مفكر إسلامي وفقيه قانوني مصري، وأمين عام سابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأحد رموز مدرسة «الإسلام الوسطي» أو «المنظور الحضاري»، إلى جانب أسماء تعد اليوم رموزًا للفكر الإسلامي المعاصر، من داخل هذا المنظور، قدم العوا إسهامه الفكري الذي «امتاز بنزوعه التحديثي الواضح إلى استيعاب القيم الحديثة في المنظومة الإسلامية».
النشأة والدراسة والتكوين:
ولد في ديسمبر عام 1942 بالإسكندرية، وهو متزوج وله ثلاث بنات وولدان، وسبعة أحفاد، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام 1963م وعلى دبلوم الشريعة الإسلامية عام 1964م، ثم حصل على دبلوم القانون العام عام 1965م وعلى الدكتوراه في القانون المقارن بين التشريع الإنجليزي والإسلامي من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية التابعة لجامعة لندن عام 1972.
المناصب والمسؤوليات:
شغل د. العوا العديد من المناصب منها منصب وكيل النائب العام المصري 1963 و1966، وعُين محاميًا في هيئة قضايا الدولة بمصر بين عامي 1966 و1971م، وعمل أستاذًا للقانون والفقه الإسلامي في عدد من الجامعات العربية منها: أستاذ غير متفرغ في جامعة الزقازيق بين عامي 1985 و1994، وأستاذ زائر في جامعة أم درمان عامي 1976 و1977، وأستاذا مشاركا في جامعة الملك سعود 1974 و1979، كما كان مستشار مكتب التربية العربي لدول الخليج بين عامي 1979 و1985. وهو عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة ومجمع الفقه الإسلامي الدولي بمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلة المسلم المعاصر، والجمعية الدولية للعلماء الاجتماعيين المسلمين، والمجموعة القانونية الاستشارية لبنك فيصل بين 1985 و1994، وهو عضو مؤسس بالفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي، بالإضافة إلى عضوية المجلس الأعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
كما شغل منصب الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس جمعية مصر للثقافة والحوار، وعضو مجلس أمناء المعهد العالمي للاقتصاد والبنوك الإسلامية، كما كان محاميًا في إدارة الفتوي والتشريع بالإعارة لدي "مجلس الوزراء الكويتي" بين 1967 و1969.
التجربة السياسية والفكرية:
يتسم فكر د. العوا بالاعتدال والبعد عن الصدام، حتى أصبح أحد رواد الحوار الوطني المصري، ومع ذلك كانت له مواقف صدامية مع نظام الرئيس مبارك، تعرض إثرها لمضايقات أمنية عديدة، عمل منذ زمن على مشروع سماه "المشروع الإسلامي الحضاري الوسطي"، وهو مشروع يهتم بالإنسان، وبناء المؤسسات القادرة على إعادة تكوين الإنسان، ودخل ساحة السياسة من بابها الواسع وهو رئاسة الجمهورية، فترشح مستقلًا عام 2012م لكنه لم يوفق في الانتخابات.
كما نجد أن كتاباته ومسيرته تؤكد نزوعه إلى التجديد في مسائل الفقه السياسي عبر استيعاب قيم الحداثة خصوصًا الديمقراطية في منظومة القيم الإسلامية، ولا يساير هوى العامة أو الجمهور، حتى وإن كان هذا الجمهور نظريًا هو الجمهور الأقرب إليه أو المتوجه إليه بخطابه، كجمهور الحركات الإسلامية، وفي الوقت عينه لا يقيم معهم قطيعة مثلهم مثل غيرهم من باقي أبناء المجتمع المصري وتياراته السياسية الذين كانوا من بين الحضور في صالوناته الثقافية التي كان يقيمها في جمعية مصر للثقافة والحوار التي كان يرأسها.
في هذا الصدد لم يساير العوَّا الإسلاميين في فكرة أن «الخلافة» هي النظام السياسي الذي أتى به الإسلام ويتعين على المسلمين العمل لاستعادته، ودعاهم لعدم الخلط بين «قيم الإسلام المستمدة من الوحي» و«التجارب التاريخية للمسلمين»، معتبرًا أن الشأن السياسي متروك للاجتهاد، وأن نظام الخلافة في مدلوله السياسي أو الدستوري ليس أكثر من عملية تنظيم رئاسة الدولة التي تشتمل على اختيار الرئيس وتحديد صلاحياته ومسؤولياته. كذلك لم يساير نخب أو قادة تلك الحركات في مسألة وجوب سيطرة رجال الدين على الحكم أو ما نستطيع تسميته «ثيوقراطية الدولة».
وعلى الجانب الآخر، لا يساير العوا الآراء العلمانية عن الدولة الحديثة وغاياتها التي تحددها نخبها السياسية، بل ينطلق من تصور فقهي يرى أن غاية «الحكومة في الدولة الإسلامية» هي إقامة الدين وتحقيق مصالح المحكومين، مسلمين وغير مسلمين؛ معللًا ذلك بقول الإمام العز بن عبد السلام: «ذلك أن الله، سبحانه وتعالى، قد رتب على طاعته واجتناب معصيته مصالح الدارين».
إن تلك الأفكار التي عرضها العَوَّا في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، تتمثل أهميتها من السياق الذي طُرحت فيه، فمن خلالها يقيم العَوَّا قطيعة مع الخطاب «القطبي» داخل الحركة الإسلامية القائم على «نظرية الحاكمية الإلهية» التي ترى في الإمام/الخليفة/ رئيس الدولة حاكم ثيوقراطي يستمد سلطته من الله وليس من المحكومين؛ كونه نائب الله على الأرض. وفي الوقت نفسه يقيم نفس القطيعة مع النخب العلمانية أو الشعبوية العربية التي حددت للدولة غاياتها وأخفقت في تحقيق الحد الأدنى من برامج التحديث والتحرر الوطني والرفاه، التي طرحتها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
لذا عَمِلَ العَوَّا على توضيح أن هناك قيمًا حاكمة أو عليا توجه الحكومة وتكون شرطًا سابقًا على قيامها حتى لا تنزلق إلى ما انزلقت إليه النظم العربية في الخمسينيات والستينيات، وشدد على حق الأمة في مطالبة حكامها بهذه «المبادئ الدستورية أو القيم السياسية»، بل اعتبر أن من واجب الأمة وأفرادها التمسك بتلك المبادئ والاحتكام إليها.
إن تلك القيم الحاكمة يتم استمدادها من الأحكام العامة للقرآن الكريم والسنة النبوية، وتتأسس على فاعلية الأمة، التي يستلزم تحقيقها وحمايتها إقرار مبدأ التعددية السياسية، تلك القيم هي:
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: مع التأكيد على ضوابط تلك القيمة أثناء الممارسة كما حددها الفقهاء وتوضيح المشاكل التي نتجت من افتئات بعض الجماعات عليها.
- الشورى: باعتبارها ملزمة للحاكم وليست معلمة.
- العدل: الشامل لعلاقات الحياتية كلها والمسيطر عليها، سواء بين الحكام والمحكومين أم بين عامة الناس.
- الحرية: التي هي بمثابة أصل عام يعمل في نطاق العقيدة وتتفرع عنها الحريات السياسية.
- المساواة: عدم جواز التمييز بين الناس بسبب نسب أو حسب أو دين أو لون أو جنس.
- مساءلة الحكام وطاعتهم: حيث إن الحاكم في الفقه الإسلامي ليس فوق المساءلة، كما ذهب خليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبو بكر الصديق في قوله: «… إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني».
أخذ العَوَّا خطوة إصلاحية شديدة الأهمية في مجال الفقه السياسي في ما يتعلق بحق المشاركة السياسية للمرأة وغير المسلمين، وتوليهم المناصب العامة داخل الدولة، حيث أجاز الأمر معتبرًا أن العالم الإسلامي خرج من إطار نظام الخلافة التي عرفناها في تاريخنا إلى إطار الدولة المدنية الحديثة، التي يجوز فيها أن يتولى المناصب العامة والسياسية أي إنسان مسلم أو مسيحي، أو أي مواطن في الدولة ذكرًا أو أنثى؛ مرجعًا الأمر لطبيعة الحكم الحديث التي تتوزع فيه المهام على مؤسسات دستورية مختلفة ولا يقوم بها شخص واحد، وكذلك طبيعة المناصب فيها التي تعتبر وكالة عن المواطنين لا ولاية من أي نوع كان.
أعماله:
يشتمل الإنتاج الفكري للدكتور سليم العَوَّا على قرابة 40 كتابًا مؤلفًا، و46 دراسة باللغة العربية، وعشرة باللغة الإنجليزية، بخلاف تعقيباته وتخريجاته على بعض الكتب التي كان أحدثها مؤلف الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر الأسبق، إلى جانب شروحه وتعقيباته شديدة الأهمية على كتابي «إحياء علوم الدين» للإمام أبي حامد الغزالي ومقدمة العلامة ابن خلدون لكتاب «العبر وديوان المبتدأ والخبر».
أما أبرز أعماله، فهي:
- في أصول النظام الجنائي الإسلامي.
- في أصول النظام السياسي الإسلامي.
- أزمة المؤسسة الدينية.
- المدارس الفكرية الإسلامية.
- الأقباط والإسلام حوار 1987.
- الأزمة السياسية والدستورية في مصر.
- الدين والوطن فصول في علاقة المسلمين بغير المسلمين.
- الفقه الإسلامي في طريق التجديد.
- قضية الإخوان المسلمين 1995.
- دور المقاصد في التشريعات المعاصرة.
- في النظام السياسي للدولة الإسلامية.
- أسرتنا بين الدين والخلق.
- الحق في التعبير.
- الوسطية السياسية.
- المدارس الفكرية الإسلامية.
- حوارات في الدين والسياسية.
- ختان الإناث في منظور الإسلام.
- العلاقة بين السنة والشيعة.
- بين الآباء والأبناء تجارب واقعية.
- محاضرات في الفتح الإسلامي لمصر.
- النظام السياسي في الإسلام.
- غزة المقاومة والممانعة.
- القاضي والسلطان: الأزمة القضائية المصرية.
- المسلم والآخر.
- الدين والدولة التجربة المصرية.
- ثورة يوليو والإسلام.
- شخصيات ومواقف عربية ومصرية.
- الإسلام والعصر.
- مقاصد السكوت التشريعي.
- التعليل بالحكمة.
- أيام من رمضان.
- مقامات الأصول دليل المثقف المعاصر إلى علم أصول الفقه.
كما شارك في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية القانونية والإسلامية والتربوية في مختلف أنحاء العالم، بالإضافة إلى إعداد وتحرير عدد من الموسوعات والبحوث العلمية.
__________
المصادر:
- محمد سليم العوا، الجزيرة نت، 6 أكتوبر 2024، https://bit.ly/3LuNMMQ
- محمد على إسماعيل، محمد سليم العوَّا: ثمانون عامًا في الفكر والسياسة، إضاءات، 2 يناير 2023، https://bit.ly/3W8B7Ei
- محمد سليم العوا، كتوباتي، https://2u.pw/Mr2ZPuGf