدراسة التأمين التعاوني أو التأمين في صورته وشكله التعاوني.

خامسًا: أن يخصص فصل في نهاية الدراسة للمضاهاة بين التأمين الوضعي والتأمين الإسلامي، وبيان العناصر الفارقة بينهما.

وانطلقت الدراسة من تساؤل رئيس مؤداه: هل عرفت الشريعة الإسلامية التأمين؟ وإذا كانت قد عرفته فما هي أصوله؟ وما هي صوره، وما هي أحكامه؟

وللإجابة على الإشكاليات والتساؤلات التي أثارها المؤلف، فقد قسم دراسته إلى أربعة أجزاء على النحو التالي:

  • الجزء الأول: أصول التأمين الوضعي.
  • الجزء الثاني: أصول التأمين الإسلامي
  • الجزء الثالث: التأمين التعاوني الوضعي
  • الجزء الرابع: التأمين التعاوني الإسلامي

 

وقد اختتم الباحث الجزء الرابع من كتابه ببيان موجز للعناصر الفارقة بين التأمين الإسلامي والتأمين الوضعي، وهي:

  • تتضمن الشريعة الاسلامية منهجًا كاملا للتأمين يستمد أحكامة من مصادر التشريع الأساسية، وهى القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الأئمة، وباقي المصادر الفرعية الأخرى، ويتفق هذا التأمين مع عقيدة المجتمع المسلم وله نفس خصائص التشريع الإسلامي، ومقاصده، وغاياته، ويقوم على التعاون الإسلامي في جميع صوره وأحكامه، أما التأمين الوضعي الحديث فكانت نشأته وليدة التجربة والحاجة إلى حماية التجارة البحرية، ثم التجارة البرية، ثم ظهرت أنواعه الأخرى نتيجة لتطور المدنية وانتقال المجتمع الغربي من الإقطاع الزراعي إلى الرأسمالية التجارية والصناعية، وانقسام هذا المجتمع إلى طبقتين طبقة الرأسماليين وطبقة العمال والموظفين، ونشوء الإحساس بالقلق والخوف من المستقبل، وقد أدت عيوب النظام الرأسمالي إلى ظهور المذاهب المتطرفة كالمذاهب الفاشية والتجربة الشيوعية، ثم ظهر النظام التعاوني الذى انبثق عنه التأمين التبادلي للتخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي أحدثها النظام الرأسمالي، ثم وجد المشرع الوضعي أن ترك الحرية لشركات التأمين لتنظيم عمليات التأمين قد أدى إلى مساوئ كثيرة، فتدخل لتنظيم التأمين بقواعد آمرة، وقوانين تنظم عقوده، وتحمي المستأمن من شروطه التعسفية، وأممت بعض الحكومات التأمين، ومارست بعض أنواعه حكومات أخرى، واحتكره الاتحاد السوفيتي، فتباينت نظمه وتطبيقاته، وتعددت أشكاله، وأنواعه.
  • الغاية التي يهدف اليها التأمين الإسلامي هي تأمين المسلم في حياته الدنيوية وحياته الأخروية وضمان الحياة الطيبة ووقايته من الأذى وسلامته من الضرر في الدنيا وضمان النعيم المقيم والخلود في الجنة والوقاية من مخاطر الآخرة وعذابها وفزعها وأهوالها ونجاته من النار في الآخرة، أما التامين الوضعي فغايته تعويض المستأمن عن الخسارة المالية التي قد يتعرض لها نتيجة تحقق خطر يخشى وقوعه في المستقبل في مقابل ثمن لابد من دفعه لهذا الضمان، ولا يضمن التأمين الوضعي الحماية من وقوع هذه الأحداث ولا الوقاية منها، والعوض المالي هو وسيلته الوحيدة لمواجهة الكوارث ومشاركة الغير في تحمل أعبائها، وبدون هذه الطريقة يتحمل من أصيب بالكارثة وحده ويلاتها.
  • يرتكز التأمين الاسلامي على العقيدة الإيمانية، وعلى الدعاء والطلب من الله والعمل بالتكاليف الشرعية، وينقسم إلى قسمين رئيسيين، هما التأمين الأخروي والتأمين الدنيوي، أما التأمين الوضعي فلا يعرف تأمين الإيمان ولا تأمين الدعاء ولا تأمين العمل بالتكاليف، ولا يعرف التأمين الأخروي.
  • يضمن التأمين الإسلامي الوقاية من الحوادث الاحتمالية ولا يجبر إلا الحوادث الواقعة فعلاً، سواء كانت إرادية أم غير إرادية، أما التأمين الوضعي فلا يقبل إلا الخطر المحتمل ولا يؤمِّن مطلقًا الكوارث التي حدثت فعلاً، وإذا تخلف الاحتمال يكون التأمين باطلاً.
  • أداءات التأمين الإسلامي تكاليف شرعية على سبيل الفرض والإلزام أو الطوع والاختيار، أمرًا ونهيًا، فليس في أداءات التأمين الإسلامي معنى المعاوضة، وإنما هي إلزام من الشارع وطاعة من المكلف تأمينًا لآخرته وإذعانا لأمر االله، أما في التأمين الوضعي فلابد من أن يدفع المستأمن ثمن التأمين على هيئة أقساط أو اشتراكات، فلا تأمين بلا ثمن.
  • المصلحة الشرعية هي أساس التأمين الإسلامي، وعليها يتوقف وجود التأمين وعدمه، وهى مصالح أخروية، ومصالح دنيوية، أما في التأمين الوضعي فالمصلحة دائمًا اقتصادية تتمثل في العوض المالي عن الخسارة المتحققة، وفى حدود المبالغ التي يدفعها المستأمنون، وهى لا تشمل المصالح الدينية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية العامة فهذه المصالح غير قابلة للتأمين.
  • من حيث وظائف التأمين وخصائصه فيتميز التأمين الإسلامي بالعمومية والشمول لجميع الاحداث التأمينية في الدنيا والآخرة، ولجميع الأخطار ولجميع فئات المجتمع، ويرتكز على الربط بين الإيمان والتأمين والعمل بالتكاليف الشرعية، وربط التأمين الأخروي بالتأمين الدنيوي وجعل كل منهما سببًا ومسببًا للآخر، أما التأمين الوضعي فوظيفته الأساسية تحقيق الأمان وحماية المستأمن من الأخطار، وتتمثل هذه الحماية في دفع مبلغ من المال لمواجهة الخسائر المالية في حالة تحقق الخطر المؤمن منه.
  • شرع االله التعاون لتحقيق المصالح الدنيوية والأخروية ويتميز في الإسلام بالشمول فيشمل جميع الأعمال التي يحتاج فيها الفرد إلى معونة غيره على مستوى الأفراد والجماعات والأمة الإسلامية بأسرها بينما التعاون الوضعي يعتبر أداة لتمكين الطبقات الفقيرة والمتوسطة من مقاومة الاستغلال أو تجنبه.
  • يُعد التعاون الإسلامي واجب ديني ملزم يرتب التزامات عقائدية وتعبدية واجتماعية واقتصادية والتزامات مالية تؤخذ من القادر لتؤدي إلى غير القادر بغير عوض مادي، أما التأمين الوضعي فيستهدف المنفعة المادية فقط على أساس التبادل والتقابل، ولابد من دفع مقابل للحصول على هذه المنافع والدافع الاقتصادي هو أساس انضمام الأفراد لأي مشروع تعاوني ومن لا يستطيع أن يدفع المقابل لا يستفيد من مزايا التعاون الاقتصادية.
  • ينقسم التعاون الإسلامي من حيث وسائله إلى تقديم العون بالنفس واليد وبالمال وبالرأي وبالجاه، ولا يعرف التعاون الوضعي سوى العون الاقتصادي ولابد من دفع مقابل لذلك العون.
  • ينقسم التعاون الإسلامي من حيث الفئات المتعاونة إلى تعاون قرابي وتعاون جواري وتعاون أخوي عام كواجبات دينية ملزمة، ولا يعرف التعاون الوضعي سوى التعاون بين الفئات الضعيفة اقتصاديًا والمحدودة الدخل والقادرة على دفع ثمن ما يقدم لها من عون.
  • التأمين التعاوني الإسلامي يأخذ بأسباب الوقاية من الأحداث المتوقعة مستقبلاً، ويجبر الأحداث الواقعة فعلاً، بينما يقوم التأمين الوضعي على المخاطرة والاحتمال وتوقعات المستقبل ويؤمن الأحداث المحتملة ولا يؤمن الأحداث الواقعة.
  • عقد التأمين التعاوني الإسلامي عقد إلزام شرعي أو التزام طوعي بدون مقابل مالي، وأداءاته المالية تؤخذ من ملتزم بحق جبرًا أو اختيارًا، بينما عقد التأمين التعاوني الوضعي عقد احتمالي ومن طبيعته الاحتمال والخطر، وعقد معاوصة ملزم لطرفيه، ولابد أن يدفع فيه المستأمن مقابلاً لما يحتمل أن يأخذه من عوض، وهو من عقود حسن النية يخضع فيه المستأمن للجزاءات التأمينية المدنية من وقف وفسخ وسقوط وبطلان وله نفس خصائص عقد التأمين العادي.

التأمين التعاوني الإسلامي يقدم خدماته التأمينية للمستحقين شرعًا، ولغير القادرين، وبما يكفي حاجاتهم ويرقى بهم إلى مستوى القادرين بدون مقابل مادي أو تعهد بدفع مقابل مالي،  أما التأمين التعاوني الوضعي فلا يقدم أي خدمات تأمينية لغير القادرين على شراء التأمين، ولا يقدم خدماته إلا للقادرين على شراء التأمين ودفع تكاليفه.

رابط مباشر لتحميل الجزء الأول من الكتاب

رابط مباشر لتحميل الجزء الثاني من الكتاب

رابط مباشر لتحميل الجزء الثالث من الكتاب

رابط مباشر لتحميل الجزء الرابع من الكتاب

يعد هذا المؤلف من المؤلفات المهمة في موضوعه، وهو عبارة عن رسالة الدكتوراة التي نال بها الدكتور شفيق شحاتة الدرجة في القانون في ثلاثينيات القرن الماضي، وكان الأستاذ المشرف عليه هو فضيلة الشيخ أحمد إبراهيم. ود. شفيق شحاتة مفكر مسيحي قبطي يعد من كبار أساتذة القانون، وتعتبر دراساته غاية في العمق، وكانت كتاباته في القانون المدني شديدة التأثر بالفقه الإسلامي، حتى إنه شغل منصب أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة باريس، وكان نابهًا ويعتبر حجة في فهم تلك الشريعة وأصولها وفروعها، وله مؤلفات قيمة، من أهمها كتابه (الاتجاهات التشريعية في قوانين البلاد العربية).

أما عن طريقته في هذا المؤلف فكان يري د. شفيق أن "خطة" تناول النظرية العامة للالتزامات لم تكن مما ترتضيه دائمًا القواعد العلمية، فمن جهة، أن من تصدى من العلماء الغربيين لمعالجة مثل هذه المسائل، لم يصلوا أبدًا إلى تفهم روح النصوص. وهم في الغالب، يجهلون أيضًا اللغة التي وردت بها هذه النصوص. أما المستشرقون، فلا نجد بينهم القانوني الفقيه، الذي سرعان ما يلحظ، ما للنص من خطر. ومن جهة أخرى، نرى المؤلفين الشرقيين تنقصهم الروح العلمية، ومؤلف (سافاس باشا) على شهرته، مثل ناطق لهذا النقص. وكذلك الأمر في الرسائل والمؤلفات، التي حاول فيها مؤلفوها، التقريب بين الفقه الإسلامي، وآخر ما وصلت اليه اتجاهات المحاكم في عصورنا هذه، فما كان من تأثير حماسهم الصبياني إلا مسخ الشريعة الإسلامية.

لذلك ذهب د. شفيق شحاته إلى أنه من المتعين وضع -في مواجهة هؤلاء وهؤلاء- الطريقة التي يرى وجوب اتباعها، وقد سماها "الطريقة الموضوعية التاريخية"؛ لأنها تتناول مواضيع البحث وتقررها كما وردت في النصوص، مراعية في ذلك منتهى الأمانة، ثم هي تتبع هذه النصوص على مدى الأجيال، لتتلمس تطورها التاريخي. فهي قائمة على فكرة أساسية، ألا وهي، أن التشريع كائن حي، وليد الهيئة الاجتماعية، ينمو بها ولها، ويتطور معها، ويحمد عند جمودها، وهذه الطريقة تعمد لذلك، إلى المسائل. فقد رأي د. شفيق أن التشريع الإسلامي لم يهتم إلا بالمسائل، فإذا أردنا تفهمه على حقيقته، وجب أن تقصى المسائل، ونستوعب ما ورد عليها من الحلول. فتكون هي الحجارة التي بها يتم بناء هيكل النظريات، بصرف النظر عما حشر في الكتب حشرًا، لتفسير هذه الحلول، إذا كانت هذه التفسيرات لا تتفق والواقع، فمن يتصفح كتب الفقه، يتبين أن التفسير الذي يرد على الحلول، لا يكون صادرًا دائمًا عن مبادئ عامة، متمشية في جميع أجزاء الجسم الواحد، بل هو يرمى إلى تبرير الحل، الذي ورد بشأنه فقط، تبريرًا يستند سواء إلى فكرة مقبولة عقلًا، أم إلى أن حلولًا مشابهة قد جاءت في مناسبات أخرى.

ومما جاء في مقدمة المؤلف:

"إن صرح القانون مشيد على فكرة الالتزام. وقد ارتدت هذه الفكرة في القانون الخاص، رداءً خاصًا، حيث ظهرت في صورة الحق الشخصي، المقابل للحق العيني. ثم هي فيه، تخضع لقواعد عامة، تحكم مختلف المسائل التي تعرض للالتزام. وقد استخلص هذه القواعد فقها. الرومان، ونقلت عنهم في القوانين المستمدة من التشريع الروماني. وجمعت هذه القواعد، النظرية المعروفة بالنظرية العامة للالتزامات، وهي نظرية أجمعت الآراء، على أنها من خير ما أنتجت قريحة الرومان القانونية.

أما في الشريعة الإسلامية، فقد وجه الفقها، جهودهم نحو الحلول الفرعية، ولم يحاولوا وضع قواعد عامة، تحكم الالتزام في مصادره، وفي آثاره، وفي طرق انقضائه على أن بالشريعة الإسلامية كنوزًا من الأفكار والآراء والتصورات القانونية، فاذا نحن أردنا الانتفاع بها، يتحتم علينا أولًا الوصول إلى القواعد العامة التي تحكمها جميعًا، اذ لا يقوم العلم إلا على أساس من القواعد العامة.

ثم إن الفقه الاسلامي، قام وترعرع في مدى أجيال عديدة، وساد في مختلف الأقطار التي جمعتها المدنية العربية، تلك المدنية التي تركت آثارًا خالدة في جميع مناحي العلوم والفنون. فليس من الغريب إذًا أن يكون أثرها كذلك في ناحية التفكير القانوني. وفي الواقع قد ظهر هذا التفكير في صورة من أبهى صوره، ولا تزال آثار هذا التفكير من أنفس ما يدخر الشرق من التراث العلمي.

فمن العقوق إذًا أن يهمل هذا التراث، ومن العناية به أن يحمد إلى التأليف بين فروعه. ففي جميع الأمم وفي مختلف العلوم عمد العلماء إلى التركيب بعد التحليل. وقد قام الفقهاء بقسطهم الوافر من التحليل، فيتعين إذًا البدء من حيث انتهوا، وبهذا العمل نكون قد وصلنا ما كان قد انقطع. فعسى أن يكون الاهتمام بالآثار القانونية لفقهاء المسلمين على هذا الوجه. فاتحة عصر إحياء لتشريع، لا يمكن أن يكون غيره، ملائمًا مثله، في بلاد كانت مهدًا لله ومرتعًا".

أما تقسم الكتاب؛ فكان كالتالي:

مقدمة عامة

  • طريقة البحث
  • عرض عام لنظرية الالتزام في الشريعة
  1. القسم الأول الالتزام في ذاته
  • الكتاب الأول: طرفا الالتزام
    • الباب الأول في تعدد الملتزم لهم
      • الفصل الأول: في الالتزام لمتعدد بغير متضامن
      • الفصل الثاني: في الالتزام لمتعدد بغير متضامن
    • الباب الثاني في تعدد الملتزمين
      • الفصل الأول في تعدد الملتزمين بغير تضامن
      • الفصل الثاني في التضامن بين الملتزمين
  1. القسم الثاني مصادر الالتزام
  2. القسم الثالث الفكرة الإسلامية للالتزام

رابط تحميل الكتاب

يُنشر هذا الكتاب للمرة الأولي على الشبكة العنكبوتية (الانترنت) بشكل حصري لموقعنا حوارات الشريعة والقانون بتصريح من المؤلف شخصيًا

يعرض هذا الكتاب منهجًا أصيلًا شاملًا للفقه في الاسلام ينطلق من الوحي كتابًا وسنة، بعيدًا عن التصورات الخاطئة والمفاهيم المستحدثة للفقه والعلم والدين، وتصورًا للفقه يشمل كل أوجه النشاط الانساني علمًا وعملًا، في محاولة أن تسهم هذه النظرة الشمولية في إعادة صياغة المقاربة الإسلامية للأسئلة والقضايا المعاصرة في كل المجالات، بناء على رؤية كونية مستمدة من الوحي ومبنية على مقاصده المنهجية، وبالتالي تعتمد الدور الشامل للعلماء والفقهاء في دراسات الأصول، والدراسات التخصصية المعاصرة، ودراسات الظواهر، والدراسات المؤسسية بعيدة المدى.

ويرسم الدكتور جاسر عودة في هذا الكتاب ملامح خطة متكاملة ومركّبة لإحداث نقلة منهجية في الاجتهاد الإسلامي المعاصر في ضوء الكتاب والسنة وفي عدد من المستويات والمجالات. والإطار العام للمنهجية المقاصدية التي يطرحها الكتاب يأتي في سياق الاستفادة من محاولات التجديد التاريخية والمحاولات المعاصرة للتجديد الفقهي الإسلامي وقراءتها قراءة نقدية.

ومما جاء في مقدمة الكاتب:

للفقه في الإسلام معنى شامل ونظام مفتوح، وليس الفقه تخصصًا محدودًا في مقابل بقية التخصصات، ولا كتبًا بعينها ألفت في الماضي وأغلق مجال الإضافة عليها، وكثيرًا ما يستشيرني صفوة من شباب وشابات الأمة من مختلف البلاد في أن يتركوا العمل أو دراسة التخصص الذي يسمونه دنيويًا أو حياتيًا من أجل التفرغ لدراسة الفقه والعمل في خدمة الدين على حد قولهم، وقد يستدلوا بقول الله تعالى: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) [التوبة: ١٢٢]، وردي عليهم دائمًا هو أننا كأمة نحتاج إلى العودة إلى المعاني الأصلية لا المستحدثة للفقه والعلم والدين، وهي معان شاملة جامعة، وهو ما يعني في حقهم أن يطبقوا منهجية إسلامية أصيلة على تخصصاتهم وأعمالهم نفسها كل في مجاله العلمي أو العملي، وأن يصنعوا بذلك فقهًا جديدًا لعالمنا المعاصر منطلقًا من علم أصيل بالوحي كتابًا وسنة، لا أن يدرسوا فقط تاريخ الفقه بالمعنى المذهبي الذي صنعته أمة مضت لعالم مضى، إلا ما كان من الجوانب التعبدية الثابتة بطبيعة الحال، وإذا أسهم هذا الفقه الجديد في قيادة البشرية نحو تحقيق مقاصد الخالق من الخلق في الواقع المعيش، فهذه هي الخدمة الحقيقية للدين أي نظام الحياة الإسلامي الشامل.

والحق أن سؤال الشباب هذا هو من أعراض الأزمة المنهجية التي يعيشها الفقه الإسلامي -بالمعنى الأصلي الشامل للفقه، والتي نحاول أن نتصدى لها بالمنهجية المقاصدية التي نؤصل لها ونشرح إطارها العام في هذا الكتاب. هذه الأزمة المنهجية تتمثل في الافتقار المقاربة إسلامية للعلم بمعناه الشامل، وشيوع تصور علماني للدين في ثقافات المسلمين حتى عند بعض النخب الإسلامية، فأدى ذلك إلى فصل غير سليم بين (علوم الدين) و(علوم الدنيا)، وبين التعليم الإسلامي) و(التعليم المدني)، وبين (البحث الفقهي) و (البحث التخصصي)، وهذه التقسيمات كلها ليست إسلامية.

وأدى القصور العلمي إلى قصور عملي في تفعيل معاني الإسلام في الواقع المعيش في شتی جوانبه، فاقتصر الدين في عموم ثقافات المسلمين على بعض العقائد المجردة، وبعض الشعائر التعبدية، وبعض أحكام الأحوال الشخصية والمعاملات المالية، وهو التصور العلماني للدين بامتياز. ولكن التصور الأصلي للدين بناء على الوحي – كتابًا وبيانه من السنة - يشمل كل أوجه النشاط الإنساني علمًا وعملًا، فيجتهد أهل الاجتهاد فيها جميعًا لتوجيهها نحو مقاصد الخالق تعالى من الخلق، والتصور الأصلي للدين يعتبر كل علم سليم القصد والمنهج علمًا نافعًا يوصل إلى فقه قلبي بمعرفة الله وخشيته، وإلى فقه عملي بالتطبيق والتفعيل في الواقع المعيش..

وفصول هذا الكتاب أصلها مذكرات محاضراتي التي صنعتها بغرض التدريب المنهجي للباحثين وطلبة الدراسات العليا الأعضاء في (شبكة المقاصد البحثية) و (برنامج الدراسات العليا في الفكر التطبيقي الإسلامي)، وهما مشروعان أساسيان من مشاريع معهد المقاصد، ذلك المعهد الذي يقوم على العمل فيه نخبة عجيبة من رجال ونساء هذه الأمة لا أرى إسهامهم في عمل المعهد وفي صياغة أفكار هذه المنهجية إلا نعمة خالصة من نعم المولى الكريم على أمتنا وعلي شخصيًا، وما عودني الله تعالى إلا حسنًا وما أسدى إلى إلا مننًا.

وقد اخترت في هذا الكتاب أن أبقي على صيغة المحاضرات، وليس صيغة البحوث العلمية المتعارف عليها من مناقشات تفصيلية اتفاقًا واختلافًا مع الآراء الموروثة والمعاصرة وهوامش مستوعبة وفهارس إلى آخره، إذ إن الموضوع متشعب جدًا، وحين شرعت في حصر الأبحاث والأفكار المقابلة لأفكاره الجزئية تكاثرت علي كظباء خراش لا يتسع ما يمكن أن أخصصه لهذا المشروع من وقت لاستيفاء ما تتطلبه من مناقشات اتفاقًا واختلافًا، فقررت أن أترك ذلك للمهتمين من الباحثين والنقاد جزاهم الله خيرًا، يتفقون معي فأستأنس بموافقاتهم، أو يختلفون ويصححون فندعو لمن أهدى إلينا عيوبنا. وعلى أي حال فإن همّي فيما يلي من العمر المحتوم - على قدر ما يتسع لذلك مما كتبه لي المولى الكريم من رزق - أن أوجه اهتمامي إلى تطبيق هذه المقاربة المنهجية تفصيلًا على كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وذلك للإسهام في الصياغة التفصيلية التطبيقية لذلك الفقه الجديد الذي ننادي به، والذي يحتاج إلى جهود مؤسسات فاعلة وجمهرة من الباحثين المتمكنين وليس هذا الباحث فقط على بضاعته المزجاة، وكل يعمل على شاكلته.

 

يتألف الكتاب من ستة فصول، يبدأ الفصل الأول منها بمقدمات حول المنطق التواصلي المقاصدي الذي تستنبطه المنهجية في ثناياها، ويناقش الفصل الثاني إشكالات المقاربات الاجتهادية المعاصرة؛ ومنها: تقليد التراث دون الرجوع للوحي، وتبرير الواقع دون نقد، وتناقض المصادر المعرفية، والتفكيك دون تفريق بين الوحي والثقافة. ويستعرض الفصل الثالث الأصول المعرفية وأصول الوعي وأصول الاجتهاد، والتي تعتبر مقدمات للبحث في المنهجية، كما أنها نتائج لهذا البحث الذي تم التوصل إليه عن طريق شبكات معاني الوحي التي تولدت عن مقاصده. بينما يتناول الفصل الرابع الخطوات المنهجية العامة للاجتهاد، أو ما أسماها "الخماسية المنهجية". ثم استعرض الكاتب في الفصل السادس ما أسماها "السباعية التصورية وطرق الكشف عنها"، مختتما فصول كتابه بالفصل السادس الذي طرح فيه صياغة جديدة مقترحة للدراسات الإسلامية.

رابط مباشر لتحميل الكتاب

_____________________________________________

* رئيس معهد المقاصد، وأستاذ كرسي الإمام الشاطبي في دراسات المقاصد بجامعة السلام العالمي بجنوب أفريقيا، ورئيس تحرير دورية دراسات مقاصدية معاصرة، وعضو مؤسس بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو بالمجلس الفقهي لأمريكا الشمالية، وعضو بالمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ورئيس مؤسس للمجلس الفقهي الكندي، وزميل بمجمع الفقه الإسلامي بالهند. كتب خمسة وعشرين كتابًا بالعربية والإنجليزية ترجم بعضها إلى خمس وعشرين لغة، منها: مقاصد الشريعة كفلسفة للتشريع الإسلامي، والاجتهاد المقاصدي، وفقه المقاصد، والمرأة والمسجد، ورحلة مع الحكم العطائية في ضوء السنن الإلهية، وخلاصة بداية المجتهد لابن رشد.

الصفحة 1 من 2