صدر حديثًا -عن دار النهضة العربية بالقاهرة- كتاب "فلسفة القانون" للأستاذ الدكتور السيد عبد الحميد فودة -أستاذ فلسفة القانون وتاريخه ونائب رئيس جامعة بنها لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، في عمل أكاديمي يعدّ من الإسهامات المعاصرة في مجال الفكر القانوني من زاوية فلسفية. ويمثل الكتاب جهدًا علميًا رصينًا يتناول فيه المؤلف الأسس الفلسفية التي يقوم عليها القانون، في محاولة لفهم العلاقة بين القانون والأخلاق، والعدالة، والسلطة، والنظام الاجتماعي، من خلال تحليل نقدي للمذاهب القانونية الكبرى، وتتبع تطور الفكر القانوني منذ العصور القديمة حتى الفكر المعاصر.
ومما جاء في تقديم الكتاب:
"إذا كانت فلسفة القانون تهدف إلى تحديد الغاية المثلى للقانون، وتوجهه نحو بلوغ هذه الغاية، وتقويم سيره كلما حاد عن الطريق القويم، وتوجيهه وتطويعه في يسر على مر السنين، وكثيرا ما دفعته أمامها دفعات قوية، بلغت حد الثورات العنيفة في بعض الأحيان، فإن دراستها لا تقل أهمية عن دراسة علم القانون، إن لم تفقها. ويكاد يجمع علماء فلسفة القانون على أنها تتناول ثلاثة موضوعات رئيسية، وهي: أساس القانون، وغايته ومنهجه، بالإضافة إلى تاريخ النظريات الفلسفية القانونية، وهذه الموضوعات الثلاثة تكون الهيكل العام لفلسفة القانون وهي وثيقة الصلة بعضها ببعض".
ويتضمن الكتاب عدة محاور رئيسة، حيث يفتتحه مؤلفه بمدخل تمهيدي يحدد طبيعة علم القانون وأهدافه، فيبدأ بتعريف فلسفة القانون باعتبارها وضح معالم الرؤية الفلسفية لمسائل التشريع والسلطة والعدالة، ثم يوضح منهج البحث المتبع في دراسته، مبينًا أدوات التحليل الفلسفي والمنهج الاستنباطي والتاريخي والمقارن. ينتقل الكتاب بعد ذلك إلى ترسيم نطاق علم فلسفة القانون وتمييزه عن الفقه القانوني الوظيفي، ويؤكد أهمية الإلمام بهذا العلم لفهم البنية النظرية للنظم القانونية، ويختتم التمهيد بعرض علاقة فلسفة القانون بالعلوم الأخرى، فتتضح الصلات الوثيقة مع الفلسفة النظرية وعلم النفس والأخلاق والاجتماع والقانون والسياسة.
في الباب الأول، يعالج الكتاب أساس القانون بتقسيم الباب إلى ثلاثة فصول، تبدأ بـ«المذاهب الشكلية» التي تصور القانون بوصفه شكلًا وقاعدة مجردة، فتعرض الوضعية القانونية، ومذهب أوستن، ومذاهب الشرح على المتون وهيجل وقلنسو وغيرهم، ثم تُجري تقييمًا نقديًا لهذه الاتجاهات، ثم يشرح الكتاب بعد ذلك «المذاهب الموضوعية»، التي تستند إلى واقع اجتماعي أو فلسفي، فتعرض القانون الطبيعي عبر العصور (اليونانية والرومانية والوسطى والحديثة) وتبدي تطوره، ثم ينتقل الكتاب إلى المذاهب الواقعية كالتاريخي والكفاح والغاية والتضامن الاجتماعي، مع إبراز أسس كل مذهب ونتائجه وتقييمه، وأخيرًا يستعرض «المذاهب المختلطة» كاتجاه جيني والأسس الواقعية والمثالية في الفقه المعاصر، فيجمع بين عناصر متعددة لتحديد جوهر السلطة القانونية.
أما الباب الثاني فيركز على غاية القانون؛ فيعالج أولًا «الأهداف الأيديولوجية» المتمثلة في المذهب الفردي الذي يقر بأولوية الحرية الفردية والمصلحة الخاصة، والمذهب الاجتماعي الذي يركز على المصلحة الجماعية والتضامن، ثم ينتقل إلى كون القيم محورًا لغاية القانون، فيفصل بين ثلاثة مباحث رئيسة: العدالة (تعريفها، مفاهيمها، أركانها وتقسيماتها المتنوعة من شكلية إلى توزيعية وتبادلية واجتماعية)، والأمن القانوني (ماهية هذا المفهوم، علاقته بالعدالة، مقوماته وسبل تحقيقه عبر القواعد والنظم)، والخير العام (التوفيق بين الخير الفردي والجماعي ودور الدولة في ضمانه).
وفي الباب الثالث، يستعرض المؤلف المنهج القانوني باعتباره إطارًا لتحليل القانون وتفسيره فلسفيًا، فيبدأ بـاستعراض «نشأة علم المنهج القانوني»، موضحًا ماهيته وعلاقته بفلسفة التحليل اللغوي من مدارس كامبريدج وأكسفورد وأدوات تحليل المفاهيم القانونية (الرمزي والواقعي والوظيفي)، ثم يتناول اللغة القانونية وأساليب التعريف والتفسير الاصطلاحي. بعد ذلك ينتقل الكتاب إلى بيان "صياغة التشريعات"، مستعرضًا تعريفها وأهميتها وعناصرها ومعاييرها (العمومية والتجريد)، وصور الصياغة (جامدة ومرنة، آمرة ومكملة، مادية ومعنوية)، مع بيان أخطاء وغموض النصوص. ويختتم الباب بـ«تفسير القواعد القانونية»، حيث يعرض تعريف التفسير ونطاقه وأنواعه (تشريعي وقضائي وفقهي)، إضافة إلى مدارس وطرائق التفسير اللفظي والمنطقي، ليقدم بذلك خارطة متكاملة لفهم كيفية بناء وتطبيق وتفسير القانون من منظور فلسفي.
لتحميل فهرس موضوعات الكتاب