قضايا عملية متعلقة بتطبيق الشريعة الإسلامية

محاضرة للأستاذ الدكتور أحمد كمال أبو المجد

تقديم: د. جمال الدين عطية

 

نظمت هذه المحاضرة في القاهرة، الجمعية العربية للتربية الإسلامية والمعهد العالمي للفكر الإسلامي في 5 نوفمبر 1989م، ونَشرت قناة مركز "خطوة للتوثيق والدراسات" الجزء المصور منها.

وهذه هي المحاضرة نفسها التي نشرها موقعنا كاملة من قبل -حصريًا- في كُتيب أعده المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ولكن لأسباب تقنية اختفى رابط هذا الكتيب من الموقع ومعه التقديم الذي قدمناها به من قبل، ولذا نعيد نشره من جديد مع هذا الجزء المصور من المحاضرة نفسها.

وقد شارك في مناقشة المحاضر كل من: د. توفيق الشاوي، د. محمد كمال الدين إمام، د. عبد الحليم محمود، د. أحمد المجدوب، فضلا عن د. جمال الدين عطية.

ومن أهم ما تناوله الدكتور أحمد كمال أبو المجد في هذا الجزء المصور من المحاضرة:

إن الله تعالى قد شاء لنا أن تتحول قضية العمل بالشريعة الإسلامية في مجتمعنا وفي بلاد المسلمين من قضية تُبحث على أنها قضية إصلاح تشريعي، تستكمل به الدول الإسلامية استقلالها السياسي والثقافي إلى شعار مرفوع تصطنع من حوله تيارات شتى في الساحة السياسية، فالذين يمثلون الدعوة الإسلامية على اختلاف مدارسها ومنازعها وأساليب عملها يرون في تطبيق الشريعة استكمالاً ضروريًا وطبيعيًا لمهمتهم الكبرى فيما يمكن أن نسميه أسلمة الحياة، ولا يرون في منع العمل بأحكام الشريعة الإسلامية إلا محاولةٍ خبيثة لتمزيق الكيان الإسلامي الموحد، والمتمثل في ترابطٍ عضويٍ أصيل بين العقيدة والشريعة وبين نظرة الإسلام إلى الدنيا ونظرته إلى الدين.

والذين ينطلقون في مناهجهم الإصلاحي أو برامجهم السياسية من منطلقٍ علماني، لا يرون في الدعوة لتطبيق الشريعة، أو هكذا يقولون، إلا مسلكًا تكتيكيًا كما يقولون، يراد به في النهاية إقامة حكومة دينية يملك السلطة فيها رجال دين، وتؤول في النهاية إلى حكمٍ شموليٍ استبدادي، يستبعد كل صور التعدد في الرأي وينتهك حقوق المخالفين، ويقضي في النهاية على آمال الأمة في الرقي وفي التقدم.

وفي إطار هذا الاستقطاب السياسي الحاد، توقف أو تعثر أو تأخر البحث الجاد في الشريعة الإسلامية بحسبانها نظامًا قانونيًا نما ونضج وتطور وتفتحت أزهاره عبر قرونٍ ممتدة موصولة الحلقات، فأثمر أنظمة حقيقية لا تخيلية جرت على الناس أحكامها وعاشوا في ظلها وأُقيم بها عدل وحُمي بها ظهر الحق وتحققت في إطارها مصالح الناس في غير عثرٍ ولا حرجٍ ولا إعنات لأحدٍ من المسلمين أو من غير المسلمين. هذا الواقع التاريخي يكاد يضيع في حمى الاستقطاب العاطفي حول شعارٍ مرفوع، وبسبب هذا الاستقطاب ذي الطبيعة السياسية تخندق كثير من الساسة والمفكرين العلمانيين في خندقٍ غريب الشأن، أحد مهامه الرئيسية أن يحول دون تطبيق الشريعة الإسلامية، بحسبان هذا التطبيق تعبيرًا عن بداية الهزيمة الكاملة والنهائية للتيار العلماني وإيذانًا بانتقال مقاليد الأمور إلى أيدي الإسلاميين.

وبسبب هذا الصراع السياسي حول تطبيق الشريعة؛ تغير ترتيب الأولويات حتى عند الدعاة الإسلاميين أنفسهم أو عند كثيرٍ منهم، أثار الجهد الأكبر موجهًا إلى الإقناع بضرورة تطبيق الشريعة، والتماس الوسائل السياسية المختلفة، التي تمهد لهذا التطبيق، بدلاً من توجيه الجهد العلمي إلى القضايات العلمية والعملية، التي لا بد أن تثار في جدية ومسؤولية بمناسبة ذلك التطبيق.

لهذا سيبدأ حديثي من حيث ينتهي أو ينبغي أن ينتهي الصراع السياسي حول ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية أو جدوى ذلك التطبيق. وبسبب تعدد جوانب الموضوع سأتوقف عند عددٍ أختاره من القضايا العملية التي تتصل بتطبيق الشريعة الإسلامية في مجتمعاتنا المعاصرة، بادئًا بقضية تقع على الحدود بين المباحث النظرية والمباحث التطبيقية، وهي ما أسميه "الوضع الصحيح لمسألة تطبيق الشريعة".

وللناس في فهم الشرائع على اختلافها منهجان أساسيان، وإن تفرع كل منهج منهما إلى فروعٍ ومدارس، المنهج الأول: نصي يقف عند ألفاظ النصوص المقررة للأحكام استنادًا إلى ما لها من قوة الإلزام، ووجوب الطاعة والاحترام، ولا يسمح للمجتهدين بأمرٍ يجاوز تفسير الألفاظ والعبارات أو التفصيل في شرحها، ثم إنزالها على وقائع الأحوال. وهذا المنهج معروف في الشرائع كلها؛ الوضعي منها والسماوي، ويُعرف أصحابهُ بأسماءٍ مختلفةِ، كالشكليين أو النصيين لوقوفهم عند الشكل الخارجي الذي ورد به الخطاب التشريعي أيًا كان مصدره. والمنهج الثاني منهج وظيفي ينظر إلى وظيفة التشريع في الجماعة، ويتحرى معرفة المقاصد العامة للنظام التشريعي، ويفهم النصوص المقررة للأحكام الجزئية في ضوء تلك المقاصد. ويُسمى هذا المنهج في مصطلح علماء التشريع المعاصرين المنهج الوظيفي، أو المنهج الموضوعي، ويسميه بعضهم المنهج الاجتماعي لتمام وعيه بالربط بين الخطاب التشريعي وبين الأوضاع الاجتماعية، سواء في تأثر الخطاب التشريعي الوضعي على الأقل بهذا الوضع الاجتماعي، أم بتأثير الخطاب التشريعي على الأوضاع الاجتماعية.

رابط تحميل الكتيب المتضمن لنص المحاضرة كاملًا

رابط مباشر للجزء المصور على قناتنا "حوارات الشريعة والقانون"

 

Rate this item
(0 votes)

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.