موقع حوارات

موقع حوارات

مفهوم السيادة

حزيران/يونيو 30, 2025

يُستخلص من المعاجم اللغوية أن السيادة تنطوي على معنى الرفعة والمكانة العليا؛ فهي في اللغة "تدل على رفعة القدر وشرف المنزلة… وهي مفهوم يدل على الغلبة والقوة". وهذا يعكس صورة الشخص أو الجهة التي تنفرد بالسيطرة أو المقدرة على غيرها، وعليه يطلق لقب «سيد» على من يُقدم على الناس شرفًا وقدرة.

أما في الاصطلاح فتعُرّف السيادة بطرق متعددة حسب المنظور القانوني والسياسي. في الفكر القانوني الغربي، يعتبر مصطلحًا حديث النشأة [مُترجمًا عن الفرنسية (Souveraineté) المشتقة من اللاتينية (superanus) بمعنى «الأعلى»] يرتبط أساسًا بفكرة «السلطة العليا للدولة». ويعكس هذا الطابع الحديث اهتمام فلاسفة العصور الوسطى وأوائل العصر الحديث، حيث كان جان بودان (Jean Bodin) أول من وضع أسس نظرية السيادة في القرن السادس عشر. فعرف بودان السيادة بأنها «السلطة العليا المطلقة الأبدية التي يخضع لها الأفراد رضاءً أو كرهًا»، مقرًا بأنها غير خاضعة لأي قانون سوى القانون الإلهي أو الطبيعي. ووضع بذلك إطارًا للدولة ذات الشخصية القانونية المستقلة.

على ضوء هذا التقليد، يُعرّف بعض علماء القانون السيادة بأنها «السلطة العليا التي لا تعلوها سلطة أخرى في النظام»، أو بصيغ أخرى مثل «سلطة أصلية مطلقة غير محددة تهيمن على الأفراد والجماعات»، أو بـ«سند الحكم الذي يكسب القانون أو الرئيس حق الطاعة». تركز هذه التعريفات على هيمنة الدولة (أو الأمة) في إطارها الداخلي ومع ناخبيتِها بشكل مطلق، لا تخضع لجهة عليا سوى ذاتها. وفي المقابل، ركّز فلاسفة الاجتماع السياسي على مصدر السيادة. فمثلًا، أكد جان جاك روسو أن الإرادة العامة للشعب هي مرادفة لسيادته؛ وعلّق بأن "السيادة ليست سوى ممارسة للإدارة العامة" أي إن مصدرها هو الإرادة الجماعية للمواطنين. وعلى النمط نفسه، عرّف فلاسفة القانون الوضعي مثل جون أوستن السيادة بأنها «السلطة المطلقة للدولة في تنظيم شؤونها»، حيث تكون سلطة التشريع العليا هي مصدر كل القوانين والأوامر.

من منظور مدارس الفكر المختلفة، تُلخّص المفاهيم السابقة وجهتي نظر رئيسيتين: الأولى تؤكد سيادة القانون (أو الدستور) كقاعدة عليا في الدولة، والثانية ترى سيادة الشعب كمصدر للسلطة. ففي التقليد المستمد من مدارس الكونستيتوشنالية والليبرالية، تُنسب السيادة إلى الأمة أو الشعب بشكل كامل (سيادة الشعب)، بينما يرى التوجه التقليدي المطلق (بما في ذلك بودان وهوبز) أن السيادة تقتضي سلطة مُركّزة عليا للدولة لا تحدّها قواعد تشريعية خارجية. وهناك تيارات أخرى (كالماركسية مثلًا) رفضت مفهوم السيادة على أساس أن انقسام العالم الحديث وإقامة المنظمات الدولية تجعل مفهوم السيادة المطلقة قابلًا للنقد.

بصفة عامة، يجمع المحللون على أن السيادة تعني في جوهرها السلطة العليا المستقلة، لكنها تحتمل صيغًا مختلفة بحسب النظرية السياسية: فبينما يعتمد مفكرون كبودان وهوبز على فكرة «السلطة العليا غير المقيدة»، يرى روسو وآخرون ديمقراطيون أن «السيادة للشعب» بمعنى أن السلطة الفعلية في النهاية تعود إلى مجموع المواطنين من خلال مؤسساتهم.

 

نشأة وتطور السيادة في الفكر القانوني الغربي

ظهر مفهوم السيادة بمعناه الحديث في أوروبا نسبيًا متأخرًا، إذ ارتبط بفكرة الدولة الحديثة. فقبل عصر النهضة كان يُنظر إلى «الملك» أو «السلطان» كمصدر أحادي للسلطة، ثم تبنّت الكنيسة فكرة شرعية السلطة المطلقة للمؤسسة الدينية. ثم ما لبث الفكر الفرنسي في القرن السادس عشر (خلال صراعات السلطة مع الإمبراطور والبابا) أن بلور نظرية السيادة الحديثة للدولة، وأسسها بودان في كتابه «الكتب الستة للجمهورية» سنة 1577. بعد ذلك، شهدت القرون التالية تحولات هامة: فقد نص إعلان حقوق الإنسان الفرنسي (1879م) على أن «السيادة للأمة، وغير قابلة للتقسيم ولا للتنازل»، فأصبح مفهوم السيادة الوطنية أو الشعبية راسخًا في الفكر الدستوري الحديث. وفي النصف الثاني من القرن العشرين، كرّس ميثاق الأمم المتحدة مبدأ تكافؤ السيادة بين الدول، واستُبدِل لفظ «استقلال الدول» عادةً في القانون الدولي الحديث بلفظ "السيادة" حفاظًا على المساواة القانونية.

إذًا، فقد شهدت السيادة الغربية انتقالًا من حق ملكي مطلق في العصور الوسطى إلى مفهوم حديث يجمع بين سيادة الأمة (أو الشعب) وتحكيم الدستور. يشير ذلك إلى أن النظرة الغربية تطورت نحو الفصل بين الحكومة الدائمة والسلطة السيادية ذاتها، وجعلت التعبير الدستوري (الدستور) هو القاعدة العُليا التي تحكم هذه السيادة.

العلاقة بين السيادة والدستور والسلطات الثلاث

في النظم الدستورية الحديثة، يصبح الدستور النص القانوني الأعلى الذي يستمد منه المشرع ومؤسسات الدولة شرعيتهم. بمعنى آخر، يكتسب الحاكم وحكوماته سلطاتهم من الدستور الذي يجسّد إرادة الشعب وحفظ حقوقه. ولهذا، اهتمت الفلسفة السياسية بآلية توزيع هذه السلطة لتفادي الاستبداد، فظهرت نظرية فصل السلطات. فقد أكد كتاب ودساتير الثورة الفرنسية عام 1791 مبدأ عزلة كل سلطة عن الأخرى لضمان مراقبتها المتبادلة؛ فأصبحت السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية مستقلة كل في مجال اختصاصها، لا يسلّم فيها أي حكم أو قانون لموافقة الحاكم وحده. ويترتب على ذلك أن السيادة في الدولة الدستورية هي في نهاية الأمر للشعب أو الأمة باعتباره مصدر السلطات جميعًا، لكن يُمارَسُها ممثّلون منتخبون وفق قواعد دستورية.

وبذلك، لا تتجسّد السيادة بشكل مباشر لدى أي شخص بعينه بل عبر إطار تشريعي ومؤسسات يُلزَمُ الجميع بالامتثال لها. فالسلطة التشريعية تُولِّد القوانين باسم الأمة (السياسية)، والسلطة التنفيذية تنفّذها، والقضاء يُراقب التزام الجميع بهذه القوانين. أي إن السيادة في القانون الوضعي تستمد قوتها من التوزيع المنظّم للسلطات وفق الدستور، وهي إنما تظهر في الضمانات والحريات التي يكفلها هذا الدستور. وعليه، فإن العلاقة بين السيادة والدستور في النظم الوضعية علاقة تكاملية: فالدستور يحدّد نطاق السيادة ويقيّدها بقاعدة عليا ملزمة، كما يؤدي مبدأ فصل السلطات إلى توزيع هذه السيادة على هيئات متعددة متزاحمة رقابيًا، بما يمنع تركزها وإساءة استعمالها.

السيادة الوطنية مقابل السيادة الشعبية

يُميّز فقهاء القانون بين مفهومَي السيادة الوطنية والسيادة الشعبية في الفكر السياسي المعاصر. فمفهوم السيادة الوطنية يرى أن السلطة العليا قائمة للدولة أو الأمة ككيان جامع، وهي غير قابلة للتجزئة أو التنازل. فوفق هذا المفهوم «السيادة الوطنية» تمثل في الدولة مجتمعة، إذ تكون «الدولة هي الحاملة الأولى للسلطة، وهي الضامن لوحدة البلاد وسلامة أراضيها». في هذه الحالة تُمارس السيادة باسم الأمة أو الدولة عبر مؤسساتها؛ وتُتخذ القرارات الكبيرة (كالدفاع عن الوطن أو تغيير الدستور) في إطار الحفاظ على وحدة الكيان وشعبه.

أما مفهوم السيادة الشعبية فيركّز على أن المصدر الأصلي للسلطة هو الشعب ذاته. فبمقتضى هذا المفهوم، لا تنفصل السيادة عن إرادة المواطنين: «السيادة الشعبية» هي السلطة التي يمتلكها الأفراد مجتمعين، وتمارس إما مباشرة عبر صناديق الاقتراع أو عبر ممثليهم المنتخبين. وبذلك، فإن الحق في وضع القوانين وتقرير السياسات يُنسب إلى إرادة الناس، وتُعتبر الأمة مأمورة بخدمة مصالحها وتطبيق ما تلتئم عليه من قرارات.

يمكن تبيين الفروق العملية بينهما كالتالي:

  • مصدر السلطة: في السيادة الوطنية يكون مصدرها «الدولة/الأمة»، بينما في السيادة الشعبية يكون «الشعب» مصدر السلطة.
  • ممارسة القرار: في الأولى تتخذ الدولة القرارات القومية بتوجيه من قيادتها أو مؤسساتها، أما في الثانية فالقرار يرتبط بمشاركة المواطنين المباشرة (كممارسة الديمقراطية أو الاستفتاء).
  • العلاقة بين الحاكم والمحكوم: في السيادة الوطنية تكون السيادة منحصرة في كيان الدولة الذي يمثل الأمة، أما في السيادة الشعبية فالحكام موظفون لخدمة الشعب ويخضعون لإرادته.

هذه التمييزات تجلّت عمليًا بعد الثورة الفرنسية؛ فقد نصت أغلب الأنظمة الحديثة على أن الأمة أو الشعب «هو مصدر السلطات جميعًا»، ثم وضعت آليات دستورية لممارسة تلك السيادة. وفي خضم النقاشات الفقهية، احتدم الجدل أيضًا حول ما إذا كانت سيادة الأمة تؤول للدولة الجامدة أو للشعب ككل.

 

مفهوم السيادة في الشريعة الإسلامية

السيادة لله: المفهوم العقدي والسياسي

في الفكر الإسلامي، يُؤكَد في العقيدة أن السيادة المطلقة لله تعالى. فمركزية التشريع والأمر في الإسلام تعود لله وحده ــــ كمُشرّعٍ أعظم ومشرّفٍ ــــ ولا تكون للإنسان سلطة تشريعية مستقلة من جانبها؛ فالرسول ﷺ نفسه قال إنّه «سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَومَ الْقِيَامَةِ»، والدين الإسلامي يبشّر بأن «الحكم لله» (مستندًا لآيات قرآنية مثل "قُلِ اللَّهُ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ” وغيرها". غير أن هذه السيادة الإلهية ليست نُصًّا وراثيًا ولا ذريعةً لجبرية طاغية: فقد أوضح علماء المسلمين أن فكرة أن ينصب الحاكم نفسه من عند الله دون رضا الأمة «فكرة غريبة كل الغرابة عن التصور الإسلامي». فقد رفض الخلفاء الراشدون تسمية أنفسهم «خلفاء لله»، وقال أبو بكر الصديق مثلًا «أنا خليفة رسول الله»، ولم يدخل مفهوم الحق الملكي المطلق إلا مع بعض الخلفاء العباسيين الذين ادّعوا أنهم يحكمون بتفويض من الله (كما في قول المنصور العباسي: «إنما أنا سلطان الله في أرضه»).

من الناحية العقدية، يؤكد الإسلام أن لا سلطان مطلقًا للبشر على خلق الله، وأن السلطات التي يحوزها الحاكم هي إذن من الأمة تُمارَس في نطاق شريعة الله. ولذلك يرفض الفقه السني العام فكرة «الوصاية الإلهية المطلقة» على الحاكم، بل يعتبر الإمامة (الحكم) مصلحة مَرْسَلَة من الله: أي هو تكليف يشرّعه الله لحفظ حياة الناس بإقامة حدود الشريعة، على أن تُمارَس هذه الصلاحيات بقبول الشعب وتراضيه. وبالتالي، فإن القول التقليدي «الحكم لله وحده» يعني أن المبادئ والقوانين العليا من عند الله عزّ وجل؛ لكن التطبيق الفعلي للسلطة التنفيذية في مجتمع المسلمين لا يكون تلقائيًا من السماء، بل عبر اختيار الأمة لمن تُبايعهم وتوليهم (شورى أهل الحل والعقد)، مع التقيد بنصوص الشريعة كأساس التشريع ومقياس قبولهم.

 

العلاقة بين الحاكمية والشريعة

حَا كَميّةُ الله في الإسلام تعني بالتالي أن الشرع الإلهي هو المصدر الأعلى للتشريع، وأن أي سلطة بشرية مرخّصة يجب أن تظلّ مُقيّدة بما جاء به القرآن والسنة. فالحاكم في النظرة الإسلامية ليس مبدعًا للقانون، بل مُطبّق لمنهج الله. وبناءً عليه، يذهب بعض العلماء إلى أن مجرد تطبيق القوانين الوضعية من دون مرجعية شرعية «لا يحقق العبودية التامة لله». فقد بيّنوا أن الخضوع التشريعي والقانوني وحده لا يكفي ما لم يصاحبه رضًا تامّ وولاء داخلي لشرع الله. بمعنى آخر، لا تتحقق حَاكَمِيّةُ الصراع السياسي إلا إذا كان الناس "يحكمون ويتحاكمون" إلى أحكام الله طوعًا، لا قهرًا. ولهذا، لا يمكن فصل مبدأ السيادة –أي ممارسة الإرادة- عن مقوله التحكيم الشرعي: فالسلطة السياسية ــ من منظور إسلامي ــ لا تزال مُقيَّدة بالشرع، ويُعتبر الحكم بغير شرع الله انحرافًا وشذوذًا.

وفي الواقع التاريخي، كان لهذا المبدأ أثره في العلاقة بين الحاكم والمحكوم: يُؤكد القرآن والسنة أن لولايـة الله في التشريع مطلقة، وأن الحاكم يُكلَّف بتنفيذ شريعة الله (كما في «وأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ»). كما بيّنت الآيات أن المسلمين يُلزَمون بأنْ «يَحْكُمُوا» ويُحَكَّموا إلى شرع الله، وتحذرهم من التحاكم إلى الطواغيت. وتتلمّس النصوص العلاقة المتبادلة: فبقدر ما يُحكّم الحاكم في الناس بما أنزل الله، يجب على الناس أن يسلموا سيادتهم لإرادة الله وحكمه، دون استعجال أو إكراه، بل عن إيمان وقناعة. وهذه المعاني تعني ضمنيًا أن الدولة والمؤسسات تُشرّع وتحكم وفقًا لشريعة الله، ليست بدونها أو تجاورها، وبذلك تظل كلمـة الله العليا هي الحاكمة في المجتمع.

 

تطبيقات السيادة في نماذج الحكم الإسلامي التاريخية

تجسّد مفهوم السيادة في الشريعة الإسلامية تاريخيًا عبر نماذج الحكم الإسلامي التي قامت بعد عهد النبوة. أبرزها الخلافة الراشدة حيث بُني النظام على مبدأ المشـورة و«البيعة»؛ فقد كان اختيار الخلفاء بمبايعة من الأمة، فمبايعة أبي بكر الصديق مثلًا (في سقيفة بني ساعدة) كانت انعكاسًا لاختيار جماعة المسلمين لوكيلهم في الحكم، ولم يترك القانون الإسلامي نصًا يمنح الخليفة حقًا إلهيًا خاصًا فوق الجماعة. وكما أشار الباحث أبو يعرب المرزوقي، إن "الخلافة في السياسة لا تستند شرعيتها إلى النبوة بل إلى إجماع الجماعة التي تبايع الشخص"؛ فالرسول ﷺ طلب البيعة من الأنصار بعد هجرته إلى المدينة ليُوضّح أن شرعية الحاكمية تُستمد من رضا الأمة. وأكد المرزوقي أيضًا أنه لو كان القرآن مصدر السلطة السياسية لما طالب بالبيعة ولم يطلب من المسلمين أن يبايعوه، كما صار مع الخليفة الراشد. فالدولة الإسلامية الأولى كانت إذًا موكلة إلى الخليفة من الشعب، ومحمية من أعظم شريعة.

ومع توسع الخلافة وظهور نظم ملكية لاحقة، فرض بعض الخلفاء مَركَزة أقوى على السلطة، لكن حتى في عهود الأمويين والعباسيين ظل الخطاب الرسمي يشير إلى أن حكم الإمبراطور إنما هو مِن الله بمشيئة الأمة. إلا أن مظاهر التمايز ظهرت؛ فقد حدث مثلًا أن بعض الخلفاء العباسيين زعموا أنهم «حكماء بقرار ربّاني»، كما في مقولة أبي جعفر المنصور العباسي: «إنما أنا سلطان الله في أرضه». وكان تأثر نظرية السيادة بالنظرة الدينية متفاوتًا عبر العصور، حيث أدخلت بعض الفروق الثقافية والمذاهب الى مفاهيم السلطة.

وعلى النقيض من المفهوم الإلٰهي في بعض الأنظمة، ظهرت أيضًا دعوات للفلسفة السياسية الإسلامية تعبّر عن السيادة الشعبية. فقد اعتبرت المدارس الفقهية أن الخليفة وولاة الأمر في النهاية وكلاء الأمة، «تولِّيهم ينبع من الأمة ويعود إليها حق عزلهم». وبناءً على ذلك، رأت بعض الحركات المعاصرة (مثل الإخوان المسلمين وحزب التحرير) أن الخلافة هي «نظام حكم» يمكن إحياؤه وتعديل مفهوم السيادة فيه لتوافق الإرادة الشعبية مع الشرعية الدينية، لكن الاختلاف بقي على كنه الكيفية. وهناك الذين يقترحون أن «سيادة الأمة» تُراعى في إطار دستوري إسلامي بحيث تكون شرعية الدستور منبثقة من توافقه مع الشريعة، كما هو سائد في كون معظم دساتير الدول الإسلامية تنص على أن الشريعة هي مصدر رئيس للتشريع.

 

مقارنة تحليلية بين السيادة في القانون الوضعي والسيادة في الشريعة الإسلامية

تظهر المقارنة بين المفهومين عدة فروق منهجية رئيسية:

  • مصدر السيادة ومرجعيتها: في القانون الوضعي المعاصر تُنسب السيادة غالبًا إلى الأمة أو الشعب كوحدة سياسية، فتتحول إلى قاعدة دستورية (أي إرادة الأفراد التي «بحكم الدستور»)، ويمكن تعديل القوانين بتوافق شعبي أو عبر الهيئات المنتخبة. أما في النظرة الإسلامية، فمصدر التشريع والخطاب الملزم هو الله سبحانه وتعالى، ولا يُشرع قانون إلا بما يتوافق مع شريعته. وبذلك، تصبح الإرادة الشعبية مرهونة بالضوابط الشرعية؛ فلا يمنح الإسلام أي فئة بشرية سلطات تشريعية مطلقة خارج حدود الشريعة. وهذا يعني أن الشعب أو الأمة في الإسلام ليسوا أسيادًا مطلقين لسن القوانين، بل عباد لله ملزمين بأمره ومنتهين عن نواهيه سبحانه، كما جاء في الآية: «أَمْ لَهُم سُلْطَانٌ يَنطِقُونَ بِهِ» (الشورى: 21).
  • طبيعة التشريع والحقوق: يقر النظام الوضعي أن الإنسان مصدر الحقوق ويحمل السيادة، مما يدعم فكرة الحرية الفردية والمشاركة السياسية (مؤسسة على حقوق الناس ومصالحهم). في المقابل، يستمد الإسلام نصوصه التشريعية من الوحي، وتُعتبر الحقوق والواجبات في النهاية منحة إلهية (كحق الحياة والأمن والعدالة)، وليس من حق البشر إصدارها على هواهم. ومن ثمّ، يفرض الإسلام على أي قانون أن «يتوافق مع الشريعة»، خلافًا للقوانين الوضعية القابلة للتغير والنقاش دون إسناد ديني صريح.
  • تنظيم توزيع السلطة: تتجلى السيادة في القانون الوضعي من خلال المؤسسات الدستورية وأدوات الرقابة (فصل السلطات، انتخابات، برلمانات، محاكم دستورية، وهكذا). أما في الفكر الإسلامي، فمفهوم الحاكمية القانونية مقترن بتحكيم الشرع؛ إذ لا تكفي شرعية إجراءات الحكم إن لم تكن ضمن أحكام الله طوعًا. ولهذا يتعارض فصل الدين عن السياسة (كما في العلمانية) مع مفهوم الحاكمية الشرعية، لذا لا يمكن فصل الديمقراطية وسيادة الشعب عن مسألة الحاكمية؛ فحكم الشعب يعني رعاية مصالحه التي هي في نظر الإسلام خضوع له ثم للمصلحة العامة.
  • السيادة الوطنية مقابل الشعبية: يتيح القانون الوضعي التوفيق (نظريًا) بين مفهومي السيادة الوطنية والشعبية بأن الدولة تأخذ شرعية سيادتها من الشعب (كما في الديمقراطيات البرلمانية)، بينما يؤطرها الدستور. أما في الفكر الإسلامي، فالأساس العقدي يضع السيادة النهائية لله، ولكن عمليًا يقرّ بعض الفقهاء أن الأمة هي «مصدر السلطات» في دولة إسلامية بشرط التقيّد بضوابط الشريعة. لذلك، يبرز التباين في سؤال «لمن تُخوّل شرعية سنّ قانون جديد؟»؛ فالقانون الوضعي يجيز ذلك للشعب أو ممثليه طبقًا لإرادته وطرحه الدستوري، بينما يرد الإسلام بأن شرعية القانون مرتبطة بتوافقها مع الشريعة الإسلامية (برضا الأغلبية المنضبطة بها).

باختصار، يمكن القول إن السيادة في القانون الوضعي قائمة على فكرة السيادة الإنسانية (للشعب/الدولة) المحدودة بدستوريات الوضع، أما السيادة في المنظومة الإسلامية فتقوم على السيادة الإلهية التي تفرض على البشر طاعة ضوابط السماء. إلا أن هناك محاولة تحليلية تبحث عن نقاط التلاقي: فقد لاحظ بعض المحدثين أن الإسلام لا ينكر مشاركة الأمة في الحكم، لكنه يشترط أن تكون كل ممارسة للسلطة ملتزمة بالشرع. من هذا المنطلق، يرى بعض المختصين أن شرعية أي سلطة سياسية في المجتمع المسلم تعود بالأصل إلى الشعب في إطار «الدستور الأعظم» وهو القرآن؛ فالأنظمة السياسية الإسلامية «لا تأخذ شرعيتها إلا بمدى تطابقها مع الدستور الأعلى (القرآن)».

إن مفهوم السيادة يحمل في طياته أبعادًا مشتركة وخاصة في كلٍّ من النظامين الوضعي والإسلامي. فلغويًا واصطلاحيًا يشترك النموذجان في الإقرار بوجود «سلطة عليا» ذات مبادئ تميّزها عن باقي السلطات الأخرى؛ لكنهما اختلفا في المَنْبَت العقدي لهذه السلطة وكيفية ممارستها. في القانون الوضعي، هيبة الدولة أو الأمة تعلو فوق الأفراد، ويُنتزع من الحاكم التفويض عبر شرعية ديمقراطية دستورية، ما يعني أن الشعب/الدولة، ببرلماناتها ودساتيرها، هو صاحب السيادة النهائي. أما في الشريعة الإسلامية، فمصدر هذه الهيبة الحقيقية هو الله، وشريعته تمثل «الدستور الأعظم»، الذي لا تتعداه سلطة بشرية. ومع ذلك، وجدت مقولات فقهية تؤكد دور الأمة في وضع الحاكم (بيعة أهل الحل والعقد)، وهذا يضع الأساس لرؤية إسلامية يمكن أن توازن بين سلطة الله المطلقة ومسؤولية البشر.

أما في ضوء الواقع المعاصر، فالحوار حول السيادة يجري بين مدرستين: إحداهما تنادي بفصل الدين عن السياسة لصالح سيادة الأمة (كما في النظم العلمانية)، والأخرى تؤكد ارتباط الحكم بالمرجعية الدينية (كما تبلور في فكر الحركات الإسلامية وبعض النظريات الفقهية الحديثة). ورغم هذه التباينات، ثمة اتجاهات تؤيد إمكانية صياغة أنظمة سياسية إسلامية دستورية توافقية: بحيث تُعبر الصيغ الدستورية عن هوية الأمة الإسلامية وعقيدتها، ويُحافظ في الوقت نفسه على سلطة الأمة كمصدر للتفويض السياسي. فثمة من يرى أن الدساتير التي تؤكد السيادة الشعبية مع تقدير الشريعة «حاضرة في أعرق الدول التي اعترفت بالإسلام».

ختامًا، تُظهر المقارنة أن التوفيق بين النظامين يحتاج إلى رؤية توافقية تجعل إرادة الشعوب الإسلامية تندمج مع التزام الشريعة، لا أن تتقاطع معه. بمعنى آخر، لا تكمن المصالحة في إسقاط مفهوم إلهي أو شعبي على الآخر، بل في بناء إطار دستوري يظلّ الشارع الإسلامي هو المعيار النهائي (الذي يتناول حياة الناس ومصالحهم)، بينما تُمثل مؤسسات الأمة سلطة منوط بها التنفيذ والإدارة.

 

_________

المصادر:

  1. حنان عماد زهران، تشريح مفهوم السيادة، المركز الديمقراطي العربي، 27 مارس 2019، https://bit.ly/3TdOMJp
  2. سلام المقداد، السيادة بين المفهوم والعوائق، محكمة، 3 مارس 2025، https://bit.ly/447UF0T
  3. نجم الأحمد، مبدأ فصل السلطات، الموسوعة القانونية المتخصصة، https://bit.ly/3I6eNbh
  4. محمد المقدمي، السيادة والحاكميّة في الأنظمة الديمقراطيّة، الجزيرة نت، 9 مايو 2017، https://bit.ly/3InlB48
  5. نظام الحكم الأمثل للمسلمين.. الخلافة أم نموذج الدولة الحديثة؟، الجزيرة نت، https://shorturl.at/xwIvV
  6. عبد الله الكيلاني، وظائف الدولة في ضوء الفكر السياسي للإمام الجويني، إسلام ويب، https://shorturl.at/FI51Z
  7. مصطفي كمال وصفي، الشريعة الإسلامية وسيادة القانون، المسلم المعاصر، 1 أبريل 1975، https://shorturl.at/vLIIw

 

الجريدة الرسمية - العدد ۲۳ (مكرر) في ١٠ يونية سنة ٢٠٢٥

قانون رقم ٨٦ لسنة ٢٠٢٥

بتنظيم إصدار الفتوي الشرعية

باسم الشعب

رئيس الجمهورية

قرر مجلس النواب القانون الآتي نصه، وقد أصدرناه:

مادة (1)

تسري أحكام هذا القانون في شأن تنظيم إصدار الفتوى الشرعية والمختصين بمهام الإفتاء الشرعي، وذلك دون الإخلال بالإرشاد الديني والاجتهادات الفقهية في مجال الأبحاث والدراسات العلمية والشرعية.

 

مادة (٢)

يقصد في تطبيق أحكام هذا القانون بالعبارات التالية المعنى المبين قرين كل منها: الفتوى الشرعية: إبداء الحكم الشرعي في فتوى شرعية عامة أو خاصة.

الفتوى الشرعية العامة: إبداء الحكم الشرعي في شأن عام متعلق بالنوازل التي تؤثر على المجتمع في مختلف المجالات.

الفتوى الشرعية الخاصة: إبداء الحكم الشرعي في شأن خاص متعلق بمسائل الأفراد في أمر مسئول عنه شرعا وتوضيحه للسائل.

الإرشاد الديني: استخدام الأحكام والقيم والمفاهيم الدينية والخلقية في توجيه سلوك المجتمع والأفراد وتوعيتهم بها ووقايتهم من الأفكار المنحرفة والمفاهيم. الخاطئة تمسكا بالثوابت الإسلامية.

 

مادة (3)

يختص بالفتوى الشرعية العامة كل من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أو مجمع البحوث الإسلامية، أو دار الإفتاء المصرية.

ويختص بالفتوى الشرعية الخاصة كل من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، أو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أو دار الإفتاء المصرية، أو اللجان المشتركة المنشأة بموجب أحكام المادة (٤) من هذا القانون، أو أئمة وزارة الأوقاف الذين يتوافر في شأنهم الشروط المنصوص عليها في المادة (٤) من هذا القانون.

 

مادة (٤)

تنشأ بقرار من الوزير المختص بشئون الأوقاف داخل وزارة الأوقاف لجان مشتركة من ممثلي الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف برئاسة ممثل الأزهر الشريف، ويشترط فيمن يلتحق بهذه اللجان أو الاستمرار فيها توافر الشروط والضوابط التي تضعها هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف بالتنسيق مع دار الإفتاء، وأخصها ما يلي:

  1. ألا تقل سنه عن ثلاثين سنة ميلادية.
  2. أن يكون من خريجي إحدى الكليات الشرعية بجامعة الأزهر الشريف.
  3. ألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة تأديبية.
  4. أن يكون محمود السيرة وحسن السمعة، معروفا بالورع والتقوى في ماضيه وحاضره.
  5. أن يكون له إنتاج علمي منشور في أحد المذاهب الفقهية.
  6. اجتيازه برامج التدريب والتأهيل التي تعدها هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ويتم التصديق على اجتياز هذه البرامج من رئيس هيئة كبار العلماء.

وتضع هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف شروط منح الترخيص وحالات تقييده أو إلغائه، ونوعه، ومدته، ولا يعد الحصول على الترخيص تصريحا بالفتوى عبر الوسائل الصحفية أو الإعلامية أو مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي إلا إذا ذكر ذلك صراحة في الترخيص، وفي حال مخالفة أي من شروط الترخيص يحق لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف إصدار مذكرة بإلغائه يصدق عليها من الهيئة ويصدر بها قرار تنفيذي من السلطة المختصة، بحسب الأحوال، وذلك كله على النحو الذي تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون.

ويتم تحديد أماكن ومقرات عمل هذه اللجان بالتنسيق بين الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف.

 

مادة (٥)

في حال عدم اجتياز طالب الترخيص برامج التدريب والتأهيل المشار إليها بالمادة (٤) من هذا القانون لا يحق له التقدم بطلب آخر إلا بعد مرور عام من تاريخ إعلان النتيجة

 

مادة (6)

تعمل اللجان المشتركة المنشأة بالمادة (٤) من هذا القانون على الربط الإلكتروني والهاتفي بمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية ودار الإفتاء المصرية لتقديم الدعم اللازم والمتابعة المستمرة، وذلك على النحو الذي تبينه اللائحة التنفيذية لهذا القانون.

 

مادة (٧)

لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف تشكيل لجان من خلالها للمتابعة المستمرة للتأكد من تحقيق الانضباط الإفتائي والالتزام بشروط وضوابط منح الترخيص..

مادة (٨)

في حال تعارض الفتاوى الشرعية يرجح رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.

 

مادة (9)

مع مراعاة أحكام القانون رقم ٥١ لسنة ٢٠١٤ بتنظيم ممارسة الخطابة وخطابة والدروس الدينية في المساجد وما في حكمها، يكون للأئمة والوعاظ في الأزهر الشريف والهيئات التي يشملها والمعينين المتخصصين في وزارة الأوقاف، وغيرهم من المصرح لهم قانونا، أداء مهام الإرشاد الديني بما يبين للمسلمين أمور دينهم، ولا يعد ذلك تعرضا للفتوى الشرعية.

 

مادة (١٠)

تلتزم المؤسسات والوسائل الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية وحسابات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي ومحتوياتها عند نشر أو بث الفتاوى الشرعية أن تكون صادرة عن المختصين وفقا لأحكام هذا القانون، وكذلك عند تنظيم برامج للفتوى الشرعية أو استضافة أشخاص للإفتاء الشرعي أن يكونوا من بين المختصين وفقا للمادة (۳) من هذا القانون، وذلك كله وفقا للضوابط التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.

 

مادة (١١)

مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، ومع عدم الإخلال بقانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الصادر بالقانون رقم ۱۸۰ لسنة ۲۰۱۸، يعاقب كل من يخالف أحكام المادتين (۱۰۰۳) من هذا القانون بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حالة العود تضاعف العقوبة.

ويعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية للشخص الاعتباري بذات العقوبات عن الأفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون متى ثبت علمه بها وكان إخلاله بواجبات الإدارة قد سهل وقوع الجريمة، ويكون الشخص الاعتباري مسئولا بالتضامن عن الوفاء بما يحكم به من تعويضات إذا كانت المخالفة قد ارتكبت من أحد العاملين لديه وباسم الشخص الاعتباري ولصالحه.

تصدر اللائحة التنفيذية لهذا القانون بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض الأزهر الشريف وذلك خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به.

 

مادة (١٢)

وتعد اللائحة التنفيذية لهذا القانون لجنة تشكلها هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف خلال شهر من تاريخ العمل بهذا القانون تضم في عضويتها كل من وزير الأوقاف. ووكيل الأزهر الشريف، ومفتي الجمهورية.

 

مادة (١٣)

ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، ويعمل به اعتبارا من اليوم التالي لتاريخ نشره..

 

يبصم هذا القانون بخاتم الدولة، وينفذ كقانون من قوانينها

صدر برئاسة الجمهورية في ١٤ ذي الحجة سنة ١٤٤٦هـ

(الموافق ١٠ يونية سنة ٢٠٢٥م).

 

عبد الفتاح السيسي

 

لتحميل ملف نص القانون 

يُعد الدكتور عبد الحميد متولي (1907 - 1985) أحد أبرز وأعمق الفقهاء الدستوريين في مصر والعالم العربي خلال القرن العشرين، وأحد الروّاد الذين أسسوا لفقه دستوري إسلامي معاصر، حيث ترك إرثًا علميًا ضخمًا وأثرى الحياة الأكاديمية والسياسية بأطروحاته ودراساته.

 

مولده ومحطاته العلمية والعملية البارزة:

ولد الدكتور عبد الحميد متولي عام 1907 في مركز السنطة بمحافظة الغربية بجمهورية مصر العربية، ونشأ في بيئة تؤكد قيمة الحرية. التحق بكلية الحقوق بالقاهرة (مدرسة الحقوق الملكية) فحصل على ليسانس الحقوق (بدرجة الشرف) عام 1923. ثم أكمل دراسته في باريس حيث نال دبلوم الدراسات الإدارية والمالية (كلية الحقوق–جامعة باريس) عام 1926، وحصل على الدكتوراه من جامعة باريس (السوربون) عام 1940 بأطروحة رائدة تحت عنوان "الرقابة على دستورية القوانين في مصر ودول الإسلام" تحت إشراف الفقيه الكبير جورج بوردو أحد عمالقة الفقه الدستوري الفرنسي، والتي نُشرت بعدة لغات وأصبحت مرجعًا أساسيًا.

بعد عودة د. متولي من باريس مباشرة تم تعيينه مدرسًا في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، حيث تدرج في السلك الأكاديمي ليكون أستاذًا ورئيسًا لقسم القانون العام لسنوات طويلة، ودرّس أجيالًا من القانونيين المصريين والعرب، حيث عمل كذلك أستاذا في جامعة بغداد في فترة الخمسينيات، قبل تعيينه لاحقًا عميدًا لكلية الحقوق لاحقًا، كما شغل منصب رئيس معهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية بالقاهرة، مما وسع دائرة تأثيره الفكري.

شارك بفاعلية كخبير في لجنة صياغة دستور مصر عام 1954 (والذي لم تعتمد السلطة حينها إصداره)، كما أشرف على عدد يصعب حصره من الرسائل العلمية في العديد من كليات الحقوق بالجامعات المصرية والعربية.

 

أهم الإسهامات الفكرية والكتابات:

   يعتبر د. عبد الحميد متولي مؤسس المدرسة المصرية الحديثة في الفقه الدستوري، التي مزجت بين الفقه الدستوري المقارن (خاصة الفرنسي) والواقع السياسي والقانوني المصري والعربي، وأثرت آراؤه النظرية والعملية في النقاشات الدستورية في مصر والوطن العربي. وكان اهتمامه مركزًا على قضايا الشرعية الدستورية وضماناتها، خاصة عبر مؤسسة الرقابة القضائية على دستورية القوانين، ومبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها.

سعى بجدية، خاصة في كتاباته عن النظام السياسي الإسلامي، إلى البحث عن جذور للمبادئ الدستورية الحديثة (كالعدل، الشورى، المساواة) في التراث الإسلامي، دون أن يكون ذلك على حساب التحليل العلمي الموضوعي، مما يجعله من أبرز رواد الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وكان يُنظر إليه على أنه "شيخ الدستوريين" في مصر الحديثة، حيث وضع اللبنات النظرية والعملية للفقه الدستوري المعاصر. تميزت كتاباته بالدقة المنهجية، والتحليل المقارن العميق، واللغة القانونية الرصينة والواضحة في آن واحد. لا تزال كتبه، وخاصة "الوجيز"، تُدرّس في كليات الحقوق في مصر والعديد من البلدان العربية، وتشكل مراجع أساسية للباحثين والطلاب.

 

باختصار، كان الدكتور عبد الحميد متولي فقيهًا دستوريًا موسوعيًا، جمع بين النظرية والتطبيق، وبين العمق الأكاديمي والإسهام العملي في الحياة الدستورية. ترك تراثًا فكريًا غنيًا ومؤثرًا جعله علامة فارقة في تاريخ الفكر الدستوري المصري والعربي، ومازالت أفكاره تشكل منارة للدارسين في هذا الحقل المعرفي الحيوي.

 

 

من مؤلفاته:

 أولاً: المؤلفات الأساسية في القانون الدستوري والنظم السياسية:

  1. الرقابة على دستورية القوانين

       (أصله أطروحة دكتوراه - السوربون 1940، صدرت بالفرنسية 1942، ثم طبعات عربية متتالية). 

       الناشر: دار النهضة العربية (القاهرة). 

       الكتاب المؤسس لمدرسته الفقهية.

 

  1. الوجيز في النظم السياسية والقانون الدستوري

       (طُبع لأول مرة في الخمسينيات، ثم طبعات منقحة ومزيدة متعددة، آخرها بعنوان "الوجيز في النظم السياسية"). 

       الناشر: دار النهضة العربية (القاهرة). 

       المرجع الجامعي الأشهر، ظل يُدرَّس لأجيال.

 

  1. النظم السياسية: دراسة مقارنة

       (تطور عن "الوجيز"، يغطي النظم الغربية والعربية). 

       الناشر: دار النهضة العربية.

 

  1. مبادئ نظام الحكم في الإسلام (1966)

       الناشر: دار النهضة العربية. 

       تطوير لأفكاره عن الدستورية الإسلامية.

 

  1. الأسس العامة للتنظيم السياسي والإداري في الإسلام (1954)

       الناشر: دار الفكر العربي (القاهرة). 

       أول دراسة منهجية معاصرة للحكم الإسلامي من منظور دستوري.

 

  1. دراسات في الدستور المصري

       (تحليل لنصوص دستور 1956/1971 في ضوء المبادئ الدستورية). 

       الناشر: دار النهضة العربية.

 

 

 ثانياً: كتب في القانون العام والإداري:

  1. القانون الإداري: التنظيم الإداري

       (يُعد مرجعًا أساسيًا في الكليات). 

       الناشر: دار النهضة العربية.

 

  1. القانون الإداري: الأعمال الإدارية

       (تكملة لكتاب التنظيم الإداري). 

       الناشر: دار النهضة العربية.

 

  1. السلطة التقديرية للإدارة

       (دراسة رائدة في حدود اختصاصات الإدارة). 

       الناشر: دار النهضة العربية.

 

 ثالثاً: دراسات في الفكر السياسي والقانوني

  1. فلسفة الثورة: دراسة في المذاهب السياسية والاجتماعية

       (تحليل نقدي لأيديولوجيات القرن العشرين). 

       الناشر: دار النهضة العربية.

 

  1. المذاهب السياسية الكبرى

       (تغطية شاملة للليبرالية، الاشتراكية، الشيوعية، الفاشية). 

       الناشر: دار النهضة العربية.

 

  1. الإسلام والديمقراطية

       (مقالات ومحاضرات حول التوافق بين المبادئ الإسلامية والدستورية الحديثة).

 

 رابعاً: ترجمات وإشراف علمي

  1. ترجمة كتاب: النظم السياسية في الغرب (لمؤلف فرنسي).
  2. الإشراف على ترجمة: موسوعة القانون الدولي العام (مشروع جماعي).
  3. تحرير وتقديم: سلسلة "أبحاث في القانون العام" (بالاشتراك مع أساتذة آخرين).

 

 خامساً: أبحاث ومقالات محورية (مجموعة في كتب لاحقة)

  1. "الشرعية الدستورية" (بحث في مجلة القانون والاقتصاد المصرية).
  2. "السيادة في الفقه الإسلامي والدستوري" (مجلة كلية الحقوق - جامعة الإسكندرية).
  3. "ضمانات استقلال القضاء" (بحث مقدم لمؤتمر القانونيين العرب).
  4. "مكانة القضاء الدستوري في الدولة الحديثة" (مجلة المحاماة المصرية).

       ملاحظة: بعض هذه الأبحاث جُمِعَت لاحقًا في كتب مثل "بحوث في القانون الدستوري والنظم السياسية" (تحرير تلاميذه).

 

 سادساً: كتب جامعية ومحاضرات (غير مطبوعة على نطاق واسع)

  1. محاضرات في القانون الدستوري (مطبوعات جامعة الإسكندرية - كلية الحقوق).
  2. شرح دستور الجمهورية العربية المتحدة (1963 - للطلاب).
  3. مذكرات في القانون الإداري (توزيع داخلي بالكلية).

 

 سابعاً: مؤلفات مفقودة أو قيد النشر (مذكورة في مصادر عنه)

  1. مذكرات شخصية عن الحياة الدستورية في مصر (لم تُنشر، يُشار إليها في كتاب د. محمد كامل ليلة).
  2. تطوير نظام الشورى في العصر الحديث (مخطوط غير مكتمل، ذكره د. فؤاد عبد المنعم أحمد).

 

 

كتب ودراسات عنه:

  1. "عبد الحميد متولي: رائد الفقه الدستوري" (إشراف وتقديم: د. محمد كامل ليلة): (الهيئة المصرية العامة للكتاب - سلسلة "أعلام المصريين"، 1990).
  2. "الفكر الدستوري عند عبد الحميد متولي" (رسائل علمية):

       توجد عدة رسائل ماجستير ودكتوراه في كليات الحقوق (جامعات القاهرة، الإسكندرية، عين شمس، إلخ) تحمل هذا العنوان أو عناوين مشابهة مثل "إسهامات عبد الحميد متولي في الفقه الدستوري".

 

 

وفاته:

توفي الدكتور عبد الحميد متولي في 29 أكتوبر 1985 عن عمر ناهز 78 عامًا، وذلك في مدينة الإسكندرية (مصر)، حيث عاش وعمل أغلب حياته. وشُيِّعت جنازته من مسجد المرسي أبو العباس بالإسكندرية (أشهر مساجد المدينة)، بحضور زملائه وتلاميذه، وممثلي نقابة المحامين ووزارة العدل. ونعته كبرى الصحف المصرية والعربية (مثل الأهرام، الشعب، الجمهورية)، ووصفته بأنه "عميد الفقه الدستوري في العالم العربي". 

وقد أطلقت كلية الحقوق جامعة الإسكندرية اسمه على إحدى قاعاتها الرئيسية تكريمًا له (قاعة "عبد الحميد متولي").

وكان رحيله خسارة فادحة للحياة الفكرية العربية، لكن إنتاجه العلمي ظل حيًا يؤثر في الأجيال الجديدة من الدستوريين.

 

المصادر:

  1. "عبد الحميد متولي: رائد الفقه الدستوري"، إشراف وتقديم: د. محمد كامل ليلة، الهيئة المصرية العامة للكتاب - سلسلة "أعلام المصريين"، 1990.
  2. اشتراك الأستاذ الدكتور عبد الحميد متولي رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية في المؤتمر الدولي للعلوم الإدارية، منشورات قانونية، https://bit.ly/3ZHwsM8
  3. محمد نور فرحات، أخلاقيات مهنة القانون في زمن فات، المصري اليوم، 27 يونيو 2018، https://bit.ly/45BE72l
  4. المفصل في القانون الدستوري، حوارات الشريعة والقانون، 1 أبريل 2024، https://bit.ly/4jspJNm

 

صدر حديثًا -عن دار النهضة العربية بالقاهرة- كتاب "فلسفة القانون" للأستاذ الدكتور السيد عبد الحميد فودة -أستاذ فلسفة القانون وتاريخه ونائب رئيس جامعة بنها لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، في عمل أكاديمي يعدّ من الإسهامات المعاصرة في مجال الفكر القانوني من زاوية فلسفية. ويمثل الكتاب جهدًا علميًا رصينًا يتناول فيه المؤلف الأسس الفلسفية التي يقوم عليها القانون، في محاولة لفهم العلاقة بين القانون والأخلاق، والعدالة، والسلطة، والنظام الاجتماعي، من خلال تحليل نقدي للمذاهب القانونية الكبرى، وتتبع تطور الفكر القانوني منذ العصور القديمة حتى الفكر المعاصر.

 

ومما جاء في تقديم الكتاب:

"إذا كانت فلسفة القانون تهدف إلى تحديد الغاية المثلى للقانون، وتوجهه نحو بلوغ هذه الغاية، وتقويم سيره كلما حاد عن الطريق القويم، وتوجيهه وتطويعه في يسر على مر السنين، وكثيرا ما دفعته أمامها دفعات قوية، بلغت حد الثورات العنيفة في بعض الأحيان، فإن دراستها لا تقل أهمية عن دراسة علم القانون، إن لم تفقها. ويكاد يجمع علماء فلسفة القانون على أنها تتناول ثلاثة موضوعات رئيسية، وهي: أساس القانون، وغايته ومنهجه، بالإضافة إلى تاريخ النظريات الفلسفية القانونية، وهذه الموضوعات الثلاثة تكون الهيكل العام لفلسفة القانون وهي وثيقة الصلة بعضها ببعض".

 

ويتضمن الكتاب عدة محاور رئيسة، حيث يفتتحه مؤلفه بمدخل تمهيدي يحدد طبيعة علم القانون وأهدافه، فيبدأ بتعريف فلسفة القانون باعتبارها وضح معالم الرؤية الفلسفية لمسائل التشريع والسلطة والعدالة، ثم يوضح منهج البحث المتبع في دراسته، مبينًا أدوات التحليل الفلسفي والمنهج الاستنباطي والتاريخي والمقارن. ينتقل الكتاب بعد ذلك إلى ترسيم نطاق علم فلسفة القانون وتمييزه عن الفقه القانوني الوظيفي، ويؤكد أهمية الإلمام بهذا العلم لفهم البنية النظرية للنظم القانونية، ويختتم التمهيد بعرض علاقة فلسفة القانون بالعلوم الأخرى، فتتضح الصلات الوثيقة مع الفلسفة النظرية وعلم النفس والأخلاق والاجتماع والقانون والسياسة.

في الباب الأول، يعالج الكتاب أساس القانون بتقسيم الباب إلى ثلاثة فصول، تبدأ بـ«المذاهب الشكلية» التي تصور القانون بوصفه شكلًا وقاعدة مجردة، فتعرض الوضعية القانونية، ومذهب أوستن، ومذاهب الشرح على المتون وهيجل وقلنسو وغيرهم، ثم تُجري تقييمًا نقديًا لهذه الاتجاهات، ثم يشرح الكتاب بعد ذلك «المذاهب الموضوعية»، التي تستند إلى واقع اجتماعي أو فلسفي، فتعرض القانون الطبيعي عبر العصور (اليونانية والرومانية والوسطى والحديثة) وتبدي تطوره، ثم ينتقل الكتاب إلى المذاهب الواقعية كالتاريخي والكفاح والغاية والتضامن الاجتماعي، مع إبراز أسس كل مذهب ونتائجه وتقييمه، وأخيرًا يستعرض «المذاهب المختلطة» كاتجاه جيني والأسس الواقعية والمثالية في الفقه المعاصر، فيجمع بين عناصر متعددة لتحديد جوهر السلطة القانونية.

أما الباب الثاني فيركز على غاية القانون؛ فيعالج أولًا «الأهداف الأيديولوجية» المتمثلة في المذهب الفردي الذي يقر بأولوية الحرية الفردية والمصلحة الخاصة، والمذهب الاجتماعي الذي يركز على المصلحة الجماعية والتضامن، ثم ينتقل إلى كون القيم محورًا لغاية القانون، فيفصل بين ثلاثة مباحث رئيسة: العدالة (تعريفها، مفاهيمها، أركانها وتقسيماتها المتنوعة من شكلية إلى توزيعية وتبادلية واجتماعية)، والأمن القانوني (ماهية هذا المفهوم، علاقته بالعدالة، مقوماته وسبل تحقيقه عبر القواعد والنظم)، والخير العام (التوفيق بين الخير الفردي والجماعي ودور الدولة في ضمانه).

وفي الباب الثالث، يستعرض المؤلف المنهج القانوني باعتباره إطارًا لتحليل القانون وتفسيره فلسفيًا، فيبدأ بـاستعراض «نشأة علم المنهج القانوني»، موضحًا ماهيته وعلاقته بفلسفة التحليل اللغوي من مدارس كامبريدج وأكسفورد وأدوات تحليل المفاهيم القانونية (الرمزي والواقعي والوظيفي)، ثم يتناول اللغة القانونية وأساليب التعريف والتفسير الاصطلاحي. بعد ذلك ينتقل الكتاب إلى بيان "صياغة التشريعات"، مستعرضًا تعريفها وأهميتها وعناصرها ومعاييرها (العمومية والتجريد)، وصور الصياغة (جامدة ومرنة، آمرة ومكملة، مادية ومعنوية)، مع بيان أخطاء وغموض النصوص. ويختتم الباب بـ«تفسير القواعد القانونية»، حيث يعرض تعريف التفسير ونطاقه وأنواعه (تشريعي وقضائي وفقهي)، إضافة إلى مدارس وطرائق التفسير اللفظي والمنطقي، ليقدم بذلك خارطة متكاملة لفهم كيفية بناء وتطبيق وتفسير القانون من منظور فلسفي.

لتحميل فهرس موضوعات الكتاب

 

المولد والنشأة

ولد الشيخ محمد أحمد مصطفى أحمد أبو زهرة في 6 ذي القعدة 1316هـ، الموافق 29 مارس 1898م، بمدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في مصر، ونشأ في أسرة معروفة بالعلم والصلاح. التحق منذ صغره بالكتّاب، فأتم حفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى الجامع الأحمدي بمدينة طنطا، أحد أهم معاهد العلم الديني في مصر، حيث تلقى علوم العربية والشرعية على يد كبار العلماء، وكان هذا الجامع يُسمى بــ"الأزهر الثاني" لمكانته العلمية الرفيعة.

 

التعليم والتكوين العلمي

بعد ثلاث سنوات قضاها في الجامع الأحمدي، التحق أبو زهرة بمدرسة القضاء الشرعي عام 1916م، وهي مدرسة أنشأها محمد عاطف بركات لإعداد القضاة الشرعيين للمحاكم المصرية. اجتاز اختبار القبول وكان أصغر المتقدمين سنًا وأكثرهم تفوقًا. مكث في المدرسة ثماني سنوات حتى تخرج عام 1924م (1343هـ) حاصلاً على شهادة "عالمية القضاء الشرعي"، ثم واصل دراسته في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ونال معادلتها عام 1927م (1346هـ)، ليجمع بذلك بين تخصصين قويين في علوم الشريعة واللغة العربية.

 

المسيرة الأكاديمية والوظيفية

بدأ الشيخ أبو زهرة حياته العملية مدرسًا للغة العربية في المدارس الثانوية، ثم عُين عام 1933م (1352هـ) أستاذًا في كلية أصول الدين، حيث درّس مادة الخطابة والجدل، وألف أول كتاب مستقل في الخطابة العربية. بعد ذلك انتقل إلى كلية الحقوق بجامعة القاهرة لتدريس الشريعة الإسلامية، ثم تدرج في مناصبها حتى أصبح رئيسًا لقسم الشريعة ووكيلًا للكلية، كما شغل منصب أستاذ محاضر للدراسات العليا، وعضو المجلس الأعلى للبحوث العلمية، وشارك في تأسيس معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة.

 

مساهمته في تطوير معهد الدراسات الإسلامية

شارك الشيخ محمد أبو زهرة مع نخبة من العلماء في تأسيس معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة، ليكون منارة علمية متخصصة في الدراسات الشرعية واللغوية، ويخدم شريحة من الطلاب الذين لم تتح لهم فرصة الدراسة في الكليات الشرعية التقليدية. كان الهدف من المعهد تعويض هؤلاء الطلاب وتزويدهم بأساس متين من العلوم الإسلامية، مع التركيز على جودة التعليم وعمق التكوين العلمي.

لم يقتصر دور الشيخ أبو زهرة على التأسيس فقط، بل كان من أوائل الأساتذة الذين ألقوا المحاضرات في المعهد، وقدم علمه وجهده دون مقابل مادي، تعبيرًا عن إيمانه برسالة المعهد وأهمية نشر العلم الشرعي. كما شغل منصب وكيل معهد الدراسات الإسلامية، وأسهم في وضع المناهج العلمية وتطويرها، وحرص على أن تجمع بين الأصالة والانفتاح على قضايا العصر.

 

الإنتاج العلمي والفكري

يُعد الشيخ محمد أبو زهرة من أبرز فقهاء القرن العشرين، وتميزت مؤلفاته بغزارتها وعمقها وسعة أفقها واعتدالها، وقد بلغت أكثر من ثلاثين مؤلفًا في الفقه المقارن، أصول الفقه، التفسير، السيرة النبوية، وقضايا المجتمع الإسلامي. وقد تميزت كتبه بالدقة العلمية واللغة السهلة، واعتمد عليها آلاف الطلاب والباحثين في العالم الإسلامي.

ومن أشهر كتب الشيخ محمد أبو زهرة:

  1. "تاريخ المذاهب الإسلامية"
  2. "العقوبة في الفقه الإسلامي"
  3. "الجريمة في الفقه الإسلامي"
  4. "الأحوال الشخصية"
  5. "خاتم النبيين" (سيرة نبوية في ثلاثة مجلدات)
  6. "المعجزة الكبرى – القرآن الكريم".
  7. موسوعة عن أئمة المذاهب: أبو حنيفة، مالك، الشافعي، أحمد بن حنبل، زيد بن علي، جعفر الصادق، ابن حزم، ابن تيمية
  8. "تفسير زهرة التفاسير" (لم يكتمل).

 

مواقفه الإصلاحية والجريئة

كان الشيخ أبو زهرة صاحب فكر إصلاحي، جريئًا في الدفاع عن الشريعة الإسلامية وحقوق الأمة، ووقف ضد محاولات تهميش الأزهر أو تدجينه في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وشارك بقوة في الدفاع عن جعل الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع في الدستور المصري. دعا إلى إصلاح الأزهر من داخل رسالته، ورفض إنشاء كليات غير دينية تحت مظلته، واقترح تثقيف أصحاب المؤهلات العليا دينيًا من خلال الأزهر.

كما كان له موقف حاسم ضد الربا، وبيّن بالأدلة فساد نظريته، ودعا إلى حماية المجتمع من مخاطره. اشتهر بصراحته في مواجهة الاستبداد والسلطة، وحرص على استقلال العلماء وحرية الفكر، وكان يرى أن الشورى هي أساس الحكم في الإسلام، وأن الحاكم يجب أن يُختار من الأمة بحرية.

 

المنهج العلمي والأسلوب

اتسم منهج الشيخ أبو زهرة بالتحليل العميق، والمقارنة بين المذاهب الفقهية، والابتعاد عن التعصب، والاعتماد على الأدلة النقلية والعقلية معًا. كان يحرص على عرض حياة الأئمة وأفكارهم واجتهاداتهم بشكل موضوعي، ويعرض الخلافات الفقهية بروح علمية، ويشجع على الاجتهاد المعاصر المنضبط بأصول الشريعة.

 

تأثيره وتلاميذه

تتلمذ على يديه عدد كبير من العلماء والباحثين، من أشهرهم: الشيخ محمد الغزالي والشيخ محمد الطيب النجار ود. عبد العزيز عامر. وكان للشيخ أبو زهرة أثر بالغ في تطوير الدراسات الفقهية المقارنة في الجامعات المصرية والعربية. بقيت كتبه مرجعًا أساسيًا للباحثين وللمهتمين بالدراسات الإسلامية، وامتد تأثيره إلى خارج مصر، حيث استفاد من علمه وكتبه طلاب العلم في العالم الإسلامي.

 

وفاته:

توفي الشيخ محمد أبو زهرة عام 1974م (1394هـ) بعد حياة حافلة بالعلم والجهاد الفكري، وترك تراثًا علميًا ضخمًا، ومواقف مشهودة في الدفاع عن الشريعة الإسلامية وحقوق الأمة، ليظل اسمه رمزًا للعلم والجرأة والإصلاح في الفكر الإسلامي الحديث.

 

المصادر:

  1. محمد بدران، الإمام محمد أبو زهرة ومعالم فكره التربوي، مجلة التأدب، العدد 8، يناير 2013.
  2. الشيخ محمد أبو زهرة الحق على لسان رجل، إسلام ويب، 22 أكتوبر 2002، https://bit.ly/4kguiee
  3. كتاب “محمد أبو زهرة.. إمام الفقهاء المعاصرين والمدافع الجريء عن حقائق الدين” للدكتور محمد عثمان شبير، حوارات الشريعة والقانون، 11 أكتوبر 2023، https://bit.ly/4dhrXNV
  4. محمد زاهد، العلامة الفقيه المجاهد الحر محمد أبو زهرة، رابطة العلماء السوريين، 12 يناير 2015، https://bit.ly/43w4g1a
  5. فهد النمري، الشيخ محمد أبو زهرة وآراؤه الاعتقادية عرضًا ونقدا، مكتبة الألوكة، 22 نوفمبر 2014، https://bit.ly/4mgs3cM
  6. أحمد الشريف، الشيخ محمد أبو زهرة.. كتب عن الأئمة الأربعة وله أكثر من 30 كتابا، اليوم السابع، 29 مارس 2023، https://bit.ly/3EUbRxf
  7. فاطمة حافظ، الشيخ محمد أبو زهرة والتجديد في فقه الأسرة، إسلام أونلاين، https://bit.ly/4jdjUmY

على مر التاريخ، ظهرت حركات العصيان المدني كوسيلة للتعبير عن الرفض الجماعي للحكومات والنظم السياسية التي تتسم بالظلم والطغيان والقمع. هذا النوع من الاحتجاج لا يعتمد على العنف، بل على أساليب سلمية تُستخدم للضغط من أجل تغيير الأنظمة القائمة وتحقيق العدالة الاجتماعية. وقد أصبح العصيان المدني أحد الأساليب الأساسية في النضال الشعبي ضد الفساد والاستبداد، سواء على الصعيد العالمي أم في المجتمعات المحلية.

 

العصيان المدني لغة واصطلاحًا:

كلمة "العصيان" مشتقة من الجذر (عصى) الذي يشير إلى الرفض وعدم الخضوع أو المعصية. ففي معجم "لسان العرب" يُذكر أن العصيان يعني التمرد على السلطة والامتناع عن الطاعة، وفي معاجم أخرى مثل "القاموس المحيط" يُفسَّر على أنه خروج عن النظام أو عدم الالتزام بالأوامر المفروضة. أما كلمة "المدني" فهي مشتقة من كلمة "مدينة" وتدل على ما يتعلق بالشأن العام والحياة الاجتماعية للمجتمع. وبجمع هذين المعنيين، يُعرَّف "العصيان المدني" لغةً بأنه الامتناع عن طاعة أو تنفيذ أوامر وقوانين تُعتبر ظالمة أو غير مشروعة، وهو ما يُمارس عادة من قبل الأفراد أو الجماعات في إطار الشؤون المدنية دون اللجوء إلى العنف.

أما اصطلاحا فيمكن تعريف العصيان المدني بأنه الرفض الجماعي أو الفردي لتنفيذ أو تطبيق قوانين أو سياسات تُعتبر غير عادلة أو جائرة. وهو نشاط يهدف إلى إثارة الوعي المجتمعي بالمشكلات التي يعاني منها المواطنون، ويهدف إلى دفع النظام السياسي إلى إجراء تغييرات تؤدي إلى إصلاح الوضع القائم. ولعل أحد أهم سمات العصيان المدني هي الالتزام بأساليبه السلمية وعدم اللجوء إلى العنف، مما يجعله وسيلة فعالة للضغط على الجهات الحاكمة دون الإضرار بالبنية الاجتماعية.

 

مكونات العصيان المدني:

تتعدد مكونات العصيان المدني وتشمل عدة عناصر أساسية، وهي:

  1. الوعي السياسي والاجتماعي: يتعين أن يكون لدى الأفراد فهمًا عميقًا للمشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تؤثر على حياتهم. هذا الوعي يُشكل الدافع الأساسي للانخراط في حركات العصيان المدني.
  2. الرفض السلمي: يعتمد العصيان المدني على أساليب سلمية في التعبير عن الرفض، مثل الإضرابات والمقاطعات والاعتصامات والمسيرات. يُعد الابتعاد عن العنف شرطًا أساسيًا يحافظ على شرعية الحركة ومصداقيتها.
  3. التبرير الأخلاقي: يحتفظ العصيان المدني ببُعد أخلاقي رئيسي، حيث يستند إلى مبادئ العدالة والحرية وحقوق الإنسان، فيقوم المشاركون بإيضاح أن رفضهم للقوانين أو السياسات ينبع من ضرورة تصحيح مسارات تخلت عن المبادئ الأخلاقية.
  4. التنظيم الجماعي: تتطلب حركات العصيان المدني تنظيمًا منسقًا يضمن استمرارية الفعل الاحتجاجي وتوجيهه نحو أهداف محددة. يشمل ذلك هيكلة وتحالفات بين مختلف الفاعلين في المجتمع.
  5. التواصل الفعال مع الرأي العام: تُستخدم وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر الرسالة وتوثيق الأحداث، مما يساهم في إضفاء الشرعية والضغط على الحكومات للتجاوب مع المطالب.

من خلال هذه العناصر، يستمد العصيان المدني قوته من التزامه بالمبادئ التي تجعل من الاحتجاج السلمي أداة فعالة للتغيير الاجتماعي والسياسي.

 

الجذور التاريخية للعصيان المدني:

يمكن القول إن جذور العصيان المدني تمتد إلى عصور قديمة، حينما استخدم الشعوب أساليب مختلفة للتعبير عن رفضهم للحكم الظالم. ومع مرور الزمن، تطورت هذه الوسائل لتصبح أكثر تنظيمًا وشمولية، خاصة مع ظهور الحركات الاحتجاجية التي قادها مفكرون وزعماء سياسيون بارزون. كانت لحركات مثل الاحتجاجات ضد الأنظمة الاستبدادية في القرون الماضية، بداية لتشكيل نظريات سياسية واجتماعية حديثة ترتكز على مفهوم العصيان المدني. ومن الأمثلة الشهيرة في التاريخ الحديث حركات النضال ضد الاستعمار، حيث استخدم الناشطون أساليب العصيان المدني لتحقيق الاستقلال والإصلاح.

وقد مرّ "العصيان المدني" بثلاث محطات رئيسية:

المحطة الأولى:

هي ولادة المصطلح على يد الفيلسوف والشاعر الأميركي هنري ديفد ثورو (1817-1862)، الذي كان من أكبر المناهضين للعبودية في بلاده، وسخّر حياته للدفاع عن العبيد الفارين. ففي عام 1846 سُجن لرفضه دفع الضرائب محتجا بمعارضته للسياسة الأميركية ومنها الحرب ضد المكسيك. وتورو هو أول من استعمل المصطلح ونظَّر له في كتابه الشهير "العصيان المدني" الذي يقول فيه: "لو رفض ألف دفع ضرائبهم، فلن يكون هذا عملا دمويا خلافا للدفع الذي سيمكّن الحكومة من مواصلة الحروب وإراقة الدم البريء. ها قد أصبحت الثورة السلمية ممكنة. وإن سألني جابي الضرائب ماذا أفعل؟ فسأقول له: استقل. وعندما يرفض المواطن الطاعة ويستقيل الموظف فإن الثورة تكون قد نجحت".

المحطة الثانية:

هي تأثرُ الزعيم الهندي المهاتما غاندي بأفكار ديفد ثورو ومحاولته تطبيقها عبر ملاحم مقاومة معروفة، منها مطالبته عام 1906م العمال الهنود في جنوب أفريقيا برفض إعطاء بصماتهم تطبيقا لقانون عنصري. ومن ذلك أيضا دعوته عام 1930م مواطنيه الهنود إلى مقاطعة الملح الذي كانت جبايته مصدرا هاما لخزانة السلطات الاستعمارية البريطانية، فقاد الجماهير نحو البحر ليستخرجوا منه ملحهم، ثم أتبع ذلك بصرخته المعروفة: "غادروا الهند" التي انتقل بها من رفض القوانين الاستعمارية إلى المناهضة السلمية للاستعمار نفسه.

المحطة الثالثة:

هي معركة الحريات المدنية التي قادها الزعيم الأميركي الأسود مارتن لوثر كنغ في ستينيات القرن العشرين برفض الانصياع للقوانين العنصرية للولايات الجنوبية في أميركا.

دوافع متعددة:

تعددت مظاهر وتطبيقات العصيان المدني منذ بداية القرن العشرين في بلدان كثيرة وخاصة في الدول الغربية، ومن بينها فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا، سواء تعلّق الأمر برفض القوات المتحاربة مواصلة إطلاق النار في الحرب العالمية الأولى، أم في فرنسا حيث دعم البعض استقلال الجزائر، أم في ألمانيا حين منع العصاة المدنيون تحرك النفايات النووية، كما استخدِم في جنوب أفريقيا لمقاومة الفصل العنصري، وانتهجته حركات السلام في أنحاء العالم.

 

العصيان المدني في فلسطين:

تكوّن مفهوم العصيان المدني في المجتمع الفلسطيني عبر تراكم طويل من النضال الشعبي وتجارب يومية وحركات منظمة ضد الاحتلال. لم يكن احتجاجًا عابرًا، بل استجابة جماعية شاملة جمعت بين الرفض السياسي والأبعاد الثقافية والاقتصادية: من الامتناع عن دفع الضرائب ومقاطعة الإدارة المدنية إلى تعزيز الروابط عبر المؤسسات المحلية والحركات النسائية، مما رسّخ الهوية الوطنية والوعي السياسي. حوّلت هذه الممارسات الروتينية إلى أدوات فعّالة للتحدي، فدفعت نحو إعادة توزيع السلطة والمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية جذرية. بهذا، صار العصيان المدني تجسيدًا للقوة الجماهيرية والالتزام بحق تقرير المصير، كنموذج مقاوم يُحتذى به في مواجهة القمع وتحقيق التغيير الإيجابي.

ظهرت ممارسات العصيان المدني في السياق الفلسطيني كأداة مقاومة سلمية ضد الاحتلال، بدءًا من فترة الانتداب البريطاني، وتجسدت بوضوح في الإضراب العام عام 1936 الذي استمر ستة أشهر، مطالبًا بوقف الهجرة اليهودية ووعد بلفور. شمل الإضراب مقاطعة البضائع البريطانية، ووقف العمل في الموانئ، وامتناع الطلاب عن الذهاب للمدارس. أدى هذا العصيان إلى شل الاقتصاد، وامتد ليتحول إلى ثورة شعبية أسفرت عن استشهاد 1200 فلسطيني، بينهم فرحان السعدي الذي أُعدم أثناء صيامه رمضان.

خلال الانتفاضة الأولى (1987)، برزت تجربة بيت ساحور كأحد أبرز نماذج العصيان المدني المنظم. امتنع الأهالي عن دفع الضرائب للاحتلال الإسرائيلي، وأقاموا تعاونيات محلية للإنتاج الزراعي والصناعي، مثل تعاونية الأبقار لضمان الاكتفاء الذاتي. شكلت لجان شعبية متخصصة (كالتموين، الصحة، التعليم) لتنظيم الحياة اليومية، متحدين الحصار الاقتصادي والقمع العسكري الإسرائيلي الذي حاول كسر إرادتهم عبر فرض غرامات باهظة.

في العصر الحديث، استمر توظيف العصيان المدني كأداة ضغط، كما حدث في مخيم شعفاط عام 2022، حيث فرض الأهالي إغلاقًا شاملًا للمحال التجارية، وقطعوا الطرقات، وامتنعوا عن العمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948، مما أجبر الاحتلال على التراجع عن حصاره. كما دعت جهات فلسطينية في أبريل 2025 إلى عصيان مدني شامل نصرةً لغزة، رغم عدم توفر تفاصيل ميدانية عن نتائجه.

تعتمد هذه الأساليب على التنظيم المجتمعي واللاعنف، مستفيدةً من الدروس التاريخية كإضراب 1936، مع تطوير آليات تكيف كالزراعة المنزلية والمقاطعة الاقتصادية.

 

 العصيان المدني في الشريعة الإسلامية

يُشكل العصيان المدني إحدى القضايا الإشكالية في الفقه السياسي الإسلامي، حيث تتقاطع مفاهيم الطاعة الشرعية مع مقتضيات العدالة الاجتماعية، وفي هذا الجزء نستهدف رصد التطور التاريخي لموقف المذاهب الفقهية من القضايا المشابهة للعصيان المدني، مع تحليل الاتجاهات المعاصرة في التعامل مع هذا المفهوم في ضوء المستجدات السياسية.

 

المفهوم الفقهي للعصيان المدني وأصوله الشرعية (التأصيل النصي للمفهوم):

تقوم فكرة العصيان المدني في الإسلام على ثنائية الطاعة في المعروف والعصيان في المنكر، المستمدة من قوله تعالى: "وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ" (الشعراء: 151). وقد حدد الحديث النبوي الإطار العام بالقول: "السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ" (صحيح البخاري). هذا النص يؤسس لمبدأ التفريق بين الطاعة المطلقة لله والطاعة المشروطة للحكام.

لم يعرف التراث الفقهي مصطلح "العصيان المدني" بمفهومه الحديث، لكنه تناول ظواهر مماثلة تحت عناوين مثل "المناصحة"، "الهجرة السياسية"، و"العزل الجماعي". فقد أشار القرافي المالكي إلى أن "الأمة إذا أعلنت البراءة من حاكمها الظالم جاز لها مقاطعته في المعاملات العامة". هذه الصورة التاريخية تقترب من مفهوم المقاومة السلمية المعاصرة.

 

آراء المذاهب الأربعة في القضايا المشابهة للعصيان المدني:

المذهب الحنفي: التمييز بين أنواع المخالفة

ذهب أبو حنيفة إلى جواز الاعتراض اللفظي على الحاكم الجائر، مع تحريم الخروج المسلح إلا في حالات الكفر البواح. واستدلوا بقول عمر بن الخطاب: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". وقد نص السرخسي في "المبسوط" على أن "للرعية حق النصيحة للحاكم بالطرق السلمية، ومنها الامتناع عن التعاون في الظلم". هذا الموقف يفسر قبول الحنفية للاحتجاجات السلمية كوسيلة ضغط إصلاحية.

 

المذهب المالكي: أولوية درء المفاسد

اعتمد المالكية على قاعدة "ارتكاب أخف الضررين"، حيث أجاز ابن رشد الجد التعبير عن الاعتراض عبر المقاطعة الاقتصادية عند عجز الوسائل الأخرى. وقد ورد في المدونة الكبرى: "إذا أمَر الوالي بمنكر، فالأولى مخالفته عملًا لا قولًا". هذا التوجه يفسر قبول بعض الفقهاء المالكيين للعصيان المدني كبديل عن المواجهة المسلحة.

 

المذهب الشافعي: مراتب إنكار المنكر

قسّم الشافعية وسائل الإصلاح إلى ثلاث درجات: الإنكار القلبي، اللساني، ثم اليدوي. وقد أشار النووي في "روضة الطالبين" إلى أن "الإنكار اليدوي للحاكم الظالم يكون بالامتناع عن تنفيذ أوامره الظالمة دون المواجهة المباشرة". هذا التدرج يفتح الباب أمام أشكال العصيان السلمي كمرحلة متقدمة من النصيحة.

 

المذهب الحنبلي: التوازن بين النصيحة والاستقرار

بالرغم من تشدد المذهب الحنبلي في مسألة الخروج المسلح، إلا أن ابن تيمية أقر بوسائل ضغط غير عنيفة. فقد ذكر في "السياسة الشرعية": "إذا أظهر الحاكم المنكرات، وجب على الرعية تغيير قلوبهم عليه وقطع الولاية عنه بالطرق المشروعة". هذا الرأي يؤسس لشرعية المقاومة المدنية المنظمة.

 

الاتجاهات المعاصرة في فتاوى العصيان المدني:

يعارض التيار السلفي التقليدي فكرة العصيان المدني، مستندًا إلى أحاديث وجوب الصبر على جور الحكام. ويحذر عبد العزيز بن باز من أن "العصيان المدني يضعف هيبة الدولة الشرعية"، مؤكدًا أن "التغيير يجب أن يتم عبر القنوات الرسمية للنصيحة". هذا الرأي يستشهد بتجارب تاريخية حيث أدت الاحتجاجات إلى فتن أشد.

بينما يتبنى عدد من الفقهاء المعاصرين مثل د. يوسف القرضاوي ود. علي جمعة رأيًا مشروطًا بجواز العصيان المدني. يستندون إلى أن "الأمر بالمعروف لا يقتصر على الأفراد بل يشمل المؤسسات"، وأن "الامتناع السلمي عن التعاون مع الظلم صورة من صور النصيحة العملية". وقد أصدروا فتاوى بجواز الاحتجاجات السلمية في حالات الفساد المستشري، شريطة الالتزام بضوابط السلمية وعدم المساس بالمرافق الحيوية.

وميَّز د. طه جابر العلواني بين العصيان ضد الأنظمة العلمانية والأنظمة الإسلامية. ففي الحالة الأولى يُعتبر العصيان وسيلة شرعية لاسترداد الهوية الإسلامية، بينما في الثانية يقتصر على آليات النصيحة الدستورية. يستند هذا التوجه إلى قاعدة "تغير الأحكام بتغير الزمان".

 

إطلالة على الإشكالات المعاصرة وتحديات التأصيل:

يطرح باحثون مثل عبد الوهاب الأفندي إشكالية تطبيق مفاهيم التراث الفقهي على الأنظمة الديمقراطية. حيث إن "الدولة الحديثة تستمد شرعيتها من الشعب لا من البيعة الشرعية"، مما يفتح الباب لإعادة تأصيل مفهوم العصيان في إطار العقد الاجتماعي الإسلامي.

كما أثارت حملات المقاطعة الإلكترونية جدلًا فقهيًا حول مدى انطباق أحكام العصيان المدني على الفضاء الافتراضي. حيث يرى د. محمد سليم العوا أن "المقاطعة الرقمية للشركات الداعمة للظلم تدخل في نطاق الهجرة المعاصرة"، بينما يحذر د. سعد الدين الهلالي من "استخدام المنصات الإلكترونية لبث الفتنة".

 

ومما سبق يتضح تعدّد موقف الفقه الإسلامي من العصيان المدني تبعًا لموازنة دقيقة بين مقاصد الشريعة والحالة الواقعية؛ فالمذاهب التقليدية تؤكّد على أولوية حفظ الاستقرار، بينما فتح الاجتهاد المعاصر المجال للاحتجاج السلمي ضد أنظمة فاسدة بشرط استنفاد كل الوسائل الأخرى أولًا. تقوم صياغة ضوابط العصيان على ثلاثة مرتكزات رئيسية: وضوح الظلم، واستنفاد الطرق السلمية، وضمان عدم الانجرار إلى الفوضى، مع الحفاظ على الثوابت الشرعية.

وترتكز الشريعة في تقييمها للعصيان على قيم العدالة وحفظ كرامة الإنسان، فتعتبر رفض تنفيذ القوانين الظالمة حقًا مشروعًا إذا دعت الضرورة إلى حماية حقوق الفرد والمجتمع. ويُنظر إلى الاعتراض السلمي ليس كخرقٍ للسلطة، بل كواجبٍ ديني حين يخالف النظام الحاكم المبادئ الأخلاقية والإنسانية.

يواجه الفقهاء تحديًا مستمرًا في تحقيق التوازن بين حفظ النظام العام والالتزام بمبدأ الإنصاف، فالعصيان المدني يصبح وسيلةً لتصحيح المسار السياسي والاجتماعي فقط عند تهديد حقوق الإنسان بشكل جسيم وغياب السبل الإصلاحية الأخرى. ومع التطورات السياسية والاجتماعية الراهنة، يبرز دور الاجتهاد المؤسّسي في تقديم نموذج متوازن للعصيان يحقق الإصلاح دون الإخلال بالقانون أو الثوابت الشرعية.

بهذه المعايير، يتضح أن العصيان المدني في الشريعة الإسلامية ليس احتجاجًا عفويًا، بل ممارسة مقيدةٌ بضوابطٍ شرعية تهدف إلى إقامة نظامٍ عادل يحفظ حقوق الناس ويضمن الاستقرار العام في آن واحد.

 

المصادر:

_________________

  1. ماذا يعني العصيان المدني؟، الجزيرة نت، 9 يونيو 2019، https://bit.ly/43NzUrH
  2. محمد على فقيه، هنري ثورو.. منظّر "العصيان المدني"، الميادين، 24 مارس 2023، https://bit.ly/4j8dOoH
  3. أكرم كساب، العصيان المدني رؤية شرعية، الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، 23 يونيو 2015، https://bit.ly/3EeHD7L
  4. أحمد عز الدين، بلاد على أهبة الفجر: العصيان المدني والحياة اليومية في بيت ساحور، المركز العربي، 26 ديسمبر 2021، https://bit.ly/42v4K63
  5. د. سعود العجمي، العصيان المدني وعلاجه في ضوء القرآن الكريم، مجلة كلية دار العلوم، العدد 36، ص: 989-1023.
  6. ابن جبرين، كتاب شرح أصول السنة للإمام أحمد، حكم الخروج على ولاة الأمر، ج 2، ص 2.
  7. حكم الخروج على الحاكم، إسلام ويب، https://bit.ly/4lQvV4a
  8. خالد أبو الفضل، التمرد والعنف في الفقه الإسلامي، المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسيات، 2 فبراير 2025، https://bit.ly/4cNUp9X
  9. حسين عمر، العصيان المدني، عمون، 8 سبتمبر 2019، https://bit.ly/4iBGlBQ
  10. أحمد أسعد، شهادات من الانتفاضة: العصيان واللجان والشبكات والقيادة والتنظيم الشعبي، 18 أغسطس 2023، https://bit.ly/3GuzsEZ
 


"القرار عدد 225/1 المؤرخ في 15/04/2025
في الملف المدني عدد 227/1/2025"


المولود نتاج علاقة جنسية غير شرعية، من غير رضى من الموطوءة الخالية من الزوج يستحق النفقة على غرار الولد الشرعي: لا. يستحق التعويض في إطار جبر الضرر: نعم.
استيفاء الزاجر بإيقاع العقوبة على الجاني، لا يسقط حق المولود الضحية، نتاج الفعل الجرمي، في التعويض جبرًا للضرر الحال أو المستقبلي، في إطار قواعد المسؤولية التقصيرية الناشئة عن جريمة.
وبعد المداولة طبقًا للقانون
حيث يستفاد من مستندات الملف أن المدعية عائشة عنيبة (الطالبة) تقدمت أمام المحكمة الابتدائية بالحسيمة بمقال افتتاحي بتاريخ 03/03/2023 عرضت فيه أنها تعرضت لاعتداء جنسي من طرف المدعى عليه إبراهيم الزهري (المطلوب) نتج عنه هتك عرضها وحمل، مستغلاً الحالة العقلية التي تعاني منها والتي تجعلها غير قادرة على التمييز والإدراك، وأن هذا الأخير توبع من طرف النيابة العامة بهتك عرض شخص معروف بضعف قواه العقلية وأدين بسنة واحدة حبسًا نافذًا، وأوضحت أن الطفل هيثم الذي وضعته بتاريخ 24/08/2022 يبقى المدعى عليه هو والده، وبالتالي المسؤول عنه في تحمل أعبائه المادية، وأن عدم نسبة الطفل إليه لا يعفيه من مسؤولياته تجاه الابن، ذلك أن كل شخص مسؤول، استنادًا للدستور، عن أفعاله وأخطائه التي تتسبب في ضرر للغير متى ثبتت العلاقة السببية بين الخطأ والضرر، وأن الأطفال في حاجة لرعاية من جانب أولياء أمرهم، ولهم عليهم حقوق في الأكل والشرب والتطبيب والسكن والتدريس إلى حين بلوغهم سن الرشد، وفي حالة متابعتهم لدراستهم إلى حين بلوغهم خمسة وعشرين (25) سنة، وأن المصلحة الفضلى للطفل تقتضي تحميل المسؤولية لوالده، مهما كانت طبيعة علاقة الأبوة بحكم المسؤولية وآثارها، كما أن الفصل 32 من الدستور في فقرته الثالثة ينص على مسؤولية الدولة في توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، وحماية حقوقهم الطبيعية ضد المسؤولين عنها، سواء كانت نفقة شرعية أو تعويضًا بمثابة نفقة دون تحديد شرعية العلاقة، خاصة وأن المغرب انضم للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل بعد أن تم التوقيع عليها بتاريخ 20 يناير 1990 والمصادقة عليها في 23 يونيو 1993 وهو ما يعطيها أولوية في التطبيق على القانون الداخلي، كما انضم إلى البروتوكول الاختياري لحقوق الطفل بتاريخ 22/05/2002، وتنص المادة الثانية من الاتفاقية الدولية المذكورة في فقرتها الثانية على أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز أو العقاب القائمة على أساس مركز والدي الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه أو أعضاء الأسرة أو أنشطتهم أو آرائهم المعبر عنها أو معتقداتهم"، كما أن الاتفاقية تضمن حقوق الطفل تشريعًا وتنفيذًا وقضاء، والقاعدة أن من تسبب في ضرر مسؤول عن جبره، ومن أجله التمست الحكم على المدعى عليه بأدائه لها تعويضًا شهريًا بمثابة نفقة للابن بحسب 500 درهم في الشهر ابتداء من تاريخ 24/08/2022 مع الاستمرار في الأداء إلى حين حدوث ما يسقطها شرعًا.
وبعد جواب المدعى عليه ملتمسًا عدم قبول الدعوى لكونها معيبة شكلاً وبرفضها موضوعًا لكون ما تدعيه المدعية يفتقد إلى الإثبات، نافيًا أن يكون الابن المزعوم من صلبه، أصدرت المحكمة حكمها عدد 112 بتاريخ 25/03/2024 في الملف عدد 452/1201/2023 برفض الطلب، فاستأنفته المدعية (المحكوم ضدها)، وأيدته محكمة الاستئناف بمقتضى قرارها المطعون فيه بالنقض من طرف الطاعنة أعلاه في الوسيلة الفريدة المتخذة من نقص التعليل الموازي لانعدامه، ذلك أنه ربط سمو الاتفاقيات الدولية بشرط المصادقة عليها، والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل أصبحت بعد المصادقة عليها جزءًا من القانون الوطني، ولا تتعارض مع النظام العام، ونص الفصل 32 من الدستور واضح في رفع حدود نوعية الروابط بين الأطفال والآباء لتشمل كل الأطفال "بغض النظر عن وضعيتهم العائلية"، فالدعوى ذات طابع مختلط مدني وأسري، وعلاقة بنوة الطفل مع المطلوب ثابتة بمقتضى حكم نهائي بات قضى بالإدانة من أجل هتك عرض قاصر معروف بضعف قواه العقلية، وأن المحكمة لم تناقش قاعدة الضرر واستحقاق التعويض جراء ولادة طفل قاصر لا مسؤولية له فيما وقع، وهو يستحق النفقة أو التعويض، وأن ما ذهبت إليه المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه جانب الصواب، وأن قرار النقض الذي اعتمدته يختلف موضوعه عن موضوع الدعوى الجارية.
حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار المطعون فيه، ذلك أنه أيد الحكم المستأنف وتبنى علله وأسبابه التي جاء فيها أن ((الثابت من القرار الجنائي المرفق بالمقال الاستئنافي أن المطلوب أدين من أجل هتك عرض شخص معروف بضعف قواه العقلية فقط وليس هتك عرض أو اغتصاب الطاعنة ناتج عنه حمل ... وعلى فرض صحة ادعاءات الطاعنة، فإن التعويض المطلوب على إثر هذا الفعل لا يجد مشروعيته في مقتضيات الفصل 77 من ق.ل.ع.، طالما أن المادة 148 من مدونة الأسرة تطرقت للآثار الناتجة عن البنوة غير الشرعية بتنصيصها على أنه "لا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية" ... مما ينتفي معه السند القانوني للحكم للمستأنفة بتعويض بمثابة نفقة لابنها))، في حين أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تكييف طلبات الخصوم وفهم الدعوى على حقيقتها بما تتبيَّنة من وقائعها، وفي تنزيل الوصف الحق عليها دون تقيد بتكييف الخصوم، مادامت لم تخرج عن وقائع الدعوى ولم تغير من مضمون طلبات الخصوم، ولم تستحدث طلبات جديدة لم تعرض عليها، وأنه يتجلى من واقع الملف، كما كان معروضًا على قضاة الموضوع، أن الطالبة التمست الحكم لها بتعويض عن خطأ المطلوب في هتك عرضها مستغلاً حالة ضعفها العقلي، نتج عنه ولادة طفل يحتاج إلى إنفاق، وأن إشارتها في الملتمس المذكور إلى النفقة هي لتحديد شكل التعويض المطالب به قياسًا على ما جرى به العمل من فرض نفقة شهرية للولد الناتج عن علاقة شرعية، دون أن ينصرف ملتمسها إلى إثبات نسب الولد المذكور للواطئ، أو ترتيب آثار البنوة الشرعية على ذلك، وأن الأصل في الجناية الواردة على محل معصوم اعتبارها بإيجاب الجابر والزاجر ما أمكن، وأن استيفاء الزاجر بإيقاع العقوبة على الجاني لا يسقط حق الضحية في التعويض، جبرًا للضرر الحال أو المستقبلي في إطار قواعد المسؤولية التقصيرية الناشئة عن جريمة، لأن الجوابر إنما شرعت لجلب ما فات من مصالح، ومبدأ الجمع في مثل نازلة الحال هو مقتضى قول الإمام مالك فيما روي عنه من أنه "إن زنى رجل عاقل بمجنونة فعليه الحد والصداق لأنه نال منها ما ينال من العاقلة، ولا حد عليها لرفع القلم عنها، وعدم اللذة لها" (كتاب "الجامع لمسائل المدونة"، ابن يونس الصقلي، ج. 22، ص. 46)، وإقرار مبدأ جبر ضرر المكرهة على الوطء فيما فاتها من صداق أمثالها، هو نفسه مبدأ جبر ضرر المولود إذا ما ثبت أنه كان فعلاً نتاج ماء واطئ لم يصب به محلاً مشروعًا، ولم يلق رضى من الموطوءة الخالية من الزوج، وهو ضرر محقق في الحال والاستقبال أصابه في رزقه وكسوته بالمعروف وباقي متطلبات الحياة، وهو الصغير الذي ليس له في أمر ما وقع يدٌ آثمة يتحمل وزره والداه، كلٌ حسب مسؤوليته فيه، لما جاء عن عائشة رضي الله عنها في "ولد الزنا"، قالت "ما عليه من ذنب أبويه شيءٌ"، ثم قرأت "ولا تزر وازرةٌ وزرَ أخرى"، ولما يحتاجه من مكارمة وإحسان، إذ ورد عن الفاروق عمر بن الخطاب "أكرموا ولد الزنا وأحسنوا إليه"، وأن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه، لما تعللت بأن المتابعة الجنائية لم تكن من أجل هتك عرض أو اغتصاب الطاعنة نتج عنه حمل، والحال أن من لا يتورع عن هتك عرض من كانت تشكو من ضعف قواها العقلية، سواء بإصابتها بموضع الحرث أو غيره، لا يستبعد منه أن ينشط على الوطء الكامل، وهي مظنة كان على المحكمة التحقق منها بسلوك إجراءات التحقيق المناسبة للحسم في ما إذا كان أمر تخلق المولود من نطفة أمشاج من ماء الطالبة وماء المطلوب، أم من ماء الغير، لما قد يكون لذلك من تأثير على قضائها، وأنها لما لم تفعل جاء قرارها ناقص التعليل المنزل منزلة انعدامه، وهو ما عرضه بالتالي للنقض والإبطال.
لهذه الأسباب
قضت محكمة النقض بنقض القرار المطعون فيه، وبإحالة الدعوى على محكمة الاستئناف بفاس للبت فيها طبقًا للقانون، وبتحميل المطلوب في النقض المصاريف.
وبه صدر القرار وتلي بالجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعلاه بقاعة الجلسات العادية بمحكمة النقض بالرباط، وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من السادة: محمد ناجي شعيب رئيس الغرفة – رئيسًا، والمستشارين: بنسالم أوديجا - عضوًا مقررًا، وعبد السلام بنزروع، وعبد الحفيظ مشماشي، وعبد الغني اسنينة - أعضاء، وبمحضر المحامي العام السيد عمر الدهراوي، وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة بشرى راجي.


كما قررت إثبات قرارها هذا بسجلات المحكمة المصدرة له، إثر الحكم المطعون فيه أو بطرته.
الرئيس المستشار المقرر كاتبة الضبط

الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفا محمد حسن هو أحد أبرز الأكاديميين والمتخصصين في مجال القانون الدولي العام في مصر والوطن العربي، حيث تجسّد مسيرته العلمية والعملية إسهاماتٍ رائدة في تطوير الفقه القانوني الدولي، سواء عبر مؤلفاته الثرية التي تُشكّل مكتبةً بحثيةً مرجعية، أم من خلال دوره الفاعل في إعداد أجيالٍ من الباحثين والمتخصصين، جمع خلالها بين العمق الأكاديمي والتطبيق العملي عبر مشاركته في تحليل قضايا دولية مفصّلة، مثل نزاعات التحكيم الدولي وقضايا حقوق الإنسان. وتبرز إسهاماته المتميزة في الجمع بين الفقه الإسلامي والقانون الدولي الوضعي، مما جعل إرثه العلمي مزيجًا فريدًا يُقدّم رؤىً ثريةً للباحثين، ويستحق الدراسة والتمعّن لفهم التفاعل بين المنظومتين التشريعيتين في قضايا معاصرة كالدبلوماسية وحقوق البحار وحماية المدنيين في النزاعات المسلحة.

 

المؤهلات العلمية:

  • دكتوراة الدولة في القانون الدولي من جامعة جان مولان بفرنسا 1981م بتقدير مشرف جدًا Tres honorable.
  • دبلوم أكاديمية القانون الدولي بلاهاي 1980م.
  • دبلوم الدراسات المتعمقة في القانون الأوروبي 1978م من جامعة جان مولان بفرنسا بتقدير جيد: الأول على الدبلوم.
  • دبلوم الدراسات العليا في القانون الجنائي 1976م بتقدير جيد جدا من نفس الكلية: الأول على الدبلوم.
  • دبلوم الدراسات العليا في القانون العام 1975م بتقدير جيد من كلية الحقوق- جامعة القاهرة.
  • ليسانس الحقوق من كلية الحقوق – جامعة القاهرة 1974م (الأول على الدفعة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف).

 

الإنتاج العلمي للأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفا باللغة العربية

 

أولاً- كتـــب: في القانون الدولي العام:

 

  1. مشكلة عدم الظهور أمام محكمة العدل الدولية، دراسة في إطار قانون الإجراءات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1985م (208 ص).
  2. الوسيط في قانون المنظمات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1428 – 2007م (743 ص).
  3. القانون الدولي للبحار، دار النهضة العربية، القاهرة، 1989، 2006م (512 ص).
  4. قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، دار النهضة العربية، القاهرة 1424 – 2003م (588 ص).
  5. الوسيط في القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 2016م (937 ص).
  6. مجلس التعاون لدول الخليج العربية كمنظمة دولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1996م (233 ص).
  7. العلاقات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1418 – 1998م (553 ص).
  8. جامعة الدول العربية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1418 – 1998م (757 ص).
  9. الحماية الدولية لحقوق الإنسان، دار النهضة العربية، القاهرة، 2018م (292 ص).
  10. المسئولية الدولية للدول واضعة الألغام في الأراضي المصرية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003 (128 ص)، (منشور أيضًا بالمجلة المصرية للقانون الدولي، 2001م).
  11. المفاوضات الدولية دراسة لبعض جوانبها القانونية في القانون الدولي وفي الشريعة الإسلامية، دار النهضة العربية، القاهـرة، 2019م (245 ص).
  12. النظرية العامة للقانون الدولي الإنساني، دارا النهضة العربية، القاهرة، 2019م، (243 ص).

 

ثانيًا- كتب في القانون الدولي الإسلامي:

  1. قانون البحار والأنهار الدولية في الإسلام، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، سلسلة الدراسات الخاصة، عدد 38، القاهرة، 1988م (165 ص).
  2. المعاهدات الدولية في الشريعة الإسلامية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1410 – 1990م (312 ص).
  3. القانون الدبلوماسي الإسلامي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1412 – 1992م (640 ص).
  4. أثر أئمة الفقه الإسلامي في تطوير قواعد القانون الدولي والعلاقات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1417 – 1997م (327 ص).
  5. أخلاقيات الحرب في السيرة النبوية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1430 – 2009م (422 ص).
  6. حق اللجوء بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي للاجئين- دراسة مقارنة، المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين- جامعة نايف للعلوم الأمنية، جنيف – الرياض، 1430 – 2009م (274 ص).

 

ثالثًا - مقالات وبحوث في القانون الدولي العام:

  1. دور جامعة الدول العربية في إطار قانون المعاهدات الدولية، شئون عربية، جامعة الدول العربية، 1983م.
  2. الجماعة الاقتصادية الأوروبية ومدى إمكانية تطبيق نموذجها في إطار جامعة الدول العربية، شئون عربية، جامعة الدول العربية، 1984م.
  3. اللوائح الداخلية للمنظمات الدولية، مجلة القانون والاقتصاد، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1982م.
  4. السوق الأوروبية المشتركة ودورها في تطوير التعاون الأوروبي، مجلة الدراسات الدبلوماسية، معهد الدراسات الدبلوماسية، الرياض، عدد 5، 1408 – 1988م (ص 44 – 95).
  5. دراسة لبعض جوانب ظاهرة الإرهاب الدولي، مجلة الدراسات الدبلوماسية، معهد الدراسات الدبلوماسية، الرياض، عدد 6، 1410 – 1990م (ص 46 – 59).
  6. حماية البيئة البحرية من التلوث في ضوء اتفاقية قانون البحار لعام 1982 وفي الشريعة الإسلامية، الرياض، عدد 7، 1410 – 1990م (ص 54 – 78).
  7. مبدأ عدم التدخل في شئون الغير ومدى انطباقه على المبعوثين الدبلوماسيين في الشريعة الإسلامية، مجلة الدراسات الدبلوماسية، معهد الدراسات الدبلوماسية الرياض، عدد 10، 1413 – 1993م (ص 81 – 98).
  8. تلغيم مياه الخليج والبحر الأحمر وأثره على المملكة العربية السعودية، دراسة في إطار قواعد القانون الدولي وأحكام المحاكم الدولية، دراسات سعودية، معهد الدراسات الدبلوماسية، الرياض، عدد 3، 1408 – 1988م، (ص 69 – 158).
  9. مبدأ حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية في المعاهدات الدولية للمملكة العربية السعودية، دراسات سعودية، معهد الدراسات الدبلوماسية بالرياض، عدد 5، 1411 – 1991م (ص 37 – 84).
  10. العلاقات الخارجية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، دراسات سعودية، معهد الدراسات الدبلوماسية، الرياض، عدد 7، 1413 0 1993م (ص 184 – 221).
  11. الأوضاع القانونية لجزر البحر الأحمر – في كتاب جزر البحر الأحمر، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1989م (ص 456 – 573).
  12. المبادئ العامة للقانون الدبلوماسي المعاصر، الدبلوماسي، معهد الدراسات الدبلوماسية، الرياض، عدد 10، 1409-1988م (ص 44-46).
  13. شروط المسئولية الدولية، الدبلوماسي، معهد الدراسات الدبلوماسية، الرياض، عدد 13، 1410-1990م (ص 45 – 47).
  14. التحكيم الدولي، نفس المرجع، عدد 12، 1410 – 1989م، (ص70 – 73).
  15. حصانات وامتيازات أسرة الدبلوماسي، نفس المرجع، عدد 15، 1412 – 1992م، (ص 43 – 44).
  16. استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، مجلة الدراسات الدبلوماسية، معهد الدراسات الدبلوماسية، الرياض، عدد 9، 1412 – 1992م، (ص 159 – 163).
  17. الجزاءات والتدابير التي اتخذها مجلس الأمن ضد العراق بعد احتلاله للكويت في القرارات 661، 665، 670، نفس المرجع، عدد 8، 1411 – 1991م (ص 103 – 113).
  18. موقف القانون الدولي من إلغاء بعض الاستثناءات الممنوحة لبعض الأجانب المقيمين في المملكة العربية السعودية، دراسات سعودية، معهد الدراسات الدبلوماسية، الرياض، عدد 5، 1411 – 1991م (ص 170 – 176).
  19. تأملات حول الحماية الدولية للبيئة من التلوث، المجلة المصرية للقانون الدولي، 1993م (ص 45 – 87).
  20. حصانات ومزايا مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التعاون، السكرتارية العامة لمجلس التعاون، عدد 33، 1994م (ص 13 – 49).
  21. التحكيم في القانون الدولي والقانون المصري، المجلة المصرية للقانون الدولي، 1994م (ص 29 – 105).
  22. المنظمات الدولية وقانون المسئولية الدولية، المجلة المصرية للقانون الدولي، 1995م (ص 1 – 94).
  23. مسائل القانون الدولي والعلاقات الدولية في أحكام القضاء المصري، المجلة المصرية للقانون الدولي، 1997م (ص 233 – 290).
  24. حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، كلية الحقوق – جامعة المنصورة، 1997م (ص509-545).
  25. تدريس القانون الدولي الإنساني، بحث مقدم إلى ندوة تنفيذ القانون الدولي الإنساني على المستوى الوطني والتي نظمتها جمعية الهلال الأحمر المصرية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، القاهرة، 2 – 3 مارس 1998م (26 ص).
  26. القانون المصري الخاص بالشارة أو الشعار، بحث مقدم إلى ندوة مجموعة المحاضرات الخاصة بإدارة الأزمات والتي نظمتها جمعية الهلال الأحمر واللجنة الدولية للصليب الأحمر، القاهرة، 31 مايو – 4 يونيو 1998م (13 ص).
  27. حماية حقوق الإنسان في إطار منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، المعهد الدولي لحقوق الإنسان، ستراسبورج (فرنسا)، 1998، 2005م (ص 5-212).
  28. المسئولية الدولية للدول واضعة الألغام في الأراضي المصرية، المجلة المصرية للقانون الدولي، 2001م (ص 1 – 128).
  29. النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وعلاقته بالقوانين والدساتير الوطنية، المجلة المصرية للقانون الدولي، 2002م، (ص 7 – 68).
  30. الفئات المشمولة بحماية القانون الدولي الإنساني، منشور في القانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على الصعيد الوطني، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القاهرة، 2003م (ص 143 – 208).
  31. الجوانب القانونية للمفاوضات الدولية، المجلة المصرية للقانون الدولي، 2003م (ص 10 – 82).
  32. البعد القانوني للعنف في القوانين الوطنية والقانون الدولي والشريعة الإسلامية، مجلة مركز بحوث الشرطة يناير 2006م، ذو الحجة 1426هـــ (ص 51 – 121).

 

رابعًا - مقالات وبحوث في القانون الدولي الإسلامي:

  1. أصول القانون الدولي والعلاقات الدولية عند الإمام الشيباني، مجلة القانون والاقتصاد، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1987م (ص 299 – 512).
  2. قواعد المجاملات الدولية في الإسلام، الدبلوماسي، معهد الدراسات الدبلوماسية، الرياض، عدد 11، 1409 – 1989م (ص 44-48).
  3. الشريعة الإسلامية وظاهرة الإرهاب الدولي، مجلة معهد البحوث والدراسات العربية، عدد 19، 1991م (ص 5 – 37).
  4. حق الملجأ في الشريعة الإسلامية، دراسات سعودية، معهد الدراسات الدبلوماسية، الرياض، عدد 4، 1410 – 1990م (ص 79 – 135).
  5. التحكيم كوسيلة لحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية في الشريعة الإسلامية مع دراسة لما هو مطبق في المملكة العربية السعودية، نفس المرجع، عدد 6، 1412 – 1992م (ص 77 – 116).
  6. الردع في النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، الرياض، عدد 25، 1415 هـ - 1995م (ص 120 – 152).
  7. أثر أئمة الفقه الإسلامي في تطوير قواعد القانون الدولي والعلاقات الدولية، مجلة القانون والاقتصاد، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 1993م (ص 1 – 327).
  8. نظرية الضمان أو المسئولية الدولية في الشريعة الإسلامية، مجلة القانون والاقتصاد، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 1996م (ص1 – 192).
  9. الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز ومسائل حقوق الإنسان، رسالة قسم الدراسات والبحوث في الإسلاميات Le courrier du GERI، جامعة العلوم الإنسانية – ستراسبورج، عدد 1، 1998م، (ص 67 – 74).

60-    التأميم في الشريعة الإسلامية، المجلة المصرية للقانون الدولي، 2008م (ص 1 – 42).

 

خامسًا - التعليق على أحكام القضاء والتحكيم الدولي (بالمجلة المصرية للقانون الدولي):

  1. عام 1982م (ص 210 – 244):

- قضية الامتداد القاري بين كندا والولايات المتحدة (إنشاء دائرة خاصة لنظر النزاع).

- قضية الامتداد القاري بين تونس وليبيا.

-  الرأي الاستشاري الخاص بالحكم رقم 273 الصادر عن المحكمة الإدارية للأمم المتحدة.

  1. عام 1984م (ص 259 – 289):

- قضية الامتداد القاري بين ليبيا ومالطة (طلب تدخل إيطاليا).

- حكم الدائرة الخاصة بنزاع خليج مين (كندا – الولايات المتحدة).

- قضية الأنشطة الحربية وشبه الحربية في نيكارجوا وضدها (مرحلة الاختصاص).

  1. عام 1985م (ص 271 – 314):

- قضية الامتداد القاري بين ليبيا ومالطة (الحكم في الموضوع).

- قضية الامتداد القاري بين ليبيا وتونس (طلب إعادة النظر وتفسير وتصحيح الحكم الصادر عام 1982).

  1. عام 1986م (ص 335 – 403):

- قضية الأنشطة الحربية وشبه الحربية في نيكارجوا وضدها (الحكم في الموضوع).

- قضية نزاع الحدود ( مالي – بوركينا فاسو).

  1. عام 1987م (ص 195 – 225):
  • الرأي الاستشاري الخاص بطلب إعادة النظر في الحكم رقم 333 الصادر عن المحكمة الإدارية للأمم المتحدة.
  1. عام 1988م (ص 209 – 310):
  • قضية حدود مصر الشرقية (قضية طابا).
  • قضية الأنشطة الحربية على الحدود وما وراء الحدود (مرحلة اختصاص المحكمة وقبول الطلب).
  • الرأي الاستشاري الخاص بمدى انطباق الالتزام بالتحكيم وفقاً للفصل 21 من اتفاق 26 يونيو 1947م بخصوص مقر الأمم المتحدة.
  1. عام 1989م (ص 207 – 234):
  • قضية إلزي (الولايات المتحدة ضد إيطاليا).
  • الرأي الاستشاري الخاص بمدى تطبيق المادة 6 من الفصل 22 من اتفاقية مزايا وحصانات الأمم المتحدة.
  1. عام 1990م (ص 135 – 161):
  • القضية الخاصة بنزاع الحدود البرية والجزرية والبحرية (السلفادور ضد هندوراس – طلب تدخل نيكاراجوا).
  • القضية الخاصة بحكم التحكيم بين السنغال وغينيا بيساو (طلب الأمر بالإجراءات التحفظية).
  1. عام 1991م (ص 137 – 156):
  • القضية الخاصة بالمرور خلال الحزام الكبير (فنلندا ضد الدنمارك).
  • القضية الخاصة بحكم التحكيم بين السنغال وغينيا بيساو (الحكم في الموضوع)
  1. عام 1992م (ص 171 – 247):
  • التعليق على قضية لوكربي.
  1. عام 1993م (ص 163 – 267):
  • القضية الخاصة بنزاع الحدود البرية والجزرية والبحرية (السلفادور ضد هندوراس – مع تدخل نيكاراجوا).
  • القضية الخاصة بالمرور خلال الحزام الكبير (التنازل عن الدعوى).
  • القضية الخاصة ببعض أراضي الفوسفات في ناورو (ناورو ضد استراليا مرحلتا الدفوع الأولية والتنازل عن الدعوى).
  • قضية تطبيق اتفاقية منع والعقاب على جريمة إبادة الجنس (البوسنة والهرسك ضد يوغسلافيا – طلب الأمر بالإجراءات التحفظية الأول والثاني).
  • قضية تعيين الامتدادات البحرية والمشاكل الإقليمية بين قطر والبحرين (مرحلة الاختصاص وقبول الطلب).
  1. عام 1994م (ص 143 – 158):
  • قضية النزاع الإقليمي (ليبيا – تشاد).
  • قضية تعيين الحدود البحرية والمشاكل الإقليمية بين قطر والبحرين (مرحلة الاختصاص وقبول الطلب).
  1. عام 1995م (ص 285 – 325):
  • القضية الخاصة بالتحديد البحري والمشاكل الإقليمية بين قطر والبحرين.
  • قضية تيمور الشرقية (البرتغال ضد أستراليا).
  • طلب فحص الموقف طبقاً للفقرة 63 من الحكم الذي أصدرته المحكمة في 20 ديسمبر 1974م (نيوزلندا ضد فرنسا).
  • القضية الخاصة بالحادثة الجوية يوم 3 يوليو 1988 (إيران ضد الولايات المتحدة).
  • قضية الحدود البرية والبحرية بين الكاميرون ونيجيريا (طلب الأمر بالإجراءات التحفظية).
  • الرأي الاستشاري الخاص بالتهديد بـ أو استخدام الأسلحة النووية.
  1. عام 1998م (ص 203 – 286).
  2. عام 2001م (ص 326 – 396).
  3. عام 2005م (ص 1 – 210).

 

سادسًا - كتاب الإعلام بقواعد القانون الدولي والعلاقات الدولية في الشريعة الإسلام:

صدر الكتاب عن دار النهضة العربية، القاهرة، 1428- 2007، ويتكون من 17 جزء تقع فيما يقرب من 7500 صفحة (الطبعة الثانية)، وكانت مساهماته في:

  1. المقدمة والمصادر.
  2. أشخاص القانون الدولي.
  3. العلاقات الدولية.
  4. القانون الدبلوماسي.
  5. نظرية عدم التدخل.
  6. حقوق الإنسان.
  7. البحار والأنهار الدولية.
  8. نظرية الضمان أو المسئولية الدولية.
  9. حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية.
  10. الحرب.
  11. العلاقات الاقتصادية الخارجية.
  12. موقف الإسلام من ظاهرة الإرهاب الدولي.
  13. أثر أئمة الفقه الإسلامي في تطوير قواعد القانون الدولي.
  14. أصول القانون الدولي والعلاقات الدولية عند الإمام الشيباني.
  15. حقوق الإنسان في السنة النبوية.
  16. العلاقات الدولية في السنة النبوية.
  17. الخاتمة العامة- الفهارس.

 

الإنتاج العلمي للأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفا باللغة الانجليزية

 

  1. Juridical terminology (English – Arabic), Dar El-Nahda El Arabia, Cairo, 1997, 284 pp.
  2. Arbitration and adjudication of international land boundary disputes (first part), R. Egyptienne DI, 1986, p. 85 – 188.
  3. Arbitration and adjudication of international land boundary disputes (second part), R. Egyptienne DI, 1987, p. 53 – 173.
  4. The protection of human rights by international courts and tribunals, R. Egyptienne DI, 1996, pp. 37-92.
  5. A report on Egypt practice relating to customary rules of international humanitarian law, R. Egypt, DI, 1997, pp. 1 – 167.
  6. Zionist massacres before 1948: whose responsibility. The Palestinian Return Center, London, 2003, 26 pp.
  7. Contributions of Islam to the development of a global community based on rules of international law, in Towards world constitutionalism, ed. By R.J. Macdonald and D.M. Johnston, M. Nijhoff publishers, Leiden-Boston, 2005, pp. 305-353.
  8. A comment: Unity and diversity in international law, proceedings of an international symposium, ed. By A. Zimmermann and R. Hofmann, Duncker & Humlot, Berlin, 2006, pp. 373-376.
  9. A manual on the law of international organizations, Dar Al Nahda Al-Arabia, Cairo, third edition, 2017, 512 pp.
  10. Public international law, Dar Al Nahda Al Arabia, Cairo, 2016, 619 pp.
  11. Islam and the West: Coexistence or clash? Dar Al-Nahda Al-Arabia, Cairo, 2006-1427, 358 pp.
  12. Egypt, in "Counterterrorism strategies: Successes and failures of six nations", edited by Yonah Alexander, Potmac Books, Inc., Washington D.C., 2006, pp. 127-151 and 227-237.
  13. Criminal international law, Dar al-Nahda Al-Arabia, Cairo, 2007-1427, 481, pp.
  14. Current value of customary rules of international humanitarian law R. Egyptienne DI, 2007, pp. 1-43.
  15. The occupatio bellica( military occupation): Recent trends, R. Egyptienne DI, 2008, pp. 1-15.
  16. The right to asylum between Islamic Sharia and international refugee law, UNHCR, Geneva, 2009, 288 pp.
  17. Legal training and drafting, Dar El-Nahda Al-Arabia, Cairo, 2010-1430, 477pp.

 


 

الإنتاج العلمي للأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفا باللغة الفرنسية:

  1. Recherches sur les traités conclus par les organisations internationals inter seou avec des Etats, thèse, Lyon, 1981, 253 pp.
  2. Quelques réflexions sur la convention européennes de l'homme, l'Egypte contemporaine, no396, 1984, p. 125-149.
  3. La CEE et les accords sur les produits de base, Idem, 1981, no385, p. 119-141.
  4. De quelques observations sur la convention de Vienne de 1975 concernant la représentation des Etats dans leurs relations avec les organisations internationales, R. Egyptienne DI, 1982, p. 59-101.
  5. Le devoir de respecter le droit à la vie en droit international public, R. Egyptienne DI, 1989, p. 29-82.
  6. La cour internationale de justice et le problème des lacunes de droit international public, R. Egyptienne DI, 1999, p. 1-230.
  7. La non comparution devant la CIJ, R. Egyptienne DI, 2000, p. 1-243.
  8. La réglementation internationale du droit de sport, in "sport et droit", éditeur E. Bournazel, Bruylant, Bruxelles, 2000, p. 205-219.
  9. La responsabilité dans le cadre des organisations internationals, Méditerrannées, Revue de l'association, Méditerrannées, No36-2003, L'Harmattan, Paris, 2003, pp. 73-93.
  10. Les droits des relations sociales dans la charte arabe des droits de l'homme", ed. C. Zanghi et R. Ben Achour, Giappichelli editor, Torino, 2005, pp. 413-440.
  11. Les differends internationaux concernant les frontières terrestres dans la jurisprudence de la cour internationale de justice, Recueil des cours de l’Academie de droit internatioal, Tome 343, 2009, 570pp.

 

 

الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفا محمد كأستاذ زائر

تمت دعوة الأستاذ الدكتور أحمد أبوالوفا محمد كأستاذ زائر:

  • المعهد الدبلوماسي وزارة الخارجية (الرياض) المملكة العربية السعودية 1988- 1994م.
  • جامعة الكويت (1998م).
  • المعهد الدولي لحقوق الإنسان (فرنسا – 1998م).
  • جامعة السوربون (فرنسا 2002م).
  • جامعة جرينوبل (فرنسا – 2005م).
  • المعهد الدولي لحقوق الإنسان (فرنسا – 2005م).
  • جامعة فلورنسا ( ايطاليا- 2006م).
  • أكاديمية القانون الدولي بلاهاي ( 2009م).
  • جامعة ليون ( فرنسا- يناير 2010م).
  • الجامعة الأمريكية بالقاهرة AUC- قسم العلوم السياسية، حيث يدرس مادة القانون الدولي العام لمدة ثلاث ساعات أسبوعيًا منذ العام الجامعي 2008م وحتى منتصف 2010م.
  • المعهد الدولي لحقوق الإنسان (فرنسا – يوليو 2012م).

 

الجوائز:

حصوله "من أول مرة" على الجوائز الآتية:

  • جائزة النيل (مبارك سابقا) للدراسات الإسلامية لعام 2007م التي تمنحها وزارة الأوقاف (مصر) وذلك عن كتابه: Islam and the West: coexistence or clash?.
  • جائزة جامعة القاهرة التقديرية في العلوم الاجتماعية لعام 2006م.
  • جائزة الدولة التشجيعية في المنظمات الدولية والقانون الدولي لعام 1987م.

______________

المصدر: أ. د. أحمد أبو الوفا محمد، قسم القانون الدولي بكلية الحقوق-جامعة القاهرة، https://bit.ly/4ldwoNj

 

 في لقاء نادر جمع ثلاثة من أبرز المفكرين والعلماء على الساحة الإسلامية في القرن العشرين، الدكتور محمد عمارة، الدكتور أحمد كمال أبو المجد، والشيخ محمد الغزالي، دار حول قضية ولاية المرأة السياسية، هذا اللقاء التاريخي جاء ليعبر عن تنوع الآراء الإسلامية ويظهر بوضوح مسارات الاجتهاد الفكري في التعامل مع القضايا المعاصرة.كان محور النقاش يدور حول حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".

رابط اللقاء علي قناتنا باليوتيوب

الصفحة 1 من 37