الشيخ علي الخفيف... الفقيه المجدد

 (1978-1891)

يُعد الشيخ علي الخفيف من أبرز الفقهاء المجددين في العصر الحديث، حيث تميز بتقديم اجتهادات فقهية تتناسب مع تطورات العصر دون الإخلال بأصول الشريعة. جمع بين دراسة الفقه التقليدي والمعرفة القانونية الحديثة، مما أهّله لتقديم رؤى مبتكرة في قضايا معاصرة مثل المعاملات المالية والتأمين. شغل مناصب أكاديمية وتشريعية مهمة، وترك خلفه إرثًا علميًا واسعًا وشاملًا يظل مرجعًا للأجيال القادمة، حيث ترك خلفه العديد من الكتب والمقالات والأبحاث التي ما زالت تُعد مرجعًا مهمًا في الدراسات الفقهية والقانونية. اهتم بنشر العلم والمعرفة، سواء من خلال التدريس أم الكتابة أم المشاركة في المؤتمرات العلمية. كما كان نموذجًا للعالم المجدد، وكان يعتقد أن الفقه الإسلامي قادر على مواكبة كل جديد، شريطة أن يُعاد النظر في بعض المسائل وفقًا لمقاصد الشريعة ومتطلبات العصر. كان لحكمته وأخلاقه دور كبير في التأثير على تلاميذه وزملائه، وظل مرجعًا في الفقه المقارن والدراسات الإسلامية. 

 

النشأة والتكوين العلمي:

وُلد الشيخ علي محمد الخفيف في قرية الشهداء بمحافظة المنوفية بمصر عام 1891. نشأ في أسرة محافظة اهتمت بتعليمه العلوم الدينية منذ صغره. التحق بكتّاب القرية حيث حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ العلوم العربية والدينية.

بعد إتمام حفظ القرآن، التحق بالأزهر الشريف في القاهرة عام 1904. كانت هذه الفترة قبل الإصلاحات الحديثة في الأزهر، حيث كانت الدراسة تعتمد بشكل كبير على حلقات التعليم، وتركز بشكل أساسي على العلوم الشرعية واللغة العربية، وبحلول عام 1907، انتقل إلى معهد الإسكندرية الديني الذي أُسس بتوجيهات الإمام محمد عبده، وكان هذا المعهد يجمع بين التعليم التقليدي والتحديث في المناهج والأساليب التعليمية، ودرس الشيخ الخفيف فيه لفترة قصيرة قبل أن ينتقل إلى مدرسة القضاء الشرعي التي أُنشئت في العام نفسه.

 

  دراسته في مدرسة القضاء الشرعي:

 كان التحاق الشيخ علي الخفيف بمدرسة القضاء الشرعي نقطة تحول في مسيرته العلمية، إذ كانت تلك المدرسة تعتبر من أرقى المؤسسات التعليمية في ذلك الوقت، حيث جمعت بين التعليم الشرعي والدراسات القانونية الحديثة وفيها تلقى الشيخ الخفيف تعليمًا مميزًا على يد نخبة من العلماء والأساتذة في الشريعة والعلوم العصرية، منهم: الشيخ أحمد إبراهيم، والشيخ فرج السنهوري، والشيخ محمد الخضري، والشيخ محمد عبد المطلب، وكان من بين زملائه في الدراسة الشيخ عبد الوهاب خلاف، والدكتور أمين الخولي، والشيخ محمد فرج السنهوري. وقد استمر الشيخ الخفيف في المدرسة لمدة ثماني سنوات، حتى تخرج منها عام 1915 بشهادة تؤهله للعمل في القضاء والمحاماة والتدريس. 

 

المناصب التي شغلها:

بعد تخرجه، عُيّن الشيخ علي الخفيف أستاذًا في مدرسة القضاء الشرعي، حيث درس الفقه الإسلامي، كما تولى مناصب أكاديمية وتشريعية متعددة طوال حياته، فشغل منصب قاضٍ شرعي في المحاكم الشرعية المصرية عام 1921، وكان له دور كبير في تنظيم وإصلاح القضاء الشرعي في مصر. 

وفي عام 1939، تم تعيينه أستاذًا مساعدًا للشريعة الإسلامية في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، حيث قام بتدريس مواد مثل: الفقه الجنائي، المعاملات المالية، والأحوال الشخصية.

شغل الشيخ علي الخفيف كذلك مناصب أخرى، مثل محامي شرعي في وزارة الأوقاف ومدير شؤون المساجد في الوزارة.

 

دوره في التشريع وتجديد الفقه:

كان الشيخ علي الخفيف واحدًا من الفقهاء المجددين الذين سعوا إلى تطوير الفقه الإسلامي بما يتناسب مع متغيرات العصر، فكان يدعو إلى مراجعة الفقه الموروث وتحديثه استنادًا إلى النصوص الشرعية ومقاصد الشريعة الإسلامية، وقد تأثر بفكره العديد من طلابه. وكان يرفض الجمود الفقهي ويدعو إلى الاجتهاد في المسائل الفقهية المعاصرة. وقد تبنى منهجًا علميًا دقيقًا في التعامل مع النصوص الشرعية، محاولًا تقديم حلول فقهية تتوافق مع روح العصر دون الإخلال بالأسس الشرعية.

كما أصبح الشيخ مرجعًا مهمًا في الفقه المقارن بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، وكانت أعماله البحثية تحلل القوانين الوضعية وتقارنها مع الأحكام الشرعية، مع تقديم مقترحات لتطوير الفقه في ضوء التغيرات المجتمعية. 

 

أخلاقه وشخصيته:

عُرف الشيخ علي الخفيف بتواضعه وإنكاره لذاته، وكان يتمتع بحكمة ووقار جلبا له احترام الجميع. ولم يكن يدخل في خصومات مع الآخرين، وكان يتسم بالصبر والتروي في إصدار الأحكام، ولذا كان يحظى بتقدير كبير من زملائه وطلابه، وكان يعتبر من العلماء الذين يجمعون بين العلم والعمل الصالح. لم يكن فقط فقيهًا متميزًا، بل أيضًا رجلًا ذا أخلاق رفيعة، يتعامل مع الجميع بحسن الخُلق والرفق.

 

مساهماته في اللجان العلمية والمجالس التشريعية:

كان الشيخ علي الخفيف عضوًا مؤسسًا في العديد من الهيئات العلمية مثل موسوعة الفقه الإسلامي، ومجمع البحوث الإسلامية، ومجمع اللغة العربية. كما شارك في إعداد العديد من مشروعات القوانين التي تتعلق بالأحوال الشخصية في مصر.

وقدم أبحاثًا علمية مهمة في المؤتمرات الإسلامية والعربية التي تناولت قضايا معاصرة مثل التأمين، والملكية، والفكر التشريعي الإسلامي.

كما كانت أبحاثه تُعد مرجعًا مهمًا للمؤسسات الأكاديمية والقانونية في مختلف الدول الإسلامية، كما كانت تسهم في تطوير الفقه الإسلامي لمواكبة التحديات المعاصرة.

 

دوره في المجامع العلمية والتشريعية:

- مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: كان الشيخ علي الخفيف عضوًا فعالًا في مجمع البحوث الإسلامية، حيث قدّم عدة أبحاث مهمة. من أبرزها بحثه حول "الملكية الفردية وتحديدها في الإسلام"، وبحثه عن "التأمين" الذي قدمه في مؤتمر المجمع الثاني، وكذلك بحثه حول "مكانة السنة النبوية في بيان الأحكام الإسلامية". هذه الأبحاث ساهمت في توجيه النقاشات الفقهية نحو موضوعات معاصرة وأثبتت مرونة الفقه الإسلامي في مواجهة القضايا الحديثة. 

- مجمع اللغة العربية: تم اختياره عضوًا في مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1969 تقديرًا لمكانته العلمية وإسهاماته في مجال اللغة والفقه. ساهم في أعمال المجمع، خاصة في لجان المصطلحات الفقهية والقانونية، حيث قدّم مساهمات فعالة في تطوير المصطلحات الفقهية والقانونية بما يتناسب مع تطورات العصر.

- موسوعة الفقه الإسلامي: كان الشيخ علي الخفيف عضوًا مؤسسًا في موسوعة الفقه الإسلامي التي أنشئت عام 1961. كتب العديد من المصطلحات الفقهية للموسوعة، من بينها مصطلحات مثل "إجارة"، "إسلام"، "إقطاع"، و"دين". كان هدف الموسوعة هو جمع وتوثيق الأحكام الفقهية من مختلف المذاهب الإسلامية وتقديمها بشكل علمي ومنظم. إسهاماته في الموسوعة تُعد من أهم أعماله التي تجمع بين الدقة العلمية والاهتمام بالتفاصيل الفقهية. 

- المجلس الأعلى للأزهر: كان عضوًا في المجلس الأعلى للأزهر الذي يتولى رسم السياسات العامة للأزهر الشريف، وهو ما يوضح مدى الثقة التي كانت تُعطى له من قبل المؤسسات الدينية العليا في مصر.

 

مشاركاته في المؤتمرات العلمية:

شارك الشيخ علي الخفيف في العديد من المؤتمرات العلمية على مستوى العالم العربي والإسلامي، حيث كان يُدعى لتقديم أبحاثه ومساهماته العلمية، على سبيل المثال: 

- في أسبوع الفقه الإسلامي الذي انعقد في دمشق عام 1961، قدّم بحثًا عن "الحسبة" وناقش موضوع "التعسف في استعمال الحق". 

- في المؤتمر العالمي للاقتصاد الإسلامي الذي انعقد في مكة المكرمة عام 1976، قدّم بحثًا مهمًا حول "التأمين"، وكان لهذا البحث أثر كبير في تبني بعض الدول الإسلامية لنظام التأمين وفقًا للشريعة الإسلامية. 

- هذه المشاركات العلمية لم تقتصر على المؤتمرات المحلية، بل شارك أيضًا كأستاذ زائر في عدة جامعات مثل جامعة بغداد وجامعة الخرطوم، حيث قدّم محاضرات لطلبة الدراسات العليا في الفقه الإسلامي والشريعة.

 

أهم مؤلفاته

كتب الشيخ علي الخفيف العديد من المؤلفات والأبحاث التي أثرت المكتبة الإسلامية، لما كانت تمتاز به من العمق والدقة في البحث، وتغطي موضوعات متعددة في الفقه وأصوله والمعاملات المالية والشريعة الإسلامية. وفيما يلي قائمة بمؤلفاته:

أولًا - الكتب المطبوعة:

1. "أحكام المعاملات الشرعية": تناول في هذا الكتاب مسائل المعاملات المالية من منظور الشريعة الإسلامية، وقدم دراسات مقارنة مع القوانين الوضعية. 

2. "أحكام الوصية": بحوث مقارنة تضمنت شرح قانون الوصية رقم 71 سنة 1946م. يعرض هذا الكتاب الأحكام الشرعية المتعلقة بالوصية مع مقارنة بالتشريعات الحديثة.

3. "أسباب اختلاف الفقهاء": يبحث في الأسباب التي أدت إلى تنوع الآراء الفقهية بين المذاهب المختلفة ويقدم رؤية واضحة لفهم هذه الاختلافات. 

4. "البيع في الكتاب والسنة": يركز على شرح أحكام البيع وفقًا للنصوص الشرعية الواردة في القرآن والسنة.

5. "التأمين وحكمه على هدي الشريعة الإسلامية": يناقش في هذا الكتاب مفهوم التأمين ومدى مشروعيته وفقًا للشريعة الإسلامية، ويقارن بين أنواعه المختلفة.

6. "التركة والحقوق المتعلقة بها": يتناول هذا الكتاب أحكام التركة وما يتعلق بها من حقوق، مثل حقوق الورثة والدائنين.

7. "التصرف الانفرادي والإرادة المنفردة": بحث مقارن يعرض مسألة التصرف بالإرادة المنفردة في الفقه الإسلامي، ويقارنها بالقوانين المدنية المعاصرة.

8. "الحق والذمة": دراسة شاملة حول مفهوم الحق في الإسلام، والذمة بمعناها الشرعي والقانوني.

9. "حكم على شهادات الاستثمار بأنواعها الثلاثة": يناقش هذا الكتاب حكم الشريعة الإسلامية على شهادات الاستثمار، وتطبيق القواعد الفقهية على المعاملات المالية الحديثة.

10. "الخلافة": يناقش فيه مفهوم الخلافة في الإسلام وأحكامها، ودورها في النظام السياسي الإسلامي.

11. "الدَين": يُعد هذا الكتاب دراسة متعمقة حول الدين في الإسلام وأحكامه، وخصوصًا في المعاملات المالية. 

12. "الديات والأروش": يتناول أحكام الديات والأروش في الفقه الإسلامي، مع مقارنة بالقوانين الحديثة.

13. "الرهن": دراسة حول الرهن في الفقه الإسلامي وأحكامه المختلفة. 

14. "الشركات في الفقه الإسلامي": يقدم رؤية شاملة حول أحكام الشركات في الشريعة الإسلامية، ويقارنها بالقوانين المدنية. 

15. "الضمان في الفقه الإسلامي": يتناول موضوع الضمان وأحكامه في الشريعة الإسلامية، ويقدم دراسات مقارنة بالقوانين الوضعية. 

16. "فرق الزواج في المذاهب الإسلامية": يبحث في أنواع الفرق بين الزوجين وأسبابها وفقًا للمذاهب الإسلامية المختلفة. 

17. "الكفالة": يتناول هذا الكتاب أحكام الكفالة في الشريعة الإسلامية. 

18. "مختصر المعاملات الشرعية": يقدم خلاصة لأهم أحكام المعاملات في الفقه الإسلامي بأسلوب مختصر.

19. "مذكرة في السياسة الشرعية": مذكرات لطلبة تخصص القضاء الشرعي، تُركز على السياسة الشرعية وأحكامها. 

20. "مكانة السنة في بيان الأحكام الإسلامية": دراسة تتناول أهمية السنة النبوية في تحديد الأحكام الشرعية والرد على الشبهات حول حجيتها. 

21. "الملكية في الشريعة الإسلامية مع مقارنتها بالقوانين العربية": يقدم دراسة شاملة حول مفهوم الملكية في الفقه الإسلامي مع مقارنة بالقوانين الوضعية في الدول العربية.

 22. "المواريث": يتناول أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية بطريقة مفصلة.

23. "نظام الحكم": يناقش نظام الحكم في الإسلام وأحكامه الشرعية. 

24. "النيابة عن الغير في التصرف": يبحث في مسألة النيابة في التصرفات الشرعية وأحكامها.

 

ثانيًا - الأبحاث والمقالات المنشورة:

25. الاستصحاب.

26. الأسس التي قام عليها التشريع الإسلامي.

27. تأثير الموت في حقوق الإنسان والتزاماته.

28. "تعقيب على التعسف في استعمال الحق) بحث مقدم في أسبوع الفقه الإسلامي.

29. تقديم كتاب" تحفة الفقهاء للسمرقندي"، بتحقيق محمد زكي عبد البر، ١٩٥٨م.

30. الجعالة والوعد بجائزة.

31. جوابه على الاستفتاء المقدم من السيد عبد الرحمن عبد العزيز القاسم بشأن تقنين الأحكام الشرعية في البلاد السعودية، مطبعة المدني - القاهرة، ١٩٦٦م.

32. الحسبة.

33. "الحكومة الإسلامية الأولى" بحث منشور بمجلة الرسالة المصرية، عدد (٢٤٦) مارس (۱۹۳۸م).

34. رعاية المصلحة في الشريعة.

35. الشفعة.

36. الفكر التشريعي واختلافه باختلاف الشرائع.

37. كلمة في وداع الدكتور أمين الخولي في حفل استقبال الشيخ علي الخفيف في مجمع اللغة، مجلة المجمع (٢١٤/٢٥).

38. كلمة في تأبين الشيخ عبد الرحمن تاج في مجمع اللغة العربية مجلة المجمع (٢٢٣/٣٦).

39. مدى تعلق الحقوق بالتركة.

40. الملكية الفردية وتحديدها في الإسلام.

41. المنافع في الشريعة الإسلامية.

42. الوقف الأهلي: نشأته، مشروعيته، عيوبه، حله، إصلاحه.

 

ثالثًا - المصطلحات الفقهية التي كتبها لموسوعة الفقه الإسلامي - مصر:

43. إجارة (۲/ ۱۹۹ - ۳۳۰).

44. ادعاء (٤ / ١٦٢ - ١٨٧).

45. إذن (٢٢١/٤ - ٢٤٦).

46. ارتفاق (٢٧٤/٤ - ٢٧٨).

47. أرش (٨٣/٥-١٠٧).

48. استبدال (۱۷۷/۵ - ۱۸۲).

49. استنابة (۹۲/۸).

50. استناد (٩٢/٨-٩٤).

51. استیلاء (٢٠٧/٨ - ٢١٤).

52. إسلام (٩ / ٢٧٥ - ٢٩٣).

53. اعتصار (١٦ / ١٠٠ - ١٠٢).

54. اعتقال (١٠٣/١٦ - ١٠٥).

55. اقتصار (۲۳۲/۲۱ - ۲۳۳).

56. إقطاع (٦/٢٣ - ١٨).

57. انقراض، لم تطبع بعد.

58. إيمان، لم تطبع بعد.

59. أمير وإمارة، لم تطبع بعد.

60. أهل الحل والعقد لم تطبع بعد.

61. دين، طبع ضمن طبعة الموسوعة النموذج.

 

وفاته:

توفي الشيخ علي الخفيف في القاهرة يوم 7 نوفمبر 1978 بعد حياة حافلة بالعطاء العلمي والفقهي. حظي بتكريم كبير من قبل زملائه وتلاميذه، وأقيم له حفل تأبين في مجمع اللغة العربية بالقاهرة يوم 8 نوفمبر 1978. 

____________ 

المصدر: مستل من كتاب: د. محمد عثمان شبير، الشيخ على الخفيف الفقيه المجدد، دار القلم، دمشق: 2002 (بتصرف واختصار).

 رابط تحميل الكتاب

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الأربعاء, 11 أيلول/سبتمبر 2024 04:08

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.