د. عبد المجيد النجار هو أكاديمي وفقيه ومفكر تونسي بارز، عُرف بأبحاثه المعمقة ومساهماته الفاعلة في الفكر الإسلامي وقضايا المجتمع المعاصر، وتركزت اهتماماته البحثية على التأصيل للمشروع الحضاري الإسلامي، والتجديد الديني، وترشيد التدين، وضبط العلاقة بين الدين والمجتمع.
أولًا: مولده ومسيرته:
ولد عبد المجيد النجار في 28/05/1945 بمدينة بني خداش بولاية مدنين في تونس، وحصل على الإجازة في أصول الدين من جامعة الزيتونة عام 1972، ثم سافر إلى مصر وحصل على الماجستير في اختصاص "العقيدة والفلسفة"، من كلية أصول الدين، جامعة الأزهر، القاهرة، سنة: 1974، بتقدير جيد جدًا ثم على الدكتوراه: في اختصاص "العقيدة والفلسفة"، من كلية أصول الدين/ جامعة الأزهر 1981، عنوان الأطروحة " المهدي بن تومرت: حياته وآراؤه وأثره بالمغرب"، بتقدير: مرتبة الشرف الأولى.
عمل عبد المجيد النجار معلمًا في السلك الابتدائي في الفترة بين عام 1974 وعام 1985، ثم منذ عام 1985 عمل أستاذًا في جامعة الزيتونة وعدة جامعات أخرى في الجزائر والإمارات وقطر والمغرب، وابتلي بالنفي من تونس سنة 1989.
ثانيًا: مشاركاته في المجال العام:
يعد د. عبد المجيد النجار أحد قيادات حركة النهضة التونسية، وبعد الثورة التونسية التي اندلعت أحداثها بدءًا من السابع عشر من ديسمبر عام 2010م، كان عبد المجيد النجار على رأس قائمة حركة النهضة في ولاية مدنين، وذلك في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011، وفاز بمقعد في المجلس الوطني التأسيسي التونسي.
ثالثًا: عضويته في العديد من المؤسسات:
كان له عضويات في كثير من الهيئات والمؤسسات كما أسس بعضها، منها:
- لجنة جائزة ابن باديس، مركز دراسات المستقبل الإسلامي، لندن.
- المجلس العلمي للكلية الأوروبية للدراسات الإنسانية، فرنسا/ شاتو شينون.
- لجنة مسلمي أوروبا الشرقية/ لندن.
- الهيئة الاستشارية لمجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة الكويت.
- المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، والأمين العام المساعد له، ورئيس لجنة البحوث به.
- مؤسس مجلس الأمناء للمنظّمة العالمية للقدس.
- مؤسس للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، وعضو مجلس الأمناء والمكتب التنفيذي ورئيس لجنة التأليف والترجمة بالاتحاد.
- للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث (الأمين العام المساعد).
- المكتب التنفيذي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
- الجمعية التونسية للدراسات الإسلامية بهدف نشر الدراسات المعمقة والترويج للفكر الإسلامي المستنير (مؤسسها).
رابعًا: مشاركاته في الندوات والمؤتمرات:
لم ينحصر علم الدكتور النجار داخل أسوار الجامعات ومدرجاتها بل طاف به كثيرا من المؤتمرات والندوات والملتقيات، حتى لا تكاد تمر عليه سنة دون أن يحاضر أو يشارك في ملتقى علمي عالمي. والمتأمل لعناوين تلك اللقاءات يجدها تنتظم حول موضوع واحد تقريبًا، هو: مستقبل نهضة الأمة الإسلامية وتحدياته، وأعلام الأمة الذي نحتاج إلى إلقاء الضوء على فكرهم للمساعدة على إحداث تلك النهضة. وهذه نماذج من تلك اللقاءات:
- الندوة الإسلامية العالمية الرابعة، وزارة الثقافة التونسية، القيروان/ تونس 1976.
- ندوة الإمام ابن عاشور، الجامعة التونسية، تونس 1985.
- ندوة تجديد الفكر الإسلامي، مجلة رسالة الجهاد، مالطا 1989.
- ندوة قضايا المستقبل الإسلامي، مركز دراسات المستقبل الإسلامي، الجزائر 1990.
- ندوة مستقبل العمل الإسلامي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فرجينيا/ أمريكا 1991.
- ندوة بديع الزمان النورسي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، عمان/ الأردن 1997.
- ندوة " ابن تيمية " عطاؤه العلمي ومنهجه الإصلاحي"، المعهد العالمي للفكر الإسلامي وجامعة مؤتة 2001.
- ندوة "مقتضيات الدعوة في ضوء المعطيات المعاصرة" جامعة الشارقة، أبريل 2001.
- الملتقى الدولي الثالث "الحرية الدينية في الإسلام" جامعة الأمير عبد القادر الإسلامية، قسنطينة، الجزائر، 2008.
خامسًا: الجوائز:
حاصل على جائزة مكتبة علي بن عبد الله آل ثاني الوقفية العالمية.
سادسًا: تأثيره في الفكر الإسلامي الحديث
ساهم د. عبد المجيد النجار في صياغة خطاب إسلامي يوازن بين الحفاظ على الهوية الإسلامية والانفتاح على معطيات العصر الحديث. تميزت كتاباته بالعمق الفكري والتحليل النقدي، مما جعله مرجعًا للباحثين والدارسين في مجال الدراسات الإسلامية.
ينطلق د. عبد المجيد النجار من رؤية نقدية للحالة التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم، والتي تتسم بتفكك داخلي نتيجة الصراعات العقائدية والمذهبية. يُبرز أن هذا الصراع لم يكن حول جوهر الدين، وإنما حول مسائل فكرية وفلسفية أُدخلت في الحياة السياسية والاجتماعية، مما أدى إلى تعطيل عجلة النهضة والتقدم. ووفقًا له، الأمة الإسلامية لم تحقق أي نهوض يُذكر منذ عقود، بل إنها كانت تتراجع حضاريًا بفعل الانقسامات.
- العقيدة كأداة بناء لا هدم
المحور الأساسي الذي يبنيه النجار هو الدعوة إلى فهم جديد للعقيدة الإسلامية، بدلًا من أن تكون ساحة للنزاعات الفكرية والجدالات الدينية التي لا تؤدي إلى حلول عملية، يجب أن تكون العقيدة أساسًا لمشروع نهضوي يتبنى قيم الإسلام كأساس للبناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. العقيدة، بالنسبة للنجار، هي مصدر قوة يجب أن يوجه الأمة نحو الوحدة والنهضة. يدعو النجار إلى تجاوز القراءات التقليدية للنصوص الدينية التي تُستخدم لتبرير الانقسامات، ويطالب بقراءة متجددة تقوم على فكر شامل يتناسب مع متطلبات العصر. من وجهة نظره، يجب أن تكون العقيدة الإسلامية أداة للإصلاح والتطوير، ويجب أن يُعاد توظيفها بطريقة تفتح الأبواب للعلم والمعرفة، وتدفع نحو بناء مجتمع متقدم يُقدّر حقوق الإنسان، ويحترم الاختلاف، ويحقق العدالة الاجتماعية.
أحد جوانب فكر النجار هو نقد الجمود الفكري الذي يعاني منه الكثير من التيارات الإسلامية اليوم. يرى أن الالتزام الأعمى بتفسيرات قديمة للنصوص دون الأخذ في الاعتبار التطورات المعاصرة هو أحد الأسباب الرئيسية التي تعوق الأمة عن التقدم. فالتفسير الحرفي الجامد للنصوص لا يتماشى مع طبيعة العصر الذي يتطلب فكرًا مرنًا وقادرًا على مواكبة التحديات. في هذا السياق، يشير النجار إلى أن الأمة الإسلامية تحتاج إلى تجديد فكري وإصلاح ديني يقوم على إعادة قراءة النصوص الدينية في ضوء الواقع المعاصر. يجب أن يكون هناك انفتاح على العلوم الحديثة، والفكر العالمي، والإبداع البشري في جميع المجالات، مع الحفاظ على القيم الأساسية للإسلام.
- الوحدة الإسلامية: محور النهضة
فكر النجار يضع الوحدة الإسلامية في قلب مشروع النهضة. من وجهة نظره، فالأمة الإسلامية لم تتمكن من التقدم بسبب الانقسامات الداخلية التي تأخذ أشكالًا متعددة: مذهبية، فكرية، وجغرافية. ويؤكد أن استعادة الوحدة بين شعوب العالم الإسلامي هي الخطوة الأولى نحو بناء مشروع نهضوي حقيقي. هذه الوحدة، كما يراها النجار، ليست مجرد مطلب سياسي، بل هي ضرورة حضارية لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الأمة، مثل التبعية الاقتصادية، والتخلف العلمي، والاستبداد السياسي. ويرى أن العالم الإسلامي يجب أن يتوحد حول مشروع حضاري جامع، بدلًا من التركيز على قضايا ثانوية تُسهم في إضعاف الأمة. والوحدة التي يدعو إليها ليست فقط سياسية، بل هي وحدة في الفكر، والمواقف، والعمل نحو بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
يرى النجار أن تحقيق النهضة لا يمكن أن يتم دون وجود مؤسسات قوية ومستقلة قادرة على قيادة الأمة نحو المستقبل. هذه المؤسسات تشمل الجوانب التعليمية، الاقتصادية، السياسية، وحتى الثقافية. يجب أن تكون هناك مؤسسات تعليمية تساهم في إنتاج المعرفة، وتحفز الإبداع العلمي، وتُعدّ الأجيال القادمة لتحمل مسؤولياتها في بناء المجتمع. المؤسسات الاقتصادية هي الأخرى تشكل عنصرًا مهمًا في مشروع النهضة. فبدون اقتصاد قوي ومستقل، لن تتمكن الأمة من التحرر من التبعية للدول الأخرى. ويدعو النجار إلى تطوير أنظمة اقتصادية قائمة على مبادئ العدالة الاجتماعية التي يتضمنها الإسلام، مع الأخذ بالاعتبار التجارب الاقتصادية العالمية الناجحة.
يركز النجار على أن أي مشروع نهضوي يجب أن يقوم على تحقيق العدالة الاجتماعية. العدالة، في رؤيته، ليست مجرد مبدأ ديني، بل هي شرط أساسي لبناء مجتمع متماسك وقادر على التقدم. ويجب أن يكون هناك توزيع عادل للثروات والفرص، ويجب أن يتم توفير الخدمات الأساسية للجميع دون تمييز. العدالة الاجتماعية ليست فقط هدفًا داخليًا، بل يجب أن تكون مبدًا ينظم علاقة الأمة الإسلامية بالعالم الخارجي. والأمة الإسلامية، وفقًا للنجار، لديها مسؤولية تجاه العالم، ويجب أن تقدم نموذجًا للعدالة والإنصاف في علاقاتها الدولية.
يؤكد النجار على أن الأمة الإسلامية يجب أن تسعى لإعادة بناء علاقتها مع العالم على أسس من التعاون والتفاهم المتبادل. ويجب أن يكون هناك انفتاح على العالم، ولكن من دون التخلي عن الهوية الإسلامية. وأن الأمة الإسلامية لديها ما تقدمه للعالم في مجالات الفكر، والثقافة، والاقتصاد، ولكن يجب أن يكون هذا التفاعل على أساس من الندية والاحترام المتبادل. ويرى أن الأمة الإسلامية، رغم التحديات التي تواجهها، ما زالت تملك الكثير من الإمكانيات التي تؤهلها لتكون فاعلًا رئيسيًا على الساحة العالمية. لكن هذا لن يتحقق إلا إذا تمكنت الأمة من تجاوز خلافاتها الداخلية، وأعادت بناء نفسها على أسس قوية.
خلاصة فكر النجار؛ أنه يتمحور حول الانتقال من حالة الصراع العقائدي إلى مشروع نهضوي شامل يقوم على توجيه العقيدة الإسلامية نحو الإصلاح والتطوير. يدعو النجار إلى فهم متجدد للعقيدة الإسلامية يساهم في بناء مجتمع عادل ومتقدم. كما يركز على أهمية الوحدة الإسلامية وبناء المؤسسات القوية كشرط أساسي لتحقيق هذه النهضة. في نهاية المطاف، يعتقد النجار أن الأمة الإسلامية تمتلك كل المقومات التي تؤهلها لاستعادة مكانتها الحضارية، ولكن هذا يتطلب تجاوز الخلافات العقائدية والتركيز على بناء المستقبل.
سابعًا: أعماله
للدكتور عبد المجيد النجار إسهامات بارزة في مجال الدراسات الإسلامية، تتضمن كتبًا وأبحاثًا ومقالات في الفكر الإسلامي والشريعة، منها:
الكتب:
- فقه التحضر الإسلامي.
- مشاريع الإشهاد الحضاري.
- خلافة الإنسان بين الوحي والعقل.
- مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة.
- فقه المواطنة للمسلمين في أوروبا.
- دور حرية الرأي في الوحدة الفكرية بين المسلمين.
- في فقه التدين فهما وتنزيلا.
- مدخل إلى مقاصد الشريعة.
- نحو ثقافة إسلامية أصيلة.
- البعد الحضاري في هجرة الكفاءات.
- عوامل الشهود الحضاري.
- الإيمان بالله وأثره في الحياة.
- المستقبل الثقافي للغرب الإسلامي.
- تجربة الإصلاح في حركة المهدي بن تومرت: الحركة الموحدية بالمغرب أوائل القرن السادس الهجري.
- تصنيف العلوم في الفكر الإسلامي بين التقليد والتأصيل.
- المعتزلة بين الفكر والعمل.
- المهدي بن تومرت: حياته وآراؤه وثورته الفكرية والاجتماعية وأثره بالمغرب.
- مقاربات في قراءة التراث.
- صراع الهوية في تونس.
- رؤية مستقبلية للجامعة الزيتونية.
- تحقيق " رسالة في الردّ على النصارى " للرازي.
- تحقيق ودراسة كتاب " تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين " للراغب الأصبهاني.
- مقاربات في قراءة التراث، ط دار البدائل.
- عبد المجيد يتمثل عالمية رسالة الإسلام في كتاباته:
- الإنسان في العقيدة الإسلامية: مبدأ الإنسان.
- الإنسان في العقيدة الإسلامية: قيمة الإنسان.
- الآفاق الحضارية للوجود الإسلامي بالغرب.
الأبحاث والمقالات:
- أثر تحقيق المناط في وقف تنزيل الأحكام: يناقش دور التحقق من السياق في تطبيق الأحكام الشرعية.
- القراءة الجديدة للنص الديني: عرض ونقد: يسلط الضوء على الاتجاهات الحديثة في تفسير النصوص الدينية وتقييمها.
- مآلات الأفعال وأثرها في فقه الأقليات: يعالج قضايا الأقليات المسلمة من منظور فقهي وتطبيقاتها.
- تجربة الإصلاح في حركة المهدي بن تومرت: دراسة حول تجربة الإصلاح التي قادها المهدي بن تومرت، مع تركيز على الفكر والأثر الاجتماعي.
- فقه الأقليات المسلمة في المجتمعات الغربية.
- دور الإصلاح العقدي في النهضة الإسلامية.
- الاجتهاد والتجديد وتدافع المرجعيات.
- حوار مع المفكر التونسي الدكتور عبد المجيد النجار حول قضايا الفكر والثقافة والاجتماع السياسي.
- دور الحوار المذهبي في مواجهة التحديات الحضارية.
- المقتضيات المنهجية في تطبيق الشريعة في الواقع الإسلامي الراهن.
- الإنسان والكون في العقيدة الإسلامية.
- عقيدة تكريم الإنسان وأثره التربوي.
- واقعية المنهج الكلامي ودوره في مواجهة التحديات الفلسفية المعاصرة.
____________________
المصادر:
- "عبد المجيد النجار: عضو الهيئة الاستشارية." موسوعة الفقه السياسي الإسلامي، 29 أغسطس 2024. https://islamicpolitics.net/participants/عبدالمجيد-النجار.
- عبد المجيد النجار، مرصد المجلس الوطني التأسيسي التونسي، https://bit.ly/3BqijJW
- عبد المجيد النجار، الرابطة المحمدية للعلماء، https://bit.ly/4eAk31U
- عبد الحفيظ بن مبارك، عبد المجيد النجار.. صرخة إخراج الأمة من حرب العقيدة إلى عقيدة النهضة، عمران، 2 سبتمبر 2020، https://bit.ly/3TDHAHc