هناك العديد من القضايا السياسية التي أُثير باستمرار الكثير من الجدل والخلاف حولها، فهو خلاف دائم خلاف يظهر للعلن بين الحين والآخر، دون أن يهمد مهما كان رجحان وقوة أدلة أي طرف من الأطراف.
ولقد انشغل الدكتور عبد الكريم بكار بدراسة بعض من تلك القضايا التي يثار حولها الخلاف، ومن ضمنها تلك التي تتعلق بنظام الحكم في الإسلام، كقضية تطبيق الشريعة الإسلامية، وقضية الخلافة، والعلاقة بين الدين والسياسة، والفرق بين الشورى والديمقراطية، ووضع الحاكم المتغلب في الإسلام، وما مدى الحرية في الإسلام؟ وهل هي مطلقة أم لها حدود؟ والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وقضية ولاية المرأة لأمور المسلمين، وولاية غير المسلم.
وهذا الأمر أشار إليه د. بكار في تقديمه لهذا الكتاب، حيث كتب يقول:
فإن مسألة الحكم من المسائل المهمة في حياة كل الأمم، ولا سيما في زماننا هذا حيث اتسع المجال الذي يمكن أن تتحكم فيه الحكومة، وتعكس عليه بالتالي ما لديها من صلاح وفساد وكفاءة وسوء إدارة، والحقيقة أن البشرية ظلت قرونًا طويلة حائرة في ترتيب الشأن السياسي وفي إدارة الشأن العام، وتجارب الإخفاق في ذلك أكثر بكثير من تجارب النجاح، وحين بزغت شمس الإسلام في ديار العرب كانت خبرة القوم في إقامة الدول ونُظم الحكم شبه معدومة، وخلال مدة وجيزة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وجد الصحابة رضي الله عنهم أنفسهم مسؤولين عن إدارة عدد من الأقاليم التي فتحوها في أنحاء مختلفة من الأرض، وقد شكل ذلك عبئًا كبيرًا عليهم بقدر ما أتاح لهم من اكتساب الخبرة في المجال السياسي والإداري.
إن الوظائف السياسية هي وظائف عليا، وذات جاذبية كبيرة، فالصالحون من المسلمين يحرصون على المناصب من أجل اتخاذها أداة لحماية الدين وخدمة المسلمين من جهة ولمنع الفاسدين من استغلالها لمصالحهم الخاصة من جهة أخرى، أما أصحاب المطامع فإنهم يسعون إلى السلطة لأنها تشكل طريقًا عريضًا إلى الثروة والنفوذ والجاه...، ويمكن القول: إن التاريخ الإسلامي حافل بالثورات على الحكومات وانتفاضات التمرد على النظم السياسية السائدة، فما تكاد الحكومة تتمكن من إخماد ثورة أو حركة احتجاجية حتى تنفجر ثورة جديدة في مكان ما من أرض الدولة الإسلامية، وهذا يعود إلى الكثير من الأسباب، والتي قد يكون من أهمها عدم الاهتداء إلى نموذج في إدارة الشأن العام يؤمن استقرار البلد دون الجور على حقوق الناس وكرامتهم، كما أن الأرض التي يبسط الحاكم المسلم سلطانه عليها كثيرًا ما كانت تتسع بسبب حركة الفتوحات الدائبة، مما جعل تراكم الخبرة السياسية والإدارية في التعامل مع الجماهير غاية في الصعوبة بسبب تغير المعطيات على نحو مستمر.
في السنوات الأخيرة تفجر الوضع السياسي في عدد من الدول العربية، وسقطت أنظمة حكم وقامت أنظمة جديدة، وقد ثار جدل عريض بين قطاع واسع من الشباب والكهول حول شكل الدولة التي ينبغي العمل على إقامتها، وما زال ذلك الجدل محتدمًا حتى هذه اللحظة، وقد تبين من خلال ما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي ضآلة ما لدى معظم الناس من معرفة بأسس الحكم ومبادئه الكبرى وأدواته وأشكاله، بل كثيرًا ما يكون ذلك مختلطًا ومشوهًا. وقد رأينا في بعض البلاد من نصب نفسه خليفة للمسلمين من خلال مبايعة بضعة ألوف من الناس له، كما رأينا من يعملون على إنشاء إمارة إسلامية على رقعة ضيقة من الأرض، وهذا كله إن دل على شيء فإنما يدل على حاجة الناس إلى قدر كبير من الثقافة السياسية المبصرة حتى لا يقتتلوا، وحتى لا يدمروا أوطانهم ومقدرات بلادهم.
إنني من خلال هذه المقاربة لأطمح إلى أن أبسط المفاهيم السياسية المعقدة وأن أزيل اللبس والغموض عن عدد منها بغية تخفيف التوتر الاجتماعي الذي ولده الجهل بطبيعة الدولة ووظائفها في العصر الحديث وبغية توليد رؤية مشتركة تجاه النظام السياسي الملائم لعصرنا.
وقد اختتم الكتاب بعدد من النتائج والتوصيات في آن واحد، يمكن إجمالها على النحو الآتي:
- لو نظرنا في القضايا التي يتناولها الفكر السياسي وتلك التي تتناولها السياسة الشرعية لوجدنا أن معظمها إن لم نقل كلها معقولة المعنى، واضحة الهدف بيِّنة العلة، ولهذا فإن التعامل معها ينبغي أن يتسم بالشجاعة.
- يخلص الكتاب إلى ضرورة إعمال مقاصد الشريعة ومبدأ سد الذرائع من أجل ترسيخ المبادئ العليا في الحياة العامة والمصالح الكبرى التي ينبغي أن يحققها الحاكم المسلم، ومن أهمها العدل والحفاظ على هوية الأمة والأمن والاستقرار وكرامة الناس وحريتهم، بالإضافة إلى الازدهار الاقتصادي ورفع مستوى الخدمات.
- إن العالم كله مرتبك في إدارة الشأن العام والقضاء على الفساد، ولاسيما أن المفسدين يطورون أساليبهم باستمرار، ومن هنا فلا بد من الانفتاح على التجربة العالمية والاستفادة من الخبرة المتراكمة في هذا المجال، وأنا أعرف أننا قد نرضى بحل أو أسلوب غير جيد.
- من المأمول الاستماع إلى الأقوال المعاصرة في نظام الحكم الإسلامي وأساليب إدارة الدولة باهتمام وسعة صدر وتفهم، فالجميع يريدون لهذه الأمة النهضة والتقدم والخلاص من الذل والمهانة والتخلف.
محتويات الكتاب:
مقدمة:
خطوط عريضة:
- الشريعة هي الأصلح.
- من الذي يطبق الشريعة؟
- ما المرجعية العليا؟
- إجمال المتغير.
- قصور فقهنا السياسي.
- أزمة بدائل.
الخلافة: الشكل أم المضمون؟
الحكم الرشيد.
الدين والسياسة.
أهل الحل والعقد.
- غموض المدلول.
- تنظيم أهل الحل والعقد.
- نظرة نقدية.
الشورى أم الديمقراطية؟
- الشورى.
- ما الديمقراطية؟
- وجوه الاتفاق والافتراق.
- وجوه الاتفاق.
- وجوه الافتراق.
- مقاربة.
الحكم بالغلبة.
الحكم بين الولاية والوكالة.
هل الحرية أولاً؟
رأي الأغلبية:
- أدلة على الاعتداد بالأكثرية.
- المسؤولية بين الحاكم والمحكوم.
- حقوق المحكومين على الحاكم.
- حقوق الحاكم على المحكومين.
- ملاحظات.
دولة المواطنة:
- وثيقة المدنية.
- مواد مهمة في الوثيقة.
- إشكالات فقهية.
- الجزية.
- ولاية المرأة.
- ولاية غير المسلم.
- تعليق.
الخاتمة.
رابط مباشر لتحميل الكتاب
_______________________
* طبعته دار القلم- دمشق، عام 1436ه/2015م، والنسخة التي ننشرها رفق هذا العرض حصلنا عليها من موقع المؤلف عبر هذا الرابط: https://2u.pw/I8eMRTOv.
** عبد الكريم بن محمد الحسن بكّار (1951م-...)، كاتب سوري، حاصل على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى، قسم "أصول اللغة"، كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر 1399ه/1979م، يعد –حسبما جاء في موقعه الإلكتروني- أحد المؤلفين البارزين في مجالات التربية والفكر الإسلامي، حيث يسعى إلى تقديم طرح مؤصل ومتجدد لمختلف القضايا ذات العلاقة بالحضارة الإسلامية وقضايا النهضة والفكر والتربية والعمل الدعوي. له أكثر من أربعين كتابًا في هذا المجال، لقي الكثير منها رواجًا واسعًا في مختلف دول العالم العربي، وقد تمت ترجمة بعضها إلى عدد من اللغات، كما أنه قدم للمكتبة الصوتية أكثر من مائة ساعة صوتية مسجلة ومنشورة في مكتبات التسجيلات الصوتية.