الفكر العربي في عصر النهضة*

By أ. د. ألبرت حوراني** كانون2/يناير 13, 2025 183 0

يُعَدّ كتاب "الفكر العربي في عصر النهضة" لألبرت حوراني من أهم الأعمال التي تناولت التحولات الفكرية والثقافية في العالم العربي خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ويقدم الكتاب رؤية تحليلية عن الفكر العربي الإصلاحي في تلك الفترة، موضحًا كيف حاول المفكرون العرب التوفيق بين تقاليدهم الإسلامية وواقعهم الجديد، خاصة في ظل التغيرات الكبيرة التي شهدتها المنطقة بسبب الاستعمار الأوروبي والتأثير المتزايد للحداثة الغربية، حيث يتناول حوراني الفترة من حملة نابليون على مصر عام 1798 حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، باعتبارها محطة محورية في تطور الفكر العربي.

ويدرس الكتاب أطروحات شخصيات بارزة مثل رفاعة الطهطاوي، خير الدين التونسي، محمد عبده، جمال الدين الأفغاني، وعبد الرحمن الكواكبي، والذين حاولوا، بطرق مختلفة، الإجابة عن الأسئلة التي طرحها اللقاء المفاجئ بين الحضارة الإسلامية التقليدية والعالم الأوروبي المتقدم، وسعوا إلى حل المعضلة الجوهرية: كيف نتعامل مع هذا "الآخر" المتفوق تقنيًا وعلميًا مع الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية؟

ويتضح من الكتاب أن المجهود الفكري السياسي للعرب كان يهدف إلى التوفيق بين النظرية الإسلامية في الحكم والتغيرات السياسية والاجتماعية التي طرأت على العالم الإسلامي بفعل عوامل متعددة. هذا التوفيق بدأ بطيئًا وغير ملحوظ، لكنه تسارع مع الاحتكاك المباشر مع الحداثة الأوروبية في القرن التاسع عشر، وكان المسلمون بحاجة إلى ردّ فكري جديد لمواجهة هذا التحدي.

يسرد الكتاب هذه الحركة الفكرية، حيث يحاول المفكرون ضبط العلاقة بين الإسلام والحداثة، ويشير حوراني إلى أن الغرب الحديث اجتاح العالم العربي بسرعة، مما أدى إلى فجوة بين النظرية الإسلامية للحكم والواقع العملي الذي فرضه الاستعمار والمؤسسات الغربية المستوردة.

أمام هذا الواقع الجديد، وُلدت حالة من الاغتراب لدى المواطن المسلم، مما أدى إلى تساؤلات حول شرعية الدول ومدى توافقها مع المبادئ الإسلامية، وبُذلت جهود كبيرة لفهم هذه المعاناة. ويرى حوراني أن مفكرين مثل الأفغاني وعبده عالجوا القضية من منظور إسلامي تقليدي، بينما لجأ آخرون، مثل العلمانيين، إلى البحث عن حلول خارج السياق الإسلامي.

 

أما موضوعات فصول الكتاب فهي كالتالي:

الفصل الأول: الدولة الإسلامية، يناقش فكرة الدولة الإسلامية قبل النهضة، وتراجع الإمبراطورية العثمانية، وما أدى إليه هذا التراجع من دعوات للإصلاح.

الفصل الثاني: الإمبراطورية العثمانية، يتناول محاولات الإصلاح داخل الإمبراطورية وتأثيرها على الفكر العربي.

الفصل الثالث: الانطباع الأول عن أوروبا، يتناول أولى الرحلات إلى أوروبا وتأثيرها على المثقفين العرب، مثل رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي.

الفصل الرابع: الجيل الأول، يناقش محاولات الجيل الأول من المفكرين العرب الذين تأثروا بالغرب واستلهموا جوانب من النهضة الأوروبية، مثل الطهطاوي والتونسي والبستاني.

الفصل الخامس: جمال الدين الأفغاني، يركز على دعوته للإصلاح والوحدة الإسلامية.

الفصل السادس: محمد عبده، يتناول مسيرته وإصلاحاته التي حاولت الجمع بين الإسلام والعقلانية.

الفصل السابع: الإسلام والمدنية الحديثة (يناقش العلاقة بين الإسلام ومتطلبات العصر الحديث).

الفصل الثامن: القومية المصرية (يتناول صعود القومية المصرية والتفاعل مع الغرب).

الفصل التاسع: رشيد رضا (يتناول شخصية رشيد رضا ومحاولاته لإصلاح الفكر الإسلامي).

الفصل العاشر: طلائع العلمانية (يتناول دعاة العلمانية مثل شبلي الشميل وفرح أنطون).

الفصل الحادي عشر: القومية العربية (يتناول فكرة القومية العربية في مواجهة الاستعمار).

الفصل الثاني عشر: طه حسين (يناقش مسيرة طه حسين وأفكاره حول التعليم والإصلاح الثقافي).

الفصل الثالث عشر: خاتمة (يقدم فيها حوراني تحليلاً حول مستقبل الفكر العربي والتحديات المستمرة التي تواجهه).

وفي نهاية الكتاب، يشير حوراني إلى أن محاولات الإصلاح كانت دائمًا مرتبطة بالتفاعل مع الحداثة الغربية، إلا أن هذه المحاولات لم تُحقق نجاحًا كاملاً، ويظل العالم العربي بحاجة إلى إعادة التفكير في النهضة وأفكارها، والبحث عن طرق جديدة للإصلاح تتناسب مع متطلبات العصر.

 

لتحميل ملف الكتاب

______________________ 

* ألبرت حوارني، الفكر العربي في عصر النهضة (1798-1939)، ترجمة: ترجمة كريم عزقول، دار النهار للنشر، بيروت، 1968.

** ألبرت حوراني (1915 - 1993) هو مؤرخ وباحث بريطاني من أصل لبناني. ولد في مدينة مانشستر. يُعد واحدًا من أهم المفكرين في مجال دراسات الشرق الأوسط، عمل أستاذًا لمادة تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة أكسفورد حتى تقاعده عام 1979، كما درَّس في جامعة أكسفورد الفلسفة والسياسة والاقتصاد والتاريخ بكلية مريم المجدلية، ودرس أيضًا جامعات شيكاغو وبنسيلفانيا وهارفارد، وله تأثير كبير في فهم تاريخ العالم العربي، حيث يعتبر حوراني من بين المؤرخين الذين أسهموا في تطوير الدراسات التاريخية والفكرية المتعلقة بالمنطقة العربية، وكان له دور كبير في المدرسة التاريخية البريطانية التي اهتمت بتاريخ الشرق الأوسط الحديث.

Rate this item
(0 votes)

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.