حول تطبيق الشريعة*

By الشيخ محمد الغزالي** كانون1/ديسمبر 07, 2024 247 0

 

إن خدمة الإسلام في هذا العصر عمل صعب معقد يحتاج إلى تجرد تام وفقه رحب... فأمام ركام من المواريث الثقافية والاجتماعية لابد من جراحات جريئة لبتر البدع والأوهام والمراسم التي تغلغلت في حياتنا الخاصة والعامة وأفسدت نظرتنا للدين والدنيا..

وأمام ركام من التقاليد التي رمتنا بها الحضارة الغالبة لابد من بصر دقيق بما ينفع وما يضر! دون تشاؤم قابض أو ترحيب غافل...

إنني أحيانًا كنت أغلغل البصر في النظام الشيوعي نفسه لأتعرف الجوانب التي تجتذب الجماهير، والتي قد تكون بها أثارة من حق، فقد تكون مأخوذة من تراثي أنا فإني أذكر من سيرة "كارل ماركس" أنه قرأ كتاب الخراج «لأبي يوسف».

ويوم آخذ هذا الجانب فهي بضاعتنا ردت إلينا.

ثم إننى محتاج إلى الاستفادة من نشاط العقل البشري في كل قارة وفي كل حضارة إذا كان هذا النشاط يدعم قيمًا مقررة عندي..

وأخيرًا أجدني مضطرًا لذكر أمر مثير سوف يصطدم به خدام الإسلام الصادقون! هو الحقد المتنقل على مر القرون ضد محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته الخاتمة..

إن الصهيونيين والصليبيين والملحدين والعلمانيين من وراء المجازر الرهيبة التي تعرض لها الدعاة وجمهور المؤمنين في أرجاء العالم الإسلامي الكبير.

وقد استبنت أن مصطفى كمال أتاتورك وجمال عبد الناصر كانا مخلبي قط في مؤامرات محبوكة للإجهاز على الإسلام وبنيه، وقد تتكرر المؤامرة وتتعدد المآسي، وعلى المسلمين أن يصمدوا فإما الشهادة وإما النصر...

على أن حركات الجماعات العاملة للإسلام هي السبب الأهم وراء انتصاراته وهزائمه، ولنقف وقفة متدبرة عند هذه القضية.

إن الإسلام عقيدة وشريعة ما يشك في ذلك عاقل، وتطلعه إلى أخذ مقاليد الحكم اتجاه طبیعي لتحقيق أهدافه.

بيد أن الترتيب المستفاد من تعاليم الإسلام أن تكوين الدولة يتم بعد تكوين الفرد، وأن وضع النظام يجيء بعد إنضاج الإيمان، وقد تنزلت آيات الأحكام بعد مهاد عريض من اليقين والإخلاص وإرادة الآخرة...

إن التطلع إلى الحكم كما يكون لإعلاء كلمة الله قد يكون لرغبات خاصـة كـامنـة أو مكشوفة..!!

والحكم الإسلامي قبل أن يكون لمعان أسماء أو تسنم مجد هو تفانٍ في الله ورغبة فيما عنده... وإلا فالأمر كما قال الله: ﴿مَن كَانَ يُريدُ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوفَ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ. أُوْلَئِكَ الَّذيِنَ لَيْسَ لَهُم في الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

وقد كنت أعظ نفسي وإخواني بهذه الحقائق من ديننا، وأقول: إنه قبل أن يكون المرء صاحب منصب رسمي يستطيع أن يؤدي للإسلام أجل الخدمات في الميدان الثقافي والاجتماعي..

والذين يسوفون في البلوغ بأمتهم سن الرشد -حتى يتسلموا أزمة الحكم - لن يفعلوا شيئًا طائلاً حين يحكمون.

وقلت -لنفسي وإخواني- إن الحكام في الشرق العربي والإسلامي يعدون المناصب حياتهم.. فالرئيس أو الوزير في أوروبا مثلاً قد يترك وظيفته ويسير آمنًا في أية مدينة أو قرية..

أما في شرقنا العليل فإن عددًا من الزعماء إذا ترك الحكم تابعته ترات قد تودي به، وتخترم أجله، ومن ثم فإن حرصه على الحكم لون من دفاعه عن حياته.

ورؤساء كثيرون يشعرون بالخطر على أشخاصهم إذا أحسوا أن الدعاة المسلمين ينشدون الحكم أول ما ينشدون..

ومن أجل ذلك فهم يشمون رائحة الموت من وراء المطالبة بالحكم الإسلامي.

ونحن المسلمين لسنا قتلة، ولا تحركنا عداوات خاصة، ولا نطلب الحكم لنحيا ويفنى غيرنا..

ويسرنا أن نكون في الصف الثاني إذا احتل الصف الأول من يحقق مراد الله..

وفي الصف الثاني مجالات هائلة لمن يريد أن يسدى للإسلام يدًا، وإذا كان حجم ما يتم في هذا الصف قليلاً، فلا ضير علينا ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها..

من أجل ذلك أطلب بإلحاح أن تنشغل الجماعات الإسلامية بترقية شئون الأمة في نطاق ما تقدر، ويجب أن تعلن باستمرار أن الإسلام دين ودولة، ولكن هذا الإعلان لا يجوز أن يكون عملها الشاغل..

إن الأمراض النفسية بالغة الخفاء شديدة الخطر، وتحقق لي ذلك -في صفوف المتدينين- كنت أرقب الحرب بين المجاهدين الأفغانيين والزحف الشيوعي المجتاح للبلاد..!!

كانت هناك ست جبهات أو ست طوائف تقاوم غارة أولئك الكفار المجرمين، وقد حاول أولو الألباب جعلها جبهة واحدة وبذلوا جهودًا موصولة لإزالة الفرقة، وكان نجاحهم جزئيًا ولاتزال المحاولات تبذل..!!

إن قلب الإسلام مهدد بالتوقف في أفغانستان، والموت يأتي من كل جانب ومع ذلك فالرؤساء الكبار حراص على مناصبهم أو على زعامتهم..!!

إن في ذلك مؤشرًا إلى مهاب الهلاك، ومصادر العطب..

وإذا كان نصر الله يتنزل فى هذه الميادين القصية فمن أجل الجنود المجهولين وذوي الكفايات الذين لا يعرفون إذا حضروا ولا يسأل عنهم إذا غابوا..!

لقد استيقنت من تجاربي أن قلة الفقه سوء كبير! لكن غش النية سوء أكبر..

هناك مسلم «سلفى» يموت ولا يضع يده في يد مسلم "صوفي"، هل هذا يصلح للدفاع عن الأمة أو السير بتعاليم الإسلام في الميدان الدولي؟!

وهناك مسلم يرى أن العمامة لباس الإسلام الرسمي، ويجب أن يكون لها ذنب، ويرفض الصلاة وراء من لا يرتدي هذا الزي، أذلك امرؤ يصلح للدفاع عن الإسلام أو السير به في الميدان الدولي؟!

إن أمتنا مصابة من الناحية الفكرية والخلقية بعلل شتى، وكل جماعة تؤخر علاج هذه العلل، وتجعله فى المرتبة التالية، فهي هازلة فى جهادها، متهمة في قصدها..

وقد أشرت إلى الخلل الهائل، الموروث أو الطارئ، فى كياننا الديني، وبقى أن نتكاتف ضده..

ونعود إلى ما بدأنا به..

إذا كان هناك أقوام اختصموا فى ربهم فنحن المسلمين طرف في هذه الخصومات الباقية إلى آخر الدهر.

نقول لمن ينكر وجود الله: كذبت، الله حق! والكون كله خلقه الفقير إليه، القائم به!

ونقول لمن يرى الآلهة ثلاثة أو أقل أو أكثر: ضللت فالله واحد، وما عداه عـبـده سواء كان ملكًا أو إنسًا أو جنًا..

ونقول لأهل الأرض كلهم: إن محمدا رفيع الشأن، عرف الناس بالله أحسن تعريف، وأعدهم للقائه بعد الرحيل عن هذه الدنيا بأمرين، الإيمان والصلاح: ﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمورِ﴾.

ومن حق الإسلام أن يحيا، ويبقى وينمو، ويمتد! ما دام هناك مستمسك به، وراغب فيه.

ولكننا نشعر بأن أعداءه يضنون عليه بهذا الحق، ويحاولون بالختل والجهر القضاء عليه، أو تقليص وجوده في أضيق نطاق..

وقد استطاع أعداؤنا -بتفريطنا وخبثهم- أن يحرجونا وينالوا منَّا ويذلوا جانبنا..

ولكننا صحونا من غفوتنا، أو قمنا من كبوتنا، وشرعنا نؤكد وجودنا، ونوصد أبواب الفتنة التي انفتحت علينا من شرق وغرب..!

وأحب أن تربو مشاعر الثقة في قلوب المسلمين الذين كتب عليهم أن يكونوا قلة في أوروبا أو أمريكا أو آسيا أو إفريقيا، وأن يستمدوا هذه الثقة من أنهم وحدهم الذين يعرفون الحقيقة التي بلغها أنبياء الله، وأن مواريث السماء التي معهم لا تحريف فيها ولا غلو ولا إفك..!!

إن الباطل لا يرفع خسيسته أن يكون صاحبه غنيًا أو قويًا .. المهم أن يكون أهل الحق صورة مشرفة له مترجمة عنه..

في إنجلترا وفرنسا ملايين من المسلمين، إن هذه الملايين بين مائة مليون من البشر التائهين عن الله يمكن أن يكونوا هداة مقدورين، وأساة مشكورين، يوم يكونون مسلمين حقًا.

وسيكونون سبة للإسلام، وسدًا دونه يوم تكون عقائدهم زائغة وخلائقهم هابطة. إن حساب العدد يختفى، ويبرز حساب الكيف والأثر في بيئات كثيرة..

والهزيمة أو النصر شعور داخلي قبل أن تكون ظروفًا خارجية.

كان أحد العسكريين -في الخمسينات أو الستينات- يحدثني عن قطاع غزة، وأنه خمسون ميلاً على ساحل البحر في عرض عدة أميال من فلسطين المحتلة، وإن الدفاع عنه عسر!

قلت له: هذا الشعور أول أسباب الهزيمة، إن الجندي الجرىء الجسور يشعر بأن القطاع -في شكله الحالي- رأس حربة ينفذ منها إلى بقايا الوطن المغتصب، ويعده كسبًا لا عبئًا، أما الخور فيتحدث عن الوضع باللغة التي تقول:

إن الأقليات الإسلامية في العالم تبلغ ثلاثمائة مليون أو يزيدون كما ذكرنا أول هذه الرسالة، وهذا العدد إذا كان اتصاله بالإسلام عن طريق شهادات الميلاد، فإن عشر هذا العدد من الوثنيين المشركين سوف يغلبه، ويلحق به الخسار..

وعندي حديث آخر إلى المسلمين الذين يعيشون كثرة فى بعض أقطار إفريقيا، كثرة تبلغ 70% في تنزانيا و٩٥% في السنغال.

إن هذا الوضع شاذ بالغ الشذوذ ويجب أن يتغير لا بالحماس الطائش ولكن بالإعداد الذكي، والخطى المدروسة.

لقد اتضحت سياسة القوى المعادية للإسلام، فقد قسمت الكيان الكبير أكثر من سبعين قطعة، ثم وفرت لكل قطعة من العوامل المادية والأدبية ما يجعل الإسلام فيها يذبل ويتلاشى على مر الأيام..

والخطة واحدة في الأجزاء التي سميت دولاً مستقلة، والأجزاء التي يحيا فيها الموحدون قلة منقوصة منكورة.

ولعل من إخواننا المتفرغين من يشرح في رسائل صريحة كيف تم صنع خمسين دولة في إفريقيا وآسيا يتيه فيها المسلمون، ويحيون دون رباط روحي أو فكري ودون كيان اجتماعي أو اقتصادي .. وكيف شغلوا الجماعات الإسلامية في الدول المستقلة بقضايا سخيفة، ومعارك خاسرة..

وكلمة أخيرة إلى المسلمين في دولهم المستقلة:

إن الفرق بين العالم الأول والعالم الثالث لا يرجع إلى أن المتفوقين قادرون على غزو الفضاء وصنع الطائرات العملاقة، إن هذا مظهر التفوق لا سببه.

الواقع إن الفرق هو النشاط الذهني عند هؤلاء والكسل الذهني عند أولئك، هو غزارة العلم هنا وضآلة العلم هنالك، هو توفير الفرص لنمو الأقوياء في الشعوب المتقدمة، وتوفيرها لنمو التافهين والسفلة في الأمم المتخلفة..

أي إنها أسباب خلقية ونفسية قبل أي شيء آخر..

ويستطيع المسلمون المخلصون أن يقهروا العقبات التي تعترضهم في هذه الميادين مهما كانت جسيمة..

ونحن لا نكلفهم بصنع المعجزات، فلينظروا إلى خصومهم اليهود وكيف تحملوا التحريق والتمزيق وصنعوا من آلامهم جسرًا عبروا عليه إلى أرضنا وعرضنا..

إننا نمثل أصدق وأقدس رسالة لعبادة الله، وترشيد الحياة وتكريم البشر..

وعلى العرب أن يعرفوا فضل الإسلام عليهم، وأنه أكسير وجودهم وبقائهم، لقد دخلوا به التاريخ فلما خانوه خرجوا من التاريخ أذلة مطرودين.

نعم، هل العروبة هي التي هزمت فارس والروم؟ لو أن العرب خرجوا من جزيرتهم يحدوهم عمرو بن كلثوم ببيته المشهور:

وتَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْوَا

 

ويَشْرَبُ غَيْرُنَا كَدَرًا وطينًا..!!

لضربوا بالنعال على حدود الدولتين العتيقتين، ولكنهم خرجوا وراء عمر الخاشع لربه المتساوي مع خادمه الذي خاض بقدميه بركة ماء دون تأفف وهو يقول: كنا أذل الناس حتى أعزنا الله بهذا الدين فمهما ابتغينا العز في غيره لن نفلح..

على هذه الهيئة التقية المخبتة لله تسلم مفاتيح بيت المقدس..

ونقولها لعرب اليوم بصوت عالٍ: إن فلسطين لن يحررها إلا جيش مسلم، أما تجمع العرب بلا دين فلن يحرر جحر نملة!!

ويجب أن يكون ولاؤنا للإسلام جادًا، متقدمًا على كل ولاء آخر للتراب أو للدم.

ومقتضى هذا ألا ينقطع لنا جؤار بضرورة إلغاء القوانين الاستعمارية وجعل الشريعة الإسلامية المصدر الأوحد للقوانين كلها، وإنعاش المعاهد الإسلامية المتخصصة حتى تستطيع سد كل ثغرة وإجابة كل مطلب..

إن محو الإسلام في ميدان التقنين كان العمل الأول للاستعمار يوم عسكرت جيوشه فى بلادنا، ومشت تختال على أنقاضنا، ومقدساتنا المهشومة.

من أجل ذلك لا ينبغى التسويف في إعادة الحياة للشريعة التي أماتوها، ورد مكانتها الرسمية المقصاة.

وسوف يقاوم ذلك الأعداء التقليديون للإسلام الراغبون في محو معالمه وفض أتباعه..

وبديه أن ينضم إليهم سماسرة جدد، هم الشيوعيون الحانقون على كل ما له صلة بالسماء .. لقد تضافر هؤلاء وأولئك على محاربة الشريعة المبعدة، وافتراء الأكاذيب عليها وعلى رجالها، ولا دافع لكل هذا الغل إلا الكفر بالله ورسله..

دهشت لأستاذ جامعي كبير كان مربوط اللسان مكسور القلم أيام الاحتلال الإنجليزي، وما عرف له في المقاومة العامة تاريخ ولا شبه تاريخ .. وبغـتـة أخـذت الصحف تنشر مقالات ملتهبة للرجل الذى سكت نصف قرن عن الإسهام بكلمة في الحياة العامة، كلمة لها قيمة وبعد..

ماذا يريد هذا المتحرك المفاجئ؟ شتم المطالبين بتحكيم الشريعة والزعم بأن قطع الأيدي يتم في «الشفاخانات»..!!

إن الرجل الذى لم يعرف بالدفاع عن وطنه أصبح مدافعًا عن اللصوص وسنجد في الطريق كثيرًا من هؤلاء "الأذكياء" ولن يعوقوا القافلة السائرة..

وعلى جماهير العرب أن يرفضوا تهويد أي بلد من بلادهم أو علمنته أو تنصيره، إن ذلك معناه سقوط ما يسمى بالشرق الأوسط في براثن الاستعمار العالمي، وعندما يضرب القلب فلا قيمة للأجنحة.

إن هزائم القرن الرابع عشر الهجري أغرت بنا من لا يدفع عن نفسه، ولقد تناوبتنا اللطمات على الخد الأيمن والأيسر، وشعرنا بمعاناة هائلة من كثرة ما نالنا..

لا بأس، نحن الذين مكنا أعداءنا بنومنا الطويل، واسترسالنا مع الأوهام، ولم نع قول ربنا: ﴿وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغفلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَميلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً واحدةً﴾.

واليوم، ومع مطالع القرن الجديد تدق طبول اليقظة.

إننا سنحيا برسالتنا وسنحيا لها: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾..

أظننا لن نحرز نجاحًا يذكر خلال القرن الجديد إذا بقينا على فقهنا الضيق المحدود الذي عشنا به خلال القرون الأخيرة، فإن هذا الفقه لم يعالج الخلل المتوارث في علاقة الحكومات بالشعوب، ولم يساند الحريات الصحيحة، ولم ينم القدرات على علاج الأخطاء السياسية والاقتصادية الشائعة في بلادنا..

وفى بلادنا تقاليد ربما كرهت الحرام - أو الرذيلة - لأن فى الضمير الديني بقية حياة..

ولكن هذه التقاليد لا توسع دائرة الحلال، ولا تزيح العوائق المبعثرة في طريقه، فكانت النتيجة أن حرمة الزنى مثلاً بقيت! ويجب أن تبقى، ولكن الزواج تكاثرت حوله الصعاب، حتى يئس البعض من مناله..

وهذه السلبية في الفكر الديني ترشحه للموت، ولا تؤهله للحياة..

ومثل ذلك إجماع أهل الدين على أن الظلم حرام، والكذب حرام ومع ذلك فهم يسكتون سكوت المقابر إذا وقع تزوير عام في انتخابات لخـدمــة فـرد، كأن الكذب يستنكر إذا كان بسيطًا، ويسلم له إذا كان مركبًا.!

ومن المستحيل أن تصلح الأوضاع السياسية للمسلمين إذا كان الدين في وعيهم يهتم بفقه الحيض والنفاس، ولا يكترث لفقه المال والحكم، بل إن مستقبل المسلمين کله سيخضع للحديث الصحيح: «لا تقدس أمة لا يقضى فيها بالحق، ولا يأخذ الضعيف حقه من القوى غير متعتع».

 


* مقال مستل من كتاب: الفساد السياسي في المجتمعات العربية والإسلامية للشيخ محمد الغزالي، طبعة نهضة مصر للنشر والتوزيع، القاهرة، يناير 2005م، ص89-97.

** الشيخ محمد الغزالي (1917م- 1996م): مفكّر إسلامي بارز، وداعية متميز بالعطاء الفكري والعلمي، يعتبر من العلماء المجددين، له إنتاج غزير؛ حيث صدرت له العديد من الكتب المرجعية في الفكر الإسلامي المعاصر.

Rate this item
(0 votes)

Leave a comment

Make sure you enter all the required information, indicated by an asterisk (*). HTML code is not allowed.