يتضمن هذا الكتاب نصوص “مجلة الأحكام العدلية” بشرح العلامة علي حيدر، وهي المجلة التي من المستحسن أن نورد نبذة عنها قبل بيان ما جاء بالكتاب المشار إليه*:
صدر القانون المدني المعروف باسم “مجلة الأحكام العدلية”، في عام 1876، وكانت أحكامها مستمدة من الفقه الحنفي بصفة عامة، ومبوبة على نسق التقنين الغربي، إلا أنها لا تعتبر عملا فيه إقصاء للشريعة بل تطبيق مُجَدِد مستمد منها يثبت ما للفقه الإسلامي من المرونة التي تجعله يساير أعرق النظم القانونية الحديثة بأقل مجهود.
وكانت المجلة بمثابة “قانون الدولة العثمانية”، تألفت من تمهيد وستة عشر كتابًا، وعدد موادها 1851 مادة، تتناول أحكام العقود المختلفة التي تشكل موضوعات القانون المدني في الاصطلاح الحديث كما تناولت بعض التصرفات المتعلقة بها ووسائل الإثبات والبيانات ومسائل الدعوى والقضاء مما يدخل في مجال الإجراءات. وقد شُكلت لجنة سنة 1920، 1921م للنظر فيها وإدخال تعديلات عليها خُولت الحق في الأخذ عن سائر المذاهب الفقهية لا المذهب الحنفي وحده، ولكن لم يؤخذ بتعديلاتها، ثم شكلت لجنة ثانية سنة 1923م لوضع قانون مدني شامل من سائر المصادر الإسلامية والغربية، ولكن قبل أن تنهي أعمالها، وتظهر نتائجها، قامت الحكومة التركية بإلغاء المجلة [عام 1926] عبر تبني القانون المدني السويسري على يد مصطفى كمال أتاتورك، ولكن المجلة استمرت موضع التطبيق في لبنان إلى سنة 1932م وفي سوريا إلى سنة 1949م وفي العراق إلى سنة 1953م.
وقد ذكر الدكتور أ. د. محمد كمال الدين إمام أن مجلة الأحكام العدلية قد حركت المياه الآسنة في نهر الفكر، وبعثت حركة نشطة بدأت بشروح متعددة للمجلة، وصل عددها ما بين مخطوط ومطبوع إلى أكثر من مائة شرح، ومن أشهرها، شرح “على حيدر” وشرح “رستم باز”، وشرح “الأتاسي”، وشرح “منير القاضي”، واهتم بعض الفقهاء بوضع شروح مفردة لقواعد المجلة الفقهية، من أشهرها: شرح القواعد الفقهية للعلامة السوري “أحمد الزرقاء” كما كان من أثار هذه المجلة أن ظهرت محاولات فردية لتدوين الفقه في صورة مواد قانونية، من أشهرها ما قدمه الوزير المصري “قدري باشا” في مجموعاته الفقهية “مرشد الحيران”، و”الأحوال الشخصية”، و”الإنصاف في أحكام الأوقاف” وجاءت هذه المجموعات مستمدة من المذهب الحنفي على غرار مجلة الأحكام العدلية.
أما كتاب “قوانين الشريعة الإسلامية التي كانت تحكم بها الدولة العثمانية” فقد صدر عن دار التقوى بالقاهرة، عام 1434هـ/ 2013م، وقام بجمع وترتيب محتوياته الشيخ وحيد بن عبد السلام بالي، في أربعة أجزاء، تضمنت نصوص مجلة الأحكام العدلية بشرح علي حيدر.
وفي مقدمته لهذا الكتاب يقول الشيخ بالي “ولقد وقفت على مجلة الأحكام العدلية التي تحتوي على القوانين الشرعية التي كانت تحكم بها الدولة العثمانية، فقادت العالم كله عدة قرون بالإسلام، وهي التي أدخلت الإسلام (المجر وفرنسا وأدغال روسيا وغير ذلك)، ووقفت على شرحها المسمى (درر الحكام) فأردت أن أخرجها للناس؛ لكي يستضيء بها من يريد أن يطبق الشريعة الإسلامية.
ومما جاء في مقدمة المعرب (المحامي فهمي الحسيني)، ما يلي:
أما بعد: فقد رأت الدولة العثمانية أن الحاجة ماسة لوضع قانون مدني منتزع من فقه السادة الحنفية؛ لتنجو محاكمها من الارتباك والاختلاف الناشئين عن الأقوال المختلفة في كتب فقه الحنفية، فانتقت طائفة من جلة العلماء ومبرزي الفقهاء في ذلك العصر لتضع هذا القانون وتقوم بذلك العمل الكبير، وقد رأس هذه الجماعة من العلماء أحمد جودت باشا العالم الشهير ووزير العدلية يومئذٍ، فقامت تلك الجماعة بما انتدبت له أحسن قيام ووضعت مجلة الأحكام العدلية بعد بحث طويل وجهد شديد.
وكانت هذه المجلة أعظم آثار الدولة العثمانية منذ نشأتها، وقد شمر كثير من علماء الترك لشرح هذه المجلة كعاطف بك ورشيد باشا وجودت باشا، فلم يتيسر لهم لاحتياج ذلك إلى علم غزير وتجربة واسعة وتبحر في الفقه الإسلامي واطلاع واسع على الكتب، إلى أن قام نابغة الفقهاء وفخر القضاة والعلماء في هذا العصر علي حيدر أفندي، مدرس المجلة في كلية الحقوق في الأستانة ورئيس محكمة التمييز وأمين الفتيا ووزير العدلية السابق في الدولة العثمانية، وأخذ على عاتقه هذا العمل، فشرح هذا القانون شرحًا وافيًا يغني عن الرجوع إلى غيره، ويوفر زمن مقتنيه، ويطرح مئونة البحث والتنقيب في مطولات الكتب عن قارئيه، ويفتح المغلقات ويجلو الغامضات ويحل المعضلات، ويزيل الإبهام وينير الأفهام ويبدد الأوهام.
ولم يكد ينجز هذا الشرح حتى تسارع القضاة والفقهاء والمحامون إلى اقتنائه، وتنافسوا في إحرازه، وعولوا في معضلات القضايا عليه، ونزعوا في مدلهمات المسائل إليه، وكان لهم عمدة وبه غنية، كما أن الدولة العثمانية أوجبت درسه في مدرسة الحقوق، ولم يمض على طبعته الأولى إلا يسير زمن حتى نفدت، فأعيد طبعه ثانية فنفد أيضًا، فأعيد ثالثة.
وقد كسد بعد هذا الشرح غيره من شروح العلماء، وجر على سواه أذيال العفاء، وبطل العمل بما عداه، حتى شرح أحمد جودت باشا رئيس جماعة العلماء التي وضعت المجلة، ولم يبلغ شرح علي حيدر أفندي عند الناس هذه الحظوة بغير حق، بل هو جدير بما بلغ، حقيق بما نال، فإن مؤلفه علي حيدر أفندي من فطاحل هذا العصر، وأفذاذ هذا الدهر الذين قلما يجود الزمان بمثلهم، وهو من أعلام علماء الإسلام في هذا الزمان وأبو حنيفة هذا الأوان.
ولما كان هذا الشرح بتلك المنزلة التي وصفنا، وعلى هذا الفضل الذي ذكرنا، رأينا أن من التفريط أن تحرم منه اللغة العربية، ومما لا يغتفر لمحسني اللغة التركية من العرب أن يقعدوا عن ترجمته ونقله، فتحركت فينا الهمة ودفعتنا الغيرة إلى القيام بهذا الغرض وتعريب هذا الشرح، فخضنا لججه وركبنا ثبجه متوكلين على الله مستعينين به فقمنا بذلك، وها نحن أولاء نقدمه إلى أبناء أمتنا العربية بعد أن سبرنا غورهم بما كنا ننشره منه في مجلتنا من النبذ، فآنسنا منهم القبول لهذا الشرح والتعطش إلى ورود شرعته، وتواردت علينا الطلبات من أنحاء شتى أن نضعه على حدة ونسرع بطبعه وإخراجه للناس.
وقبل أن نختم مقدمتنا هذه نرى من الواجب أن نزيد القراء علمًا بمؤلف هذا الكتاب، فهو لم يكن كبيرًا في علمه فحسب، بل كبيرًا في خلقه وشيمه، كبيرًا في جرأته الأدبية وعفته ونزاهته واستقامته في القضاء، فلم يستطع تقلب الزمان في تركيا أن يلين قناته ويزحزحه عما كان عليه من العدل وإقامة الحق، ولم يكن إمعة يدور الزمان ويتضعضع لريب الدهر ويستذل للقوي ويستأثر لذي السلطان، فهو رجل الأخلاق والاستقامة والشجاعة وسمو المبادئ، ولا يذكر اسم علي حيدر أفندي في تركيا إلا مقرونًا بالإجلال والمحبة، فنحن نحيي الأستاذ الجليل على بعد، وندعو الله أن يطيل عمره وأن يزيد في الشرق في أمثاله من العلماء العاملين ذوي الأخلاق الشريفة والهمم الكبيرة، وما توفيقي إلا بالله.
تقسيمات الكتاب:
تم تقسيم هذا الكتاب إلى أربعة أجزاء على النحو التالي:
- الجزء الأول: “البيوع-الإجارة-الكفالة”
- الجزء الثاني: “الحوالة-الرهن-الأمانات-الهبة-الغصب-الحجر والإكراه والشفعة”
- الجزء الثالث: “الشركات- الوكالة”
- الجزء الرابع: “الصلح والإبراء-الإقرار-الدعوى-البينات والتحليف-القضاء”
رابط مباشر لتحميل الجزء الأول: “البيوع-الإجارة-الكفالة”
رابط مباشر لتحميل الجزء الثاني: “الحوالة-الرهن-الأمانات-الهبة-الغصب-الحجر والإكراه والشفعة”
رابط مباشر لتحميل الجزء الثالث: “الشركات- الوكالة”
رابط مباشر لتحميل الجزء الرابع: “الصلح والإبراء-الإقرار-الدعوى-البينات والتحليف-القضاء”
* انظر: د. حازم علي ماهر، تطبيق الشريعة الإسلامية والنصوص الدستورية، تقديم المستشار طارق البشري، دار النهضة العربية- مصر والإمارات، ص122-123، (بتصرف واختصار)، وراجع لمزيد من التفاصيل المراجع التي أشار إليها المؤلف في الهامش رقم (2).