موقع حوارات

موقع حوارات

يعد فهم العدالة الانتقالية أمرًا معقدًا بسبب تعدد أبعادها السياسية والاجتماعية والقانونية. يضاف إلى ذلك أن كل تجربة انتقالية تختلف حسب سياقها التاريخي والاجتماعي. وقد ازداد الاهتمام بهذا المفهوم في العالم العربي مع مرور عدة دول بمرحلة انتقالية بعد ثورات الربيع العربي، فأصبح هذا المفهوم مهمًا للدراسة والبحث.

 

أولًا: التعريف اللغوي:

العَدْلُ ضد الجور، (عَدَل، عدلًا، عدولًا)، يقال في حكمه عدل وعدالة: أي حكم بالعدل، عادل بين الشيئين: أي وازن بينهما وسوى الشيء بالشيء. والعدل هو الإنصاف؛ وهو إعطاء المرء ما له وأخذ ما عليه. والعدالة هي إحدى الفضائل التي قال بها الفلاسفة من قيم الزمان؛ وهي الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة. يقال للرجل عدْل وللمرأة عدْل. وقد وردت في العديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تؤكد على أهمية إقامة العدل في كل مجالات الحياة، قال الله تعالى: "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّواْ الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ" (النساء: 58). وقد استخدمت كلمة العدل والعدالة في أكثر من معنى باللغة العربية بيد أن أكثر استخدام لمعنى العدالة استقر في حقل حقوق الإنسان، ومن هنا وجدت رابطة صحيحة بين القانون الأخلاقي والعدالة، فهما مرتبطان لا ينفصلان وإن كانا مختلفين كل الاختلاف، فقاعدة العدالة مرتكزة على طبيعة الحوادث ذاتها، هذه الحوادث ليست أمورًا افتراضية اخترعها المشتركون وإنما حوادث حسبة مشاهدة.

أما الأصل المحدد لمفهوم العدالة الانتقالية فيتمثل في العدالة: حيث الاعتماد على ما يدركه الإنسان ذاته من القانون الأخلاقي، ذلك لأن القانون الأخلاقي هو الموجب على الإنسان احترام العدالة، أما الانتقالية: فهي اسم مؤنث منسوب إلى المصدر انتقل، فنقول حكومة انتقالية (السياسية) حكومة تتولى زمام الأمور فترة معينة حتى يعتمد نظام ثابت للحكم، ونقول أحكام انتقالية بـ (القانون) أي نصوص تشريعية مؤقتة ترعى الأحوال القائمة إلى أن يتم سن تشريعات دائمة. ونقل الشيء: حوله من موضع إلى موضع، والانتقال والتغيير من حال إلى حال، ومن موضع إلى آخر، فالانتقالي مكان غير دائم.

 

ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للعدالة الانتقالية:

العدالة هي الاستقامة والمساواة أمام القانون، والإنصاف في الحقوق، وهناك شبه إجماع بين الباحثين في موضوع العدالة على أنها مجموعة القيم التي تراعى فيها حقوق الإنسان وترتبط بالحرية والإنصاف وتكافؤ الفرص، وهي القيم التي تجيب على قضايا الديمقراطية والإصلاح.

أما الانتقالية فتعني من الناحية الاصطلاحية، تحول المجتمعات من نمط معين إلى آخر، وهنا لابد من توضيح أن العدالة الانتقالية تختلف عن العدالة التقليدية في كونها تعنى بالفترات الانتقالية؛ مثل الانتقال من حالة نزاع داخلي مسلح إلى حالة السلم، أو الانتقال من حكم سياسي تسلطي إلى حالة الحكم الديمقراطي أو التحرر من احتلال أجنبي بتأسيس حكم سياسي تسلطي إلى حالة الحكم الديمقراطي أو التحرر من احتلال أجنبي بتأسيس حكم محلي بإتباع إجراءات إصلاحية معينة، ومن هذا المنطلق تعرف العدالة الانتقالية بأنها مجموعة من الأساليب والآليات التي يستخدمها مجتمع ما لتحقيق العدالة بفترة انتقالية في تاريخه، وتنشأ هذه الفترة غالبًا بعد اندلاع ثورة أو انتهاء حرب، ويترتب عليها انتهاء حقبة من الحكم الاستبدادي داخل البلاد والمرور بمرحلة انتقالية نحو تحول ديمقراطي. خلال هذه المرحلة تواجه المجتمع إشكالية مهمة جدًا وهي التعامل مع قضايا انتهاكات حقوق الإنسان سواء كانت حقوق جسدية أم قضايا سياسية أم اقتصادية.

 

ثالثًا: التعريف القانوني للعدالة الانتقالية:

لكون مصطلح العدالة الانتقالية حديث النشأة فقد تعددت تعاريفه، وسوف نتناول أهم التعريفات التي تناولته في النقاط التالية:

أ- تعرف العدالة الانتقالية على أنها: "إعادة إقامة القواعد التي تحكم العيش المشترك في المجتمع وتحديده، والعلاقة بين المواطن والمؤسسات، بمعنى آخر أن تؤسس لقواعد جديدة يكون على المؤسسات والأفراد احترامها".

ب- أنها استجابة للانتهاكات الممنهجة أو الواسعة النطاق لحقوق الإنسان، تهدف إلى تحقيق الاعتراف الواجب بما يكابده الضحايا من انتهاكات وتعزيز إمكانية تحقيق السلام والمصالحة والديمقراطية، وهي نوع من المحاسبة والمسائلة يعيد ثقة المواطن في العقد الاجتماعي بينه وبين الدولة.

ج- تعريف الأمم المتحدة: "مجموعة كاملة من العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة من تجاوزات الماضي الواسعة النطاق، بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة، وقد تشمل هذه الآليات القضائية وغير القضائية على السواء، مع تفاوت المشاركة الدولية (أو عدم وجودها مطلقا).

ه- العدالة الانتقالية طريق للمصالحة، وبناء لسلام دائم، والتعاون بين المحاكم الوطنية والمحاكم الجنائية، وسيكون من الممكن إجراء اتفاقات دولية، وخاصة إذا أفلتت الدول، ذلك إنهم يمثُلون تماما لالتزاماتهم القانونية، بما في ذلك وضع تشريعات داخلية، حسب الاقتضاء لتمكينها من الوفاء بالالتزامات الناشئة عن انضمامها إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية (ICC) أو غيرها من الصكوك الملزمة.

ج- تعريف كل من "هوغوفانديرميروي" و"فكتوريا باكستر" و"اوردري تشابمان"، يشيرون إلى أن العدالة الانتقالية هي الاستجابات المجتمعة للقمع الشديد، العنف المجتمعي، وحقوق الإنسان النظامية، التي تسعى إلى إثبات الحقيقة حول الماضي، وتحديد المسائلة، وتقديم شكل من أشكال الانتصاف، على الأقل من طبيعة رمزية، أضف إلى ذلك أن العدالة الانتقالية توفر مساحة للتصدي، والتوافق مع شقاء الماضي في مجموعة متنوعة من السياقات، كما هو الحال في المستوطنات، أو مجتمعات الصراع.

 

رابعًا: نشأة وتطور مفهوم "العدالة الانتقالية":

لقد تبلور مفهوم العدالة الانتقالية عبر مراحل مختلفة، أسهم كل سياق تاريخي خلالها في صياغة المفهوم لتصبح حقلا مستقلا، ويمكن تقسيم المراحل التاريخية لتطور المفهوم إلى ثلاث مراحل رئيسة:

 

المرحلة الأولى: يعد الكثير من الباحثين مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية هي المرحلة الأولى لتشكل المفهوم، وذلك من خلال محاكم نورمبورغ Nuremberg وطوكيو Tokyo؛ التي تمثل إنجازها في الاعتراف بالجرائم ضد الإنسانية، في شكل يؤسس لعدالة بعيدة عن الانتقام، ورغم كل الملاحظات التي طالت محاكم ما بعد الحرب العالمية الثانية، فلا يخفى دور تلك المحاكم في تطوير الجنائية الدولية؛ إذ تمكنت من تعزيز الوعي الحقوقي على المستوى الدولي، عبر تأسيسها للبنية القانونية والتنظيمية لفكرة حقوق الإنسان.

المرحلة الثانية: ارتبطت تلك المرحلة لتطوير مفهوم العدالة الانتقالية بتسارع مرحلة الديمقراطية Democratization، والتحول السياسي التي عاشته الكثير من الدول، خلال الحرب الباردة، وحتى نهاية الثمانينيات، والتي شهدت حالات صراع داخلي وجرائم ضد الإنسانية متأثرة بالصراع الدولي. تميزت هذه المرحلة بانتشار لجان الحقيقة، فكان أول إنشاء لها في أوغندا عام 1974م تحت اسم لجنة التحقيق في الاختفاء القسري، ثم في بوليفيا سنة 1982م، وكذلك في الأرجنتين سنة 1983م للتحقيق في مصير ضحايا الاختفاء القسري، إبان الحكم العسكري بين 1976م و1983م.

المرحلة الثالثة: عدت مرحلة تشكل مفهوم العدالة الانتقالية بعد نهاية الحرب الباردة؛ إذ شاع استخدام المصطلح بين عدد من الأكاديميين الأمريكيين، لوصف الطرائق المختلفة التي عالجت بها البلدان مشاكل وصول أنظمة جديدة إلى السلطة، ومواجهتها للانتهاكات الجسيمة للحكومات السابقة، في هذه المرحلة أضحى مفهوم العدالة الانتقالية أكثر استقرارًا؛ إذ أصبحت أهداف المفهوم ووسائله ونهجه أوسع، فتضمن دور العدالة الانتقالية في مرحلة ما بعد الصراع تنظيم العلاقات وقت السلم.

 

خامسًا: مراحل العدالة الانتقالية:

تمر العدالة الانتقالية بعدة مراحل متكاملة تعمل معًا لتحقيق الأهداف المرجوة منها. وفيما يلي عرض لهذه المراحل:

  1. مرحلة الحقيقة: تتضمن الكشف عن الحقائق المتعلقة بالانتهاكات التي وقعت في الماضي. يهدف هذا إلى توفير الاعتراف الرسمي بما حدث للضحايا، وتوثيق الجرائم، وإعطاء الفرصة للمجتمع لفهم الماضي بوضوح. في هذه المرحلة، قد تُنشأ لجان الحقيقة والمصالحة التي تعمل على جمع شهادات الضحايا والجناة، وتقديم تقارير توثق الجرائم والانتهاكات.
  2. مرحلة المساءلة: تتمثل في محاكمة مرتكبي الجرائم والمسؤولين عن الانتهاكات. قد تشمل هذه المحاكمات الأفراد الذين ارتكبوا الجرائم بشكل مباشر أو المسؤولين الحكوميين الذين كانوا وراء تلك الانتهاكات. العدالة الجنائية تعتبر جوهرية في تحقيق العدالة الانتقالية، وتساهم في إنهاء الإفلات من العقاب.
  3. مرحلة التعويض: تهدف إلى تقديم تعويضات للضحايا سواء مادية أم معنوية. قد يشمل ذلك تقديم التعويضات المالية للمتضررين أو توفير الرعاية الصحية والنفسية لهم. كما قد يشمل إعادة الممتلكات التي تم مصادرتها أو الاعتذار العلني للضحايا.
  4. مرحلة الإصلاحات المؤسسية: تشمل هذه المرحلة تعديل القوانين والسياسات وإصلاح المؤسسات الحكومية لضمان عدم تكرار الجرائم والانتهاكات. يُعتبر إصلاح النظام القضائي والأمني من أهم عناصر هذه المرحلة لضمان عدم وقوع المزيد من التجاوزات والانتهاكات في المستقبل.

 

سادسًا: نماذج دول مرت بتجارب عدالة انتقالية:

مرت عدة دول بتجارب في العدالة الانتقالية، خصوصًا في أعقاب الثورات أو التغيرات السياسية الكبيرة. ومن أبرز هذه التجارب:

  • شهدت الأرجنتين أعمال قمع واسعة النطاق تحت الحكم العسكري بين 1976 و1983، قضى فيها نحو 15 ألف شخص وعُدَّ ضعفهم مفقودين، وبلغ عدد السجناء الذين أُفرج عنهم بعد التحول الديمقراطي تسعة آلاف، في حين دَفعت سياسات القمع مليون ونصف المليون شخص إلى اللجوء، وبعد التحول السياسي عام 1983، أنشأ الرئيس ألفونسان لجنة وطنية للتحقيق ضمت حقوقيين ومنظمات أهلية وممثلين عن الكنيسة، وكانت الأولى من نوعها في العالم، وأسندت إليها مهمة التحقيق في الماضي الحقوقي للبلاد وكشف الجرائم المرتكبة ومنفذيها والمسؤولين عنها، ووضع الآليات الكفيلة بمنع وقوعها في المستقبل، وتُوّج ذلك المسار بمحاكمة أبرز قيادات النظام العسكري والحكم عليهم في 1986، لكن خليفة ألفونسان في الحكم كارلوس منعم، يُصدر عفوا عاما عن العسكريين في 1989.
  • شهدت جنوب أفريقيا هي الأخرى تجربة العدالة الانتقالية بعد إلغاء نظام التمييز العنصري عام 1991، وشُكلت لجنة الحقيقة والمصالحة بقيادة القس ديزموند توتو، وعلى مدى ثلاث سنوات استمعت اللجنة لشهادات الآلاف من ضحايا "الأبارتايد"، وحُكم على الآلاف من المسؤولين وعناصر الشرطة، واستفاد آخرون من العفو الذي كان مشروطا بالاعتراف بالجريمة والتأكد من أنَّها ارتُكبت عن "حسن نية"، ومع ذلك فإنَّ تجربة جنوب أفريقيا تعثرت لعدم نفاذ العدالة وطول الإجراءات.
  • تونس: تعتبر تونس واحدة من الدول العربية التي نجحت نسبيًا في تطبيق العدالة الانتقالية بعد الثورة التونسية عام 2011. أنشأت تونس هيئة الحقيقة والكرامة في عام 2013 للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت بين عامي 1955 و2013. عملت الهيئة على توثيق الانتهاكات وجمع شهادات الضحايا والجناة، مع تقديم توصيات للإصلاحات المؤسسية والتعويضات للضحايا.
  • ليبيا: بعد سقوط نظام القذافي في عام 2011، واجهت ليبيا تحديات كبيرة في محاولة تطبيق العدالة الانتقالية. على الرغم من محاولات محاكمة رموز النظام السابق وتقديم الجناة للمساءلة، إلا أن استمرار الصراع المسلح في ليبيا حال دون تحقيق تقدم كبير في هذا المجال.
  • دشَّن المغرب، بعد جلوس الملك محمد السادس على العرش عام 1999، مسار عدالة انتقالية، كان هدفه إلقاء الضوء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدتها البلاد بين 1956-1999، والتي تُعرف "بسنوات الرصاص"، وفي عام 2004 شُكَّلت لجنة الإنصاف والمصالحة، حيث استمعت لشهادات مئات الضحايا رغم أنَّه كان مفروضا على الشهود عدم ذكر أسماء جلاديهم، وهو ما جلبَ على التجربة الكثير من النقد، لا سيما في غياب أي محاكمة للضالعين في الانتهاكات، وإن كان يُحسب للتجربة إلقاء الضوء على تلك الحقبة المظلمة من تاريخ البلد، عُوّض الضحايا ماديا، وفضلا عن ذلك فإن التجربة عزَّزت حضور الهمّ الحقوقي في المشهد العام بالبلاد من خلال توصيات اللجنة، خاصة ما يتعلق منها بخلق هيئات للرقابة والرصد وتشجيع المجتمع المدني.

 

سابعًا: التحديات التي تواجه تطبيق العدالة الانتقالية في العالم العربي:

رغم النجاحات التي تحققت في بعض الدول، فإن هناك العديد من التحديات التي تواجه تطبيق العدالة الانتقالية في العالم العربي. من أبرز هذه التحديات:

  • استمرار الصراع المسلح: في العديد من الدول العربية، مثل سوريا واليمن، لا تزال الصراعات المسلحة قائمة، مما يعوق أي جهود نحو تحقيق العدالة الانتقالية. الصراعات تمنع الوصول إلى الحقيقة، وتحول دون إمكانية محاسبة الجناة أو تعويض الضحايا.
  • ضعف المؤسسات القضائية: العديد من الدول التي تمر بمرحلة انتقالية تعاني من ضعف في النظام القضائي، وهو ما يشكل عائقًا أمام تحقيق العدالة. عدم استقلالية القضاء أو عدم وجود بنية تحتية قانونية قوية يعيق جهود المحاسبة.
  • التوترات السياسية: التوترات السياسية بين الفصائل المختلفة في بعض الدول تجعل من الصعب تحقيق التوافق على آليات العدالة الانتقالية. هذا قد يؤدي إلى إعاقة العمليات القضائية أو تشكيل لجان الحقيقة والمصالحة.

 

ثامنًا: مفهوم العدالة الانتقالية في الشريعة الإسلامية:

من المهم أن نلاحظ أن مفهوم العدالة –بصفة عامة- ليس غريبًا عن الشريعة الإسلامية، بل هو من الأسس الجوهرية التي بُنيت عليها المبادئ الإسلامية، في الشريعة الإسلامية. يشكل مفهوم العدالة جزءًا لا يتجزأ من النظام الأخلاقي والقانوني، فالعدالة ليست فقط قيمة اجتماعية، بل هي من أهم القيم الدينية التي دعا إليها الإسلام. القرآن الكريم والسنة النبوية يقدمان أدلة كثيرة على وجوب تحقيق العدالة، سواء في العلاقات الاجتماعية أم السياسية أم القضائية.

 

1. العدالة كمبدأ أساسي في الإسلام:

الإسلام يُعلي من شأن العدالة ويعتبرها أساس الحكم الصالح. يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن: "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ" (النحل: 90). فالعدالة لا تقتصر فقط على النزاعات الفردية أو الصغيرة، بل تشمل الحكم بين الناس، سواء في الأمور الكبيرة أو الصغيرة. العدالة هنا ليست فقط في معاقبة الجاني، بل في تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، ورد الحقوق إلى أصحابها، ومنع الظلم والاستبداد.

 

2. القصاص والعقوبات في الشريعة الإسلامية:

أحد جوانب العدالة في الإسلام يتمثل في القصاص والعقوبات التي يقرها الشرع. القصاص هو نظام عقوبات يضمن أن الجاني يُعاقب بما يعادل جريمته، كما ورد في قوله تعالى: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة: 179). وهذا النظام يشمل الجرائم الكبرى مثل القتل أو الاعتداء الجسدي، وهو جزء من تحقيق العدالة الانتقالية من خلال المحاسبة، إضافة إلى القصاص، توفر الشريعة آليات أخرى للعقوبة تهدف إلى تحقيق الردع والإصلاح. الحدود، على سبيل المثال، هي عقوبات محددة شرعًا للجرائم الكبرى مثل الزنا والسرقة، والتي تهدف إلى الحفاظ على النظام العام. في هذا السياق، يمكن رؤية نظام العقوبات في الإسلام كآلية للعدالة الانتقالية من خلال المساءلة عن الجرائم والانتهاكات.

 

3. التوبة والعفو كجزء من العدالة الانتقالية:

في الشريعة الإسلامية، لا تقتصر العدالة على العقاب والمساءلة، بل تتضمن أيضًا جوانب من التوبة والعفو. الإسلام يُشجع على التسامح والعفو عن الجناة الذين يعترفون بأخطائهم ويطلبون الصفح. يقول الله تعالى: "فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ" (الشورى: 40). هذا البُعد من العدالة يمكن أن يتجلى في العدالة الانتقالية من خلال تسهيل المصالحة بين الأطراف المتنازعة، مع التركيز على إعادة بناء الثقة الاجتماعية، في هذا الإطار، تبرز مفاهيم التوبة والإصلاح كمبادئ مركزية. الجاني الذي يعترف بجريمته ويتوب قد يُمنح فرصة للعفو إذا كانت هناك نية صادقة للإصلاح، وهذا يتماشى مع أهداف العدالة الانتقالية في تحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء المجتمع.

 

4. رد الحقوق والتعويض في الشريعة الإسلامية:

الشريعة الإسلامية تشدد على ضرورة رد الحقوق إلى أصحابها كجزء من تحقيق العدالة، وهذا المبدأ يتوافق مع أحد أركان العدالة الانتقالية المتمثل في تعويض الضحايا، الإسلام يُلزم الجاني بتعويض ضحاياه، سواء كان ذلك تعويضًا ماليًا (مثل الدية في حالة القتل) أم إعادة الممتلكات التي سُلبت بغير حق، وتعويض الضحايا في الإسلام يشمل جوانب مادية ومعنوية، وهو ما يتماشى مع مفهوم العدالة الانتقالية الحديثة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كانت له مظلمة عند أخيه من عرضه أو شيء، فليتحلل منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم"، مما يوضح أهمية رد الحقوق وإقامة العدل.

 

5. الإصلاح المؤسسي في ضوء الشريعة الإسلامية:

من المبادئ التي يدعو إليها الإسلام أيضًا الإصلاح المؤسسي لضمان أن العدالة تتحقق بشكل دائم ومستدام. الإصلاح المؤسسي يشمل إصلاح القضاء والنظام الإداري، وضمان استقلالية القضاء لتحقيق العدالة، وهو جزء أساسي من العدالة الانتقالية، والشريعة الإسلامية تشجع على تأسيس نظام حكم يقوم على العدل والشورى، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين أقاموا نظام حكم يقوم على هذا الأساس. كما جاء في حديث رسول الله: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وهو ما يعكس أهمية مساءلة الحكام والمسؤولين وتحقيق العدالة.

 

6. العدالة الانتقالية في التاريخ الإسلامي:

شهد التاريخ الإسلامي العديد من الفترات التي يمكن أن تعتبر تطبيقًا عمليًا لمفهوم العدالة الانتقالية. على سبيل المثال، بعد الفتوحات الإسلامية، تعامل المسلمون مع الشعوب المفتوحة بطريقة تضمن حقوقهم وحمايتهم، كما حدث في صلح الحديبية وفتح مكة، ففي فتح مكة، قرر الرسول صلى الله عليه وسلم العفو عن معظم المشركين الذين حاربوه، وقال كلمته الشهيرة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، مما يمثل مثالًا على المصالحة والعفو كجزء من العدالة الانتقالية.

 

7. العدالة الانتقالية من منظور المقاصد الشرعية:

المقاصد الشرعية تقدم إطارًا واسعًا لتحقيق العدالة، حيث تهدف الشريعة إلى حماية الدين، النفس، العقل، النسل، والمال. العدالة الانتقالية، التي تسعى إلى إصلاح ما أفسدته الفترات السابقة، تتفق مع هذه المقاصد من خلال حفظ النفس والعقل وكرامة الإنسان. من هنا، يمكن القول إن العدالة الانتقالية في الشريعة الإسلامية ليست مجرد أدوات قانونية، بل هي جزء من نظام أوسع يسعى لتحقيق التوازن والعدل في المجتمع.

 

 

تاسعًا: العدالة الانتقالية بين الشريعة الإسلامية والقانون:

ترتبط بعلاقة تكاملية ومقارنة بين الأطر القانونية الحديثة المستندة إلى القانون الوضعي، والأطر الدينية القائمة على الشريعة الإسلامية. ويمكن توضيح العلاقة بينهما من خلال عدة جوانب:

 

1. الأساس القيمي والتشريعي:

في الشريعة الإسلامية: العدالة تمثل قيمة جوهرية محورية في الشريعة الإسلامية، وهي أساس الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. القرآن الكريم والسنة النبوية يشتملان على مبادئ قانونية وأخلاقية تؤكد على ضرورة تحقيق العدل والمساواة بين الناس، سواء في فترات السلم أم في فترات النزاع والتحول.

في القانون الوضعي: العدالة الانتقالية كإطار قانوني ظهر في العصر الحديث كنتيجة لتجارب العديد من الدول التي واجهت صراعات سياسية وانتهاكات لحقوق الإنسان. تقوم العدالة الانتقالية في القانون الوضعي على مبادئ مثل المحاسبة، الإصلاح، والتعويض.

 

2. مبادئ العدالة الانتقالية:

في الشريعة الإسلامية: تقوم على تحقيق العدالة من خلال القصاص، رد الحقوق إلى أصحابها، وضمان المصالحة والتسامح. تُشجع الشريعة أيضًا على العفو عند المقدرة والإصلاح الاجتماعي والسياسي من خلال إعادة بناء النظم والمؤسسات وفقًا لمبادئ الشورى والمساواة.

في القانون الوضعي: ترتكز العدالة الانتقالية على أربع ركائز رئيسية: المحاسبة على الجرائم، الحقيقة، التعويض، والإصلاح المؤسسي. تهدف هذه المبادئ إلى ضمان محاسبة الجناة على الجرائم المرتكبة ضد حقوق الإنسان، واستعادة حقوق الضحايا، وبناء مستقبل يعتمد على حكم القانون.

 

3. التركيز على حقوق الضحايا:

في الشريعة الإسلامية: يُعطي الإسلام أهمية كبيرة لحماية حقوق الأفراد والضحايا. نظام القصاص، الذي يهدف إلى تحقيق العدل من خلال المعاملة بالمثل، يُمكن أن يُطبق جنبًا إلى جنب مع مبادئ العفو والتسامح في الشريعة، مما يوفر توازنًا بين تحقيق العدالة والمصالحة.

في القانون الوضعي: يُعتبر تعويض الضحايا أحد الأركان الأساسية للعدالة الانتقالية. يُركز القانون الوضعي على توفير تعويضات مادية ومعنوية للضحايا، بالإضافة إلى ضمان حقوقهم من خلال التحقيق في الجرائم التي ارتكبت ضدهم.

 

4. المساءلة والمصالحة:

في الشريعة الإسلامية: المساءلة تتم من خلال نظام العقوبات الإسلامية مثل الحدود والقصاص، ولكن مع قد يتم إعطاء فرصة للجناة للتوبة والإصلاح. كما أن الإسلام يُشجع على المصالحة والعفو كجزء من العدالة.

في القانون الوضعي: تتم المساءلة من خلال محاكمات عادلة ومحاسبة الجناة على الانتهاكات التي ارتكبوها. المصالحة قد تأتي من خلال إجراءات رسمية مثل لجان الحقيقة والمصالحة، التي تعمل على كشف الحقيقة وإعادة بناء العلاقات بين الضحايا والجناة.

 

5. الإصلاح المؤسسي:

في الشريعة الإسلامية: الشريعة تقر إصلاح المؤسسات وتؤصل لضمان نزاهتها وعدالتها، سواء كان ذلك من خلال النظام القضائي أم النظام السياسي. يتجلى هذا الإصلاح في الشورى ومبدأ المساواة بين الجميع أمام القانون.

في القانون الوضعي: العدالة الانتقالية تسعى إلى إصلاح المؤسسات الأمنية والقضائية والسياسية لضمان عدم تكرار الانتهاكات السابقة، وتعزيز الثقة بين الحكومة والشعب.

 

6. التطبيق العملي

في الشريعة الإسلامية: هناك العديد من الأمثلة التاريخية التي تُظهر تطبيق العدالة الانتقالية في الإسلام. من أبرزها فتح مكة، حيث تم العفو عن الخصوم وتحقيق المصالحة العامة.

في القانون الوضعي: العدالة الانتقالية تُطبق في مراحل ما بعد الصراعات السياسية أو الحروب الأهلية، مثلما حدث في جنوب أفريقيا ورواندا وتونس، حيث تم تأسيس لجان حقيقة ومصالحة، ومحاكمات للجرائم المرتكبة خلال الفترات السابقة.

 

وإجمالًا؛

 العلاقة بين العدالة الانتقالية في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي تتسم بالتكامل في كثير من جوانبها. الشريعة الإسلامية تُقدم إطارًا أخلاقيًا وقانونيًا يعزز من تحقيق العدالة والمصالحة، بينما القانون الوضعي يُقدم أدوات ومؤسسات حديثة تضمن تحقيق هذه الأهداف في سياقات معاصرة. كلا المنهجين يهدف إلى تحقيق العدالة والإنصاف، مع اختلاف في الآليات والمفاهيم المستخدمة.

_________________

المصادر:

  1. لمحة عن العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان، المفوضية السامية لحقوق الإنسان، https://bit.ly/42FFfk6
  2. العدالة الانتقالية، الجزيرة نت، 18 نوفمبر 2015، https://bit.ly/3WIsCRG
  3. العدالة الانتقالية والعزل السياسي … في سؤال وجواب، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، https://bit.ly/40XzpcC
  4. العدالة الانتقالية والعدالة الانتقامية، الجزيرة نت، 1 نوفمبر 2012، https://bit.ly/3Q6RRsV
  5. مفهوم العدالة الانتقالية، الموسوعة السياسية، https://bit.ly/4aPbbof
  6. مني أبو الدهب، الإبداع في العدالة الانتقالية: تجارب من المنطقة العربية، معهد بروكينجز الدوحة، 24 نوفمبر 2020، https://bit.ly/4hzoBHL
  7. العدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي في البلدان العربية، المجلد الأول: حالات عربية ودولية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 14 أغسطس 2022، https://bit.ly/40W2xAR
  8. أحمد على الأطرش، العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في ليبيا: جدلية الأولويات، مركز الجزيرة للدراسات، 6 أكتوبر 2021، https://bit.ly/3CBPw6h
  9. ياسر حسن، العدالة الانتقالية: دراسة فقهية، استراتيجيات العدالة والتنمية المؤتمر الدولي لكلية الأداب جامعة المنيا السادس والثلاثون، https://bit.ly/3Q2hICC
  10. ابتسام بو معزة، مدى مشروعية العدالة الانتقالية في الفقه الإسلامي، مجلة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، العدد 38، 24 يوليو 2024، https://bit.ly/40WpGDp

هو فضيلة الشيخ العلَّامة الأصولي الفقيه الشيخ محمد عبد اللطيف موسى السبكي الحنبلي (1314 - 1389هـ / 1896 - 1969م)، وُلِد في 5 من ربيع الآخر 1314هـ/ 18 سبتمبر عام 1896م، بقرية (سبك الضحاك) بمركز الباجور بمحافظة المنوفيَّة، ومنها جاء نسبته (السبكي) إلى اسم القرية، وكان آخر من تولى منصب شيخ مذهب الحنابلة بالأزهر الشريف.

نشأ الشيخ الجليل في قريته، وقد أضفت عليه نشأته الريفيَّة حالًا من التأمل والصفاء والنقاء، فحفظ القرآن الكريم في صغره، وشب محبًّا للعلم، شغوفًا بالقراءة والتحصيل.

والتحق بالأزهر الشريف، حتى حصل على شهادة العالميَّة سنة 1342هـ / 1923م، فعُيِّنَ مدرسًا بمعهد الزقازيق في بداية الدراسة به سنة 1925م، واختير حينئذٍ لتدريس ما عُرف آنذاك بالعلوم الحديثة، وهي الحساب، والجبر، والهندسة، فأظهر اقتدارًا في غير تخصصه، كما درَّس مادة التاريخ.

وحينما أُنشئت الجامعة الأزهريَّة عام 1349هـ / 1930م اختاره الشيخ الظواهري ليكون أستاذًا في كليَّة الشريعة سنة 1935م، وفي العام نفسه عُيِّن عضوًا في لجنة الفتوى بالأزهر، ثم اختاره شيخ الأزهر الشيخ المراغي رئيسًا لها لخمس سنوات أو يزيد، وقد اتسع نشاط اللجنة في عهده وأصبحت تتلقى الفتاوى وترد عليها، ثم اختير مفتشًا عامًّا للعلوم الدينيَّة والعربيَّة بالأزهر سنة 1947م، وفي عام 1951م عاد إلى منصبه أستاذًا في كليَّة الشريعة، ثم شيخًا لها لمدة خمس سنوات، وظلَّ يعمل في الكليَّة حتى بلغ سن التقاعد للمعاش عام 1959م.

عُين الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي عضوًا بهيئة كبار العلماء ضمن ثمانية علماء، هم: الشيخ عبد الله غسان موسى، والشيخ محمد عبد الله يوسف الجهني، والشيخ رزق محمد الزلباني، والشيخ عبد القادر خليف، والشيخ صالح موسى حسن شرف، والشيخ محمد علي السايس، والشيخ الطيب حسن حسين النجار، وذلك وفقًا للأمر الملكي رقم (35) الصادر في 20 من شعبان عام 1371هـ / الموافق 14 مايو لسنه 1952م.

كما اختير عضوًا بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلاميَّة، وعضوًا في جماعة نشر الثقافة بالأزهر، وتولى مدير تحرير مجلة الأزهر، كما كان رئيسًا للجنة إحياء التراث الإسلامي، ولجنة التعريف بالإسلام، وعضوًا بلجنتي الخبراء وموسوعة عبد الناصر للفقه الإسلامي بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلاميَّة سنة 1963م.

شغل الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي (مثل أبرز معاصريه من طبقة الشيخ محمود شلتوت ١٨٩٣- ١٩٦٣ والشيخ محمد محمد المدني ١٩٠٧- ١٩٦٨ والدكتور محمد يوسف موسى ١٨٩٩- ١٩٦٣) بالحديث عن الجوانب الفلسفية والعقلانية في التشريع الإسلامي، وشملت مؤلفاته مجالات عدة، مثل: الدراسات القرآنيَّة، والفقه الإسلامي، والسيرة النبويَّة، وغير ذلك من المجالات، ومن مؤلفاته:

1- في رياض القرآن: وقد اشتمل هذا الكتاب على بحوث علميَّة تتعلق بعلوم القرآن، وعرض نماذج من رياض القرآن، كالبدء بالتسمية في القرآن وغيره.

2- نفحات القرآن: (ثلاثة أجزاء)، وهو عبارة عن تفسير لآياتٍ من الذكر الحكيم تتعلق بمقامات الأخلاق والاجتماع وقضايا المجتمع.

3- بحوث في ترجمة القرآن الكريم: بالاشتراك مع الشيخ عيسى منون.

4- تاريخ التشريع الإسلامي: بالاشتراك مع الشيخ محمد علي السايس، والشيخ محمد يوسف البربري، وقد اشتمل هذا الكتاب على تاريخ التشريع الإسلامي من حيث نشأته وتطوره ومصادره ومذاهبه ومزاياه ومقاصده، وجهود الأولين في بيان أسرار الشريعة والبحث في أحكامها، ثم بيان أخبار الفقهاء والمجتهدين، والحديث عن الحياة العلميَّة لعلماء وعظماء الإسلام ومدارسهم العلميَّة، وكيف كانوا رجالًا صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

5 ــ تشخيص الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- في المسرح وعلى شاشة السينما: بالاشتراك مع الشيخ طه محمد الساكت، والشيخ حافظ محمد الليثي، والشيخ عبد الكريم جاويش.

6 ــ في ظلال الكعبة: وقد اشتمل هذا الكتاب على الحديث عن الكعبة من جانبين:

الأول: وهو الجانب التاريخي؛ حيث ذكر فيه المؤلف عدد المرات التي جُدِّد فيها بناء الكعبة، ورجح أنها تسع مرات، واعتمد في هذا الجانب على السرد التاريخي الموجز المختصر دون تطويل أو إطناب.

والثاني: الجانب التشريعي للكعبة؛ حيث ذكر فيه المؤلف الأحكام التشريعية المتعلقة بها، دون التعرض لاختلافات الفقهاء والعلماء، بأسلوب مختصر دون إسهاب.

7 ــ التوثيق في المعاملات بين الشريعة والقانون: وقد جاءت صفحات هذا الكتاب مشتملة على بحوث فقهيَّة مهمة، تجمع بين وجهة نظر الشريعة والقانون في المعاملات الماليَّة؛ لبيان أنَّ الشريعة صالحة لكلِّ زمان ومكان، وأنَّها أقوى اتصالًا بحياة وواقع الناس، وهذا الكتاب لم يطرح رأي الحنابلة فقط، بل تطرق إلى عرض آراء المذاهب الفقهيَّة الأخرى؛ لإبراز يسر الشريعة ومرونتها.

8 - رسالة في أصول الفقه عند الحنابلة: وقد حوت تلك الرسالة الماتعة مباحث عدة في علم أصول الفقه عند الحنابلة، وقدَّم لها فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي جمهورية مصر العربيَّة سابقًا.

9 ــ مذكرات في التاريخ: وهذا الكتاب يشتمل على تاريخ الدولة العثمانية، وتاريخ مصر في عهد العثمانيين، ثم حكم محمد علي باشا لمصر، وما تبع ذلك من إصلاحات وتحديث للدولة المصريَّة في عهد محمد علي، إلى أن تولى الحكم من بعده أولاده، وقد انتهى الكتاب بعهد إسماعيل باشا.

10- التعاون في الإسلام: بالاشتراك مع الشيخ طه محمد الساكت والشيخ عبد الكريم جاويش، وقد جاءت صفحات هذا الكتاب معبرة عن التعاون في نشأته وتطوره وضروبه وأصنافه؛ من حيث التعاون الاجتماعي، والتعاون بين الراعي والرعيَّة، والتعاون في الرأي الذي يعد مظهرًا من مظاهر اتحاد الأمَّة، وسببًا من أسباب مجدها ورقيها، كذلك التعاون في أوقات الحرب لمجابهة ومقاومة العدو وهزيمته والقضاء عليه؛ للحفاظ على أمتنا مرفوعة هامتها، عزيزة بأفرادها وقادتها.

11- الهجرة النبويَّة بين أسبابها ونتائجها: وقد اشتمل هذا الكتاب على عرض مختصر للهجرة النبوية، مبينًا أسبابها ونتائجها، حيث تعرض المؤلف في كتابه لمعنى الهجرة، ثم هجرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم بيَّن الأسباب الحتميَّة التي أدت للهجرة من اضطهاد المسلمين المستضعفين، وإيذاء النبي، والوقوف ضد دعوته، وكيفيَّة وقوع الهجرة، وما كان في ذلك من تخطيط وأخذ بالأسباب، وما ترتب على ذلك من تمام الهجرة، وانتصار الحق، وقيام دولة الإسلام، ثم ختم المؤلف كتابه ببيان حكم الهجرة في سبيل الله تعالى.

12- الوحي إلى الرسول محمد ﷺ: وقد اشتمل هذا الكتاب على الإرهاصات والأمارات التي منَّ الله بها على الأنبياء والمرسلين قبل النبوة والرسالة، ثم الحديث تفصيلًا عن الإرهاصات والأمارات التي كانت قبل مبعث سيدنا محمد ﷺ، وما تبع ذلك من نزول الوحي على سيدنا رسول الله ﷺ، وكيف كانت صور ذلك الوحي، ثم بيان عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعصمته ﷺ، وشواهد ذلك، ثم بحوث علمية تتعلق بالقرآن والسنة النبوية، ويقع هذا الكتاب في (199صفحة) من القطع المتوسط.

13 ـ كتاب المطالعة للمعاهد الدينيَّة: بالاشتراك مع الشيخ أبو الوفاء المراغي، والدكتور محمود رزق سليم، وقد جاءت موضوعات هذا الكتاب مشتملة على الأدب واللغة والتاريخ والاجتماع الإنساني، وآداب الشريعة الإسلاميَّة وأسرارها وقيمها، فكانت متنوعة في المقاصد والأغراض والأساليب، وقد قررت مشيخة الأزهر الشريف تدريس هذا الكتاب على طلبة السنوات الأولى والثانية والثالثة بالمعاهد الدينيَّة في فترة الخمسينيات من القرن العشرين.

14- المختار من صحاح اللغة: بالاشتراك مع الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، فقد دعت الحاجة إلى إخراج معجم صغير يشتمل على أغلب المفردات اللغويَّة، ويكون سهلًا في عرضه وتناوله دون تقصير أو إطناب، فوقع اختيار الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي والشيخ محيي الدين عبد الحميد على «مختار الصحاح» للإمام محمد بن أبي بكر الرازي، المتوفَى سنة 666 هـ، فحققا نصه تحقيقًا دقيقًا بالرجوع إلى أصوله الخطية، وإلى أمات كتب اللغة ضبطا مفرداته ضبطًا تامًّا، وزادا عليه زيادات مهمة من المعاجم الأخرى، وميزا تلك الزيادات بعلامات مميزة، ورتبا مواد الكتاب على الحرفين الأول والثاني، وسُمِّي هذا المعجم «المختار من صحاح اللغة»، وفي هذا المعجم مادة علميَّة غزيرة يحتاجها كلُّ عالم وباحث لفهم معاني النصوص العربيَّة، وللوقوف على معاني المفردات.

ولم يتوقف نتاج الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي في حدود التأليف فقط، بل كان له باع كبير في كتابة المقالات في الصحف والمجلات، فكتب في جريدة الأهرام، ومجلة الأزهر، ومنبر الإسلام، والوعي الإسلامي، والرسالة، ولواء الإسلام، وكانت له مقالات في نقد الصحافة، تميزت بالنقد الهادف الذي لا يُجافي الحقيقة الواضحة من ناحية، كما لا ترتفع نبرته إلى حدِّ التشهير والتجريح من ناحية أخرى، كذلك كانت له الكثير من المساجلات بينه وبين الأستاذ المفكر محمود عباس العقاد رحمه الله تعالى.

ولم يتوقف النشاط العلمي والدعوي للشيخ محمد عبد اللطيف السبكي عند هذا الحد، فقد ألقى المحاضرات في الندوات والصالونات العلميَّة، وقد تميز أسلوبه في محاضراته بالثراء العلمي، والنقد البناء، ومعالجة قضايا المجتمع، ومن ذلك: محاضرته عن «الإسلام والمجتمع» التي ألقاها في المؤتمر الإسلامي بقاعة المحاضرات الكبرى بالأزهر، يوم الأربعاء 15 من ربيع الآخر 1375هـ / 30 نوفمبر 1955م، وندواته في مجلة لواء الإسلام.

كما كان الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي من أبرز علماء الأزهر اتصالًا بالصحافة المكتوبة إن لم يكن أبرزهم وقد كان يكتب في الأهرام ولواء الإسلام (لصاحبتها السيدة فاطمة حمزة) ومنبر الإسلام (التي يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية).

كذلك امتد نشاط الشيخ السبكي إلى الإذاعة والتليفزيون، فسجل العديد من الأحاديث واللقاءات في برامج عدة مثل: برنامج «نور على نور»، و«في رحاب الإيمان»، و«رأي الدين»، و«مع كتاب الله»، حيث سجل في هذا البرنامج عام 1965م عدة حلقات حول تفسير آيات من الذكر الحكيم.

 

وفاته

بعد رحلة حافلة بخدمة العلم والدين توفي الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي-رحمه الله- على مكتبه ببيته في القاهرة أثناء إعداده الفصل الأخير من كتابه (القدس)، يوم 12 من المحرم سنة 1389هـ/ الموافق 31 مارس سنة 1969م، عن عمر ناهز 73 عامًا، ودُفن بمسقط رأسه بمحافظة المنوفيَّة، رحمه الله رحمة واسعة، وأنزله منازل الأبرار.

 

________________
المصادر:

  1. الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي، هيئة كبار العلماء، https://bit.ly/3PM3wNS
  2. محمد الجوادي، الشيخ السبكي.. الفقيه العضوي المشتبك مع قضايا عصره، مدونات الجزيرة، 26 أغسطس 2020، https://bit.ly/40GhOWq
  3. ماهر حسن، وفاة الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي 31 مارس 1969، المصري اليوم، 31 مارس 2023، https://bit.ly/40tXPZW

صدر حديثًا –في شهر يناير 2025م- العدد المزدوج (182-183) من مجلة "المسلم المعاصر"، وهي إحدى المجلات الفكرية الإسلامية الرائدة التي تهدف إلى تعزيز الاجتهاد المعاصر في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية، حيث تُعدّ مجلة "المسلم المعاصر" منبراً علميًا محكّمًا يُعنى بتقديم الأبحاث والدراسات التي تجمع بين التراث الإسلامي ومتطلبات العصر الحديث. فمنذ إصدارها الأول في عام 1974، تسعى المجلة إلى الإسهام في تطوير الفقه والفكر الإسلامي بما يستوعب التغييرات والتحديات التي يواجهها العالم الإسلامي المعاصر.

 

وقد جاء العدد الجديد من المجلة حافلًا بالمواضيع الغنية التي تلامس مختلف العلوم الشرعية والاجتماعية والاقتصادية، وتميز بتنوع الأبحاث التي تُلقي الضوء على قضايا معاصرة تحتاج إلى تحليل وطرح جديد وفق مقاربات إسلامية، ويتضمن العدد كلمة التحرير التي قدمها أ. د. محمد كمال إمام (رحمه الله)، حيث تناول فيها موضوع "مقاصد الشريعة الإسلامية"، مسلطًا الضوء على أهمية هذا المفهوم في ضبط الفهم الإسلامي العصري ومراحل العناية به وتوجيه الاجتهادات الشرعية نحو تلبية متطلبات الواقع، وتناول كيف تحركت المقاصد الشرعية في جميع المجالات دفاعا عن الشريعة باعتبارها الدين والعقيدة أولًا، والخصوصية والهوية ثانيًا، وأهمية الفهم الاجتماعي للنص في الرؤية المقاصدية.

 

أبحاث العلوم الشرعية:

  

ومن الأبحاث الرئيسية التي تضمنها هذا العدد بحث أ. د. أحمد علي سالم، والذي جاء تحت عنوان "حاكمية القرآن ووحدته البنائية": ويقدم هذا البحث تحليلاً لرؤية الدكتور طه العلواني في التعامل مع السنة النبوية باعتبار القرآن المصدر التأسيسي الوحيد للأحكام الشرعية، بينما السنة هي تطبيق للقرآن، كما يناقش البحث موقف العلواني من قضية نسخ الأحكام في القرآن ويدعو إلى الالتزام بالظروف والمقاصد الشرعية عند تطبيق الأحكام، ورؤيته بأن إصلاح الفكر الإسلامي يعتمد على العودة إلى القرآن كمصدر أساس للحياة والتشريع، والتي أكدت على وحدة القرآن والسنة في توجيه الأمة.

 

من جانب آخر، يبرز بحث أ. د. الحسان شهيد بعنوان "من كلام العقيدة إلى عقيدة الكلام": والذي يعالج مسار تطور علم الكلام منذ بداياته كصناعة علمية للعقيدة، وتطور الجدل العقدي بين الفرق الكلامية، وينتقل إلى محاولة تجديد علم الكلام في سياق معاصر، مع التركيز على تحويل العقيدة من صناعة علمية جدلية إلى مقاصد عقدية تعيد النظر في تجديد العلم وفق متطلبات العصر، موضحًا ضرورة استحضار تلك القضايا في أي محاولة لتجديد علم الكلام.

 

 

أيضًا، جاء بحث د. يوسف الإدريسي بعنوان "منهج الفقهاء في نقد الأخبار": ليناقش كيفية تعامل الفقهاء مع الأخبار النبوية بمنهج دقيق يراعي التوازن بين الجزئيات والكليات، ويبرز أهمية تقديم المعاني الكلية وتفضيل القطعي على الظني في إصدار الأحكام، ويركز على ضرورة التفريق بين صحة الحديث وحجيته عند الفقهاء، ويعالج الاختلافات الفقهية في تفسير الأحاديث، محذرًا من اتهام العلماء بالتحيز دون فهم منهجهم العلمي.

 

مناهج البحث:

يتضمن العدد كذلك أبحاثًا في مناهج البحث الإسلامي، حيث قدّم أ. د. شريف عبد الرحمن بحثًا بعنوان "اقتراب السنن - مدخل منهجي مقترح لدراسة الظواهر الاجتماعية": ويقترح هذا البحث مدخلًا منهجيًا لدراسة الظواهر الاجتماعية من منظور حضاري إسلامي، مؤكدًا على ضرورة وجود بديل إسلامي في دراسة العلوم الاجتماعية. ويعزز البحث فكرة التوافق بين التطلعات الأخلاقية للمجتمع المسلم والواقع المعرفي، مشيرًا إلى أهمية أن تسهم الجماعة البحثية المسلمة في تشكيل المعرفة الإنسانية عبر تقديم رؤى حضارية مستقلة.

 

علم الاقتصاد:

على صعيد الاقتصاد الإسلامي، قدمت د. فاطمة الزهراء دوقية بحثًا بعنوان "الاقتصاد في القرآن ومبادئه الثمانية": يستعرض البحث المبادئ العامة للاقتصاد الإسلامي في القرآن، والتي تهدف إلى تنظيم السلوك الإنساني في مجال الاقتصاد وفق قيم أخلاقية وتشريعية حاكمة. يؤكد البحث على ضرورة العمل في إطار هذه المبادئ الثمانية لتحقيق الرفاه الإنساني والعدالة الاقتصادية، معتبرًا أن تطبيق هذا النهج القرآني هو السبيل لتحقيق الحياة الطيبة والأمن الاجتماعي.

 

علم الاجتماع:

في مجال علم الاجتماع، تقدم أ. د. أماني صالح بحثًا بعنوان "المرأة والسنة النبوية: إشكاليات منهجية": يتناول البحث الإشكاليات المتعلقة بموقع المرأة في السنة النبوية، مشيرًا إلى أن جزءًا كبيرًا من تلك الإشكاليات يعود إلى عدم فهم منهجي للنصوص. ويؤكد البحث على ضرورة تجديد أدوات الاجتهاد في فهم السنة وضبطها، ويخلص إلى أن الحلول تكمن في تحسين المناهج والأدوات لفهم النصوص الشرعية بعمق أكثر، وليس في النصوص نفسها.

 

قسم الحوار:

في القسم الأخير من العدد، يتناول العدد ردًا من أ. صفية الجفري على المعقبين على بحثها السابق حول موضوع "الحجاب، أسئلة الثبات والتغير"، حيث ترد فيه على ملاحظات الأساتذة الذين شاركوا في النقاش حول هذا البحث، وتوضح فيها الإشكاليات التي تضمنها التعقيبان الفقهي والمعرفي على البحث.

 

من تراثنا المعاصر:

واختتم العدد أبحاثه ببحث عن "محمد فريد وجدي"، وكتابه المعنون "المدنية والإسلام" والذي طبع أول مرة عام 1898م تحت عنوان (تطبيق الديانة الإسلامية على النواميس المدنية)، ثم أُعيد طباعته عام 1904م، تحت عنوان (المدنية والإسلام)، ويعد من أهم أعمال المفكرين المسلمين دفاعا عن علاقة الدين بالمدنية. وستستكمل المجلة هذه الدراسة في العدد القادم منها.

صدر حديثًا كتاب بعنوان "قانون الخدمة المدنية وقانون العمل" للدكتور محمد محمد عبد اللطيف (أستاذ القانون العام بكلية الحقوق– جامعة المنصورة)، عن دار الأهرام للنشر والتوزيع في نوفمبر 2024. يقدم الكتاب دراسة مقارنة بين قانون الخدمة المدنية وقانون العمل، مع التركيز على نقاط التشابه والتقاطع بينهما، ويعد هذا الكتاب هو المؤلف الأول من نوعه في هذا المجال في مصر.

 

شرع المؤلف في تأليف هذا الكتاب -حسبما صرح بنفسه- بناءً على طلب عدد من الباحثين، وخلال العمل، ظهرت أوجه تشابه كبيرة بين قانون الخدمة المدنية وقانون العمل، مما دفع المؤلف إلى إعادة توجيه دراسته نحو المقارنة بينهما، وجاءت هذه الفكرة بعد الاطلاع على الأحكام القضائية والفتاوى القانونية التي تتعلق بالموضوعين، كما لعبت الدراسات البينية دورًا في تشكيل الفكرة، خاصة مع غياب مقارنة ممنهجة في الفقه القانوني المصري، على الرغم من وجودها في الأبحاث الفرنسية.

 

الدافع وراء الكتاب:

يستجيب الكتاب لمطالب البحث الأكاديمي المعني بدمج القضايا التقليدية مع المستحدثة، فرغم أن المؤلف كان قد اتجه نحو الدراسات الحديثة، إلا أن أهمية تغطية قانون الخدمة المدنية الشاملة دفعته إلى المقارنة مع قانون العمل. ويعتبر الكتاب محاولة لتسليط الضوء على أثر القانونين على حياة العاملين في القطاعين الحكومي والخاص، ويرى المؤلف أن هذا الربط بينهما يمكن أن يسهم في تطوير منظور أشمل للحياة المهنية وتنظيمها القانوني.

 

منهجية الكتاب وأسلوبه:

اعتمد المؤلف في الكتاب على منهجية أكاديمية تحليلية تجمع بين الجانب النظري والتطبيقي، مع تركيز خاص على الأحكام القضائية المصرية والفرنسية، ويُعد الكتاب أكاديميًا في إطاره العام، لكنه يتميز بتناول القضايا القضائية الحديثة حتى نوفمبر 2024، مما يضيف له قيمة عملية وبحثية كبيرة.

 

المصادر والمراجع:

استند المؤلف بشكل أساسي إلى الأحكام القضائية الصادرة من مصر وفرنسا. شملت هذه الأحكام المحكمة الدستورية العليا، والمحكمة الإدارية العليا، ومحكمة القضاء الإداري في مصر، وكذلك أحكام مجلس الدولة والمحاكم الإدارية في فرنسا، واستعان أيضًا بموسوعات قانونية فرنسية مثل Dalloz-LexisNexis والمجلات الفقهية المتخصصة، مما أثرى الدراسة بمعلومات حديثة.

 

الصعوبات والتحديات:

واجه المؤلف تحديًا كبيرًا في تعديل بنية الكتاب عندما تطورت الفكرة إلى مقارنة بين القانونين. كما تطلب الوصول إلى المصادر القضائية المتنوعة مجهودًا إضافيًا، خاصة من المجلات القانونية والموسوعات المتخصصة. ورغم هذه التحديات، تمكن المؤلف من تقديم دراسة متكاملة تغطي الجوانب المقارنة بين القانونين.

 

المميزات والقيمة العلمية:

أحد أبرز مميزات الكتاب هو تركيزه على الجانب القضائي وتوظيفه في إطار أكاديمي، ويعتمد المؤلف على الأحكام القضائية كمرجع رئيسي، مما يجعله أداة قيمة للباحثين الذين يسعون لفهم الجوانب التطبيقية للقوانين. بالإضافة إلى ذلك، يسهم الكتاب في إثراء مجال الدراسات المقارنة عبر تقديم رؤية جديدة تجمع بين قانوني العمل والخدمة المدنية، مما قد يفتح آفاقًا جديدة للبحث والتطوير القانوني.

 

فصول الكتاب وموضوعاته:

الكتاب مقسم إلى أجزاء متعددة تتناول العلاقة بين قانون الخدمة المدنية وقانون العمل، مع دراسة مفصلة للقضايا المشتركة بين مصر وفرنسا. كما يقدم الكتاب تحليلًا للأحكام القضائية المتعلقة بالمنازعات الوظيفية وقانون العمل في كلا البلدين، مع التركيز على الجانب القضائي في كل منهما.

 

________________

المصدر: محمد عبد اللطيف، معًا في كتاب واحد: قانون الخدمة المدنية وقانون العمل، حسابه على الفيسبوك، https://bit.ly/4hiTEXD

أعمال ووثائق وضعتها اللجنة الخاصة

المكلفة بمشروع إحداث محكمة دستورية دولية

 

تونس 2014

 

الفهرس

ملاحظة تمهيدية.

نشأة المشروع.

تقديم عام حول مشروع

إحداث المحكمة الدستورية الدولية

الفصل الأول: المعيارية الدستورية الدولية.

بخصوص الحقوق والحريات.

بخصوص أساس السلطة.

بخصوص مفهوم الديمقراطية في حد ذاته.

بخصوص مفهوم دولة القانون.

بخصوص مبدأ الانتخابات الدورية والنزيهة.

بخصوص نشوء مبدأ الشرعية الديمقراطية.

الفصل الثاني: الجزاءات القضائية.

الفصل الثالث: المحكمة الدستورية الدولية: التركيبة، المهام والقانون المنطبق.

تركيبة المحكمة.

مهام المحكمة.

القانون المنطبق.

 

ملاحظة تمهيدية:

إلى حد هذا التاريخ، لم يقع إرساء المحكمة الدستورية بعد. فهو مشروع يمكن أن يرى النور خلال سنوات. وهذه الفكرة تدافع عنها الهيئة الخاصة التي أحدثت بتونس في شهر جانفي (يناير) 2012. ويرأس هذه الهيئة الخاصة الدكتور محد المنصف المرزوقي، رئيس الجمهورية التونسية.

 

نشأة المشروع:

في سنة 1999 عندما كان في المعارضة، أصدر السيد محمد المنصف المرزوقي مقالًا في جريدة "لبيراسيون" الفرنسية عاد إلى الأفكار المحورية الواردة فيه مرة أخرى في كتابه "الألم العربي" (الذي نشر لاحقًا سنة 2004). وقد أوضح الكاتب في هذا المقال أن علاج العلل المرتبطة بالدكتاتورية ينبغي أن يتم بتدعيم الآليات التي تدعم دولة القانون وتحد من هامش السلطة التقديرية والتعسف في تسيير الشؤون العامة، وذلك بإرساء آلية قضائية دولية.

وفي سنة 2006، تناول الأستاذ عياض بن عاشور هذه الفكرة وفصلها في خاتمة محاضراته التي ألقاها بالأكاديمية الدولية للقانون الدستوري. 

وفي سنة 2011 تأسست "لجنة خبراء" متكونة من:

الأستاذ عياض بن عاشور (تونس)؛

الأستاذة مونيك شميليي جاندرو (فرنسا)؛

الأستاذ غازي الغرايري (تونس)؛

الأستاذ فرحات الحرشاني (تونس)؛

الأستاذ موريس كامتو (كاميرون)؛

الأستاذ سليم اللغماني (تونس)؛

الأستاذ أحمد محيو (الجزائر)؛

الأستاذ كريستيان طوموشات (ألمانيا). 

وقد حرر أعضاء هذه اللجنة النصوص الرئيسية الواردة في هذه الوثيقة، وهكذا اتضحت ملامح فكرة إنشاء محكمة دستورية دولية.

ثم تقرر بعد ذلك إحداث هيئة لذات الغرض تكون مهمتها دعم فكرة تركيز محكمة دستورية دولية ويترأسها رئيس الجمهورية التونسية وتتألف من:

لجنة الشؤون القانونية التي تتكون من الأعضاء في "لجنة الخبراء" سابقًا، ووقع توسيعها بإضافة بعض الأعضاء؛

لجنة تُعنى بالجانب اللوجستي؛ 

وفضلًا عن ذلك فقد انضم إلى هذه الهيئة الخاصة مختصون آخرون في القانون الدولي والقانون الدستوري من مختلف أنحاء العالم وما زال عددهم في ازدياد.

وقد عُين السيد أحمد الورفلي، المستشار القانوني لرئيس الجمهورية التونسية، منسقًا عامًا للهيئة فيما أوكل الجانب الدبلوماسي إلى المستشار الدبلوماسي لرئيس الجمهورية التونسية. 

ويتمثل هدف الهيئة في نشر فكرة المشروع وضمان حصولها على دعم لها من الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة. ويتعلق الأمر في الواقع بمشروع مستقبلي ليس فقط لتونس بل لمحيطها العربي والإسلامي والمتوسطي والإفريقي بل وأيضًا للإنسانية جمعاء.

ومن أهداف هذه الهيئة حشد مجموعة رمزية حول هذا المشروع متكونة من 100 أستاذ في القانون الدستوري والقانون الدولي يمثلون جميع القارات إلى جانب مجموعة من الشخصيات العالمية المرموقة المعروفة في عالم السياسة والفكر والفن والرياضة ومعهم مجموعة من الطلبة.

وبفضل الجهود المبذولة لقيت هذه المبادرة تأييدًا من قبل الدول الإفريقية خلال القمة العشرين للاتحاد الإفريقي. وستواصل تونس العمل من أجل ضمان مساندة المجموعات الأخرى ابتداء بالدول العربية والإسلامية حتى تضمن قبول مشروع القرار الذي سيعرض على الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في دورتها الثامنة والستين.

تقديم عام حول لمشروع

إحداث المحكمة الدستورية الدولية

منذ أن تأسست منظمة الأمم المتحدة لم يتوقف الحراك الديمقراطي عن التطور والتوسع في كل أرجاء المعمورة. وقد أصبح أحد الروافد الأساسية للعولمة. وتمثل الثورة التونسية مرحلة مهمة في بناء هذه "الديمقراطية العالمية". فقد جاءت لتذكرنا بحتمية الأنسنة الديمقراطية وتفوقها على جميع النظريات السياسية القائمة على استعباد الإنسان وحرمانه من حقوقه الطبيعية والسياسية.

وبعث محكمة دستورية دولية هي إحدى الأفكار الرئيسية لهذه الثورة الديمقراطية. وقد أطلقت تونس هذه الفكرة منذ سنة 1999. وهذا المقترح الذي قدم في عهد الدكتاتورية قد أعيد تناوله بعد الثورة من قبل رئيس الجمهورية والغاية من ذلك التعريف به وتكريسه دوليًا. 

وقد انطلقت فكرة إنشاء محكمة دستورية دولية من ملاحظتين هامتين:

الأولى هي أن الشرعية الديمقراطية أصبحت الأن مبدأ ثابتًا وراسخًا في القانون الوضعي بفضل العديد من الصكوك الدولية، سواء كان ذلك على الصعيد العالمي أو الصعيد الإقليمي. وثمة مبادئ وقواعد تتعلق بالديمقراطية وبدولة القانون وبالانتخابات الدورية التنافسية والشفافة قد أصبحت اليوم من الالتزامات المحمولة على كل الدول، فيتوجب عليها الوفاء بالتزاماتها بحسن نية وتفعيل هذه الواجبات تفعيلًا كاملًا في تشريعاتها الوطنية.

أما الملاحظة الثانية فتتمثل في أن شعوبًا كثيرة ما زالت ترزح تحت أنظمة دكتاتورية دموية أحيانًا أو متسلطة في أهون الأحوال، لا تحترم حقوق الإنسان والضمانات الديمقراطية. وحتى في الأنظمة المحسوبة على الديمقراطية ترتكب الحكومات في كثير من الأحيان خروقات عندما يتعلق الأمر بالتزاماتها في هذا المضمار. فتجاهل بعض الحكومات لهذه الالتزامات الديمقراطية وخرقها لها غالبًا ما يتسبب في اضطرابات سياسية واجتماعية خطيرة وفي اللجوء إلى العنف.

ولا بد من التذكير في هذا الصدد بأهمية عولمة القانون الدستوري، أي عولمة المبادئ المشتركة بين القوانين الدستورية الوطنية لكل دول العالم تقريبًا. فاليوم توجد دون ريب معيارية دولية خاصة، تتألف من مبادئ عامة للقانون العام أو للقواعد الدولية التقليدية وهي دستورية في جوهرها. والأمر يتعلق بالمعايير الخاصة بالقوانين والحريات الأساسية للمواطنين وبالأساس الديمقراطي للسلطة السياسية وبتنظيم السلطتين السياسية والقضائية. إن الدستورية الدولية موجودة ولا جدال فى ذلك.

وبالتالي فإن أهم الدوافع القانونية لإحداث محكمة دستورية دولية هي بالأساس:

ضمان مبدأ الشرعية الديمقراطية. وهذا المبدأ له أساسه في القانون الدولي وهو يتجسد في ممارسة المساعدة الانتخابية التي قد تصل الى التصديق على نتائجها.

استكمال هندسة المؤسسات الدولية التي تُعنى بمراقبة احترام حقوق الإنسان.

واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية هو أحد الأهداف التي تنادي بها منظمة الأمم المتحدة. فهي لم تتوقف عن الاهتمام بالموضوع بحيث إنها بعد نصف قرن من وجودها تمكنت من إعداد مجموعة من النصوص الحامية لهذه الحقوق والحريات والملزمة لكل الدول التي قبلت بها. إلا أن حماية حقوق الانسان تسير جنبًا إلى جنب مع تطور النظام الديمقراطي.

فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص في المادة 21 على ما يلي:

"(1) لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختيارًا حرًا.

(2) لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد.

(3) إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت."

وقد تم تكريس مضمون هذه المادة في المادة 25 من ميثاق الحقوق المدنية والسياسية.

وحرصًا منها على تطبيق هذه النصوص، وضعت منظمة الأمم المتحدة اليات ومؤسسات مثل مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان. أما على الصعيد الإقليمي فتوجد محاكم ومجالس لحقوق الإنسان تم إنشاؤها أو هي في طور التأسيس.

غير أن هذه الأجهزة وهذه الآليات لا تملك دائمًا السلطة لفرض إجراءات ذات طابع قضائي ضد دول تقوم بخرق التزاماتها. وقد تسبب ذلك في حالة إفلات من العقاب وغياب الديمقراطية، وهذا ما يسعى مشروع المحكمة الدستورية الدولية إلى تداركه. فيمكن بالتالي إدراج هذا المشروع في إطار الامتداد المنطقي لعمل منظمة الأمم المتحدة في هذا المجال.

وهكذا سيمكن تركيز محكمة دستورية دولية من تفعيل الالتزامات الدولية الخاصة بالديمقراطية وبالتالي تجنب اللجوء إلى العنف وتجنيب الشعوب آلامًا لا لزوم لها.

وسيتمثل دور المحكمة في تطبيق المبادئ والقواعد الخاصة بالديمقراطية وبالحريات العامة الكونية والإقليمية وستكلف بوظيفتي التقييم والبت في النزاعات.

وفي إطار وظيفة التقييم، تعطي المحكمة آراء موضوعية حول مشاريع النصوص واراء استشارية حول النصوص التي تحال إليها والتي لها اتصال بالديمقراطية والحريات العامة. كما يمكن أن تتعهد بطلب في إبداء رأيها أو لتقديم رأيها الاستشاري من الحكومات أو الهيئات العامة للمنظمات الدولية الكونية والإقليمية أو تحت الإقليمية وكذلك من المنظمات غير الحكومية والأحزاب والجمعيات الوطنية والمنظمات المهنية.

أما في إطار وظيفتها القضائية فهي تَبُت في قضايا الانتهاكات الخطيرة لمبادئ الديمقراطية وللظروف الديمقراطية للانتخابات بعد استنفاذ طرق الطعن الداخلية. كما يمكن أن يتظلم لديها أفراد مدعومون بعريضة موقعة من عدة أشخاص وكذلك الأحزاب السياسية والجمعيات الوطنية والمنظمات المهنية والهيئات العامة للمنظمات الدولية والإقليمية أو شبه الإقليمية والمنظمات غير الحكومية المعتمدة على التأشيرة من الدولة في إطار العملية الانتخابية. وتصدر المحكمة حكمها بشأن الأفعال أو الأعمال المطعون فيها وما إن كانت مطابقة أو غير مطابقة للمبادئ والقواعد الخاصة بالديمقراطية والحريات العامة. والدولة المعنية مطالبة بتنفيذ قرارات المحكمة. ويمكن لهذه الأخيرة أن تفتح مرحلة تمهيدية للوساطة.

ويفترض أن تتركب [تتشكل] المحكمة من 21 قاضيًا تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة من بين قائمة أشخاص تقدمهم الهيئة الانتخابية المكونة من قضاة محكمة العدل الدولية وقضاة المحكمة الجنائية الدولية وأعضاء لجنة القانون الدولي. 

ويهدف المشروع في منتهاه إلى التقليص من الفجوة القائمة بين وعود القانون وطموحاته من جهة وبين التعطيل الناتج عن غياب آليات ملموسة ضرورية لتنفيذ تلك الوعود من جهة أخرى. ويحقق هذا المشروع مبدأ حسن النية ويطبقه مباشرة، وهو المبدأ الذي يمثل أصل الالتزامات الدولية.

وهكذا ستكون هذه المحكمة قبل كل شيء جهازًا مرجعيًا واستشاريًا في خدمة الدول. ويمكن لهذه المحكمة أن تمد يد العون لهذه الدول بتقديم النصائح والآراء والتوصيات ذات الصبغة القانونية إليها، مما يساعدها على تحسين إدارة أنظمتها السياسية. وفضلًا عن ذلك فهي ستكون محكمة بأتم معنى الكلمة تتمتع خاصة بقوة الأمر المقضي به المتصلة بالقرارات ذات الصبغة القضائية، وبالتالي فستكون مدعوة للنظر في التصرفات والقرارات ذات الصبغة الدستورية للدول وخاصة التصرفات والقرارات التي لها علاقة بالمواضيع الكبرى المرتبطة بالحريات العامة من جهة والانتخابات السياسية الوطنية من جهة أخرى. وستكون هذه المحكمة مؤهلة للنظر في الشكاوي المرفوعة من قبل المواطنين والمتعلقة بأي موضوع يمس مصالحهم كمواطنين من الناحية الدستورية، وكذلك الشكاوى المرفوعة من قبل الأحزاب السياسية والجمعيات. ومن ثمة فهي ستساهم بشكل أفضل في استئصال الطغيان وإقامة النظام الديمقراطي في العالم مع إضفاء الطابع المؤسسي عليه. 

الفصل الأول

المعيارية الدستورية الدولية

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبالتوازي مع منطق سيادة الدولة الذي كان يسود القانون الدولي حتى ذلك التاريخ ويمنحه تناسقه، تطور منذ الحرب العالمية الثانية منطق ثان، وهو منطق حق الشعوب وحقوق الإنسان. وبوجه عام، ثمة إقرار بأن هذه الحقوق لا يمكنها أن تثبت ذاتها إلا مقابل سيادة الدول. 

فإلى حدود منتصف الثمانيات من القرن العشرين، لم تتمكن حقوق الإنسان من فرض نفسها في مواجهة حقوق الدول إلا في مجالين: حق الشعوب في تقرير مصيرها والتوق إلى المساواة بين بني البشر. وتلا ذلك، الحق في التخلص من الاستعمار وإدانة التمييز العنصري. ويفسر هذا الأمر بواقع المجتمع الدولي الذي جعل إدانة الاستعمار وأنظمة التمييز العنصري ممكنة. فقد كانت إدانة الاستعمار ممكنة أولًا باعتبار أن الشعوب جسمت في الواقع حقها في الحرية وأيضًا لأن الاستعمار كأسلوب للهيمنة تجاوزه التاريخ وأخيرًا لأن القوتين العظميين لتلك الفترة لم تكن لهما مصلحة في الإبقاء عليه، بل العكس. أما إدانة أنظمة التمييز العنصري فكانت ممكنة لأنها كانت محل اتفاق يكاد يكون بإجماع الدول.

ولم تستنفذ حقوق الإنسان وحقوق الشعوب كل مخزونها على النحو المأمول. ويحمل التأكيد على حقوق الإنسان وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها في طياته إمكانية تثبيت الحق في الديمقراطية من خلال التأكيد على حق الشعوب في اختيار من يحكمها بحرية، وحق كل شخص في المشاركة في الحياة العامة.

فالمعايير في حد ذاتها ليست إذًا بالجديدة، وإنما الجديد هي تلك الجدلية القائمة منذ سنين في مستوى العلاقة بينها وبين سيادة الدول. وحتى هذه الساعة لم تتمكن هذه الحقوق من أن توجد خارج عباءة سيادة الدول وخارج إطار مبدأ عدم التدخل في شؤونها الداخلية. وقد اعترف القانون الدولي بهذه الحقوق ولكنها لم تكن تجد ضمانات خارج إطار القانون المحلي. فنحن نشهد اليوم محاولة لعولمة ضمانات تلك الحقوق.

وفي هذا الإطار القانوني والسياسي بالذات يصبح من الممكن التفكير في إطلاق فكرة إنشاء محكمة دستورية دولية تعني بضمان تلك الحقوق وإن اقتضى الأمر بتسليط العقوبات ضد الانتهاكات "للمعايير الدستورية الدولية" المتصلة بالديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون. 

ويقصد بالمعيارية الدستورية الدولية، المعايير الدولية ذات المضمون الدستوري. وتطلق صفة الدستورية في القانون الداخلي على المعايير المنصوص عليها في الدساتير. ومن البديهي أنه لا يوجد دستور دولي وأنه بالمعنى الشكلي لا توجد قواعد دستورية دولية. ولكن نقصد بالمعيارية الدستورية في القانون الداخلي المعايير التي تكون دستورية المضمون. ويتعلق الأمر بالمعايير التي لها علاقة بحقوق المواطنين وحرياتهم، وبالمعايير المتعلقة بأسس السلطة السياسية، وبتلك المتعلقة بتنظيم السلطة السياسية والقضائية. وبهذا المعنى الثاني، توجد دستورية دولية دون جدال. وسنقتصر في ما يلي على المعايير الاتفاقية أو القانون الرخو ذي البعد الكوني. 

بخصوص الحقوق والحريات، من غير الضروري هنا التذكير بالمعايير المتعلقة بالحقوق الإنسانية المضمنة في صكوك ملزمة سواء كانت متمثلة في الاتفاقيات الكونية العامة أو الاتفاقيات الحامية للحقوق الخاصة أو الاتفاقيات التي تحمي بعض الفئات الخاصة.

بخصوص أساس السلطة، نذكر أولًا المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على ما يلي:

"(1) لكل فرد الحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختيارًا حرًا.

(2) لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد.

(3) إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت"..

وعلينا أيضًا أن نذكر: 

المادة الأولى المشتركة بين العهدين الدوليين المتعلقين بحقوق الإنسان التي تنص في فقرتها الأولى على ما يلي:

"لكل الشعوب الحق في تقرير مصيرها. وبمقتضى هذا القانون يضبطون بكل حرية نظامهم السياسي ويضمنون بكل حرية تطورهم الاقتصادي، والاجتماعي والثقافي". 

المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي ينص على أن: 

"يكون لكل مواطن، دون أي وجه من وجوه التمييز المذكورة في المادة 2، الحقوق التالية، التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة: 

(أ) أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يقع اختيارهم بكل حرية، 

(ب) أن ينتخِب ويُنتخَب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريًا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين، 

(ج) أن تتاح له، علي قدم المساواة عمومًا مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده". 

وتنص المادة 2 (1) التي تحيل إليها المادة 25 المذكورة أعلاه على الآتي: 

"لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء". 

المادة 5 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي تنص على ما يلي: 

"وفاء للالتزامات الأساسية المقررة في المادة 2 من هذه الاتفاقية، تتعهد الدول الأطراف بحظر التمييز العنصري والقضاء عليه بكافة أشكاله، وبضمان حق كل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الإثني، في المساواة أمام القانون، لا سيما بصدد التمتع بالحقوق التالية: (...)

ج) الحقوق السياسية، ولا سيما حق الاشتراك في الانتخابات -اقتراعًا وترشيحًا- على أساس الاقتراع العام المتساوي، والإسهام في الحكم وفي إدارة الشؤون العامة على جميع المستويات، وتولي الوظائف العامة علي قدم المساواة".

وكذلك المادة 7 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي تنص على أن: 

"تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلد، وبوجه خاص تكفل للمرأة، على قدم المساواة مع الرجل، الحق في: 

(أ) التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة، والأهلية للانتخاب لجميع الهيئات التي ينتخب أعضاؤها بالاقتراع العام، 

(ب) المشاركة في صياغة سياسة الحكومة وفى تنفيذ هذه السياسة، وفى شغل الوظائف العامة، وتأدية جميع المهام العامة على جميع المستويات الحكومية، 

(ج) المشاركة في أية منظمات وجمعيات غير حكومية تهتم بالحياة العامة والسياسية للبلد". 

كما تتجه الإشارة بصفة خاصة إلى الميثاق الافريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم الذي وقعت المصادقة علية في أديس أبابا سنة 2007 ووقعت عليه تونس خلال القمة العشرين لمنظمة الاتحاد الإفريقي يوم 27 جانفي سنة 2013 استنادًا بالأساس إلى التوطئة والمادة 4 من القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي. 

وهذه المعايير الملزمة تعني أن القانون الدولي يعترف بالحق في الديمقراطية وفي انتخابات نزيهة ودورية. وبخصوص هذين المسألتين فإن الانتاج المعياري للجمعية العامة للأمم المتحدة إلى جانب العديد من المؤتمرات الدولية قد أكدت المعايير التقليدية آنفة الذكر ودعمتها.

بخصوص مفهوم الديمقراطية في حد ذاته. عرفت الديمقراطية، كمفهوم يعني طريقة تنظيم سياسي قائم على قيم متفق عليها عادة من قبل غالبية الأمم، طفرة ملحوظة في مجال القانون الدولي بداية من تسعينات القرن العشرين. ويقوم انهيار النظم الشيوعية وتطلعات شعوب أوروبا الشرقية شاهدًا على ذلك. وقد وجدت هذه التحولات السياسية وانعكاساتها الكبيرة على النظام الدولي صداها في مختلف الصكوك الدولية غير الملزمة. ومن المناسب أن نذكر الإعلان النهائي للمؤتمر العالمي حول حقوق الإنسان المنعقد بفيينا في شهر جوان 1993، وإعلان الألفية المصادق عليه بقرار الجمعية العامة عدد 55/2 بتاريخ 08 سبتمبر 2000 وقرار الجمعية العامة عدد 60/1 المؤرخ في 24 أكتوبر 2005 الذي صادق على الوثيقة النهائية للقمة العالمية لسنة 2005، كذلك المؤتمرات الدولية للديمقراطيات الجديدة أو المستعادة، بالإضافة إلى سلسلة قرارات الجمعية العامة التي عنوانها "الجمعية العامة/ منظمة الأمم المتحدة AG/ONU: "دعم منظومة الأمم المتحدة للجهود التي تبذلها الحكومات في سبيل تعزيز وتوطيد الديمقراطيات الجديدة أو المستعادة". 

بخصوص مفهوم دولة القانون. ظهر مفهوم دولة القانون على الصعيد الدولي بالتزامن مع ظهور الديمقراطية. وعلينا أن نذكر مرة أخرى الوثيقة النهائية للقمة العالمية لسنة 2005 وكذلك بسلسلتين من قرارات الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، الأولى تحت عنوان "تدعيم دولة القانون" والثانية بعنوان "دولة القانون على المستويين الوطني والدولي". 

بخصوص مبدأ الانتخابات الدورية والنزيهة، لا بد أن نسجل أنه ولسنوات عدة، تمت المصادقة بالتوازي على سلسلتين من القرارات، معنونه على النحو التالي "تدعيم فاعلية مبدأ الانتخابات الدورية والنزيهة" و"احترام مبادئ السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول في ما يتعلق بالمسار الانتخابي". هذان السلسلتان من القرارات تبطل إحداهما مفعول الأخرى، ولكن نشير إلى أنه ومنذ سنة 2007، اقتصرت الجمعية العامة على السلسلة الأولى من القرارات وهو ما يدعم بوضوح فاعلية مبدأ الانتخابات الدورية والنزيهة.

وبخصوص نشوء مبدأ الشرعية الديمقراطية، نشير إلى أن هذا المبدأ تكون بصفة تدريجية من خلال المساعدة الانتخابية والرقابة الدولية على الانتخابات اللتين تسعيان إلى ضمان انتخابات حرة ونزيهة وشفافة من ناحية، ومن ناحية أخرى من خلال إدانة الاستيلاء غير الديمقراطي على السلطة، ونذكر على سبيل المثال موقفي الجمعية العامة ومجلس الأمن من الانقلابات التي حدثت على الحكومات المنتخبة ديمقراطيًا. ومن المؤكد أنه ولئن كانت النصوص الملزمة في هذا المضمار والصادرة عن المنظمات الإقليمية تبدو أكثر وضوحًا فإننا نلاحظ نفس الرفض لمثل هذه الانقلابات حتى على المستوى الدولي، وهذا ما دفع الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة كوفي عنان إلى التصريح بما يلي: "إن الرأي الذي يقول بأن الانقلابات التي تقوم بها جماعات عسكرية ضد حكومات منتخبة ديمقراطيًا هو عمل غير مقبول أصبح مقبول هو القاعدة"() وإن القرارات التي صدرت عن الجمعية العامة (إثر انقلابات هايتي وبوروندي) وعن مجلس الأمن (إثر انقلابات هايتي وسيراليوني) لخير شاهد على ذلك.

 

الفضل الثاني

الجزاءات القضائية

تكمن خصوصية القاعدة القانونية مقارنة بالقواعد الأخرى العلمية منها والأخلاقية والاجتماعية في عنصر أساسي يميزها، وهي صبغتها الملزمة ومع ذلك فلكي تكون القاعدة القانونية ملزمة، يجب أن يرافقها جزاء يكون بوسع القضاء توقيعه على من لا يمتثل له. 

لا شك أن مبادئ القانون الدستوري استطاعت أن تفرض وجودها كمبادئ ذات قيمة قانونية ولكن فاعليتها ستظل منقوصة ما دامت المحكمة الدستورية الدولية التي تتمتع بسلطة توقيع العقاب بمفهومه الواسع لم تر النور بعد. ويتعلق الأمر في الحقيقة بمعاينة مخالفة نص أو مشروع نص أو ممارسة للمبادئ المعترف بها كمبادئ للقانون الدستوري. 

وهكذا فإن المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ينص على ما يلي: 

"2- تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلًا أعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ، طبقًا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضروريًا لهذا الأعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية.

3- تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد: 

أ- بأن تكفل توفير سبيل فعال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذا العهد، حتى ولو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية، 

ب- بأن تكفل لكل متظلم على هذا النحو أن تبت في الحقوق التي يدعي انتهاكه لسلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة، أو أية سلطة مختصة أخرى ينص عليها نظام الدولة القانوني، وبأن تنمى امكانيات التظلم القضائي، 

ج- بأن تكفل قيام السلطات المختصة بإنفاذ الأحكام الصادرة لمصالح المتظلمين."

وإلى حد هذا اليوم، لم يقع إقرار أي جزاء قضائي لخرق المعيارية الدستورية الدولية. 

توجد عقوبات على المستوى الإقليمي، ولكنها ذات صبغة سياسية (تعليق عضوية أو إقصاء من المنظمة)، وهي لا تهم إلا الانقلابات. وبموجب أحكام الفصلين 2 و7 من اتفاقية الاتحاد الأوروبي، يمثل الاتحاد الأوروبي الاستثناء، بما أنه من جهة أولى، تمتد العقوبة لتشمل خرق المبادئ الديمقراطية بصفة عامة، ومن جهة أخرى يضع في اتفاقيات الشراكة التي يبرمها مع الدول الأخرى بنودًا ديمقراطية، يمنحه خرقها الحق في تعليق الاتفاقية.

وعلى المستوى الكوني، لا توجد إلا مراقبة شبه قضائية للاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان حين يتم التنصيص فيها على آلية لحماية هذه الحقوق وتطويرها. ولا تختص سوى أربعة فقط من هذه الهيئات، وهي هيئة حقوق الانسان وهيئة القضاء على التمييز العنصري وهيئة مناهضة التعذيب وهيئة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ضد المرأة وحسب شروط معينة، لتلقي عرائض من أشخاص يرون أن الحقوق المنصوص عليها في المعاهدات قد تم خرقها من قبل دولة عضو.

وعلى هذا المستوى بالذات يكمن جانب التحدي الذي يواجه إحداث محكمة دستورية دولية، بما أنها ستكون متقدمة على تجارب الاندماج الأكثر تطورًا. 

وبصرف النظر عن تأسيس المحكمة في حد ذاتها وعن تركيبتها وطرق تعهدها واختصاصها ووسائل الإثبات المقبولة لديها وتراتيبها وغيرها... يمكن أن نؤكد أن أبسط الأمور وأكثرها واقعية، حتى لا نقول أقلها طوباوية، هي أن نعترف لمحكمة المستقبل بسلطة إقرار مسؤولية الدولة من أجل خرق المعيارية الدستورية الدولية (المسؤولية عن فعل مخالف للقانون) ومطالبتها بإلغائه و/ أو جبر الأضرار الناتجة عنه. وليس من الوارد طبعًا أن تلغي المحكمة بنفسها هذه الأعمال، ويبدو حقيقة من قبيل الخيال أن نفكر في عقوبات جزائية في الوضع الراهن.

فقد اعتبرت المحكمة الدولي الدائمة للعدل، في رأيها الخاص بقضية تبادل السكان الأتراك واليونانيين "مبدأ بديهيًا" أن تلتزم أي دولة "أمضت على التزامات دولية بإدخال التعديلات الضرورية على تشريعاتها، حتى تضمن الإيفاء بالتعهدات التي قطعتها على نفسها" (السلسة 8، العدد 10، ص20).

وفي حكمها المتعلق بقضية بعض المصالح الألمانية في سيليزيا العليا البولندية ذكرت المحكمة بأنها بلا شك ليست مدعوة لتأويل القانون البولندي في حد ذاته إلا أنه لا يوجد ما يمنعها من أن تبت في مسألة معرفة ما إذا كانت بولندا -في حال تطبيق القانون آنف الذكر- تتصرف وفقًا لالتزاماتها تجاه ألمانيا بموجب اتفاقية جنيف أم لا.

وفي قرارها التحكيمي الصادر في 1937.8.10، بين ألمانيا وليتوانيا اعتبرت هيئة التحكيم أنه، "بموجب مبادئ القانون الدولي، ينبغي على الدولة أن تفي بالتزاماتها الدولية عن طيب خاطر. وبموجب هذا المبدأ، فإن على ليتوانيا أن تنقض قرارًا اتخذته بعض أجهزتها، إن كان ذلك القرار مناقضًا لمقتضيات اتفاقية دولية" (مجموعة الأحكام التحكيمية، الجزء الثالث، صن.1751).

وفي حكمها المتعلق بتنفيذ اتفاقية 1902 الخاصة بضبط الوصاية على القاصرين اعتبرت محكمة العدل الدولية أنها "أمام ترتيب اتخذ بموجب القانون السويدي بتاريخ 6 جوان 1924 المتعلق بحماية الطفولة والشباب وأنه يجب عليها أن تتعامل مع هذا الترتيب وفقًا لما أراد المشرع السويدي إرساءه وأن تقارنه بالوصاية التي ضبطتها اتفاقية 1902 وأن تحدد ما إذا كان في الإبقاء على الترتيب آنف الذكر وتطبيقه على قاصرة شملت الاتفاقية وصايتها انتهاك لهذه الاتفاقية (مجموعة أحكام وآراء محكمة العدل الدولية، 1958، ص.65).

 

الفصل الثالث

المحكمة الدستورية الدولية

التركيبة والمهام والقانون المنطبق

متى تم القبول بفكرة إنشاء محكمة دستورية دولية من حيث المبدأ، يكون من المتجه عندئذ رسم ملامحها التقنية خاصة تلك المتعلقة بتركيبتها ومهامها وترسانة القواعد التي هي مدعوة لوضعها موضع التطبيق. 

تركيبة المحكمة:

تتركب المحكمة الدستورية الدولية من 21 قاضيًا يتم تعيينهم وفقًا للإجراءات التالية:

تقترح كل دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة مرشحًا.

تختار هيئة متكونة من قضاة محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ومن أعضاء من لجنة القانون الدولي 42 مرشحًا على أساس نزاهتهم وكفاءتهم وخبرتهم، مع مراعاة تمثيلية عادلة منصفة لأهم الأنظمة القضائية.

تنتخب الجمعية العامة للأمم المتحدة الـ21 عضوًا في المحكمة من بين قائمة الأشخاص التي تقترحها الهيئة. 

مهام المحكمة:

تكلف المحكمة بوظيفة تقييم وبوظيفة قضائية:

وظيفة التقييم: 

تصدر المحكمة آراءها في مشاريع النصوص، وتبدي آراءها الاستشارية في النصوص التي تقدم لها، والتي لها علاقة بالديمقراطية وبالحريات العامة وتكون تلك الآراء والآراء الاستشارية معللة.

يمكن أن يقدم للمحكمة مطلب لإبداء الرأي من قبل:

الحكومات؛ 

أجهزة المداولة العامة للهيئات الدولية الكونية أو الإقليمية أو؛

المنظمات غير الحكومية التي لها صفة رسمية أو استشارية أو غير ذلك لدى الهيئات الدولية المذكورة؛

الأحزاب السياسية، والجمعيات الوطنية والمنظمات المهنية.

تنظر المحكمة في مقبولية مطالب ابداء الرأي (صفة الطالب، والمصلحة في القيام، وجدية المطلب).

تقدم المحكمة رأيها أو رأيها الاستشاري في أجل ستة أشهر انطلاقًا من تاريخ قرار قبول المطلب، وتكون الإجراءات أمام المحكمة كتابية. ويمكن أن تقرر المحكمة سماع شهود أو فتح تحقيق.

وتتمثل الآراء والآراء الاستشارية التي تبديها المحكمة في التصريح بمطابقة نص أو جزء منه أو مشروع نص أو جزء منه، أو مخالفته للمبادئ والقواعد المتعلقة بالديمقراطية والحريات العامة. وتتمتع المحكمة بسلطة اقتراح تعديل نص أو رفض نص أو مشروع نص قدم لنظرها.

الوظيفة القضائية: 

تبت المحكمة في قضايا الانتهاكات الخطيرة لمبادئ الديمقراطية والشروط الديمقراطية للانتخابات عند استفراغ طرق الطعن الداخلية. ويمكن أن تتمثل تلك الانتهاكات الخطيرة في أفعال و/أو في أعمال قانونية.

يمكن أن تتعهد المحكمة بموجب طلب صادر عن: 

الأفراد المدعومين بعرائض؛

الأحزاب السياسية والجمعيات الوطنية والمنظمات المهنية؛

أجهزة المداولة العامة للمنظمات الدولية الكونية أو الإقليمية؛

المنظمات غير الحكومية المعتمدة من طرف الدولة في إطار مسار انتخابي.

يمكن للمحكمة أن تفتح مرحلة تمهيدية للوساطة.

تصدر المحكمة قرارات بشأن مطابقة العمل أو الواقعة محل التظلم أو عدم مطابقتها للمبادئ والقواعد المتصلة بالديمقراطية والحريات العامة. وينبغي على الدولة المعنية أن تمتثل لقرارات المحكمة. 

القانون المنطبق:

تطبق المحكمة المبادئ والقواعد المتعلقة بالديمقراطية والحريات العامة الكونية والإقليمية وخاصة منها المقتضيات ذات الصلة المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وباتفاقية الاتحاد الأوروبي والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وميثاق منظمة الدول الأمريكية، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، والميثاق الديمقراطي لدول أمريكا والقانون التأسيسي للاتحاد الافريقي و"مبادئ هراري"، التي تم الاتفاق بشأنها في اجتماع رؤساء حكومات بلدان الكومنولث يوم 20 أكتوبر 1991.

 

لتحميل ملف المشروع

(1248 - 1335هـ / 1832 - 1917م)

هو الحبر العلَّامة الفقيه المُحدِّث الشيخ سليم بن أبي فرَّاج بن السيد سليم بن أبي فرَّاج البِشْري المالكي شيخ الجامع الأزهر الشريف، تأسست في عهده هيئة كبار العلماء بالأزهر، وصار أوَّل رئيسٍ لها، ويرجع إليه الفضل في استقرار العمليَّة العلميَّة والتعليميَّة في الأزهر نهاية العقد الأول من القرن العشرين، وصدرت في عهده قوانين ولوائح تُعَدُّ النواة الحقيقيَّة لنظم التعليم والإدارة في الأزهر والمعاهد الدينيَّة حتى مطلع العقد السابع من القرن العشرين.

 

نبذة عن ميلاده ونشأته:

ولد الشيخ سليم البشري في عام 1248هـ الموافق عام 1832م في محلة بشر من أعمال مركز شبراخيت بمديريَّة البحيرة، وتمتع بوجود والده سبع سنوات، عاش بعدها الشيخ البشري ــ رحمه الله ــ يتيمًا، وكفله أخوه الأكبر عبد الهادي البشري، وبدأت رحلته العلميَّة مبكرًا، فأتم حفظ القرآن الكريم وعمره تسعة أعوام.

 سافر الشيخ إلى القاهرة فكفله خاله بسيوني البشري، الذي كان يعمل إمامًا بمسجد السيدة زينب -رضي الله عنها-  فقضى معه عامين، تلقى فيهما مبادئ العلوم الشرعيَّة على يديه وعلى يد غيره من العلماء المدرسين بالمسجد، ثم قصد الجامع الأزهر فتلقى العلم على يد كبار علماء عصره منهم: فضيلة الشيخ الباجوري، والشيخ محمد عليش، والشيخ إبراهيم السقا، والشيخ مصطفى المبلط، والشيخ أحمد كبوة العدوي، والشيخ الإسماعيلي، والشيخ محمد الصفتي، والشيخ الخناني المالكي الذي يعد من أهم شيوخه؛ فقد تعلم على يديه فقه المالكيَّة، حتى أصبح من كبار علمائهم في مصر.

وكان لنبوغ الشيخ البشري وجديته، أثناء دراسته لفقه المالكيَّة كبير الأثر في إعجاب شيخه الخناني به، فكان يثق بقدراته العلميَّة ويقربه إليه، ومن ذلك أنَّه بينما كان الشيخ الخناني يقرأ على متقدمي طلابه (المرحلة العالية) كتابًا من أمهات الكتب في الفقه المالكي إذ به يصاب بمرض عُضال، حبسه في فراش المرض عدة أشهر، والطلبة في انتظاره، فلمَّا أحس بشيء من الراحة طلب أن يُحمَل إلى مجلس علمه، وقال لطلبته: إني ذاهب وليست لي القدرة الآن على تحصيل العلم، وإني مستخلف عليكم لإتمام درسي أجدر الناس به، وأمسك بيد الشيخ سليم البشري، وأجلسه في مجلسه، فأتم الكتاب على غرار شيخه، وظلَّ يباشر التدريس بعدها، فظهر نبوغه وذاع أمره، وتهافت عليه الطلبة.

  وقد ورث الشيخ البشري العلم من مشايخه في الأزهر، وورث منهم كذلك الهمة في بذله ونشره، وذلك أنَّ طلاب العلم قد ازداد تهافتهم عليه يفيدون منه ويأخذون العلم عنه، وحينما أُصيب بمرض الروماتيزم مدة عامين لم ينقطع الطلاب عنه، فكانوا يذهبون إليه في بيته بحي السيدة زينب يسمعون منه ويتعلمون على يديه، فواظب على إلقاء الدروس الصباحيَّة على طلابه دون كلل أو ملل رغم مرضه الشديد.

ولم يقتصر تدريسه على الفقه، بل امتد نبوغه لعلوم كثيرة، لا سيَّما علم الحديث، حيث نبغ فيه نبوغًا كبيرًا أبلغه درجة كبار المحدثين في عصره، وهو يروي عن شمس الدين محمد الخناني الشافعي، والعلامة محمد الأشموني، والشيخ منصور كساب، والشيخ محمد العريان، والشيخ أحمد كبوة العدوي، والشيخ محمد صالح السباعي، والشيخ أحمد منة الله المالكي، والشيخ عبد الله النبراوي، والشيخ محمد الصفتي المالكي، والشيخ إبراهيم السقا، والشيخ الباجوري.

وكان الشيخ محبًّا للعلم حريصًا على بذله ونشره، وتأسيس أركانه، ومن ذلك أنه لمَّا صار شيخًا لمسجد السيدة زينب، قام بتعيين سبعة من المدرسين لتدريس علم الحديث، وفقه المذاهب الأربعة، والأخلاق وغيرها، وطلب لهم مرتبات من الأوقاف، فتمت الموافقة على طلبه، حتى أصبح المسجد الزينبي كأنَّه قطعة من الأزهر.

ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن الشيخ سليم البشري كان له الفضل في عدم نقل قبر السيدة زينب من مكانه، إذ إنه لما جدد المسجد الزينبي في عهد الخديوي توفيق، رأى رئيس مهندسي الأوقاف أن ينقل القبر المنسوب إلى السيدة زينب بما فيه، فعارضه الشيخ، وأعلمه أن ذلك مخالف للشرع من وجوه عديدة، وانتهى الخبر إلى الخديوي محمد توفيق باشا، فأمر بإبقاء القبر في مكانه.

  وقد كان للشيخ -رحمه الله- منزلة سامية عند العلماء وطلاب العلم، وعند الحكام على السواء؛ فبعد وفاة الشيخ محمد عليش نقيب المالكيَّة ظلَّ هذا المنصب خاليًا لمدة خمس سنوات، حتى وقع الاختيار على الشيخ البشري ليتولى هذا المنصب، فأصدر الخديو توفيق أمرًا بتعيينه شيخًا ونقيبًا للسادة المالكيَّة، وذلك عام 1305هـ/1887م.

  وكان لهذه الحياة الفوارة بالعطاء أثر في اختياره للمهام الثِّقال، فحينما اتجهت النية إلى إصلاح الأزهر في عهد الشيخ حسونة النواوي، كان الشيخ البشري في مقدمة العلماء الذين وقع عليهم الاختيار لعضويَّة مجلس إدارة الأزهر، مع الشيخ محمد عبده، والشيخ عبد الكريم سلمان، وغيرهما من كبار العلماء، وقد عهد إليه مع مجموعة من العلماء منهم الشيخ محمد عبده وضع خطة تطوير نظم التعليم والإدارة بالأزهر الشريف، فأحدثوا به نهضة علميَّة عظيمة، كان أهمها إصدار قانون عام 1314هـ/ 1896م، الذي يعد أهم القوانين الأزهريَّة الأولى الخاصَّة بتطوير النظم التعليميَّة والإداريَّة بالأزهر، ثم قام أعضاء مجلس إدارة الأزهر ومنهم الشيخ البشري باستقدام أمهر المدرسين من المدارس الأميريَّة لتدريس العلوم الرياضيَّة بالجامع الأزهر، كما استقدموا ــ أيضًا ــ مدرسين لتدريس علوم الجغرافيا والتاريخ والإنشاء واللغة العربيَّة، ووضعوا امتحانًا سنويًّا تقرر بعده صرف ستمائة جنيه للناجحين حسب مستوى كلِّ طالب مما جعل لأهل الأزهر تقدمًا عظيمًا.

 

مشيخته للأزهر الشريف:

كانت هذه الرحلة العلميَّة والعمليَّة بما فيها من خبرات ثريَّة مؤهِّلة لأن يتولى الشيخ سليم البشري مشيخة الأزهر الشريف مرتين على النحو الآتي:

المشيخة الأولى: 1317- 1320هـ/1899- 1903م:

وقع الاختيار على الشيخ البشري ليكون شيخًا للأزهر بعد وفاة الشيخ الإمام عبد الرحمن النواوي -رحمه الله- فاعتذر الشيخ البشري في أول الأمر عن عدم قبوله هذا المنصب، وبالغ في الاعتذار محتجًّا بكبر سِنِّه وضعف صحته، ولكنه أمام الإلحاح الشديد قَبِل المنصب، فأصدر خديو مصر – آنذاك - عباس حلمي الثاني (1892- 1914م) أمرًا بتعيينه شيخًا للأزهر في 28 من صفر سنة 1317هـ/ 7 يوليو 1899م.

 وبالرغم من الأعباء الكبيرة التي كان يتحملها في مباشرته مشيخة المالكيَّة ومشيخة الأزهر- فإنَّه ظلَّ يباشر دروسه في الأزهر، كما ظلَّ يباشر التدوين والتصنيف وقيادة الحركة الإصلاحيَّة بعزم وحسم، وظهرت آثار ذلك كلِّه في عهده حتى أصبح معظم مدرسي الرياضيَّات في عصره من خريجي الأزهر بعد أن كادت صلة الأزهر بهذه العلوم تنقطع تمامًا.

وظلَّ الشيخ البشري في مشيخته الأولى للأزهر مدة أربع سنوات تقريبًا، أظهر فيها من سداد الرأي، وقوة الحزم، ومضاء العزيمة ما لا يتفق عادة لمن كان في مثل سنِّه، بيد أنَّه اضطر لتقديم استقالته بعد خلاف كبير مع الخديو حول اختيار الشيخ أحمد المنصوري لمشيخة أحد أروقة الأزهر؛ حيث رفض الخديو تعيين الشيخ المنصوري رغم إصرار الشيخ البشري على اختياره، فأرسل الخديو إليه للعدول عن تعيينه، فأبى الشيخ البشري الرجوع عن ذلك، وقال: "إن كان الأمر لكم في الأزهر دوني فاعزلوه، وإن كان الأمر لي دونكم فهذا الذي اخترته، ولن أحيد عنه"، فانتهز الحاقدون على الشيخ الفرصة، وأوغروا صدر الحاكم عليه، فأرسل إليه من يقول له: "إن تشبثك برأيك قد يضرك في منصبك" فقال الشيخ الإمام:" إن رأيي لي، ومنصبي لهم، ولن أُضحي لهم بما يدوم في سبيل ما يزول" وقدَّم استقالته عام 1320هـ/1903م.

ولم تَحُلْ استقالة الشيخ البشري دون قيامه بمواصلة دروسه في الجامع الأزهر، فقد ذهب في اليوم التالي للاستقالة إلى الأزهر ليلقي دروسه على طلابه، فقرأ درس (التفسير والحديث) الذي حضره يومئذ نحو خمسمائة عالم وكثير من الطلبة الذين لم يحصَ عددهم.

كما كانت له إسهامات في وضع قانون إصلاح الأزهر الذي صدر في عام 1326هـ/ 1908م، وهو القانون رقم (1) لسنة 1908م، والذي تم تقسيم التعليم الأزهري بموجبه إلى ثلاث مراحل دراسيَّة (مرحلة التعليم الأَولي، مرحلة التعليم الثانوي، مرحلة التعليم العالي).

 

المشيخة الثانية: 1327- 1335هـ/ 1909- 1917م:

 شهد الجامع الأزهر قبيل تولي الشيخ البشري المشيخة الثانية فترة اتسمت بسوء الأحوال واضطراب الأمور؛ مما اضطر ولاة الأمر إلى اللجوء إليه ليعود إلى منصبه شيخًا للأزهر؛ لمعالجة تلك الاضطرابات، فاشترط أن تجاب مطالبه فورًا؛ كي يتمكن من القيام بواجبه، وفي مقدمتها: إكرام العلماء والطلبة، والتوسع في أجورهم وأرزاقهم، وتخفيض تكلفة تنقلاتهم بقطارات السكك الحديديَّة على طول القطر المصري، فوافقت الحكومة على مطالبه وأصدر الخديو عباس حلمي الثاني في 23 ربيع الأول 1327هـ/ 13 أبريل 1909م قرارًا بتعيينه شيخًا للأزهر.

وقد أعقب قرار تعيين الشيخ البشري في مشيخته الثانية للأزهر عقد مقابلة رسميَّة مع الخديو؛ لتهنئته وتقديم الدعم اللازم لإصلاح الأزهر، وكان الأزهريون قد استبشروا خيرًا بنبأ اختيار فضيلته لمشيخة الأزهر؛ لِما أمَّلوه في عهده من استكمال مسيرة الإصلاح والتطوير في الأزهر، وقد ظلَّ بمشيخة الأزهر حتى وفاته عام 1335هـ/ 1917م.

 

إغلاقه الأزهر أمام أطماع الإنجليز:

كان الإنجليز عندما احتلُّوا مصر في 1882 قد تركوا ثلاثة مجالات لم يأذنوا لأنفسِهم أن يتدخَّلوا فيها تدخُّلًا سافرًا؛ وهي: الأزهر والمحاكم الشرعية والأوقاف. ومع نهايات القرن ظهر لهم من استقرارهم ما شجَّعهم على طرْق هذه المجالات، وبدؤوا بالمحاكم الشرعية، وكانت معركةً سياسيةً انتصر فيها الشيخ حسونة النواوي شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية وقتها، وتراجع الإنجليز عن مسعاهم مؤقتًا، ثم استأنفوا سعيهم فَعُزِل الشيخ النواوي من منصبه، وفُصِل بين مشيخة الأزهر ووظيفة الإفتاء التي تبعت لوزارة الحقانية لتكون تحت إشراف المستشار القضائي الإنجليزي، وتولَّى مشيخة الأزهر الشيخ عبد الرحمن قطب، وتولَّى الإفتاء الشيخ محمد عبده، وذلك في عام 1900.

عاجلت المنيَّة الشيخ قطب بعد شهر من تولِّيه، فبادر رجال الأزهر بترشيح الشيخ البِشري للمشيخة، وبادر الخديوي بتعيينه قبل أن يُجمع الإنجليز أمرهم على الضغط لاختيار من يناسبهم. وأغلق الشيخ البشري الأزهر في وجه النفوذ الإنجليزي، في وقت كان النفوذ يتمدَّد ويتوغَّل في كل مكان في الحياة المصرية. وكان المجتمع الأوروبي قد اعترف وسلَّم بالأمر الواقع لبريطانيا في مصر.

والشيخ سليم البشري، كان شيخًا محافظًا، يتبع المذهب المالكي ولا يحيد عنه، وبقيت فتاواه وتقريراته مرتبطة بهذا الأمر طوال حياته. وهو في الوقت ذاته كان مستقلًّا لا يتبع جهة ما، وهو أيضًا كان زاهدًا تمامًا في المال وفي المناصب وغيرها. ومن ثم أغلق الأزهر دون تأثيرات الإنجليز الساعية للنفوذ إليه في ذلك الوقت، وحافظ على استقلالية الأزهر في مواجهة القوى السياسية المختلفة. وفي ظروف التباينات السياسية بين سلطة الإنجليز وسلطة الخديوي كان يقف مواقف استقلالية منهما معًا، بحيث إنه بعد أربع سنوات أو خمس من تولِّيه المشيخة حين أراد الخديوي أن يتدخَّل في تعييناته -كما سلف الذكر-؛ رفض واستقال وترك المشيخة لمدَّة حوالي خمس سنوات تالية، وعُيِّنَ فيها ثلاثة مشايخ للأزهر من ضمنهم الشيخ حسونة النواوي، ولكن بقي الأزهر مضطربًا حتى أعيد الشيخ البشري إلى المشيخة في سنة 1909، وبقي شيخًا للأزهر حتى وفاته في سبتمبر 1917. وتلك هي الفترة التي أغلق فيها الأزهر دون محاولات الإنجليز التسرُّب أو النُّفوذ إليه.

ولم يمضِ وقت طويل بعد وفاته حتى قامت ثورة 1919 فأعْفت الأزهر من محاولات الإنجليز السيطرة عليه لظهور القوى الوطنية ووقوفها ضدَّ أطماع الإنجليز في السيطرة على مؤسَّسات الدولة.

 

عطاؤه العلمي:

كان من أبرز الإنجازات التي تمت في مشيخة الشيخ البشري الثانية هو إصدار نظام مؤقت لسير نظم الدراسة في الأزهر بموجبه عام 1328هـ/ 1910م، ثم إصدار القانون رقم 10 لسنة 1911م الذي يُعَدُّ النواة الأولى للجامعة الأزهريَّة وقوانين تطوير الأزهر التي صدرت تباعًا بعد ذلك، وكان من أهم ما اشتمل عليه القانون المذكور هو نشأة هيئة علميَّة كبرى من كبار علماء الأزهر تسمَّى: (هيئة كبار العلماء)، فكان- باعتباره شيخًا للأزهر في ذلك الوقت هو أول رئيس لهيئة كبار العلماء.

وكان الشيخ سليم البشري من العلماء الذين أسهموا بجهود كبيرة في الحركة العلميَّة خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فكان منذ جلوسه للتدريس مكان شيخه الخناني شعلة نشاط تتوقد، ولم تفتر عزيمته عن التدريس لطلابه رغم ما تعرض له من مشكلات وأزمات.

وكان من تلامذته في علم الحديث العلامة الشيخ محمد المكاوي، وقد قرأ عليه صحيح البخاري قراءة بحث وتدقيق، وقال في ذلك: «وقد عارضته – أي صحيح البخاري – على شيخ الشيوخ، العلَّامة، الحبر البحر الفهَّامة، الحافظ المتقن المجيد، مربِّي الطلاب بهديه وعلمه المفيد، من انتهت إليه رئاسة العلوم في هذا الزمان، وفاق في جميع الفنون الرؤوس والأقران، الأستاذ الشيخ سليم البشري، شيخ السادة المالكيَّة، نفع الله به وبعلومه آمين، وراجعته فيه من أوله إلى آخره»، كما قرأ عليه الحافظ أبو شعيب الدكالي حافظ المغرب في زمانه موطأ الإمام مالك.

وتتلمذ له وتخرج على يديه مجموعة من كبار العلماء، منهم: الشيخ محمد راشد إمام "المعيَّة السَّنيَّة" و(الحاشية الخديويَّة)، والشيخ محمد البسيوني البيباني، والشيخ محمد عرفة، والشيخ محمود خطاب السبكي، والشيخ يوسف الدجوي، والشيخ محمد إبراهيم السمالوطي، وغيرهم من أفاضل العلماء والمدرسين بالجامع الأزهر وأعضاء هيئة كبار العلماء فيما بعد.

ومما يختص به الشيخ البشري في مسيرته العلميَّة أنَّه أصبح قبلة كثير من المتفقهين في الدين، والراغبين في كشف الحقائق عن دينهم ودنياهم، وكان فضلًا عن ذلك يمتاز بروح أدبيَّة رقيقة، فكان يطرب من الشعر ويهتز له، كما كانت له مكتبة ضخمة تضم ذخائر نفيسة من الأدب العربي ودواوين الشعر في الجاهليَّة والإسلام؛ ولذلك كان مولعًا بشعر أمير الشعراء أحمد شوقي، وقام بشرح قصيدة شوقي (نهج البردة) وعلَّق عليها ونشرها، في كتابه: (وضح النهج)، كما كتب خَّطابًا أدبيًّا ممتازًا إلى حافظ إبراهيم عندما نظم قصيدته العمريَّة، فالشيخ سليم البشري كان أحد رواد النهضة والتجديد في الأزهر، وقد تحقق على يديه خيرٌ كثير، كما كانت له مجموعةٌ من الحواشي في العقائد والنحو وغيرهما، تشهد له بالعمق والدقة.

 وكانت له بعض المؤلفات العلميَّة التي تدل على غزارة علمه، منها ما كان مقدمة لعدد من التحقيقات والشروح لأُمَّهات الكتب الإسلاميَّة، ومنها ما كان شرحًا لبعض القصائد الشهيرة، ومنها ما كان مؤلفات خاصَّة به في بعض العلوم، ومن هذه الإسهامات العلميَّة المختلفة:

  1. حاشية تحفة الطلاب بشرح رسالة الآداب، وهو شرح على رسالة الملا حنفي في آداب البحث والمناظرة، مخطوطة محفوظة بعدد من الأماكن منها: مكتبة الأزهر الشريف.
  2. العقد الوافي بشرح ملا حنفي، مخطوطة محفوظة في عدد من الأماكن منها مكتبة الأزهر الشريف، وهي بخط المؤلف نفسه.
  3. رسالة البشري على البسملة، مخطوطة محفوظة بعدد من الأماكن منها: مكتبة الأزهر الشريف، قام بنسخها: محمد بدوي، عام 1289هـ.
  4. عقود الجمان في عقائد أهل الإيمان، مخطوطة محفوظة بعدد من الأماكن منها: مكتبة الأزهر الشريف، قام بنسخها: محمد خضر البشري، كما توجد منها نسخة خطيَّة بدار الكتب رقم 33753ب.
  5. مطلب الاستئناس في بيان الأعلام وأسماء الأجناس: مخطوطة محفوظة بعدد من الأماكن منها: مكتبة الأزهر الشريف.
  6. المقامات السنيَّة في الرَّد على القادح في البعثة النبويَّة: ردَّ فيها على من انحرفوا إلى الإلحاد.
  7. حاشية على رسالة الشيخ عليش في التوحيد.
  8. وضح النهج، قام فيه بشرح قصيدة شوقي (نهج البردة) وعلق عليها، ونشرها على نفقته الخاصَّة.

 

أولاده وأحفاده:

عرف في جيله بأنه والد 6 من العلماء المشايخ، أشهرهم هو ابنه الشيخ عبد العزيز البشري، الأديب المشهور الذي كان مراقبا عاما للمجمع اللغوي، كما أن له العديد من الأحفاد، أبرزهم المفكر والمؤرخ المستشار طارق البشري.

 

شرحه لقصيدة نهج البردة:

عرف عن الشيخ سليم البشري حبه الشديد لشعر أمير الشعراء أحمد شوقي، حتى أنه شرح قصيدة شوقي نهج البردة وعلق عليها ونشرها في كتاب أُطلق عليه "وضح النهج".

 

تكريمه:

ونظرًا للمكانة العلميَّة الكبيرة التي عُرفت عن الشيخ سليم البشري؛ فقد كرمه السلطان حسين كامل (1914- 1917م) بمنحه النيشان المجيدي الأول، والوشاح الأكبر من وسام النيل.

 

وفاته:

بعد مرور تسعين سنة (90) استوعبت رحلة علميَّة وإصلاحيَّة حافلة بالعطاء، قائمة بالوفاء للدين والعلم وطلابه، لقي الشيخ سليم البشري ربَّه قبيل ظهر الجمعة رابع ذي الحجة عام 1335هـ/ الموافق 21 سبتمبر عام 1917م، ودفن بمدافن السادة المالكيَّة بقرافة الإمام الشافعي، وكان حال وفاته يملي الحديث الشريف على طلبته.

 

رثاؤه:

وقد رثاه حافظ إبراهيم بقصيدة بليغة مؤثرة قال فيها من [الوافر]:

 

أيدري المسلمون بمن أُصيبوا *** وقد واروا سليمًا في الترابِ

هوى ركن الحديث فأي خطب *** لطلاب الحقيقة والصوابِ

موطأ مالك عزى البخاري *** ودع لله تعزية الكتابِ

فما في الناطقين فم يوفي *** عزاء الدين في هذا المصابِ

قضى الشيخ المحدث وهو يملي *** على طلابه فصل الخطابِ

ولم تنقص له التسعون عزمًا *** ولا صدته عن درك الطلابِ

وما غالت قريحته الليالي *** ولا خانته ذاكرة الشبابِ

أشيخ المسلمين نأيت عنا *** عظيم الأجر موفور الثوابِ

لقد سبقت لك الحسنى فطوبى *** لموقف شيخنا يوم الحسابِ

إذا ألقى السؤال عليك ملقٍ *** تصدى عنك برك للجوابِ

ونادى العدل والإحسان أَنَّا *** نزكّي ما يقول ولا نحابي

قفوا يا أيها العلماء وابكوا *** ورووا لحده قبل الحسابِ

فهذا يومنا ولنحن أولى *** ببذل الدمع من ذات الخضابِ

عليك تحية الإسلام وقفًا *** وأهليه إلى يوم المآبِ

 

كما رثته جريدة وادي النيل التي كانت تصدر في الإسكندرية، فقد نشر الأستاذ محمد رشيد رضا سيرة الشيخ معتمدًا على ما أوردته جريدة الأهرام، وعلى ما رثته به جريدة وادي النيل التي كانت أقوى الصحف الوطنية في ذلك الوقت، وكانت تصدر في الإسكندرية.

___________

المصادر:

  • الشيخ سليم البشري، هيئة كبار العلماء، https://bit.ly/4fDEVp2
  • محمد الجوادي، الشيخ سليم البشري صاحب الولايتين، مدونات الجزيرة، 13 أبريل 2021، https://bit.ly/4iVEk4V
  • منال القاضي، من هو الشيخ سليم البشرى مؤسس هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف؟، اليوم السابع، 26 مارس 2024، https://bit.ly/3BTdSrY
  • محمد رشيد رضا، وفاة الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر، المنار، ج 3، م 20، 17 أكتوبر 1917، https://bit.ly/3DCjebq
  • مدحت ماهر، حوارات مع طارق البشري، دار البشير للثقافة والعلوم، الطبعة الأولى، 2020، ص: 38-44

نقدم لكم عناوين وروابط كافة ما نشره موقعنا "حوارات الشريعة والقانون" خلال العام المنصرم (2024م)، في أبواب وأقسام الموقع المختلفة، تيسيرًا على القراء والمتابعين:

 

أولا – مكتبة الموقع

‌أ- قسم الكتب:

  1. على زكي العرابي، كتاب "القضاء الجنائي"، 2 يناير 2024، https://bit.ly/3VTXhuQ
  2. محمد أبو زهرة، تحريم الربا تنظيم اقتصادي، 4 يناير 2024، https://bit.ly/4j2C386
  3. محمد الجوادي، مذكرات رجال القانون والقضاء "محاكمة ثورة يوليو"، 8 يناير 2024، https://bit.ly/4gNOqmv
  4. نوبار باشا، مذكرات نوبار باشا، 14 يناير 2024، https://bit.ly/3DsvgnV
  5. ريتشارد وود، الأدلة الجلية على موافقة الشريعة الإسلامية لقواعد الإنسانية، 14 يناير 2024، https://bit.ly/4iJmphA
  6. عبد العزيز فهمي باشا، الكتاب الذهبي للمحاكم الأهلية، 18 يناير 2024، https://bit.ly/41OGlty
  7. هاشم يحيى الملاح، حكومة الرسول صلى الله عليه وسلم "دراسة تاريخية- دستورية مقارنة"، 24 يناير 2024، https://bit.ly/3VTpzpa
  8. سيد عبد الله حسين، "كتاب "المقارنات التشريعية بين القوانين الوضعية المدنية والتشريع الإسلامي- مقارنة بين فقه القانون الفرنسي ومذهب الإمام مالك بن أنس رضي لله عنه، 25 يناير 2024، https://bit.ly/41W7quC
  9. محمد حافظ صبري، المقارنات والمقابلات بين أحكام المرافعات والمعاملات والحدود في شرع اليهود ونظائرها من الشريعة الإسلامية الغراء ومن القانون المصري والقوانين الوضعية الأخرى، 29 يناير 2024، https://bit.ly/3ZUYUJQ
  10. توفيق الشاوي، الموسوعة العصرية في الفقه الجنائي الإسلامي: "كتاب عبد القادر عودة مع تعليقات آية الله السيد إسماعيل الصدر وآراء للدكتور توفيق الشاوي والمشاركين"، 31 يناير 2024، https://bit.ly/3ZYxeUG
  11. د. محمد سليم العوا، "في أصول النظام الجنائي الإسلامي "دراسة مقارنة"، 2 فبراير 2024م، https://2u.pw/YaXk5lo
  12. سعيد أحمد بيومي، لغة الحكم القضائي "دراسة تركيبية دلالية"، 5 فبراير 2024م، https://2u.pw/GRnYodJ
  13. جمال الدين عطية، نحو تفعيل مقاصد الشريعة، 6 فبراير 2024، https://2u.pw/UKg55MP
  14. الملتقي السابع للتعرف على الفكر الإسلامي، 7 فبراير 2024، https://2u.pw/6qTgy1e
  15. عبد الرازق السنهوري، مصادر الحق في الفقه الإسلامي - دراسة مقارنة بالفقه الغربي، 12 فبراير 2024، https://2u.pw/JWUFFay
  16. أحمد فتحي زغلول، المحاماة، 14 فبراير 2024، https://2u.pw/dFpThsz
  17. عبد الرزاق السنهوري، نظرية العقد، 18 فبراير 2024، https://2u.pw/s7RoEQzm
  18. فهمي محمد علوان، القيم الضرورية ومقاصد التشريع الإسلامي، 24 فبراير 2024، https://2u.pw/6Q30uI0
  19. جعفر عبد السلام، قانون العلاقات الدبلوماسية والقنصلية "دراسات في القانون الدولي وفي الشريعة الإسلامية"، 11 مارس 2024، https://2u.pw/gPHsU7e3
  20. هشام جعفر، الأبعاد السياسية لمفهوم الحاكمية "رؤية معرفية"، 16 مارس 2024، https://2u.pw/G4qRvX2
  21. عثمان خليل عثمان، المبادئ الدستورية العامة، 19 مارس 2024، https://2u.pw/hN8JGHMu
  22. محمد نور فرحات، المجتمع والشريعة والقانون، 21 مارس 2024، https://2u.pw/qIru9FOc
  23. سعد بن مطر المرشدي العتيبي، فقه المتغيرات في علاقة الدولة الإسلامية بغير المسلمين "دراسة تأصيلية تطبيقية مع موازنة بقواعد القانون الدولي المعاصر"، 1 أبريل 2024، https://2u.pw/ZQlyiT1Q
  24. عبد الحميد متولي بك، المفصل في القانون الدستوري، 1 أبريل 2024، https://2u.pw/8rGz8N7m
  25. توفيق الشاوي، محاضرات في التشريع الجنائي في الدول العربية، 5 أبريل 2024، https://2u.pw/g2mHeFOa
  26. محمد الصادق عفيفي، المجتمع الإسلامي والعلاقات الدولية، 5 أبريل 2024، https://2u.pw/jQoRsfmA
  27. محمد فتحي عثمان، الفكر الإسلامي والتطور، 18 أبريل 2024، https://2u.pw/lMQKxhr3
  28. محمد بخيت المطيعي، حقيقة الإسلام وأصول الحكم، 23 أبريل 2024، https://2u.pw/U1qVZI07
  29. محمد فتحي عثمان، حقوق الإنسان بين الشريعة الإسلامية والفكر القانوني الغربي، 23 أبريل 2024، https://2u.pw/llaIW6OZ
  30. محمد أحمد المسير، قضايا الفكر الإسلامي المعاصر، 30 أبريل 2024، https://2u.pw/VN7HupJ2
  31. محمد عبد الله السحيم، استقلال القضاء في الفقه الإسلامي، 7 مايو 2024، https://2u.pw/u8IEsKqf
  32. محمد المدني بوساق، اتجاهات السياسة الجنائية المعاصرة والشريعة الإسلامية، 25 مايو 2024، https://2u.pw/h0xX0Lfp
  33. عثمان جمعة ضميرية، أصول العلاقات الدولية في فقه الإمام محمد بن الحسن الشيباني "دراسة فقهية مقارنة"، 2 يونيو 2024، https://2u.pw/OlnDICCu
  34. محمد حماد، قصة الدستور المصري "معارك ووثائق ونصوص"، 2يونيو 2024، https://2u.pw/NswVCyMi
  35. علي علي منصور، البهائية في نظر الشريعة والقانون، 25 يونيو 2024، https://2u.pw/NzksZMtK
  36. عبد الكريم زيدان، نظام القضاء في الشريعة الإسلامية، 25 يونيو 2024، https://2u.pw/09HyrO9c
  37. عبد المحسن الخرافي، الأعضاء والقضاة والمحامون والقانونيون في تاريخ مجلس الأمة، 27 يونيو 2024، https://2u.pw/4fSbtM8Q
  38. عبد الكريم زيدان، أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام، 27 يونيو 2024، https://2u.pw/auB1HxyX
  39. عبد الله النعيم، حو تطوير التشريع الإسلامي، 29 يونيو 2024، https://2u.pw/UxwvOS1Z
  40. يمني طريف الخولي، منهجيتُنا العلمية، 10 يوليو 2024، https://2u.pw/r8m673jl
  41. جمال حمدان، العالم الإسلامي المعاصر، 23 يوليو 2024، https://2u.pw/rmA2L936
  42. عزت روبي مجاور سليم الجارحي، الضوابط الشرعية لوقف العمل بنصوص القرآن والسنة، 24 يوليو 2024، https://2u.pw/E8rKH6zv
  43. محمد عابد الجابري، الدين والدولة وتطبيق الشريعة، 25 يوليو 2024، https://2u.pw/cl8W84FP
  44. محمد عبد اللطيف صالح الفرفور، الفقه الجنائي المقارن بالقانون، 1 أغسطس 2024، https://2u.pw/O9OeMKkL
  45. أحمد الطيب، حضارة الإسلام وحضارة الغرب والسلام المفقود، 5 أغسطس 2024، https://2u.pw/rHmQhRJM
  46. على الخفيف، بحوث ومقالات في التشريع الإسلامي، 7 أغسطس 2024، https://2u.pw/FeaCS712
  47. مراد هوفمان، الإسلام كبديل، 17 أغسطس 2024، https://2u.pw/q44Zew7B
  48. وحيد الدين سوار، التعبير عن الإرادة في الفقه الإسلامي "دراسة مقارنة بالفقه الغربي"، 17 أغسطس 2024، https://2u.pw/gzMqvty0
  49. محمد أبو زهرة، العقيدة الإسلامية كما جاء بها القرآن الكريم، 1 سبتمبر 2024، https://2u.pw/8gNh4cQA
  50. محمد المدني، تاريخ الفقه الإسلامي في مصر، 4 سبتمبر 2024، https://2u.pw/p0WjGHX8
  51. عبد الحميد متولي، أزمة الأنظمة الديموقراطية، 7 سبتمبر 2024، https://2u.pw/HXbmgXGJ
  52. عبد الناصر توفيق العطار، توحيد تقنينات الأزهر للشريعة الإسلامية "الجزء الأول – الربا والمعاملات المصرفية"، 16 سبتمبر 2024، https://2u.pw/pRe5MYLd
  53. أحمد الطيب، نحو اجتهاد فقهي معاصر، 19 سبتمبر 2024، https://2u.pw/5VYEOQb2
  54. توفيق الشاوي، فقه الشورى والاستشارة، 22 سبتمبر 2024، https://2u.pw/mDfElGBF
  55. نصر فريد واصل، المدخل الوسيط لدراسة الشريعة الإسلامية والفقه والتشريع، 22 سبتمبر 2024، https://2u.pw/G5cKAfIQ
  56. محمد أحمد الدويش، التلفيق وموقف الأصوليين منه "بحث نظري تطبيقي يتناول مفهومه - أسسه - مجالاته – حكمه"، 22 سبتمبر 2024، https://2u.pw/Qccn6BBO
  57. سعيد محمد عطية أبو الخير، المرجعية الإسلامية في دساتير دول منظمة التعاون الإسلامي، 24 سبتمبر 2024، https://2u.pw/suNkoME5
  58. عبد العزيز جاويش، الإسلام دين الفطرة والحرية، 26 سبتمبر 2024، https://2u.pw/jdxs9075
  59. أحمد إبراهيم بك والمستشار واصل علاء الدين أحمد إبراهيم، طرق الإثبات الشرعية، 30 سبتمبر 2024، https://2u.pw/NbdAi9Hs
  60. محمد عبد الله دراز، نظرات في الإسلام، 11 أكتوبر 2024، https://2u.pw/oVIVpYUg
  61. محمد مصطفى شلبي، المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي وقواعد الملكية والعقود، 13 أكتوبر 2024، https://2u.pw/3VS4zdth
  62. عبد الحميد الشرفي، كتاب الإسلام بين الرسالة والتاريخ، 13 أكتوبر 2024، https://2u.pw/EqZkUWp8
  63. مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي "مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور"، 16 أكتوبر 2024، https://2u.pw/rX2O1iA6
  64. محمد سليم العوا، حصريًا: مقدمة د. محمد سليم العوا (الممنوعة) لكتاب "محاكمة أولاد حارتنا"، 17 أكتوبر 2024، https://2u.pw/3ZGubs2r
  65. جمال الدين عطية وآخرون، الحوالة، 23 أكتوبر 2024، https://2u.pw/31iFfhul
  66. سليمان محمد سليمان الطماوي، نظرية التعسف في استعمال السلطة "الانحراف بالسلطة"- دراسة مقارنة، 14 نوفمبر 2024، https://2u.pw/4oV8r6nQ
  67. سمير تناغو، جوهر القانون (دراسة متعمقة في فلسفة القانون لطلبة معهد البحوث والدراسات العربية بجامعة الدول العربية)، 17 نوفمبر 2024، https://2u.pw/cqsFkL0c
  68. محمد الغزالي، الفساد السياسي في المجتمعات العربية والإسلامية (أزمة الشورى)، 10 ديسمبر 2024، https://2u.pw/RPQgmLsk
  69. وحيد رأفت، القانون الدستوري، 14 ديسمبر 2024، https://2u.pw/1VBIjIiG
  70. محمد خلف حيان، أخبار القضاة، 17 ديسمبر 2024، https://2u.pw/zCIiiJRS
  71. طارق البشري، الديمقراطية ونظام ثورة 23 يوليو (1952-1970)، 20 ديسمبر 2024، https://2u.pw/b2v6Xn7O
  72. خالد محمد خالد، كتاب "من هنا نبدأ" والردود عليه، 31 ديسمبر 2024، https://2u.pw/cOPIJZdM

 

‌ب- قسم الرسائل العلمية:

  1. رجب عبد التواب كدواني، نظرية التأمين التعاوني في الشريعة الإسلامي والقانون الوضعي "دراسة مقارنة"، 18 فبراير 2024، https://2u.pw/H6WSt9U
  2. هاني محمود حسن، رسالة الإمام الشافعي في المنظور الاستشراقي (دراسة تحليلية تقويمية)، 7 مارس 2024، https://2u.pw/dVhIaGn
  3. راجح بخيت السناني، أدب المحامي في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، 7 مايو 2024، https://2u.pw/jPHy2dB6
  4. يحيى محمد عوض الخلايلة، تقنين أحكام الشريعة الإسلامية بين النظرية والتطبيق "دراسة مقارنة لتجربة باكستان ومشروع مصر في التعزير"، 30 أغسطس 2024، https://2u.pw/TUiC4cla
  5. عبد السميع أحمد إمام، نظرات في أصول البيوع الممنوعة في الشريعة الإسلامية وموقف القوانين منها، 10 ديسمبر 2024، https://2u.pw/PGe5nmXA

 

 

ثانيًا – دراسات ومقالات

  1. محمد بصل، هل تملك محكمة العدل الدولية وقف حرب غزة؟! "قراءة في فاعلية التدابير المؤقتة"، 13 يناير 2024، https://2u.pw/dG6cI30
  2. معتز الخطيب، ثنائية المدني والعسكري بين الفقه والقانون الدولي، 14 يناير 2024، https://2u.pw/eQ8Fjm4
  3. حازم علي ماهر، التعويل على محكمة العدل الدولية.. بين التهوين والتهويل!، 18 يناير 2024، https://2u.pw/gUNkPAP
  4. رفعت فكري سعيد، هل يمكن تعزيز الحق في المواطنة في ظل المادة الثانية من الدستور، 20 يناير 2024، https://2u.pw/dMepwvDC
  5. محمد طه بدوي، نحو نموذج نظري للنسق السياسي الإسلامي، ردًا على المستشرق الإنجليزي "آرنولد"، 20 يناير 2024، https://2u.pw/7uuoHeq
  6. محمد سليم العوا، النظام القانوني الإسلامي في الدراسات الاستشراقية المعاصرة دراسة لمنهج المستشرق نويل ج. كولسون، 23 يناير 2024، https://2u.pw/xmR0VwR
  7. محمد عبد الله دراز، حضارة الإسلام وأثرها في الحضارة الحديثة، 24 يناير 2024، https://2u.pw/w7NZFK5x
  8. محمد المبارك، اللّقاءَ بين الفكرْ الإسلامي والفِكر الغرْبي، 28 يناير 2024، https://2u.pw/BcKCuqc
  9. قضية الإبادة الجماعية في غزة: ملخص شامل لمعركة جنوب أفريقيا القانونية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية ... ملخص القضية والأسئلة الشائعة، 15 فبراير 2024، https://2u.pw/OzpLXWa
  10. أحمد عرفات القاضي، الحقوق والحريات عند الطهطاوي والصعيدي، 15 فبراير 2024م، https://linksshortcut.com/UViYW
  11. شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، 25 فبراير 2024، https://2u.pw/mkwJOcb
  12. مذكرة اقتراحية حول مدونة الأسرة المغربية، 28 فبراير 2024، https://2u.pw/9rm4PJb
  13. حازم على ماهر، استقلال القضاء وتطبيق الشريعة.. تلازم مسكوت عنه، 29 فبراير 2024، https://2u.pw/LfgcCFY
  14. أنور الهواري، ديمقراطيات الإبادة الجماعية، 9 مارس 2024، https://2u.pw/hJ9tG4J
  15. فايز محمد حسين محمد، أثر مشروع السنهوري في القوانين المدنية العربية "الجزء الأول"، 16 مارس 2024، https://2u.pw/yT9yLgO7
  16. شريف عبد الرحمن سيف النصر، تساؤلات حول علاقة الفقه والتنظير ضمن ثنائية الواحدية والتنوع، 7 أبريل 2024، https://2u.pw/xZes5Nvs
  17. السيد الشحات رمضان جمعة، قواعد تفسير النصوص في الشريعة والقانون، 18 أبريل 2024، https://2u.pw/DYwmEGl5
  18. محمد كمال إمام، محمود شلتوت مجتهدًا ورائدًا للتقريب: قراءة تاريخية ووثائقية، 25 مايو 2024، https://2u.pw/P43yfl5H
  19. محمد كمال مبروك، ملامح حول الفقه الإسلامي ودوره في النظام القانوني المصري، 11 يونيو 2024، https://2u.pw/j7OHRjzk
  20. محمد كمال إمام، في منهجية التقنين "أفكار أولية"، 5 يوليو 2024، https://2u.pw/bJ1sf9Nt
  21. محمود سامي جمال الدين، دراسة نقدية لمحاولات تقنين الفقه الإسلامي، 5 يوليو 2024، https://2u.pw/WqdCYJ96
  22. عبد الوهاب المسيري، معالم الخطاب الإسلامي الجديد، 7 يوليو 2024، https://2u.pw/1jehxWbe
  23. محمد سعيد رمضان البوطي، الاختلاف الفقهي ووظائفه في الاجتهادات الحديثة، 7 يوليو 2024، https://2u.pw/RZYJ7tYj
  24. غسان الكحلوت، إسرائيل والقانون الدولي الإنساني: البحث عن إجابات في ظل حرب وحشية وقانون مهمش، 7 يوليو 2024، https://2u.pw/oJnRqTrF
  25. نصر محمد عارف، إشكالية الطرح السياسي للإسلام، 13 يوليو 2024، https://2u.pw/xWgb6ZIi
  26. هاني محمود حسن أحمد، أثر أحكام الوقف وتطبيقاته المعاصرة في تنمية القطاع المصرفي، 16 يوليو 2024، https://2u.pw/YUr6asmm
  27. جمال الدين عطية، صفحة من تاريخ الخطاب الإسلامي المعاصر هوامش وإضافات على: "معالم الخطاب الإسلامي الجديد" للدكتور عبد الوهاب المسيري، 21 يوليو 2024، https://2u.pw/IMi7vy2f
  28. إياد خلف حسين، إشكالية تطبيق الشريعة في الدولة الإسلامية المعاصرة، 23 يوليو 2024، https://2u.pw/OjTlqo2x
  29. أحمد بهاء الدين، المسلمون متخلفون عن الإسلام "حقوق الإنسان المسلم هي نقطة البدء"!، 5 أغسطس 2024، https://2u.pw/VoalgD1P
  30. سامر رشواني، الغرب.. الحاضرُ دومًا! نقدُ الخطابِ الإسلامي الجديد، 27 أغسطس 2024، https://2u.pw/DVmFSBjZ
  31. أحمد بهاء الدين، اللغة العربية سياسة وحضارة وإستراتيجية معًا!، 31 أغسطس 2024، https://2u.pw/l705iTUS
  32. إبراهيم البيومي غانم، محمد سليم العوا ... الحياة في محراب العلم والعدالة، 2 سبتمبر 2024، https://2u.pw/EpUSXH41
  33. محمد فريد وجدي، مهمة الدين الإسلامي في العالم، 4 سبتمبر 2024، https://2u.pw/19Ms7p5M
  34. حازم علي ماهر، الدين في التشريع المصري: دراسة تطبيقية حول الآثار القانونية والإجرائية، 10 سبتمبر 2024، https://2u.pw/Z5Q4ENc8
  35. محمد عبد الفضيل القوصي، العلمانية في ثوب التنوير، 10 سبتمبر 2024، https://2u.pw/RMeqxGs3
  36. مصطفى الزرقا، خصائص التشريع الإسلامي، 19 سبتمبر 2024، https://2u.pw/Yxp3zQp1
  37. شيماء فاخوري، لغة القرآن ورؤيته للعالم أساس منهجي لبناء المفاهيم "مفهوم التعارف نموذجًا"، 22 سبتمبر 2024، https://2u.pw/PxHpXFYc
  38. مصطفى الزرقا، حجة الشريعة على العقل، 24 سبتمبر 2024، https://2u.pw/4UZRgys7
  39. شاكر مصطفى، أول ما أخذوه من العرب: البوصلة والبارود "ثمن الحضارة الغربية"، 26 سبتمبر 2024، https://2u.pw/sOSMcYrS
  40. أحمد كمال أبو المجد، أخلاق الاستبداد وأخلاق.. الحرية، 29 سبتمبر 2024، https://2u.pw/Z039We2y
  41. أحمد الطاهري، القضاء والتشريع بالأندلس بين منحى الاستقلال وصيرورة الاحتواء، 2 أكتوبر 2024، https://2u.pw/uSArdIma
  42. وهبة الزحيلي، مصادر التشريع غير المقبولة في الإسلام، 3 أكتوبر 2024، https://2u.pw/lM1BILWp
  43. موسي الصدر، روح الشريعة الإسلامية وواقع التشريع اليوم في العالم الإسلامي، 7 أكتوبر 2024، https://2u.pw/3CfgEJ1q
  44. عبد المجيد النجار، القراءة الجديدة للنص الديني، 11 أكتوبر 2024، https://2u.pw/uiR7qIT9
  45. مصطفي الزرقا، موسوعة الفقه الإسلامي "فكرتها .. الغاية منها .. كيف يمضي العمل فيها"، 15 أكتوبر 2024، https://2u.pw/30rpxlWW
  46. مصطفى الزرقا، روح الشريعة الإسلامية وواقع التشريع اليوم في العالم الإسلامي، 19 أكتوبر 2024، https://2u.pw/k45dfjjK
  47. فتح الله كولن، الدين والدولة…أية علاقة؟، 22 أكتوبر 2024، https://2u.pw/yIlG2iF0
  48. مالك بن نبي، إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث، 25 أكتوبر 2024، https://2u.pw/2Sosk2G7
  49. مدحت ماهر الليثي، التراث السياسي الإسلامي وحقوق الإنسان، 25 أكتوبر 2024، https://2u.pw/HC9imlLa
  50. محمد كمال إمام، نحو تطوير الدرس الجنائي الإسلامي، 28 أكتوبر 2024، https://2u.pw/leMNsrSG
  51. شريف عبد الرحمن سيف النصر، الأمة السيبرانية: هل يمكن أن تمثل التقانة مدخلًا لتقارب المسلمين؟، 31 أكتوبر 2024، https://2u.pw/SGMfjMDD
  52. محمد سليم العوا، حصريًا: يوميات الحديبية، 3 نوفمبر 2024، https://2u.pw/HR5bI7QOZ
  53. مالك بن نبي، المجتمع الإسلامي والإنسانية العذراء!، 4 نوفمبر 2024، https://2u.pw/8mFEeg6lv
  54. معمر حبار، علاقة الصراع الفكري بالمستشرقين لدى مالك بن نبي من خلال إنتاج المستشرقين، 5 نوفمبر 2024، https://2u.pw/qQRIwyHu
  55. محمد توفيق صدقي وآخرون، ظهور القرآنيين: مقال "الإسلام هو القرآن وحده" والردود عليه، 8 نوفمبر 2024، https://2u.pw/gC2XZKZM
  56. أحمد كمال أبو المجد، تجديد الفكر الإسلامي "إطار جديد.. مداخل أساسية"، 9 نوفمبر 2024، https://2u.pw/qxNMLOG5
  57. منصف المرزوقي، أوهام الديمقراطية الغربية والطريق إلى الحكم الرشيد، 13 نوفمبر 2024، https://2u.pw/zK0XoX00
  58. عبد الناصر توفيق العطار، من أحكام ملك الشقق والطبقات، 1 ديسمبر 2024، https://2u.pw/qd5gOU4X
  59. أحمد حسين عثمان، تسوية النزاع حول المياه في الفقه الإسلامي "دراسة تحليلية مقارنة بالقانون الدولي"، 4 ديسمبر 2024، https://2u.pw/fGVquuUc
  60. عبد الحميد الراقي، رسالة الشافعي من منظور وائل حلاق.. سياق الطرح ومنهج المعالجة، 4 ديسمبر 2024، https://2u.pw/VaLEGKuI
  61. فاطمة حافظ، إسماعيل راجي الفاروقي قراءة في الرؤية الإصلاحية والمشروع المعرفي، 6 ديسمبر 2024، https://2u.pw/SNj5OQI3
  62. محمد الغزالي، حول تطبيق الشريعة، 7 ديسمبر 2024، https://2u.pw/Gwv3f6ph
  63. أحمد عوض هندي، مقاصد الشريعة الإسلاميّة وتحفظات الدول الإسلامية على الاتفاقيات الدولية، 31 ديسمبر 2024، https://2u.pw/e0mSWqXR

 

ثالثًا – عروض ومراجعات

  1. محمد سيد بركة، أوهام الغرب عن الإسلام.. بحث في جذور معاداة الثقافة الإسلامية في الغرب، 18 يوليو 2024، https://2u.pw/s0Zc6uwF
  2. عماد الدين عشماوي، عرض كتاب (أسباب الفشل في تحقيق استقلال القضاء في الأمة المسلمة وعلاقته بتراجعها الحضاري "القضاء المصري نموذجًا")، 12 أغسطس 2024، https://2u.pw/rvzEmvrP
  3. أحمد حسين عثمان، عرض كتاب "أصول الدراسات المقارنة وتطورها بين الفقه والقانون"، 24 أغسطس 2024، https://2u.pw/I09vC7B6
  4. محمد سيد بركة، "امرأتنا في الشريعة والمجتمع"، 7 سبتمبر 2024، https://2u.pw/WBDBkJIH
  5. محمد سيد بركة، النص المجهول للطهطاوي! نهاية الإيجاز [أول كتاب وضع في السيرة النبوية في العصر الحديث]، 15 سبتمبر 2024، https://2u.pw/1NlUmqP3
  6. عبده إبراهيم، ثقافة المقاومة: المقاومــة في الخطاب الفقهي السياسي لسماحة آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين، 15 أكتوبر 2024، https://2u.pw/7gRZIke1
  7. محمد سليم العوا، عن فقه الجهاد، 23 ديسمبر 2024، https://2u.pw/ZotdbwyX

 

رابعًا – مصطلحات ومفاهيم

  1. مفهوم الضرورة العسكرية في القانون الدولي، 21 فبراير 2024، https://2u.pw/yUWuw9t
  2. جريمة التجويع، 20 أبريل 2024، https://2u.pw/xUxuDhRS
  3. حق الدفاع عن النفس.. مفهومه وشروطه في القانون الدولي، 7 يوليو 2024، https://2u.pw/GjNroGX0
  4. الدروع البشرية، 17 يوليو 2024، https://2u.pw/3sAGvqoJ
  5. مفهوم السياسية الشرعية، 6 أغسطس 2024، https://2u.pw/zWUbzHJP
  6. مفهوم الدولة الدينية، 30 أغسطس 2024، https://2u.pw/sHmsUjAY
  7. الاستدمار الاستيطاني، 21 سبتمبر 2024، https://2u.pw/KRGy8Z9q
  8. مفهوم الأعراف الدولية، 3 ديسمبر 2024، https://2u.pw/bvvcbPDT
  9. مفهوم القانون الجنائي الدولي، 20 ديسمبر 2024، https://2u.pw/3RIYyPl1

 

خامسًا – أخبار وتقارير

  1. 7 أسئلة لفهم القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام العدل الدولية، 11 يناير 2024، https://2u.pw/4uqb6qg
  2. خبير قانوني: مشاركة مصر في المرافعات أمام محكمة العدل الدولية ليس له علاقة بدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، 21 فبراير 2024، https://2u.pw/lFRFTdS
  3. تجويع المدنيين خلال الحروب الأهلية يصبح جريمة ضد الإنسانية، 21 مارس 2024، https://2u.pw/UK2sVpXs
  4. الكيان الصهيوني يستخدم التجويع كسلاح حرب في غزة، 21 مارس 2024، https://2u.pw/OsCgMFKo
  5. إجراءات جديدة لتقديم رسائل الماجستير والدكتوراة في الجامعات المصرية، 6 مايو 2024، https://2u.pw/RSdATmUu
  6. محكمة العدل الدولية تصدر أمرًا بالوقف الفوري للهجوم العسكري الإسرائيلي على رفح، 25 مايو 2024، https://2u.pw/GsYYXffl
  7. بيان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان: طلبات لإصدار أوامر قبض في الحالة في دولة فلسطين، 25 مايو 2024، https://2u.pw/bhl6uRse
  8. دكتوراه بـ بنات الأزهر توصي بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في المعاملات المصرفية، 25 يوليو 2024، https://2u.pw/eVWePVwX
  9. رسالة دكتوراه بالدراسات الإسلامية حول "التكييف الفقهي للعقوبات الاقتصادية الدولية"، 1 أغسطس 2024، https://2u.pw/0P3Z9qH2
  10. الحكم بعدم دستورية قوانين إسلامية بإحدى الولايات الماليزية، 1 أغسطس 2024، https://2u.pw/uz3GINbL
  11. قرارات الزكاة الدولية 1445هـ: تزاوج بين الفقه الإسلامي والمحاسبة الحديثة لتنظيم فريضة الزكاة عالميًا، 11 سبتمبر 2024، https://2u.pw/HJr7zi2v
  12. مجلة "المسلم المعاصر" تنشر مستخلصات أبحاث السنة العشرون، 22 أكتوبر 2024، https://2u.pw/kwNrCFN4
  13. "التراث القضائي العربي: دراسة ببليوجرافية وصفية" إصدار جديد للباحث د. أحمد لطفي السيد، 11 نوفمبر 2024، https://2u.pw/f6FCWdHm
  14. الوضع في فلسطين: الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية ترفض الطعون المقدمة من دولة إسرائيل بشأن الاختصاص وتصدر أوامر اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويواف جالانت، 22 نوفمبر 2024، https://2u.pw/lvMiLu7Z
  15. صدور كتاب "مناهج تطوير قوانين الأحوال الشخصية: دراسة نقدية تطبيقية في المشاريع العربية" للدكتور أحمد حسين عثمان، 11 ديسمبر 2024، https://2u.pw/uc265der
  16. مشروع المعجم التاريخي للمصطلحات القانونية - خطوة نحو توثيق التراث القانوني العربي، 15 ديسمبر 2024م، https://linksshortcut.com/BqSzE

 

سادسًا – شخصيات وأعلام

  1. وائل أنور بندق، عبد المنعم البدراوي ... سيرة ومسيرة (1918-2006)، 12 فبراير 2024، https://2u.pw/0tMrPk9
  2. د. معروف الدواليبي، 21 فبراير 2024، https://2u.pw/ZsIdO0T
  3. طارق البشري، التكوين "المستشار طارق البشري" رحمه الله، 26 فبراير 2024، https://2u.pw/MjnsR9h
  4. على زكي العرابي باشا (1882 ـ 1956)، 3 أبريل 2024، https://2u.pw/cdREcL4V
  5. شاعر الإسلام محمد إقبال (صاحب كتاب "تجديد الفكر الديني في الإسلام")، 22 أبريل 2024، https://2u.pw/swH5x2Fx
  6. الشيخ محمود شلتوت... إمام التقريب وأول من لُقب بالإمام الأكبر (1893-1963)، 4 يونيو 2024، https://2u.pw/eQGTRoa9
  7. د. محمد نور فرحات، 25 يونيو 2024، https://2u.pw/dpursTFz
  8. د. محمد سليم العوا، 17 يوليو 2024، https://2u.pw/FgIaLnF5
  9. جاد الحق علي جاد الحق ... القاضي والفقيه والمفتي!، 23 يوليو 2024، https://2u.pw/83lX8f8H
  10. الفقيه العلامة وهبة الزحيلي، 26 يوليو 2024، https://2u.pw/2fLzTcfa
  11. د. محمد عابد الجابري، 26 أغسطس 2024، https://2u.pw/5P1LAk6I
  12. الشيخ علي الخفيف... الفقيه المجدد، 7 سبتمبر 2024، https://2u.pw/1ETU1sco
  13. د. عبد المجيد النجار، 23 سبتمبر 2024، https://2u.pw/Mgjvovjz

 

سابعًا – أحكام قضائية

  1. الحكم بعدم دستورية النص في القانون المدني المصري على منع الوالد من الرجوع في الهبة لأبنائه، 11 فبراير 2024، https://2u.pw/5P9TDEv

 

ثامنًا – سمعيات ومرئيات

  1. الرؤية الحضارية والعلوم الشرعية، 3 يناير 2024، https://2u.pw/HCo4D4OA
  2. قضايا عملية متعلقة بتطبيق الشريعة الإسلامية، 12 يناير 2024، https://2u.pw/Dg64ZLUZ
  3. "طوفان الأقصى وموقف محكمة العدل الدولية" ندوة للدكتور محمد سليم العوا، 22 فبراير 2024، https://2u.pw/GO4i99Po
  4. ندوة تطور العلوم الفقهية، 26 فبراير 2024، https://2u.pw/7W38jgTI
  5. الفقيه الدستوري الدكتور سليمان الطماوي يدلي بشهادته على العصر، 8 مارس 2024، https://2u.pw/jzcrPU9G
  6. حول الإسلام، 10 مارس 2024، https://2u.pw/jvv8EWWI
  7. الشيخ محمد الغزالي والرئيس جمال عبد الناصر: حوار حول المرأة ودورها في المجتمع، 10 ديسمبر 2024، https://2u.pw/d7iQuTIo

 

تاسعًا – حوارات وتفاعلات

  1. عبد الحكيم أحمين، "المفكر وائل حلاق: "طوفان الأقصى دليل على نفاق وعنصرية الحداثة الغربية، 18 يناير 2024، https://2u.pw/ZkqyvtM
  2. محمود الزهراني، حوار مع المستشار طارق البشري حول واقع المؤسسات الدستورية وحال القانون في مصر عام 2006، 28 فبراير 2024، https://2u.pw/dhcpRsU
  3. مركز خُطوة يعقد حلقة نقاشية بعنوان "الفقه والتنظير ضمن ثنائية الواحدية والتنوع"، 7 ديسمبر 2024، https://2u.pw/qfd4Ub2p

 

عاشرًا – وثائق وقوانين

  1. اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، 13 يناير 2024، https://2u.pw/I7AGmCX
  2. ميثاق الأمم المتحدة، 14 يناير 2024، https://2u.pw/6RsCoL9
  3. النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، 15 يناير 2024، https://2u.pw/QaUyZTr

أولًا: القانون الجنائي الدولي في التشريع الوضعي

القانون الجنائي الدولي هو مجموعة من القوانين التي تنظم محاكمة الأفراد المسؤولين عن ارتكاب الجرائم الدولية التي تؤثر على المجتمع الدولي ككل، ويهدف إلى ضمان تحقيق العدالة ومعاقبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم خطيرة، مثل جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية.

نشأ القانون الجنائي الدولي بشكل فعلي بعد الحرب العالمية الثانية، بعد تزايد التهديدات للسلم والأمن العالميين، حيث برز كأداة مهمة لحماية حقوق الإنسان ولمنع الإفلات من العقاب. ومنذ إنشاء محاكم جنائية دولية خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب، وتحديدًا محكمة نورمبرغ، استمر هذا المجال القانوني في التطور ليشمل محاكم جنائية دولية دائمة، مثل المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، والتي تأسست بهدف ضمان محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية حتى في غياب أنظمة قضائية وطنية فعّالة.

 

تطور القانون الجنائي الدولي

تعود أصول القانون الجنائي الدولي إلى الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية عندما قرر الحلفاء المنتصرون محاكمة قادة النظام النازي على الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب. تأسست محكمة نورمبرغ في عام 1945 وكانت أول محكمة جنائية دولية من نوعها، حيث حوكم فيها المسؤولون النازيون بتهم تتعلق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وجرائم ضد السلم، وكانت هذه المحاكمة الأولى التي اعترفت بمسؤولية الأفراد الجنائية في السياق الدولي.

تعتبر محاكمات نورمبرغ بمثابة حجر الزاوية في تطوير القانون الجنائي الدولي لعدة أسباب:

  1. إقرار مبدأ المحاسبة الشخصية: حيث تم التأكيد على أن الأفراد يمكن محاكمتهم على الجرائم الدولية، بغض النظر عن مناصبهم السياسية أو العسكرية.
  2. تعزيز مفهوم الجرائم الدولية: حددت المحاكم الجرائم التي يمكن اعتبارها جرائم دولية مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، مما ساهم في وضع الأسس للقانون الدولي الحديث.

 

محاكم ما بعد نورمبرغ

بعد محاكمات نورمبرغ، شهد المجتمع الدولي إنشاء محاكم أخرى للتعامل مع الجرائم الدولية التي ارتكبت في نزاعات معينة أو تمثل جرائم جنائية دولية بصفة عامة، حيث تمثل هذه المحاكم استجابة دولية فعّالة للتعامل مع الجرائم الدولية في غياب أنظمة قضائية وطنية قادرة على تقديم العدالة.

ومن بين هذه المحاكم:

  1. المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة: أُنشئت عام 1993 لمحاكمة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت خلال تفكك يوغوسلافيا، وكانت هذه المحكمة خطوة مهمة في محاكمة الأفراد المسؤولين عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سياق نزاع داخلي.
  2. المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا: أنشئت عام 1994 لمعالجة قضية الإبادة الجماعية التي ارتكبت في رواندا، وكانت هذه المحكمة تهدف إلى محاكمة المسؤولين عن قتل مئات الآلاف من المدنيين خلال فترة قصيرة، مما جعلها من أبرز المحاكم الجنائية الخاصة.
  3. المحكمة الجنائية الدولية (ICC):

تأسست المحكمة الجنائية الدولية (ICC) بموجب معاهدة روما عام 1998، وبدأت أعمالها في عام 2002، وهي أول محكمة دولية دائمة تختص بمحاكمة الأفراد على الجرائم الدولية الكبرى، وتتمتع المحكمة بصلاحية محاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، وجريمة العدوان.

وقد تعاملت المحكمة الجنائية الدولية مع عدة قضايا مهمة منذ إنشائها، بما في ذلك قضايا في الكونغو الديمقراطية وأوغندا والسودان (قضية دارفور)، وكانت المحكمة مفيدة في تقديم بعض القادة العسكريين والسياسيين إلى العدالة الدولية، على الرغم من التحديات التي تواجهها في بعض الحالات.

وتعرضت المحكمة الجنائية الدولية لانتقادات من قبل بعض الدول والمنظمات التي ترى أنها تتعامل بشكل غير متوازن مع الدول الإفريقية، وتتهمها بالانحياز، كما أن بعض الدول، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، لم تصادق على معاهدة روما ولا تعترف باختصاص المحكمة.

 

المصادر القانونية للقانون الجنائي الدولي

يستند القانون الجنائي الدولي إلى مجموعة متنوعة من المصادر التي تضمن شرعيته وتطبيقه في المواقف المختلفة، وتشمل هذه المصادر:

  1. المعاهدات والاتفاقيات الدولية

تعد المعاهدات الدولية من أبرز المصادر التي يعتمد عليها القانون الجنائي الدولي. ومن بين أبرز هذه المعاهدات:

اتفاقيات جنيف (1949): تشكل هذه الاتفاقيات الأساس القانوني للقانون الدولي الإنساني، وتحدد القواعد التي يجب اتباعها في النزاعات المسلحة لحماية المدنيين والأسرى والجرحى.

معاهدة روما (1998): وهي المعاهدة التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، وتعد معاهدة روما الإطار القانوني الذي يستند إليه القانون الجنائي الدولي الحديث في محاكمة الجرائم الدولية.

  1. القانون الدولي العرفي

هو مجموعة من القواعد التي تتكون من ممارسات الدول التي تُعتبر ملزمة قانونًا حتى وإن لم تكن مكتوبة في معاهدات أو اتفاقيات، وينشأ هذا القانون من العادات والممارسات التي يتفق عليها المجتمع الدولي وتعد جزءًا من النظام القانوني الدولي.

  1. المبادئ العامة للقانون

تستند بعض أحكام القانون الجنائي الدولي إلى المبادئ العامة للقانون التي تعتبر جزءًا من القانون الدولي. هذه المبادئ تستمد من الأنظمة القانونية المختلفة للدول، وتُستخدم في الحالات التي لا توجد فيها معاهدات أو قوانين مكتوبة تغطي موضوعًا معينًا.

 

الجرائم المعترف بها في القانون الجنائي الدولي

يشمل القانون الجنائي الدولي الجرائم التي تعد من أخطر الجرائم التي يمكن أن يرتكبها الأفراد، وتشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين، ومن بين هذه الجرائم:

  1. جرائم الحرب

تتمثل جرائم الحرب في انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب، مثل الهجمات المتعمدة على المدنيين أو استخدام أسلحة محظورة، وعُرفت هذه الجرائم في اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية لها، وهي تشمل الجرائم المرتكبة ضد المدنيين أو المقاتلين الذين لم يعودوا يشكلون تهديدًا.

  1. الجرائم ضد الإنسانية

تشمل الجرائم ضد الإنسانية الأعمال التي ترتكب كجزء من هجوم واسع أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، وتشمل هذه الجرائم القتل والتعذيب والاضطهاد والترحيل القسري.

  1. الإبادة الجماعية

تم تعريف الإبادة الجماعية بأنها أي عمل يرتكب بهدف تدمير جماعة قومية أو إثنية أو دينية بشكل كلي أو جزئي، وتشمل الإبادة الجماعية القتل أو التسبب في أذى جسدي أو عقلي لأفراد الجماعة.

  1. جريمة العدوان

جريمة العدوان هي آخر جريمة أُدرجت ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وتتمثل في استخدام القوة العسكرية من قبل دولة ضد سيادة دولة أخرى، وحُددت هذه الجريمة في معاهدة روما، ودخلت حيز التنفيذ في عام 2018.

 

التحديات التي تواجه القانون الجنائي الدولي

  1. السيادة الوطنية:

من بين التحديات الرئيسية التي تواجه القانون الجنائي الدولي هو التوتر بين مبدأ السيادة الوطنية وضرورة محاسبة مرتكبي الجرائم الدولية، حيث تتردد بعض الدول في التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية خوفًا من التدخل في شؤونها الداخلية.

  1. التأثيرات السياسية:

غالبًا ما تكون القرارات المتعلقة بمحاكمة الأفراد في المحاكم الدولية محاطة بتأثيرات سياسية، مما قد يعوق العدالة، العلاقات الدولية والنزاعات السياسية بين الدول قد تعرقل التعاون الدولي في مجال محاكمة الجرائم الدولية.

  1. عدم التزام بعض الدول:

عدد من الدول الكبرى لم تنضم إلى المحكمة الجنائية الدولية، مما يقلل من فعالية المحكمة في محاكمة الجرائم الدولية، بدون تعاون الدول الكبرى، يظل القانون الجنائي الدولي محدودًا في نطاق تطبيقه.

 

مستقبل القانون الجنائي الدولي

من المتوقع أن يستمر القانون الجنائي الدولي في مواجهة تحديات كبيرة، خاصة مع تزايد النزاعات العالمية وتأثير المصالح السياسية، ومع ذلك، فإن تعميق التعاون الدولي وتوسيع نطاق المحاكم الدولية قد يسهم في تعزيز فعالية القانون الجنائي الدولي، ومن المتوقع أيضًا أن تتطور أسس قانونية جديدة للتعامل مع الجرائم الدولية الناشئة، مثل الجرائم الإلكترونية ذات الطابع العابر للحدود التي تشكل تهديدًا للأمن الدولي.

 

ثانيًا: القانون الجنائي الدولي في التشريع الإسلامي

الشريعة الإسلامية تعتبر نظامًا قانونيًا شاملًا يعتمد على مقاصد رئيسية تهدف إلى حماية الإنسان ومصالحه الأساسية، وهذه المقاصد الخمس، وهي: حفظ النفس، الدين، العقل، المال، والنسل، تمثل الركائز الأساسية التي تقوم عليها القوانين الجنائية في الإسلام، القوانين الجنائية الإسلامية تسعى إلى حماية هذه المقاصد من خلال فرض عقوبات رادعة تهدف إلى منع الجرائم الكبرى التي تهدد استقرار المجتمع.

 

الأسس العامة للقانون الجنائي في الإسلام

ركزت الشريعة الإسلامية منذ نشأتها على حماية النفس الإنسانية وحقوق الأفراد والجماعات من أي اعتداء، ويعتمد التشريع الإسلامي على تحقيق التوازن بين الحقوق الفردية والجماعية، وبين القصاص والرحمة، وبين الردع والإصلاح، لذا، فإن الجوانب الجنائية في الشريعة لا تنظر فقط إلى العقوبة بوصفها وسيلة للتأديب، بل كأداة لإعادة الحقوق وحماية المجتمع.

وحفظ النفس يمثل الركيزة الأساسية التي تسعى الشريعة إلى حمايتها من خلال تشديد العقوبات على الجرائم المتعلقة بالاعتداء على الحياة، مثل القتل، الشريعة تأمر بفرض القصاص في حالات القتل العمد، وذلك لضمان تحقيق العدالة وردع الجريمة، حفظ المال أيضًا يمثل ركيزة مهمة، حيث تتجلى العقوبات الصارمة في حالات السرقة والنهب، التي تهدد أمن الممتلكات وحقوق الأفراد.

أما العقوبات في الإسلام تُقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية: الحدود وهي الجرائم التي حدد القرآن والسنة عقوباتها، مثل السرقة والحرابة والزنا؛ القصاص وهو العقاب الذي يتعلق بالجرائم التي تُرتكب بحق الأفراد مثل القتل والاعتداء الجسدي؛ والتعزير وهو العقاب الذي يترك للقاضي تحديده بناءً على اجتهاده.

 

أهمية المسؤولية الفردية والجماعية

من المبادئ الجوهرية في التشريع الجنائي الإسلامي هو مبدأ المسؤولية الفردية، فلا يمكن تحميل الفرد مسؤولية جريمة غيره، وهذا ما يتضح في قوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" (الأنعام: 164)، لكن الإسلام يتعامل أيضًا مع الجريمة باعتبارها أمرًا قد يؤثر على الجماعة، فإذا لم تُواجه وتُعاقب بالعدل، فإنها قد تُهدد المجتمع ككل، هذه الثنائية بين الفرد والجماعة تشكل جوهرًا مشتركًا بين الشريعة الإسلامية والقانون الجنائي الدولي.

وفي هذا السياق، يمكن القول إن الإسلام يرى في الجرائم التي تهدد السلم العام أو تضر بالجماعة جرائم كبيرة تحتاج إلى عقوبات صارمة مثل جريمة الحرابة، التي تشمل الاعتداء على الأموال والأنفس وإحداث الفوضى والرعب في المجتمع، هذا التصنيف يمكن اعتباره معادلًا لما يعرف اليوم بـ الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب، وهي الجرائم التي يعالجها القانون الجنائي الدولي.

 

المسؤولية الجنائية للدولة ومسؤولياتها عن العمل غير المشروع في ظل الشريعة الإسلامية:

يعترف الفقه الإسلامي بفكرة المسؤولة التقصيرية، أي المسؤولية عن العمل غير المشروع، وتعويض الأضرار النشئة عن خطأ المسؤول سواء كان المسؤول شخصاً طبيعي أو اعتباري فيقول ﷺ «لا ضرر ولا ضرار» في الإسلام، ومن ثـمّ تكون الدول مسؤولة عن الأضرار التي تسبّبها للغير. ومن نـاحية أخرى، فقد عـرّف الفقه الإسـلامي فكرة المسؤولية الموضوعية، أي المسؤولية بدون خطأ -والمعروفة في القانون الدولـي- وأسّسها الإسلام على فكرة الضمان، وأن الضرر يُزال ومفاد ذلك، أن تتحمّل الدولة إزالة الضرر الذي سببّه فعلها للغير، حتى ولو لم يصدر منها ثمة خطأ. وبذلك فإن النظرية الإسلامية تستوعب المسؤولية القائـمة على الخطأ، وكذلك فكرة المسؤولية الموضوعية المعروفة في الفقه الدولـي، والتي لا تشترط وجود الخطأ، لاستحقاق التعويض ما دام فعل الدولة -ولو تجرّد عن الخطأ- قد سبّب أضراراً للغير.

وجوهر المسؤولية الدولية الجنائية يمكن في انتهاك الدولة بفعلها للمصالح العليا الأساسية للجماعة الدولية التي يجب حمايتها وصيانتها، فإذا وقـع عـدوان من الفـرد، كان مسؤولًا عنه مسؤولية جنائية، ويتحمّل العقاب في صورة حد، أو قصاص أو تعزير. أما إذا وقع هذا العدوان على أي من المصالح سالفة الذكر، وكان المعتدي هو الدولة والمجني عليه هو جماعة أو دولة أخرى فإن الإسلام يقرِّر المسؤولية الجنـائية على الدولة المعتــدية، لا سيما إذا كان هذا العدوان يشكّل جـريمة ضد الإنسانية، مثل الإبادة أو الطرد من الديار أو التعـذيب أو الاستـرقاق واغتصاب النساء، وسواء ارتكبت الدولة تلك الجـرائم ضد رعاياها أو رعايا دولة أخرى.

 

الجرائم الدولية في الفقه الإسلامي

يمكن تصنيف العديد من الجرائم التي يعالجها القانون الجنائي الدولي تحت مظلة الفقه الجنائي الإسلامي. فمثلاً، جرائم الإبادة الجماعية التي تُعد من أخطر الجرائم في القانون الدولي، تجد لها نظيرًا في الشريعة، حيث يحرم الإسلام القتل الجماعي أو الاعتداء على الأرواح بأي شكل من الأشكال، وقد أكد القرآن الكريم مرارًا على حرمة النفس البشرية، كما جاء في قوله تعالى: "من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا" (المائدة: 32). هذه الآية تؤكد على عالمية حرمة النفس الإنسانية، بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنسية. وفيما يتعلق بجرائم التعذيب والمعاملة القاسية، نجد أن الإسلام يرفض تمامًا أي نوع من أنواع التعذيب أو الإهانة، فقد ورد في الحديث الشريف: "لا ضرر ولا ضرار"، وهو مبدأ أساسي في الفقه الإسلامي يمنع أي نوع من الاعتداء الجسدي أو النفسي على الإنسان. هذه المبادئ الفقهية يمكن اعتبارها متوافقة مع القوانين الدولية التي تعاقب على التعذيب وغيره من الجرائم ضد الإنسانية.

 

التعاون الدولي في مواجهة الجرائم

من السمات البارزة في الفقه الإسلامي هو تشجيعه على التعاون الدولي لمواجهة الجرائم وحفظ الأمن. فقد أقرت الشريعة الإسلامية، منذ العصور المبكرة، مبدأ التعاون على البر والتقوى (المائدة: 2)، وهو مبدأ يحث على التعاون بين الأمم في تحقيق الخير ومنع الشر. ومن الأمثلة على ذلك، المعاهدات التي أبرمها النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع القبائل المجاورة، مثل صلح الحديبية، والتي تضمنت مبادئ حقوقية تُشابه في مضمونها المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي الحديث.

إن مبدأ التعاون بين الدول لمحاسبة الجناة وملاحقتهم ليس غريبًا على الشريعة الإسلامية. فقد أكدت النصوص الشرعية على ضرورة حماية المجتمع من الأعداء والمجرمين، سواء كانوا داخل الحدود الإسلامية أو خارجها. الإسلام لا يعرف الحدود السياسية الحديثة التي تفصل بين الأمم، بل يتعامل مع العالم كوحدة متكاملة تقوم على أساس التكافل العالمي، وهذه الرؤية تنسجم إلى حد كبير مع مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يعد من الركائز الأساسية في القانون الجنائي الدولي.

 

المرونة والتطور في التشريع الجنائي الإسلامي

من أبرز خصائص الشريعة الإسلامية هو مرونتها وقدرتها على التكيف مع الظروف المتغيرة عبر الزمن. فرغم أن النصوص القرآنية والسنة الشريفة قد وضعت الإطار العام للقانون الجنائي، إلا أن الفقهاء قد اجتهدوا على مر العصور في تطوير هذا القانون بما يتناسب مع التغيرات الاجتماعية والسياسية. هذا الاجتهاد الفقهي ساهم في تكوين منظومة قانونية مرنة، تستجيب لمختلف الجرائم والاعتداءات التي قد تنشأ في المجتمعات.

ومع ظهور الجرائم الدولية الحديثة، مثل الإرهاب، الاتجار بالبشر، وجرائم الحرب، نجد أن الشريعة الإسلامية قادرة على تقديم حلول فعالة لمعالجة هذه الجرائم التي يسعى القانون الجنائي الدولي لتحقيقها في سياق أوسع يتجاوز الحدود القومية.

 

النظام القانوني الإسلامي والعالمية

قد ينظر البعض إلى التشريع الإسلامي على أنه نظام قانوني محلي أو متعلق بالمجتمعات الإسلامية فقط، إلا أن الشريعة في جوهرها ذات طابع عالمي، فهي تستند إلى مبادئ أخلاقية وقانونية تتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية، وتدعو إلى تحقيق العدل بين الناس جميعًا، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية، وقد ورد في الحديث النبوي الشريف: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، مما يدل على عالمية القيم الإسلامية.

هذه الرؤية العالمية تتقاطع مع القانون الجنائي الدولي الذي ينظم العلاقات بين الدول ويحاسب المجرمين الذين ينتهكون حقوق الإنسان ويهددون السلم العالمي، الشريعة الإسلامية تدعو إلى إقامة العدل وتطبيقه دون تمييز، وهو ما ينعكس في آيات قرآنية عديدة تأمر بتحقيق العدالة حتى مع الأعداء: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى" (المائدة: 8).

في هذا السياق، يمكن القول إن الشريعة الإسلامية تضع الأساس لمنظومة قانونية عالمية تعزز التعاون بين الأمم لمواجهة الجرائم الكبرى، وهي نفس الرؤية التي تبناها القانون الجنائي الدولي في سياق محاسبة مرتكبي الجرائم الدولية وحماية حقوق الإنسان.

 

التكامل بين الشريعة الإسلامية والقانون الجنائي الدولي

على الرغم من وجود فروق فلسفية وإجرائية بين الشريعة الإسلامية والقانون الجنائي الدولي والشريعة الإسلامية تُعتبر نظامًا مستقلًا ومنبثقًا من تعاليم الإسلام، إلا أن هناك العديد من المبادئ المشتركة التي تتلاقى فيها الشريعة مع القانون الجنائي الدولي، أبرز هذه المبادئ هو مبدأ حماية حقوق الإنسان، الذي يُعد من الأسس المشتركة بين النظامين، فالعقوبات التي تفرضها الشريعة الإسلامية على الجرائم الكبرى تتفق في فلسفتها مع العقوبات الدولية.

وبالنظر إلى الأهداف المشتركة بين الشريعة الإسلامية والقانون الجنائي الدولي، يمكن القول إن هناك إمكانيات للتكامل بين النظامين، فرغم الاختلافات في التفاصيل والإجراءات، إلا أن كلا النظامين يسعى إلى تحقيق العدالة، حماية الحقوق، ومنع الجرائم التي تهدد سلامة الأفراد والمجتمعات. التكامل هنا يمكن أن يظهر من خلال التعاون الدولي بين الدول الإسلامية وغيرها من الدول لتطبيق العدالة الجنائية، سواء في الجرائم الجنائية العادية أو الجرائم الدولية الكبرى. فالدول الإسلامية يمكنها أن تعتمد على مبادئ الشريعة في إطار التعاون مع المؤسسات الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية لتحقيق العدالة في حالات الجرائم الدولية، كما يمكن أن تلعب المؤسسات الإسلامية الفقهية دورًا هامًا في تقديم رؤى واجتهادات جديدة بما يضمن احترام مبادئ الشريعة مع الانفتاح على التجارب القانونية الدولية.

____________________

المصادر:

  1. الأمم المتحدة، المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، https://www.un.org/ar/preventgenocide/rwanda
  2. اللجنة الدولية للصليب الأحمر، اتفاقيات جنيف، https://www.icrc.org/ar
  3. المحكمة الجنائية الدولية، نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، https://www.icc-cpi.int
  4. أشرف توفيق، مبادئ القانون الجنائي الدولي، المجلة العربية للدراسات الأمنية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، https://bit.ly/3YQNjLB
  5. محمد صالح روان، مفهوم الجرائم الدولية في القانون الجنائي الدولي، مجلة الصراط، العدد 1، المجلد 6، 15 يناير 2004، https://bit.ly/48B6Dkb
  6. عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارنًا بالقانون الوضعي، دار الكتاب العربي، بيروت، https://bit.ly/4fuOuqs
  7. عبد الرحمن اللويحق، الجريمة والعقاب في الإسلام، https://bit.ly/3Ajy1Xn  
  8. عوض محمد عوض، مقاصد الشريعة الإسلاميّة والمحكمة الجنائية الدولية، مؤسسة الفرقان، ضمن أبحاث كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية والاتفاقيات الدولية، https://bit.ly/4eao3W6
  9. الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني: المبادئ المشتركة بين النظامين القانونيين، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 25 نوفمبر 2020، https://bit.ly/3YK1RO6
  10. مؤيد السعود، المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي، مجلة الميزان للدراسات الإسلامية والقانونية، العدد 1، المجلد 11، 2024، https://bit.ly/3NR7Dr4

أحمد عبد الله ويدان، موانع المسؤولية في القانون الجنائي الدولي والشريعة الإسلامية، مجلة البيان العلمية، العدد 12، مايو 2022، https://bit.ly/4fqoAnS

  1. محمد شكري الدقاق، موقف المنظمات الدولية من جرائم الدول ضد الإنسانية مع رؤية من منظور إسلامي، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، ضمن أعمال ندوة: حقوق الإنسان في الإسلام، https://bit.ly/3YL1TFr
  2. سياب حكيم، الـمسؤولية عن جريمة العدوان بين أحكام الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الجنائي، مجلة الباحث للدراسات الأكاديمية، العدد 3، المجلد 8، 30 يونيو 2021، ص: 933-955، https://bit.ly/4fuq00I

أعلن الدكتور أحمد عبد الظاهر[1] -في الخامس من ديسمبر 2024- عن مبادرته بتقديم مقترح لمشروع أسماه "المعجم التاريخي للمصطلحات القانونية" لدراسة تاريخها وتطورها وانتقالاتها، والذي يستهدف –بحسب مقدمه- توثيق التطور التاريخي للمصطلحات القانونية في اللغة العربية، وجعلها في متناول الأجيال الحالية والمستقبلية، فهو ليس مجرد خطوة تقنية أو لغوية، بل من شأنه أن يصبح ركيزة أساسية للحفاظ على الموروث القانوني العربي وتطويره بما يتماشى مع مستجدات العصر.

وقد وجه د. عبد الظاهر مقترحه إلى مجمع اللغة العربية لدراسته، حيث تضمن هذا المقترح ما يأتي:

 

فكرة المشروع وأهدافه

يهدف المشروع إلى جمع وتوثيق ذاكرة المصطلحات القانونية في اللغة العربية عبر العصور، ويقوم المشروع على تتبع تطور هذه المصطلحات من حيث تاريخ نشأتها وتغيراتها عبر الزمن، ويشمل هذا التتبع رصد التحولات النحوية والدلالية التي طرأت على المصطلح، بدءًا من استعماله الأول في النصوص القانونية والفقهية وصولًا إلى الاستخدام الحديث.

يتجاوز المشروع مجرد توثيق المصطلحات القانونية الحالية، فيسعى إلى تقديم سجل تاريخي يشمل كافة التطورات التي مرت بها المصطلحات، على سبيل المثال، بعض المصطلحات القانونية قد تبدأ بدلالة لغوية محددة ثم تتحول مع الزمن إلى دلالات قانونية أوسع أو أكثر تخصصًا، ومن هنا تأتي أهمية المشروع في تقديم فهم شامل لتاريخ المصطلح، مما يساعد في فهم النصوص القانونية القديمة وفهم نية المشرع عند وضع النصوص القانونية.

أحد الأهداف الأساسية للمشروع هو تعزيز الفقه القانوني العربي، فتوثيق المصطلحات القانونية بشكل دقيق وتاريخي يساعد الباحثين والأكاديميين والقانونيين في الوصول إلى فهم أعمق للنصوص القانونية وتطوراتها، كما يهدف المشروع إلى توفير أداة مرجعية شاملة لكل من يهمه أمر القانون العربي ولغة الضاد.

 

أهمية المشروع

يُعتبر مشروع المعجم التاريخي للمصطلحات القانونية ذا أهمية كبيرة على عدة مستويات:

  1. توثيق التاريخ القانوني: يساعد المشروع في الحفاظ على التراث القانوني العربي من خلال تتبع التطورات التي مرت بها المصطلحات القانونية على مر العصور.
  2. دعم اللغة العربية: من خلال هذا المشروع، يتم تعزيز مكانة اللغة العربية كلغة قانونية يمكن أن تواكب التطورات القانونية العالمية.
  3. مساعدة الباحثين والقانونيين: يعد المعجم التاريخي للمصطلحات القانونية أداة بحثية هامة للباحثين والأكاديميين والقانونيين الذين يسعون لفهم التطورات التاريخية التي مرت بها المصطلحات القانونية.
  4. التعاون بين اللغويين والقانونيين: سيساعد على حدوث نوع من التعاون بين المختصين في اللغة العربية وأساتذة القانون، مما يساهم في تقديم مصطلحات قانونية دقيقة وموثوقة، وتطوير الفهم المشترك بين الجانبين فيما يخص دلالة المصطلحات القانونية واستخداماتها المختلفة.

 

السياق التاريخي للمعجم القانوني

تعود فكرة المعاجم القانونية إلى منتصف القرن العشرين، عندما بدأ مجمع اللغة العربية في التفكير في إعداد معجم قانوني للمصطلحات العربية، وكانت هذه الفكرة تعكس الحاجة إلى تنظيم وتوثيق المصطلحات القانونية بما يتماشى مع المستجدات القانونية والاجتماعية في ذلك الوقت.

في الأربعينيات من القرن العشرين، عهد مجلس المجمع إلى لجنة القانون بإعداد هذا المعجم، وضمت اللجنة في عضويتها عددًا من كبار رجال القانون، مثل الدكتور عبد الحميد بدوي، والدكتور عبد الرزاق السنهوري، اللذين لعبا دورًا كبيرًا في إرساء أسس المشروع، وبدأت اللجنة في إعداد مصطلحات قانونية للفروع المختلفة مثل القانون المدني، والقانون التجاري، وقانون المرافعات، والقانون الإداري، والتأمين.

استمرت الجهود في هذا المجال، واستعانت اللجنة بعدد من أساتذة كليات الحقوق لإعداد مصطلحات الفروع القانونية المختلفة، وقد أثمر هذا التعاون عن إعداد معجم يحتوي على نحو ثمانية آلاف مصطلح قانوني، تمثل مختلف فروع القانون، ورغم هذه الجهود الكبيرة، إلا أن المشروع لم يشمل البعد التاريخي للمصطلحات، أي أنه لم يتطرق لتتبع التطور التاريخي لهذه المصطلحات.

 

التحديات التي تواجه المشروع

رغم أهمية المعجم التاريخي للمصطلحات القانونية، إلا أن هناك عدة تحديات قد تعيق تنفيذه بشكل كامل، من أبرز هذه التحديات:

  1. الحاجة إلى فريق متخصص: يتطلب تنفيذ المشروع فريقًا متعدد التخصصات يضم خبراء في القانون واللغة العربية والتاريخ.
  2. جمع النصوص القديمة: يحتاج المشروع إلى جهود كبيرة في جمع النصوص القانونية والفقهية القديمة التي تحتوي على المصطلحات القانونية، ويتطلب ذلك الوصول إلى مكتبات تاريخية ومصادر قد تكون غير متاحة بسهولة.
  3. التحديات التقنية: قد يتطلب المشروع استخدام تقنيات متقدمة لتحليل النصوص وتتبع تطور المصطلحات، استخدام هذه التقنيات قد يكون مكلفاً ويحتاج إلى موارد مالية وبشرية كبيرة.
  4. الدعم المؤسسي: يتطلب المشروع دعماً كبيراً من المؤسسات الأكاديمية والحكومية لضمان تنفيذه بشكل صحيح، من الضروري أن يتم توفير الموارد اللازمة للفريق العامل على المشروع.

 

تقسيمات المعجم المقترح (الأبواب والفصول):

يري القائمون على المشروع أنه من الملائم اتباع الآلية والمنهجية ذاتها المتبعة في معجم القانون الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة، والذي اشتمل على ثلاثة عشر بابًا، على النحو التالي:

الباب الأول: القانون الدستوري.

الباب الثاني: القانون المدني.

الباب الثالث: قانون المرافعات المدنية والتجارية.

الباب الرابع قانون العقوبات.

الباب الخامس: قانون الإجراءات الجنائية.

الباب السادس: التشريعات الاجتماعية.

الباب السابع: القانون التجاري.

الباب الثامن: القانون الإداري

الباب التاسع: القانون البحري.

الباب العاشر: القانون الجوي.

الباب الحادي عشر: التأمين.

الباب الثاني عشر: القانون الدولي العام.

الباب الثالث عشر: القانون الدولي الخاص.

وتجدر الإشارة من ناحية أخرى إلى أنه قد روعي الترتيب الهجائي العربي في كل فرع على أن تكون الواو المهموزة في أول الواوات والياء المهموزة في أول الياءات، وقفي كل فرع بفهرس ذي مدخل هجائي فرنسي.

 

لتحميل الملف التعريفي بالمشروع

 

المصدر:

أشرف الشيخ، نحو معجم تاريخي للمصطلحات القانونية، نقابة المحاميين المصرية، 5 ديسمبر 2024، https://bit.ly/3ZSe9o9

 

[1] أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة- المستشار القانوني بدائرة القضاء – أبو ظبي، وعضو مجلس إدارة (أكاديمية أبو ظبي القضائية)، وعضو المجلس الاستشاري في (أكاديمية شرطة دبي)- حاصل على دكتوراة في القانون الجنائي وحقوق الإنسان عام 2002 من جامعة باريس الثانية بانتيون أساس في الجمهورية الفرنسية. نال جائزة الدولة التشجيعية" عام 2012 في مصر.

صدر حديثًا كتاب "مناهج تطوير قوانين الأحوال الشخصية: دراسة نقدية تطبيقية في المشاريع العربية" للدكتور أحمد حسين عثمان، عن دار العادل القانونية بالقاهرة. والكتاب يعد دراسة مهمة في حقل التشريعات المتعلقة بالأحوال الشخصية في العالم العربي، حيث يتناول المؤلف بعمق الإشكاليات المتعلقة بتطوير هذه التشريعات في ضوء التغيرات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها المنطقة. ويطرح الكتاب مناهج جديدة للإصلاح والتطوير القانوني، مستندًا إلى تجارب سابقة وواقع القوانين الحالية.

وقد قدم للكتاب فضيلة الأستاذ الدكتور محمد قاسم المنسي (أستاذ الشريعة الاسلامية ووكيل كلية دار العلوم السابق بجامعة القاهرة)، وهو التقديم الذي اعتمدنا عليه في بيان أهمية الكتاب وما تضمنه من إضافات مهمة في موضوعه، وذلك على النحو الآتي:

 

أهمية الكتاب:

تنطلق أهمية هذا الكتاب من عدة محاور أساسية، منها أن قوانين الأحوال الشخصية في العالم العربي قد خضعت لتحولات كبيرة على مر الزمن. فمنذ الحقبة الاستعمارية وما تلاها من استقلال الدول العربية، ظهرت الحاجة إلى تطوير هذه القوانين بحيث تراعي المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، وتحقق التوازن بين القيم الدينية والمبادئ القانونية الحديثة.

وتبرز أهمية إعداد مشروعات شاملة لقوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية والإسلامية لعدة أسباب: أولها، تحقيق الوحدة التشريعية بين تلك الدول. وثانيها، مواكبة التطورات الاجتماعية التي لا تتوقف وتفرض نفسها على المجتمعات. وهذه المشاريع القانونية لا تستهدف فقط تلبية احتياجات اليوم، بل تهدف إلى مواجهة الصراعات بين القوى المحافظة التي تسعى إلى الحفاظ على القيم والتقاليد، وبين القوى الداعية إلى الحداثة والتغيير.

ويأتي هذا الكتاب ليكون دعوة لإعادة النظر في المناهج القانونية التي تم اتباعها في تطوير قوانين الأحوال الشخصية، فهذه المناهج؛ قد أصبحت غير كافية لتلبية الاحتياجات التشريعية المتجددة في مجال الأسرة، ومن هنا تأتي أهمية طرح الدكتور أحمد حسين عثمان لفكرة البحث عن منهج جديد أو عدة مناهج تسهم في مواجهة المشاكل الاجتماعية التي يفرزها الزمن.

 

وفي هذا السياق، يقترح المؤلف ثلاثة محاور رئيسية للعمل على تطوير القوانين:

  1. المنهج الانتقائي الإنشائي: يهدف هذا المنهج إلى اختيار الأحكام المناسبة من مختلف المذاهب الفقهية وتطبيقها وفقًا لمقتضيات الواقع والمصلحة الاجتماعية.
  2. ضم المقارنة بين القوانين العربية إلى المقارنة بين المذاهب: يتيح هذا المحور المجال لمراجعة التشريعات المختلفة في الدول العربية والإسلامية والبحث عن أفضل السبل لتوحيد القوانين أو تحسينها.
  3. نظام قضائي قوي: ويقترح المؤلف بناء نظام قضائي جديد يتيح تطبيق المنهجية الجديدة وتحقيق التوازن المطلوب بين التقاليد والتحديث.

 

تحليل نقدي لمشروع القانون الموحد:

من أبرز النقاط التي يتناولها الكتاب هو التحليل النقدي الذي يقدمه الدكتور أحمد حسين عثمان لمشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد بين مصر وسوريا، بحسبان أن هذا المشروع، الذي أشرف عليه فقهاء بارزون مثل مصطفى الزرقا والشيخ حسن مأمون، يعتبر نموذجًا بارزًا للإصلاح القانوني في مجال الأحوال الشخصية. وعلى الرغم من مرور عقود على إعداد هذا المشروع، فإنه لا يزال يحتفظ بقيمته العلمية والقانونية، ويعد من الأعمال الرائدة التي تستحق التحليل والدراسة.

يشير المؤلف إلى أن مشروع القانون الموحد كان خطوة نوعية في مجال التشريع، حيث جمع بين الفقه الإسلامي والتشريعات الحديثة في إطار واحد، مما جعله نموذجًا يحتذى به في مشاريع تطوير قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية.

 

أهمية الإصلاح القضائي:

من النقاط التي يركز عليها الكتاب أيضًا ضرورة تفعيل فكرة المعيار في قوانين الأحوال الشخصية، وتطوير عملية تفسير النصوص من جانب القضاة، حيث يشير المؤلف إلى أن القضاء يلعب دورًا محوريًا في تحقيق العدالة داخل المجتمع، ومن هنا تأتي أهمية تعزيز نظام قضائي قوي يتماشى مع التشريعات المطورة، ويحقق التوازن بين المصلحة العامة وحقوق الأفراد. كما يتناول المؤلف في هذا الإطار مسألة تفسير القوانين وعلاقتها بالمنظومة القانونية. ويشير إلى أن هناك مدارس متعددة في تفسير التشريعات، منها المدرسة الفقهية والتشريعية، وهو ما يستدعي فهمًا دقيقًا للقوانين المطبقة، وكيفية توظيفها في تحقيق العدالة.

 

وتميزت لغة الكتاب وأسلوبه في المجمل لغة علمية دقيقة وجيدة، وإن غلبت عليها النبرة الحماسية في بعض الأحيان. ورغم ذلك، فقد كانت الأفكار المطروحة في الكتاب جديرة بالنقاش والتحليل، وهو ما يجعل هذا العمل إضافة مهمة للمكتبة القانونية العربية. ولا تقتصر أهمية هذا الكتاب على محتواه فحسب، بل تعكس أيضًا الجهد الكبير الذي بذله الدكتور أحمد حسين عثمان في مسيرته العلمية، فإن الدكتور عثمان يُعد من الباحثين المتميزين الذين جمعوا بين الدراية الفقهية والقانونية، وهو أمر نادر ومهم في الدراسات الإسلامية المعاصرة.

 

بدأ الدكتور عثمان مسيرته العلمية بدراسة جهود مصطفى الزرقا في الفقه الإسلامي، وانتقل بعدها لدراسة أعمال السنهوري باشا، أحد أبرز فقهاء القانون في العالم العربي. هذا التنوع في الخلفية العلمية جعل من الدكتور عثمان باحثًا واعدًا يمتلك أدوات نقدية وتحليلية تجمع بين الفقه الإسلامي والقانون المدني.

 

فهرس موضوعات الكتاب:

الفصل الأول: مداخل معرفية وقانونية للنظر في قوانين الأحوال الشخصية.

الفصل الثاني: المناهج التي اتبعت في تطوير الأحوال الشخصية.

الفصل الثالث: المنهج المقترح في تطوير الأحوال الشخصية ومحاوره.

الفصل الرابع: دراسة تطبيقية لمنهج التطوير المأمول على القانون الموحد بين مصر وسوريا.

الصفحة 1 من 38