الإمام الأكبر سليم البشري... مؤسس هيئة كبار العلماء

(1248 - 1335هـ / 1832 - 1917م)

هو الحبر العلَّامة الفقيه المُحدِّث الشيخ سليم بن أبي فرَّاج بن السيد سليم بن أبي فرَّاج البِشْري المالكي شيخ الجامع الأزهر الشريف، تأسست في عهده هيئة كبار العلماء بالأزهر، وصار أوَّل رئيسٍ لها، ويرجع إليه الفضل في استقرار العمليَّة العلميَّة والتعليميَّة في الأزهر نهاية العقد الأول من القرن العشرين، وصدرت في عهده قوانين ولوائح تُعَدُّ النواة الحقيقيَّة لنظم التعليم والإدارة في الأزهر والمعاهد الدينيَّة حتى مطلع العقد السابع من القرن العشرين.

 

نبذة عن ميلاده ونشأته:

ولد الشيخ سليم البشري في عام 1248هـ الموافق عام 1832م في محلة بشر من أعمال مركز شبراخيت بمديريَّة البحيرة، وتمتع بوجود والده سبع سنوات، عاش بعدها الشيخ البشري ــ رحمه الله ــ يتيمًا، وكفله أخوه الأكبر عبد الهادي البشري، وبدأت رحلته العلميَّة مبكرًا، فأتم حفظ القرآن الكريم وعمره تسعة أعوام.

 سافر الشيخ إلى القاهرة فكفله خاله بسيوني البشري، الذي كان يعمل إمامًا بمسجد السيدة زينب -رضي الله عنها-  فقضى معه عامين، تلقى فيهما مبادئ العلوم الشرعيَّة على يديه وعلى يد غيره من العلماء المدرسين بالمسجد، ثم قصد الجامع الأزهر فتلقى العلم على يد كبار علماء عصره منهم: فضيلة الشيخ الباجوري، والشيخ محمد عليش، والشيخ إبراهيم السقا، والشيخ مصطفى المبلط، والشيخ أحمد كبوة العدوي، والشيخ الإسماعيلي، والشيخ محمد الصفتي، والشيخ الخناني المالكي الذي يعد من أهم شيوخه؛ فقد تعلم على يديه فقه المالكيَّة، حتى أصبح من كبار علمائهم في مصر.

وكان لنبوغ الشيخ البشري وجديته، أثناء دراسته لفقه المالكيَّة كبير الأثر في إعجاب شيخه الخناني به، فكان يثق بقدراته العلميَّة ويقربه إليه، ومن ذلك أنَّه بينما كان الشيخ الخناني يقرأ على متقدمي طلابه (المرحلة العالية) كتابًا من أمهات الكتب في الفقه المالكي إذ به يصاب بمرض عُضال، حبسه في فراش المرض عدة أشهر، والطلبة في انتظاره، فلمَّا أحس بشيء من الراحة طلب أن يُحمَل إلى مجلس علمه، وقال لطلبته: إني ذاهب وليست لي القدرة الآن على تحصيل العلم، وإني مستخلف عليكم لإتمام درسي أجدر الناس به، وأمسك بيد الشيخ سليم البشري، وأجلسه في مجلسه، فأتم الكتاب على غرار شيخه، وظلَّ يباشر التدريس بعدها، فظهر نبوغه وذاع أمره، وتهافت عليه الطلبة.

  وقد ورث الشيخ البشري العلم من مشايخه في الأزهر، وورث منهم كذلك الهمة في بذله ونشره، وذلك أنَّ طلاب العلم قد ازداد تهافتهم عليه يفيدون منه ويأخذون العلم عنه، وحينما أُصيب بمرض الروماتيزم مدة عامين لم ينقطع الطلاب عنه، فكانوا يذهبون إليه في بيته بحي السيدة زينب يسمعون منه ويتعلمون على يديه، فواظب على إلقاء الدروس الصباحيَّة على طلابه دون كلل أو ملل رغم مرضه الشديد.

ولم يقتصر تدريسه على الفقه، بل امتد نبوغه لعلوم كثيرة، لا سيَّما علم الحديث، حيث نبغ فيه نبوغًا كبيرًا أبلغه درجة كبار المحدثين في عصره، وهو يروي عن شمس الدين محمد الخناني الشافعي، والعلامة محمد الأشموني، والشيخ منصور كساب، والشيخ محمد العريان، والشيخ أحمد كبوة العدوي، والشيخ محمد صالح السباعي، والشيخ أحمد منة الله المالكي، والشيخ عبد الله النبراوي، والشيخ محمد الصفتي المالكي، والشيخ إبراهيم السقا، والشيخ الباجوري.

وكان الشيخ محبًّا للعلم حريصًا على بذله ونشره، وتأسيس أركانه، ومن ذلك أنه لمَّا صار شيخًا لمسجد السيدة زينب، قام بتعيين سبعة من المدرسين لتدريس علم الحديث، وفقه المذاهب الأربعة، والأخلاق وغيرها، وطلب لهم مرتبات من الأوقاف، فتمت الموافقة على طلبه، حتى أصبح المسجد الزينبي كأنَّه قطعة من الأزهر.

ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن الشيخ سليم البشري كان له الفضل في عدم نقل قبر السيدة زينب من مكانه، إذ إنه لما جدد المسجد الزينبي في عهد الخديوي توفيق، رأى رئيس مهندسي الأوقاف أن ينقل القبر المنسوب إلى السيدة زينب بما فيه، فعارضه الشيخ، وأعلمه أن ذلك مخالف للشرع من وجوه عديدة، وانتهى الخبر إلى الخديوي محمد توفيق باشا، فأمر بإبقاء القبر في مكانه.

  وقد كان للشيخ -رحمه الله- منزلة سامية عند العلماء وطلاب العلم، وعند الحكام على السواء؛ فبعد وفاة الشيخ محمد عليش نقيب المالكيَّة ظلَّ هذا المنصب خاليًا لمدة خمس سنوات، حتى وقع الاختيار على الشيخ البشري ليتولى هذا المنصب، فأصدر الخديو توفيق أمرًا بتعيينه شيخًا ونقيبًا للسادة المالكيَّة، وذلك عام 1305هـ/1887م.

  وكان لهذه الحياة الفوارة بالعطاء أثر في اختياره للمهام الثِّقال، فحينما اتجهت النية إلى إصلاح الأزهر في عهد الشيخ حسونة النواوي، كان الشيخ البشري في مقدمة العلماء الذين وقع عليهم الاختيار لعضويَّة مجلس إدارة الأزهر، مع الشيخ محمد عبده، والشيخ عبد الكريم سلمان، وغيرهما من كبار العلماء، وقد عهد إليه مع مجموعة من العلماء منهم الشيخ محمد عبده وضع خطة تطوير نظم التعليم والإدارة بالأزهر الشريف، فأحدثوا به نهضة علميَّة عظيمة، كان أهمها إصدار قانون عام 1314هـ/ 1896م، الذي يعد أهم القوانين الأزهريَّة الأولى الخاصَّة بتطوير النظم التعليميَّة والإداريَّة بالأزهر، ثم قام أعضاء مجلس إدارة الأزهر ومنهم الشيخ البشري باستقدام أمهر المدرسين من المدارس الأميريَّة لتدريس العلوم الرياضيَّة بالجامع الأزهر، كما استقدموا ــ أيضًا ــ مدرسين لتدريس علوم الجغرافيا والتاريخ والإنشاء واللغة العربيَّة، ووضعوا امتحانًا سنويًّا تقرر بعده صرف ستمائة جنيه للناجحين حسب مستوى كلِّ طالب مما جعل لأهل الأزهر تقدمًا عظيمًا.

 

مشيخته للأزهر الشريف:

كانت هذه الرحلة العلميَّة والعمليَّة بما فيها من خبرات ثريَّة مؤهِّلة لأن يتولى الشيخ سليم البشري مشيخة الأزهر الشريف مرتين على النحو الآتي:

المشيخة الأولى: 1317- 1320هـ/1899- 1903م:

وقع الاختيار على الشيخ البشري ليكون شيخًا للأزهر بعد وفاة الشيخ الإمام عبد الرحمن النواوي -رحمه الله- فاعتذر الشيخ البشري في أول الأمر عن عدم قبوله هذا المنصب، وبالغ في الاعتذار محتجًّا بكبر سِنِّه وضعف صحته، ولكنه أمام الإلحاح الشديد قَبِل المنصب، فأصدر خديو مصر – آنذاك - عباس حلمي الثاني (1892- 1914م) أمرًا بتعيينه شيخًا للأزهر في 28 من صفر سنة 1317هـ/ 7 يوليو 1899م.

 وبالرغم من الأعباء الكبيرة التي كان يتحملها في مباشرته مشيخة المالكيَّة ومشيخة الأزهر- فإنَّه ظلَّ يباشر دروسه في الأزهر، كما ظلَّ يباشر التدوين والتصنيف وقيادة الحركة الإصلاحيَّة بعزم وحسم، وظهرت آثار ذلك كلِّه في عهده حتى أصبح معظم مدرسي الرياضيَّات في عصره من خريجي الأزهر بعد أن كادت صلة الأزهر بهذه العلوم تنقطع تمامًا.

وظلَّ الشيخ البشري في مشيخته الأولى للأزهر مدة أربع سنوات تقريبًا، أظهر فيها من سداد الرأي، وقوة الحزم، ومضاء العزيمة ما لا يتفق عادة لمن كان في مثل سنِّه، بيد أنَّه اضطر لتقديم استقالته بعد خلاف كبير مع الخديو حول اختيار الشيخ أحمد المنصوري لمشيخة أحد أروقة الأزهر؛ حيث رفض الخديو تعيين الشيخ المنصوري رغم إصرار الشيخ البشري على اختياره، فأرسل الخديو إليه للعدول عن تعيينه، فأبى الشيخ البشري الرجوع عن ذلك، وقال: "إن كان الأمر لكم في الأزهر دوني فاعزلوه، وإن كان الأمر لي دونكم فهذا الذي اخترته، ولن أحيد عنه"، فانتهز الحاقدون على الشيخ الفرصة، وأوغروا صدر الحاكم عليه، فأرسل إليه من يقول له: "إن تشبثك برأيك قد يضرك في منصبك" فقال الشيخ الإمام:" إن رأيي لي، ومنصبي لهم، ولن أُضحي لهم بما يدوم في سبيل ما يزول" وقدَّم استقالته عام 1320هـ/1903م.

ولم تَحُلْ استقالة الشيخ البشري دون قيامه بمواصلة دروسه في الجامع الأزهر، فقد ذهب في اليوم التالي للاستقالة إلى الأزهر ليلقي دروسه على طلابه، فقرأ درس (التفسير والحديث) الذي حضره يومئذ نحو خمسمائة عالم وكثير من الطلبة الذين لم يحصَ عددهم.

كما كانت له إسهامات في وضع قانون إصلاح الأزهر الذي صدر في عام 1326هـ/ 1908م، وهو القانون رقم (1) لسنة 1908م، والذي تم تقسيم التعليم الأزهري بموجبه إلى ثلاث مراحل دراسيَّة (مرحلة التعليم الأَولي، مرحلة التعليم الثانوي، مرحلة التعليم العالي).

 

المشيخة الثانية: 1327- 1335هـ/ 1909- 1917م:

 شهد الجامع الأزهر قبيل تولي الشيخ البشري المشيخة الثانية فترة اتسمت بسوء الأحوال واضطراب الأمور؛ مما اضطر ولاة الأمر إلى اللجوء إليه ليعود إلى منصبه شيخًا للأزهر؛ لمعالجة تلك الاضطرابات، فاشترط أن تجاب مطالبه فورًا؛ كي يتمكن من القيام بواجبه، وفي مقدمتها: إكرام العلماء والطلبة، والتوسع في أجورهم وأرزاقهم، وتخفيض تكلفة تنقلاتهم بقطارات السكك الحديديَّة على طول القطر المصري، فوافقت الحكومة على مطالبه وأصدر الخديو عباس حلمي الثاني في 23 ربيع الأول 1327هـ/ 13 أبريل 1909م قرارًا بتعيينه شيخًا للأزهر.

وقد أعقب قرار تعيين الشيخ البشري في مشيخته الثانية للأزهر عقد مقابلة رسميَّة مع الخديو؛ لتهنئته وتقديم الدعم اللازم لإصلاح الأزهر، وكان الأزهريون قد استبشروا خيرًا بنبأ اختيار فضيلته لمشيخة الأزهر؛ لِما أمَّلوه في عهده من استكمال مسيرة الإصلاح والتطوير في الأزهر، وقد ظلَّ بمشيخة الأزهر حتى وفاته عام 1335هـ/ 1917م.

 

إغلاقه الأزهر أمام أطماع الإنجليز:

كان الإنجليز عندما احتلُّوا مصر في 1882 قد تركوا ثلاثة مجالات لم يأذنوا لأنفسِهم أن يتدخَّلوا فيها تدخُّلًا سافرًا؛ وهي: الأزهر والمحاكم الشرعية والأوقاف. ومع نهايات القرن ظهر لهم من استقرارهم ما شجَّعهم على طرْق هذه المجالات، وبدؤوا بالمحاكم الشرعية، وكانت معركةً سياسيةً انتصر فيها الشيخ حسونة النواوي شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية وقتها، وتراجع الإنجليز عن مسعاهم مؤقتًا، ثم استأنفوا سعيهم فَعُزِل الشيخ النواوي من منصبه، وفُصِل بين مشيخة الأزهر ووظيفة الإفتاء التي تبعت لوزارة الحقانية لتكون تحت إشراف المستشار القضائي الإنجليزي، وتولَّى مشيخة الأزهر الشيخ عبد الرحمن قطب، وتولَّى الإفتاء الشيخ محمد عبده، وذلك في عام 1900.

عاجلت المنيَّة الشيخ قطب بعد شهر من تولِّيه، فبادر رجال الأزهر بترشيح الشيخ البِشري للمشيخة، وبادر الخديوي بتعيينه قبل أن يُجمع الإنجليز أمرهم على الضغط لاختيار من يناسبهم. وأغلق الشيخ البشري الأزهر في وجه النفوذ الإنجليزي، في وقت كان النفوذ يتمدَّد ويتوغَّل في كل مكان في الحياة المصرية. وكان المجتمع الأوروبي قد اعترف وسلَّم بالأمر الواقع لبريطانيا في مصر.

والشيخ سليم البشري، كان شيخًا محافظًا، يتبع المذهب المالكي ولا يحيد عنه، وبقيت فتاواه وتقريراته مرتبطة بهذا الأمر طوال حياته. وهو في الوقت ذاته كان مستقلًّا لا يتبع جهة ما، وهو أيضًا كان زاهدًا تمامًا في المال وفي المناصب وغيرها. ومن ثم أغلق الأزهر دون تأثيرات الإنجليز الساعية للنفوذ إليه في ذلك الوقت، وحافظ على استقلالية الأزهر في مواجهة القوى السياسية المختلفة. وفي ظروف التباينات السياسية بين سلطة الإنجليز وسلطة الخديوي كان يقف مواقف استقلالية منهما معًا، بحيث إنه بعد أربع سنوات أو خمس من تولِّيه المشيخة حين أراد الخديوي أن يتدخَّل في تعييناته -كما سلف الذكر-؛ رفض واستقال وترك المشيخة لمدَّة حوالي خمس سنوات تالية، وعُيِّنَ فيها ثلاثة مشايخ للأزهر من ضمنهم الشيخ حسونة النواوي، ولكن بقي الأزهر مضطربًا حتى أعيد الشيخ البشري إلى المشيخة في سنة 1909، وبقي شيخًا للأزهر حتى وفاته في سبتمبر 1917. وتلك هي الفترة التي أغلق فيها الأزهر دون محاولات الإنجليز التسرُّب أو النُّفوذ إليه.

ولم يمضِ وقت طويل بعد وفاته حتى قامت ثورة 1919 فأعْفت الأزهر من محاولات الإنجليز السيطرة عليه لظهور القوى الوطنية ووقوفها ضدَّ أطماع الإنجليز في السيطرة على مؤسَّسات الدولة.

 

عطاؤه العلمي:

كان من أبرز الإنجازات التي تمت في مشيخة الشيخ البشري الثانية هو إصدار نظام مؤقت لسير نظم الدراسة في الأزهر بموجبه عام 1328هـ/ 1910م، ثم إصدار القانون رقم 10 لسنة 1911م الذي يُعَدُّ النواة الأولى للجامعة الأزهريَّة وقوانين تطوير الأزهر التي صدرت تباعًا بعد ذلك، وكان من أهم ما اشتمل عليه القانون المذكور هو نشأة هيئة علميَّة كبرى من كبار علماء الأزهر تسمَّى: (هيئة كبار العلماء)، فكان- باعتباره شيخًا للأزهر في ذلك الوقت هو أول رئيس لهيئة كبار العلماء.

وكان الشيخ سليم البشري من العلماء الذين أسهموا بجهود كبيرة في الحركة العلميَّة خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فكان منذ جلوسه للتدريس مكان شيخه الخناني شعلة نشاط تتوقد، ولم تفتر عزيمته عن التدريس لطلابه رغم ما تعرض له من مشكلات وأزمات.

وكان من تلامذته في علم الحديث العلامة الشيخ محمد المكاوي، وقد قرأ عليه صحيح البخاري قراءة بحث وتدقيق، وقال في ذلك: «وقد عارضته – أي صحيح البخاري – على شيخ الشيوخ، العلَّامة، الحبر البحر الفهَّامة، الحافظ المتقن المجيد، مربِّي الطلاب بهديه وعلمه المفيد، من انتهت إليه رئاسة العلوم في هذا الزمان، وفاق في جميع الفنون الرؤوس والأقران، الأستاذ الشيخ سليم البشري، شيخ السادة المالكيَّة، نفع الله به وبعلومه آمين، وراجعته فيه من أوله إلى آخره»، كما قرأ عليه الحافظ أبو شعيب الدكالي حافظ المغرب في زمانه موطأ الإمام مالك.

وتتلمذ له وتخرج على يديه مجموعة من كبار العلماء، منهم: الشيخ محمد راشد إمام "المعيَّة السَّنيَّة" و(الحاشية الخديويَّة)، والشيخ محمد البسيوني البيباني، والشيخ محمد عرفة، والشيخ محمود خطاب السبكي، والشيخ يوسف الدجوي، والشيخ محمد إبراهيم السمالوطي، وغيرهم من أفاضل العلماء والمدرسين بالجامع الأزهر وأعضاء هيئة كبار العلماء فيما بعد.

ومما يختص به الشيخ البشري في مسيرته العلميَّة أنَّه أصبح قبلة كثير من المتفقهين في الدين، والراغبين في كشف الحقائق عن دينهم ودنياهم، وكان فضلًا عن ذلك يمتاز بروح أدبيَّة رقيقة، فكان يطرب من الشعر ويهتز له، كما كانت له مكتبة ضخمة تضم ذخائر نفيسة من الأدب العربي ودواوين الشعر في الجاهليَّة والإسلام؛ ولذلك كان مولعًا بشعر أمير الشعراء أحمد شوقي، وقام بشرح قصيدة شوقي (نهج البردة) وعلَّق عليها ونشرها، في كتابه: (وضح النهج)، كما كتب خَّطابًا أدبيًّا ممتازًا إلى حافظ إبراهيم عندما نظم قصيدته العمريَّة، فالشيخ سليم البشري كان أحد رواد النهضة والتجديد في الأزهر، وقد تحقق على يديه خيرٌ كثير، كما كانت له مجموعةٌ من الحواشي في العقائد والنحو وغيرهما، تشهد له بالعمق والدقة.

 وكانت له بعض المؤلفات العلميَّة التي تدل على غزارة علمه، منها ما كان مقدمة لعدد من التحقيقات والشروح لأُمَّهات الكتب الإسلاميَّة، ومنها ما كان شرحًا لبعض القصائد الشهيرة، ومنها ما كان مؤلفات خاصَّة به في بعض العلوم، ومن هذه الإسهامات العلميَّة المختلفة:

  1. حاشية تحفة الطلاب بشرح رسالة الآداب، وهو شرح على رسالة الملا حنفي في آداب البحث والمناظرة، مخطوطة محفوظة بعدد من الأماكن منها: مكتبة الأزهر الشريف.
  2. العقد الوافي بشرح ملا حنفي، مخطوطة محفوظة في عدد من الأماكن منها مكتبة الأزهر الشريف، وهي بخط المؤلف نفسه.
  3. رسالة البشري على البسملة، مخطوطة محفوظة بعدد من الأماكن منها: مكتبة الأزهر الشريف، قام بنسخها: محمد بدوي، عام 1289هـ.
  4. عقود الجمان في عقائد أهل الإيمان، مخطوطة محفوظة بعدد من الأماكن منها: مكتبة الأزهر الشريف، قام بنسخها: محمد خضر البشري، كما توجد منها نسخة خطيَّة بدار الكتب رقم 33753ب.
  5. مطلب الاستئناس في بيان الأعلام وأسماء الأجناس: مخطوطة محفوظة بعدد من الأماكن منها: مكتبة الأزهر الشريف.
  6. المقامات السنيَّة في الرَّد على القادح في البعثة النبويَّة: ردَّ فيها على من انحرفوا إلى الإلحاد.
  7. حاشية على رسالة الشيخ عليش في التوحيد.
  8. وضح النهج، قام فيه بشرح قصيدة شوقي (نهج البردة) وعلق عليها، ونشرها على نفقته الخاصَّة.

 

أولاده وأحفاده:

عرف في جيله بأنه والد 6 من العلماء المشايخ، أشهرهم هو ابنه الشيخ عبد العزيز البشري، الأديب المشهور الذي كان مراقبا عاما للمجمع اللغوي، كما أن له العديد من الأحفاد، أبرزهم المفكر والمؤرخ المستشار طارق البشري.

 

شرحه لقصيدة نهج البردة:

عرف عن الشيخ سليم البشري حبه الشديد لشعر أمير الشعراء أحمد شوقي، حتى أنه شرح قصيدة شوقي نهج البردة وعلق عليها ونشرها في كتاب أُطلق عليه "وضح النهج".

 

تكريمه:

ونظرًا للمكانة العلميَّة الكبيرة التي عُرفت عن الشيخ سليم البشري؛ فقد كرمه السلطان حسين كامل (1914- 1917م) بمنحه النيشان المجيدي الأول، والوشاح الأكبر من وسام النيل.

 

وفاته:

بعد مرور تسعين سنة (90) استوعبت رحلة علميَّة وإصلاحيَّة حافلة بالعطاء، قائمة بالوفاء للدين والعلم وطلابه، لقي الشيخ سليم البشري ربَّه قبيل ظهر الجمعة رابع ذي الحجة عام 1335هـ/ الموافق 21 سبتمبر عام 1917م، ودفن بمدافن السادة المالكيَّة بقرافة الإمام الشافعي، وكان حال وفاته يملي الحديث الشريف على طلبته.

 

رثاؤه:

وقد رثاه حافظ إبراهيم بقصيدة بليغة مؤثرة قال فيها من [الوافر]:

 

أيدري المسلمون بمن أُصيبوا *** وقد واروا سليمًا في الترابِ

هوى ركن الحديث فأي خطب *** لطلاب الحقيقة والصوابِ

موطأ مالك عزى البخاري *** ودع لله تعزية الكتابِ

فما في الناطقين فم يوفي *** عزاء الدين في هذا المصابِ

قضى الشيخ المحدث وهو يملي *** على طلابه فصل الخطابِ

ولم تنقص له التسعون عزمًا *** ولا صدته عن درك الطلابِ

وما غالت قريحته الليالي *** ولا خانته ذاكرة الشبابِ

أشيخ المسلمين نأيت عنا *** عظيم الأجر موفور الثوابِ

لقد سبقت لك الحسنى فطوبى *** لموقف شيخنا يوم الحسابِ

إذا ألقى السؤال عليك ملقٍ *** تصدى عنك برك للجوابِ

ونادى العدل والإحسان أَنَّا *** نزكّي ما يقول ولا نحابي

قفوا يا أيها العلماء وابكوا *** ورووا لحده قبل الحسابِ

فهذا يومنا ولنحن أولى *** ببذل الدمع من ذات الخضابِ

عليك تحية الإسلام وقفًا *** وأهليه إلى يوم المآبِ

 

كما رثته جريدة وادي النيل التي كانت تصدر في الإسكندرية، فقد نشر الأستاذ محمد رشيد رضا سيرة الشيخ معتمدًا على ما أوردته جريدة الأهرام، وعلى ما رثته به جريدة وادي النيل التي كانت أقوى الصحف الوطنية في ذلك الوقت، وكانت تصدر في الإسكندرية.

___________

المصادر:

  • الشيخ سليم البشري، هيئة كبار العلماء، https://bit.ly/4fDEVp2
  • محمد الجوادي، الشيخ سليم البشري صاحب الولايتين، مدونات الجزيرة، 13 أبريل 2021، https://bit.ly/4iVEk4V
  • منال القاضي، من هو الشيخ سليم البشرى مؤسس هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف؟، اليوم السابع، 26 مارس 2024، https://bit.ly/3BTdSrY
  • محمد رشيد رضا، وفاة الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر، المنار، ج 3، م 20، 17 أكتوبر 1917، https://bit.ly/3DCjebq
  • مدحت ماهر، حوارات مع طارق البشري، دار البشير للثقافة والعلوم، الطبعة الأولى، 2020، ص: 38-44
Rate this item
(0 votes)
Last modified on الأحد, 05 كانون2/يناير 2025 10:11

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.